يومداك كنت قاعد بأحضر في فيلم ثقافي (الفيلم المصري...موش فيلم "ثقافي"), واللي هو في تقديري واحد من أنجح الأفلام المصرية على الأطلاق لأنو أتناول بشكل مباشر تفاصيل مشكلة واجهت كل الشباب (او على الأقل معظم الشباب البعرفهم) في محاولتهم المستميتة لجمع عناصر ال"تثقّف" الصعبة. وأثناء ما انا قاعد أحضر في الفيلم لاحظت انو معظم الشباب مواليد التسعينات ما قدرين يشعروا بسهولة الحاجات الفي متناولهم وما قادرين يستوعبوا صعوبة الحياة الكنا نحن عايشينها في زمننا أو بالأحرى من 1990 لغاية 2000. الحقبة الزمنية دي كانت فترة صعبة عاشو فيها مواليد التمانينات طفولة ومراهقة تعيسة لظروف تقنية وسياسية والبيزيد من التعاسة بتاعتها منظر المراهقين بتاعين الأيام دي اللاقينها باردة (مشكلة الشباب الفي "فيلم ثقافي" ما بتلاقي شباب اليومين دي لأنو الموبايلات بقت شريط وفيديو وتلفزيون ووصلة). حأحاول أشرح لشباب التسعينات نحن عشنا مراهقتنا كيف لمن قمنا ما كان في اطباق فضائية وما كان في قنوات خاصة..يعني التلفزيون القومي كان التلفزيون الوحيد وما كان عندك أي خيار في الحاجة البتحضرها..ما كان في حوجة لريموت كونترول, لو عايز توطّي الصوت كنت بتقوم على حيلك وتوطّيهو وترجع حتتك...التلفزيون من الصباح كان بيقول أششش والساعة أربعة بيبدأ بنشيد العلم وتلاوة القرآن الكريم..بعدو فيلمين كارتون وكل الناس بتحضرهم بغض النظر عن موضوعها..يعني تلقى الحبوبة بتحضر في كابتن ماجد (السودان كلو كان بيشجع فريق المجد) والبت عمر عشرين كانت بتحضر سنبل (بالمناسبة البوظة طلع معناها ايسكريم) والراجل الكبير بيحضر ليدي ليدي. بعدها كان بيكون في مسلسل ديني وبعدها برامج متعددة وغالبا كانت بتكون برامج موجّهة...الزمن داك الأنقاذ كانت في مرحلة ثورة (يعني يا دوب كانو بدو ينقذو فينا) وكانت بتحاول تعلمنا الأدب والتديّن..والبرامج كان طابعها ديني على شاكلة قطوف والعلم والأيمان وكدة..المسلسل المصري بتاع الساعة 8 كان أهم حاجة بتجمع ناس البيت وكان بيقطّعوه..لاحظو..المسلسل المصري اللي هو أصلا ناشف كان بيقطعوه..ولو في مشهد مهم فيو بت لابسة حاجة كاشفة نسبيا ومافي طريقة يقطعوه كانو بيغطو الشاشة عشان تسمع بس وما تشوف (كتر خيرهم طبعا/تعبانين عشانا).. نشرة الأخبار كانت بتبدأ من تسعة وكان معظمها ذهب الرئيس وتفقد الوزير وأفتتح الوالي وكلام بالشكل دة..والمذيعين كانو ناس الزبير نائل وعمر الجزلي وناس دشنين جدا (الزمن داك تسابيح ونجوان واسراء عادل كانو لسة في المدرسة), وكان في مذيع ما قادر أتذكر أسمو سنو القدام كانت مكسورة.. المهم ... السهرة ما كان فيها حاجة تذكر ما عدا تليسينما (أعداد محمد علي بابكر وأخراج عببادي محجوب) اللي هي بيكون فيها عرض لفيلم أمريكي من افلام الدرجة تانية آكشن وبيعرضوه في تلت ساعة والفيلم بيكون بقدرة قادر بطولة رجالية مطلقة, بعدو بيكون في عرض لفيلم هندي أطول شوية بآكشن أكتر وأغاني حشمة كدة. التلفزيون كان تلفزيون حربي وكان في برنامج أسمو "في ساحات الفداء" متخصص في نقل الحرب من جنوب السودان وكان مليان تعبوية مفترض تجذب الشباب للجهاد; جيلنا اتشبع بالكلمات والقصائد التعبوية من البرنامج دة...اديكم مثال لمقطع من قصيدة كانت بتتعرض في البرنامج دة مع صور لل"مجاهدين" وهم بيمشوا بخطى ثابتة في ادغال الجنوب: –أماه لا ترد عزيمتي..ان أتوك وخبروك بمقتلي..