كما وصفه الشاعر نزار قباني فإن النَّص يُعد سجناً للممثل لذا فهو مشتاق دائماً لعبور أسواره واختلاق مساحة أخرى من الارتجال فنجد مثلاً إفيهات عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة حين أطلق على شخصية من الشخصيات الهامشية في المسرحية اسم بيجن وهو لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وهددته الرقابة بوقف العرض فألغى الإفيه المرتجل كذلك حين خرج سعيد صالح عن إطار نص مسرحية كعبلون قائلاً:
واحد أكلنا المش.. والتاني علمنا الغش.. والتالت... ما أودى به خلف القضبان لعدة أشهر لأنه استهدف شخصيات رؤساء الجمهورية بلغة ساخرة. وقد لا تكون الارتجالات التي تهبط على الممثلين في مجال السياسة فقط لكنها قد تتجه نحو الإيحاء الجنسي مثلما فعل محمود الجندي والمنتصر بالله وشريهان في مسرحية علشان خاطر عيونك ما دفع الرقابة بإعطاء إنذارات شديدة اللهجة بإيقاف العرض إذا لم يتوقف أبطالها عن الإفيهات الجنسية.وتتعدد الإفيهات والنتيجة واحدة وهي الخروج عن الإطار الذي أعدَّه مؤلف العمل والمسؤول الأول والأخير عن النص لكن الممثلين خاصة النجوم تكون لهم وجهات نظر أخرى فهم يريدون مزيداً من التفاعل مع الجماهير بإفيه يسقط على رأسه من السماء ويجده يشعل المسرح ضحكاً.
لكن مهما تعددت المبررات فإنها خيانة للمؤلف الذي يتساءل.. لماذا الخروج عن النص الذي تمت الموافقة والتدريبات عليه منذ بداية العرض ولماذا قمت بالتأليف ما دام هناك شركاء معي في التأليف فن تفاعلي يقول الفنان سعيد صالح أحد نجوم الخروج عن النص: تجربتي القاسية في مسرحية كعبلون السياسية أرغمتني فيما بعد على التفكير آلاف المرات قبل أن أتفوه بأي إفيه مهما كانت سخونته وطزاجته خاصة الإفيه السياسي لأننا كمجتمعات عربية لا نحب النقد وتتسع صدورنا فقط للمدح والإطراء لكنني أؤكد أنني أحترم النص المسرحي .
ولا يمثل خروجي إهانة للنص بقدر ما هو تفاعل أراه مهماً لأن المسرح فن تفاعلي ولا أميل إلى الإفيه إلا إذا كان خادماً من خُدَّام النص المسرحي بشرط ألا يكون مؤذياً لمشاعر الجماهير وكان هذا واضحاً في مسرحية قاعدين ليه حين كان الخروج عن النص ملتزماً.
وخلافاً للرأي السابق يؤكد المخرج جلال الشرقاوي صاحب مسرح الفن رفضه لفكرة الخروج عن النص حيث يرى أن ما كتبه المؤلف مقدس لا يجب أن يُمسّ..
مشيراً إلى وجوب معاقبة الممثل الذي يضرب بالنص عرض الحائط ويقوم بدور المؤلف وأوضح الشرقاوي أن كل أعماله المسرحية لا تخرج عن هذه القاعدة لكنه في الوقت نفسه يعطي استثناءات للقاعدة بمنح الحق لفنانين كبار مثل عادل إمام وسمير غانم وسعيد صالح بالخروج عن النص بما لديهم من إمكانات وملكات خاصة يستطيعون بها معرفة رد فعل الجمهور وقياس نبضه.
أما الفنانة سميحة أيوب فتعتبر الخروج عن النص ذنباً لا يُغتفر للممثل باعتبار هذا الخروج تشويه للنص الأصلي وتذكر إفيهاً ناجحاً قاله الفنان توفيق الدقن من خلال مسرحية سكة السلامة حيث انفجر الجمهور ضحكاً إلا أن الراحل سعد الدين وهبة مؤلف النص أعرب عن ضيقه مما فعله الدقن وطالبه بالالتزام بالنص المكتوب..
مشيرة إلى أنها رغم تاريخها المسرحي الطويل لم تجرؤ مرة واحدة على ارتجال جملة أو كلمة خارج النص ليس بدافع الخوف ولكن بدافع تقديس المؤلف وما كتبه لأنه صاحب الرؤية الحقيقية للعمل المسرحي كله.
