يقدم هذا الكتاب تفسيرًا كاملًا للقرآن الكريم بأسلوب عصري سهل وواضح في الوقت نفسه وقد جاء الكتاب مرتبًا وفق ترتيب سور المصحف الشريف قوامًا بين التطويل والإيجاز مما ييسر اقتناءه وقراءته للجميع. ومما يميزه: سلامة عقيدته حيث يتحرى مؤلفه فيه الالتزام بعقيدة أهل السنة والجماعة لا سيما في فهم أسماء الله تعالى وصفاته.
اشتهر ابن السعدي بمعرفته العميقة للفقه وأصوله وفي حداثة عهده كان يتبع المذهب الحنبلي وفقاً للمشايخ الذين تتلمذ على يدهم وفي ضوء ذلك قد قدم مصنفاً فقهياً يتألف من 400 بيتٍ مشروح شرحاً مختصراً وتعمق بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وانشغل بها وانتفع بها كثيراً وظهر أثر ذلك بما جناه من خير في علم الأصول والتوحيد والتفسير ومع مرور الوقت انسلخ عن المذهب الحنبلي بعض الشيء إلا أنه كان يعود إليه عند الاستشهاد بالأدلة الشرعية.
سطع نجم الشيخ ابن السعدي في مجال التفسير بشكل جليّ حيث اطلع على عدد من التفاسير وقدم الكثير منها أيضاً ويعتبر كتابه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكلام المنان) مُفسراً بديهياً نظراً لقيامه بتلاوة القرآن الكريم على مسامع تلاميذه وتفسيره لهم وشرح معاني وفوائد الكتاب العزيز لهم.
يهدف هذا البحث إلى بيان مفهوم تعظيم القرآن الكريم وحقيقته ومقاييسه وأهمية غرسه في المجتمع وبيان أثر تعظيم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع وبيان جوانب تعظيم القرآن الكريم عند الشيخ السعدي في تفسيره: (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان). ولأجل ذلك فقد قسم الباحث دراسته إلى تمهيد ومبحثين وخاتمة واعتمد المنهجين الاستقرائي والتحليلي لتحقيق أهداف الدراسة. وتوصل إلى عدة نتائج من أبرزها: إن موضوع تعظيم القرآن الكريم حاز قصب السبق عند الشيخ السعدي من جوانب عديدة متمثلة بالأمر بتدبره وبيان أوصافه وخصائصه وبيان قصصه وأمثاله وأحكامه وبيان عظمة من أنزله وبيان عظمة من أُنزِلَ عليه وبيان ما اشتمل عليه من أصول الآداب والأخلاق.
تفسير ميسر يستخدم عبارات سهلة وواضحة ويتجنب فيه المفسر الحشو والتطويل ويترك الخلاف والقصص غير الموثوق فيها وروايات الإسرائيليات ويركز على المعنى المقصود من الآية وعني التفسير بالعقيدة بما تشمله من توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية وتوحيد الأسماء والصفات.[1]
كتب السعدي نسخته الأولى على 9 مجلدات أما الثانية فكانت في 8 مجلدات. ويمكن تصنيفه ضمن كتب التفسير بالمأثور بدأه صاحبه بمقدمة قال فيها:
بدأ به بعد المقدمة بفوائد هامة لقراءة وتفسير القرآن الكريم ثم انتقل لسورة الفاتحة وصولًا لسورة الناس ثم أتبعه بأسماء الله الحسنى.
وكانت غاية قصده من التصنيف هو نشر العلم والدعوة إلى الحق ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته لا ينال منها عرضًا زائلًا أو يستفيد منها عرض الدنيا بل يوزعها مجانًا ليعم النفع بها.
ومنه تفسير قوله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ١٦ [الكهف:16]. حيث كتب عند الوصول للآية 21: (وفي هذه القصة دليل على أن من فر بدينه من الفتن سلمه الله منها. وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب).[3]
ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) [الفاتحة: 5]. حيث فسرها: (أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة لأن تقديم المعمول يفيد الحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه).
