نحن الرأس ولن نرضى بالذل والتبعية
كاظم فنجان الحمامي
ما أفصح المتنبي عندما قال: مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ، فللمرة
الثالثة على التوالي وفي غضون فترات زمنية متقاربة. تقبل أعضاء الوفود العراقية
بصدور رحبة الإهانات الرسمية التي وجهتها لهم السعودية وقطر، وارتضوها لأنفسهم من
دون أن تظهر عليهم أي علامة من علامات التذمر والاستياء. دلالة ذلك أنهم لم يقابلوها
بالمثل، ولم يعودوا أدراجهم إلى بغداد، ولم تصدر عنهم أي ردود وطنية غاضبة، ولم
ينتقدوا تصرفات الأخوة كارامازوف. بينما تعامل الكارامازوفيون معهم باستعلاء مقصود،
وبأساليب فجة، وإجراءات متعمدة لا تمت للضيافة العربية بصلة، ولا علاقة لها بأصول
السلك الدبلوماسي وتبادل الاحترام.
قبل الخوض بصلب هذا الموضوع المؤلم. أذكر أنني كنت عام 2006 أمثل الموانئ
العراقي في زيارة رسمية للبحرين، وكانت عودتي مع الوفد عن طريق مطار (دبي)، فلما
وصلنا هناك طلبت من الإماراتيين السماح لنا بزيارة دبي، والعودة إلى العراق عن
طريق البحر، فرفضوا طلبي بذريعة التعقيدات الرسمية المترتبة على التأشيرة، وبما
أنني من أولاد الملحة. قلت لهم: افتحوا لنا الطريق وارفعوا التعقيدات، وبخلاف ذلك
لن نسمح لأي سفينة من سفنكم بدخول موانئنا. لم أكن في حقيقة الأمر أملك حق المنع
والمقاطعة. لكنني تحدثت معهم بهذه الطريقة العراقية المتعالية التي يفهمونها
جيداً، فجاءتني التأشيرة بلمح البصر مشفوعة بالاعتذارات والتبريرات.
وأذكر أن رئيس اللجنة الأولمبية الأستاذ (رعد حمودي)، وهو أيضاً من أولاد
الملحة، ولا يرضى بالذل. قرر العودة إلى العراق فور وصوله إلى مطار الرياض، عندما
تأكد له أن السعوديين لم يرسلوا أي مسؤول رسمي لاستقباله، فرفض هذه الإهانة وعاد إلى بغداد
بالطائرة نفسها من دون أن يدخل السعودية. فاعتذر منه أعضاء اتحاد الكرة السعودية وأرسلوا
وفداً لزياراته ومصالحته بروح رياضية.
نحن لا نتعامل مع الأشقاء والأصدقاء والضيوف إلا بالحفاوة والترحيب، الذي نرتقي
به إلى أعلى مستويات اللياقة وحسن الوفادة والتكريم. أما إذا كنا نحن الضيوف فلن
نرضى بغير صدارة الديوان والمكانة المرموقة. لكننا لا ندري ما الذي كان يفكر به الوفد
العراقي، الذي ترأسه السيد رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم، ونائبه (أسامة
النجيفي)، ورئيس البرلمان (سليم الجبوري)، ونائبه (آرام شيخ محمد)، ووزير الداخلية
(محمد الغبان)، ونائب رئيس الوزراء (بهاء الأعرجي)، وعدد من النواب، عندما
استقبلهم في المطار نائب محافظ الرياض. فتعامل معهم بأسلوب باهت. انتقدته وكالات
الأنباء العربية والعالمية.
ثم زار السعودية في اليوم التالي الوفد الرسمي الآخر، الذي كان يضم (أياد
علاوي)، و(نيجرفان بارزاني)، و(وزير الدفاع)، وعدد من كبار المسؤولين والبرلمانيين،
فاستقبلوهم في السعودية بمثلما استقبلوا به الوفد الذي سبقهم.
وتكررت المهزلة في الدوحة عاصمة قطر (مكمن
الخطر)، عندما زارها وفدنا الرسمي في الحادي عشر من الشهر الحالي، برئاسة السيد
رئيس الجمهورية، والوفد الرفيع المرافق له، فاستقبله في مطار الدوحة وزير الطاقة
والصناعة (محمد بن صالح السادة).
حالة أخرى أكثر غرابة من سابقاتها، تمثلت
بعدم ظهور علم العراق في معظم زيارات وفودنا إلى الكويت وإيران. أيعقل أن العراق
وصل في التعامل الرسمي والدبلوماسي إلى هذا المستوى المؤسف، الذي لا يليق بسمعتنا
كشعب عريق وبلد عظيم ؟. من يرضى بهذا الذل الدبلوماسي المقيت ؟. أترضى أنت يا عراق
يا مهد الحضارات ومهبط الرسالات. أترضى أنت يا عراق ؟.
أنـتَ الـذي عـَلــَّمـتـَني أن لا أخونَ،
وَلا أ ُرائي
أن لا أ ُهـيـنَ كـَرامَـتي أن لا أ
ُجادِلَ كـِبريـائي
أن لا أقولَ، وقد أبَـيْتُ غـَدا
ًسـَيُحرِجـُني إبائي
فـَغـَداً لـَهُ زَهـوي على وَجَعي،
وَبَسمَة ُأصدقائي
وَغـَداً لـَهُ صَومي الكريمُ إذا خـَلا
يَوما ً إنــــائي
لـَكَ يا عراقُ نـَذَرتُ قافيَتي،
وأخلـَصتُ انتِمائي