واختلف الفنان أشرف زكي نقيب الممثلين المصريين مع تقديس النص المسرحي.. مؤكداً أهمية الخروج عن البرواز المحدد في إطار الآداب العامة من أجل مزيد من حرية الممثل المبدع ودافع زكي عن الفنانين الكبار أصحاب الجماهيرية الكبيرة وخصَّ في دفاعه الفنانة فيفي عبده التي اتُهمت كثيراً بأن مسرحها مبتذل.
وقال إن فيفي راقصة مشهورة وأنها في مسرحية روايح أدت رقصات استعراضية يعجب بها الجمهور ويتفاعل معها لكن زكي أكد صرامته أمام أي تجاوز للنصوص التي تُعرض على مسرح الدولة المعروف بهيبته ووقاره ما يثير علامات استفهام حول رؤية نقيب الممثلين لمسرح القطاع الخاص.
لكن الفنان حسين فهمي يؤكد رفضه التام للخروج ولو بكلمة واحدة عن النص المكتوب من قِبل المؤلف وقال إنه كان يذكر زملاءه في الكواليس كل ليلة بضرورة التزام النص حرفياً احتراماً للجمهور والمؤلف.
ولا شك أن هناك نجوماً أمتعوا الجمهور بارتجال جملة مضحكة أو بإسقاط سياسي دون الإساءة إلى أي شخصية فلم تعترض الرقابة مثلاً على الخروج الذي قام به الفنان عبدالمنعم مدبولي في مسرحية ريا وسكينة في المشهد الذي جمعه بالفنانة المعتزلة شادية حيث قال مدبولي أثناء احتضانه شادية عقب الأغنية استني.. هيصقفوا تاني وقد استحسن الجمهور الجملة وضحك عليها دون ابتذال أخلاقي.
ولم يكن الخروج عن النص أبداً خروجاً متعلقاً بالألفاظ أو الإيحاءات الكلامية بل كان التجاوز أحيانًا بالملابس والرقصات ويتضح هذا جلياً في التقرير الرقابي الذي أنذر الفنانة نهلة سلامة بطلة مسرحية ريا وسكينة في مارينا التي عُرضت على مسرح الإسكندرية حيث أعلن التقرير تعمُّد نهلة ارتداء ملابس مثيرة والخروج عن النص بألفاظ خادشة للحياء لا علاقة لها بالنص الأصلي الذي تمت إجازته من الرقابة.
وأيد الفنان وحيد سيف الخروج عن النص باعتباره أحد مفردات عالم المسرح بشرط عدم اعتراض الرقابة ويفضل أن يكون الخروج بالاتفاق مع المخرج والمؤلف إلا إذا كان الأمر لحظياً على خشبة المسرح أمام الجمهور.
فلا بد من مساحة حرة أمام ممثلي المسرح للتحرك فيها بحرية بعيداً عن النص بعكس ممثل السينما أو التلفزيون الذي لا يجوز بأي حال من الأحوال خروجه عن النص المكتوب الذي سيسجل إلى الأبد أما العرض المسرحي فيمكن أن تكون كل ليلة عرض مختلفة في مذاقها عن الليلة السابقة والتالية وأشار سيف إلى أنه لا يجب أن يتحوَّل المسرح أبو الفنون إلى كباريه يعرض البذاءة اللفظية أو الإيحاءات الحركية المثيرة للغرائز بلا هدف فني.
أما الناقد المسرحي خالد رسلان فيؤكد أي عمل فني سواء للسينما التلفزيون أم المسرح تكون بذرته الأولى لدى الكاتب الذي يحتشد للنص ويكتبه كلمة كلمة وفق حرفة فنية يؤدي فيها كل عنصر إلى هدف العمل ككل ثم يتعامل المخرج والممثلون والعناصر الأخرى مع النص في غياب المؤلف لأن دوره انتهى وتكون رؤية المخرج تتمثل في طرق معالجة النص المكتوب وطرق أداء الممثلين والديكور والإضاءة والملابس إلى غير ذلك من عناصر العمل دون الإخلال بما كتبه المؤلف سواء بإضافة أجزاء أم حذف أخرى.
وحين يأتي الممثل ويلغي كل العناصر السابقة بارتجال منه فهذا ما يدعو للعجب خاصة بعد قضاء فترة طويلة من البروفات قبل الوقوف على المسرح فما الذي كان يدعو لكل هذه البروفات ما دام الممثل في النهاية سيؤلف النص أو يخرج عنه كلما شاء
03c5feb9e7