وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ :
إن من صور الخذلان الإلهي لعبده الداعي : الحرمان من الإقبال في المناجاة.. حيث يقول إمامنا السجاد (ع) في المناجاة الشعبانية: (وَسَلَبْتَنِي مُنَاجَاتَكَ إِذَا أَنَا نَاجَيْتُ..).. نعم، هو بحسب الظاهر يناجي الله عزوجل ، ولكن ليست هنالك مناجاة حقيقية ، إذ قلبه مشغول وملتفت إلى سوى الله عزوجل.
حــكــمــة هذا الــيــوم :
السلامة من الوقوع في الذنب ، هي من النعم الكبرى على العبد المؤمن من الله عزوجل ، والتي تدل على إدخاله إياه في رحمته.. ولكن الإنسان قد يعمل ما يوجب له خسران هذه النعمة ، فيكله رب العالمين إلى نفسه ، ومن هنا يقع في المعصية ، التي تكشف له حقيقة ضعفه ، وعدم صدقه في دعوى القرب.. والإمام السجاد في مناجاته الشعبانية يشير إلى ذلك حيث يقول: (مَا لِي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي ، وَقَرُبَ مِنْ مَجَالِسِ التَّوَّابِينَ مَجْلِسِي ، عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزَالَتْ قَدَمِي ، وَحَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ، سَيِّدِي ..).
في رحاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) :
إنَّ الشوق للإمام المنتظر .(عجل الله فرجه). يفرض على الإنسان أن يذكرهُ صباحاً ومساءاً وأن يجدد بيعتهُ لــه ويزوره ويتصدق عنه إلى غير ذلك. ورد في توقيعـهُ عجَّل الله فرجه الشريف للشيخ العمري حيث علمه هذا الدُّعاء : (.. ولا تنسنا ذكره ، والإيمان به ، وقوَّة اليقين في ظهوره ، والدُّعاء له ، والصلاة عليه..). فالشعور بأنَّ الأمام .(عجل الله فرجه). ..( غـــائباً لم يخل منـــَّا ). يفرض علينا أن نذكره ونحنُّ ونبكيه ونرتبط به. روي عن الإمام الرضــــــا.(عليه السلام): (كـم من حرى مؤمنة وكـم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين). يعني الحجــــة عجل الله فرجه وإنَّ من أجمل العبــــارات التي يردَّدها المــوالي ما ورد في الزيارة :(لو تطاولت الدهور وتمادت الأعمار لم أزدد فيك إلاَّ يقيناً ولكـ إلاَّ حيّاً ... فأبذل نفسي ومالي و ولدي وأهلي وجميع ما خوَّلني ربِّي بين يديك ... فهـا أن ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك).
هـل تـريـد ثـوابـا فـي هـذا الـيـوم ؟
(إلهي ما أظنك تردني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك..) : إن انقسام الناس واختلافهم ليس مقتصراً على السير في طريق الهدى أو الانحراف عنه ، فإن السائرين والعباد الصالحين أيضاً هم أقسام ودرجات.. فمنهم من يكون همه وقصارى جهده أن يحقق المغفرة الإلهية ، ليضمن الفوز العظيم بدخول الجنة والزحزحة عن النار.. بينما هنالك قسم آخر من الناس لهم من الأماني والطلبات العظمى التي تؤرق ليلهم ونهارهم.. إذ هؤلاء يطمحون في استعجال بعض المقامات الأخروية في الدنيا ، من قبيل الرضوان الإلهي ، والنظر إلى وجه الله تعالى ، وتحقيق حالة الإنس والتفاعل مع الله عزوجل ، والوصول إلى درجة المعية معه تعالى.. فكم من الجميل أن يحمل الإنسان هذا الهاجس !.. فلعله يرزق ذلك ولو قبل وفاته بأيام ، ولسان حاله لسان حال أمير المؤمنين: إلهي ما أظنك تردني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك !.. فليستحضر كل واحد نيته عندما يسمع هذه العبارة.. وطوبى لمن جعل نيته ما ذُكر آنفاً : من اللقاء قبل اللقاء ، من الموت قبل الموت ، من الحشر قبل الحشر ، من العيش في جنان الله قبل أن ينتقل إلى عالم الآخرة !.. وما ذلك على الله بعزيز.
بستان العقائد :
(إلهي إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني وإن خذلتني فمن ذا الذي ينصرني..) : يحسن بالعبد -مع كونه متشبثاً بعالم الأسباب- الانقطاع المطلق إلى الله عزوجل.. فلا ينبغي أن يعلق قلبه وحاجته بزيد أو عمر ؛ ويظن أنه هو السبب في رزقه.. فإن الله تعالى هو مسبب الأسباب ، وأن الأسباب كلها في قبضته تعالى ، فهو المسبب سبحانه ، وإذا ما أراد شيئاً هيأ أسبابه.. وليس من الإنصاف أبداً ، أن يستجير المؤمن استجارة قلبية بعبد ضعيف مثله !.. بل من المناسب للإنسان أن يتعامل مع الناس ، وأن يعيش في أكنافهم ، ولكن ينبغي أن لا يعيش حالة الالتجاء إلى ما سوى الله عزوجل !..
كنز الفتاوي
)تفقَهوا في دين الله ولا تكونوا أعراباً , فإنه من لم يتفقَه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً ( - الإمام الصادق عليه السلام
أنّى لطاقاتنا الفكرية المحدودة أن تدرك عظمة الإمام الحسين؟ والله تعالى يعبّر عنه بآيته الكبرى، ويقول عنه: إنّه مصباح الهدى وسفينة النجاة. فهذا ليس قول المعصومين عليهم السلام بحقّه، بل هو كلام الله مكتوب على ساق العرش وقبل أن يولد الحسين عليه السلام.
فوائد ومجربات:
( أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي..) : إن الله عزوجل - بفضله وكرمه- قد يمن على عبده بمائدة شهية لذيذة من الإقبال عليه ، إلا أنه هذا الظلوم الجهول لا يقدر ما أنعم الله تعالى عليه ، فيبادر في كل لغو وباطل ، مما يوجب له الحرمان الشديد.. ولهذا فإن أولياء الله عزوجل برغم أنهم يعيشون حالة الفرح من ساعات الإقبال والمنحة ، إلا أنه ينتابهم شعور بالقلق ، إذ أن الشيطان بالمرصاد.. ولهذا فمن المناسب جداً الاستعاذة بعد الأعمال الصالحة ، وبعد كل وجبة إقبال على الله تعالى ، لأن الشيطان يشحذ همته لطعن بني آدم أيما طعنة !..
****
﴿ عبدي ادعني ولا تعلمني ﴾
________________________________