ومن ذلك تفسيره لآية ((والمرسلات عرفًا)) [المرسلات: 1] حيث قال: (وعرفًا حال من المرسلات أي أرسلت بالعرف والحكمة).[4]
فلا يتجاوز ما لا يعرفه. ولا يشحن تفسيره بكثرة الإسرائيليات التي قد تكون خاطئة. ومن ذلك عدم تطرقه لإسرائيليات قصة هاروت وماروت في سورة البقرة. وعدم تطرقه للتفاسير والروايات عن يوسف عليه السلام في قوله تعالى ((ولقد همت به وهم بها)).
ومن أمثلة ذلك كثير مثل الفرق بين تفسير الطبري وما أورده من إسرائيليات متعددة في آية وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ٢٤ [يوسف:24] وبين ما أورده السعدي بعدم تجاوز ما ذكره القرآن.ومنه آية قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ٢٤ [الأعراف:24] في تفسير الطبري حيث أورد: (قال: فلعنَ الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها وجعل رزقها من التراب وأهبطوا إلى الأرض: آدم وحواء وإبليس والحية. اهبطوا بعضكم لبعض عدو) وهي من الإسرائيليات بينما لم يذكر السعدي أيًا من تلك القصص.
فقد تحدث في تفسيره عن أحكامٍ مختلفة عديدة. ومن الأمثلة على ذلك النفقة الواجبة عند مروره بالآية ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) [التوبة: 35]. فجاء في تفسيره: (أن يمسكوها عن النفقة الواجبة كأن يمنع الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات أو الأقارب أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت).[5]
1- بدأ في كتابه بإضافة مجموعة من الأسس الهامة لفهم كتاب الله عز وجل نقلها من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم وتنتمي تلك الأسس للنحو والفقه والبلاغة.[6]
2- ختم التفسير بشرح أسماء الله الحسنى مستدلًا عليها بآيات القرآن في بعض الأحيان والأحاديث النبوية في أحيانٍ أخرى.
3- الحكم: حيث كانت يستخلص من الآيات الأحكام الشرعية والمواعظ والعبَر المستوحاة من الآيات.ومن الأمثلة على ذلك في قصة يوسف عليه السلام:[7]
- جواز الغيبة في بعض المواضع عند الحاجة للنصيحة مثلًا ومن ذلك قول يعقوب ليوسف عليه السلام عن إخوته ((فيكيدوا لك كيدًا)) [يوسف: 5].
- ومنها أن قصة يوسف عليه السلام من أحسن القصص وأبينها وذلك لوضوح تنقل الأشخاص من حالٍ إلى حال ومن محنة إلى أخرى ومن منة إلى أخرى.
- قاعدة ارتكاب أخف الضررين أو المفسدتين وذلك عندما قام الخضر بقتل الغلام بأمر من رب العالمين فكان ذلك أفضل من بقاءه يكبر ويفتن أبويه عن دينهما.
- قاعدة الضرورات تبيح المحظورات دون الحاجة للاستئذان وذلك عندما مرت آية قيام الخضر بخرق السفينة لتعيب.[8] وغيرها من القواعد.
والسبب في جعل هذا من المآخذ أنَّ القرآن الكريم عربي[9] وكانت العرب تشتهر بالشعر وكثير من الكلام لا يُذكر إلا في شعرهم. لذلك من الطبيعي أن تُفسر بعض الكلمات والمعاني عن طريق الشعر. كما كان يفعل الصحابة ومن تبعهم عند تفسير بعض الكلمات غير المألوفة في القرآن. ومن الأمثلة على ذلك عندما سأل نافع عبد اللهَ بن مسعود عن كلمة شواظ فقال له هي اللهب الذي لا دخان له فقال له نافع: وهل تعرف العرب ذلك فقال له أي نعم وأنشد له قول الشاعر:[10]يظل يشب كيرًا بعد كيرٍوينفخ دائبًا لهب الشواظ
03c5feb9e7