ما مت لكن في الجنان معاشي- البرنامج قسم شباب جيلنا لقسمين..جزء امو ردت عزيمتو..وجزء أمو ما ردت عزيمتو, عمركم..يا مواليد التسعينات..ما أتختيتو في خيار زي دة (الله يطول عمرك يا أمي) الخيارات المادية في زمننا كانت شوية...ياخي نحن كنا عيشين قحط...كنا بناكل مما نزرع بمعنى كنا بناكل أكل شحيح والحمد لله على نعمو..الأفران الآلية ما كانت انتشرت والعيش كان بيتخزن وبيتسخن ويتآكل على كذا يوم..أحسن حاجة كان ممكن تجيبها من الدكان كانت مربى سعيد وكانت بتتباع في علبة (زي الصلصة) والطحنية بتاعة الصفائح ولو محظوظ بتلقى جبنة بيضا من الدويم. نحن بعد الغدا كنا بنخت سكر في باقي الرز عشان نحلي بيهو..ياخي صحن العشا بتاع العرس كان بيكون فيو بيضة مسلوقة بقشرتها..برضو الحمد لله... اللبس كان صعب برضو..نحن (كأولاد) كنا بنشتري الهدوم من السوق الشعبي الخرطوم والخيارات كانت محدودة...كلنا كنا بنلبس زي بعض...قمصان هزاز...بناطلين قماش (توكيو وبوكت)..وجزم قماش تمبرجاك (تمبرجاك ما تمبرلاند عشان ما تلخبطو ساي..جزم قماش زي بتاعة بروس لي)...اما البنات فمشكلتهم كانت خفيفة...البلد كانت محكومة شريعة (كانو فايرين في الموضوع) فكانو بيلبسو الواسع والطويل تجنبا للمشاكل..بالمناسبة الزمن داك..انك تلقى ليك بنطلون جينز كان اسهل من انك تلقى ليك قطعة أستثمارية هسي, لو عندك مغترب جاب ليك جينز من شدة فرحتك ما كنت بتقدر تلبسو. حياتنا يا شباب كانت مملة...يمكن المتنفس الوحيد كان القراية...أي كتاب كان بيقع في يدنا كنا بنقراهو: كتاب اسلامي, علمي, تاريخي, ثقافي,"ثقافي", مدرسي..المهم البتلقاو بتقراو..لأنو ببساطة البديل كان انك تتفرج على السماء او التلفزيون القومي (والتفرج على السماء كان امتع بالمناسبة)..الحاجة الأساسية كانت اللألغاز والمجلات..معظم الشباب كان بيشتركو في مكتبات ويأجروها (لاحظو اللألغاز والمجلات ما كانت متوفرة لدرجة انو ما كان في حل غير انك تأجرها)..الحاجة الأساسية كانت رجل المستحيل (من أجل مصر) والمغامرون الخمسة (تختخ والشاويش فرقع) و الشياطين ال13 (كان فيها شخصية اسمها عثمان من السودان ما كان بيشارك في الغامرات نهائيا, شكلو المؤلف كان قاصدو)...المجلات كانت ماجد وسمير وميكي..بالأضافة للمجلات السوداني صباح والصبيان الي هي للأسف وقفت بدري رغم انو كان فيها خصوصية سودانية وشخصيات رائعة (عمك تنقو وفنجاط) وأكتر حاجة بيستمتعو بيها الشباب بسهولة الأيام دي هي سماع المزيكة. هسي الواحد فيكم بيسمع طرف غنية في فيلم..بتعجبو..بيكتب الكلمات المتذكرها في قوقل وبجيو اسم الفنان..بيجيب عنو معلومات من ويكيبيديا..بيمشي ينزل كل أغانيو بالتورنت يسمعها من جهاز الmp3 بتاعو وفي خلال اسبوع بيعمل ليو قروب معجبين بالفنان في فيسبوك .. نحن كنا شغالين كاسيت وبننسخ الشرايط من بعض ونسجل اغاني من راديو مونتي كارلو والمعلم الزول الكان بيكون عندو مسجل بشريطين..ياخي نحن بعد نسمع الغنية كنا بنطلع الشريط ونعيدو بقلم البيك عشان ما نتقل الهيد بتاع المسجل..والشريط كنت بتسمعو بغض النظر عن الغنا عاجبك او لأ..لأنو مافي حاجة غيرها تسمعها...ولو عندك زول جاب ليك شريط ماستر من برة بيكون أكرمك. نحن جيل ما كان عندنا خيارات..وعدم الخيارات علمنا انو نكييف ذوقنا للحاجة المتوفرة...حاولو أستمتعو بالحاجة العندكم يا شباب (مواليد التسعينات)..النعيم التقني الأنت فيو دة ممكن يوم نحسدكم عليو والناس تقلع منكم الأنترنت..