وبدأ العد التنازلي - مصطفى محمود

27 views
Skip to first unread message

Jawad Sh

unread,
Nov 1, 2010, 12:02:17 PM11/1/10
to readingsproject

“في ساعات الصفاء حينما تنقشع الغواشي عن القلب وتنجلي البصيرة، أرى كل شيء أمامي بوضوح، تبدو لي الدنيا بحجمها الحقيقي، وبقيمتها الحقيقية، فإذا هي مجرد رسم كروكي أو ديكور مؤقت من ورق الكرتون، أو بروفة توزع فيها الأدوار لاختيار قدرات الممثلين، أو مجرد ضرب مثال لتقريب معنى بعيد ومجرد، وهي في جميع الأحوال مجرد عبور ومزار ومنظر من شباك في قطار.
وهي الغربة وليست الوطن.
وهي السفر وليست المقر.
أعجب تماماً وأدهش من ناس يجمعون ويكنزون ويبنون ويرفعون البناء وينفقون على أبهة السكن ورفاهية المقام … وكأنما هو مقام أبدي .. وأقول لنفسي أنَسَوا أنهم في مرور؟ . ألم يذكر أحدهم أنه حمل نعش أبيه وغداً يحمل ابنه عشه إلى حفرة يستوي فيها الكل؟ … وهل يحتاج المسافر لأكثر من سرير سفري وهل يحتاج الجال لأكثر من خيمة متنقلة .. ؟
ولم هذه الأبهة الفارغة ولمن ؟
ولم الترف ونحن عنه راحلون ؟
هل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟ أم هي غواشي الغرور والغفلة والطمع وعمى الشهوات سعار الرغبات وسباق الأوهام؟ وكل ما نفوز به في هذه الدنيا وهمي، وكل ما نمسك به ينفلت مع الريح.
والذين يتقاتلون ليسبق الواحد منهم الآخر، أكثر عمى، فالشارع سد عند نهايته وكل العربات تتحطم ويستوي فيها السابق باللاحق، ولا يكسب أحد منهم إلا وزر قتل أخيه … بل إن أكثر الناس أحمالاً وأوزاراً في هذه الدنيا هم الأكثر كنوزاً والأكثر ثراءً، فكم ظلموا أنفسهم ليجمعوا، وكم ظلموا غيرهم ليرتفعوا على أكتافهم ………….”


“و ما أكثر المسلمين ممن هم في البطاقة مسلمون، ولكنهم في الحقيقة ماديون اغتالتهم الحضارة المادية بأفكارها وسكنتهم حتى الأحشاء والنخاع، فهم يقتل بعضهم البعض ويعيشون لليوم واللحظة ويجمعون ويكنزون ويتفاخرون ولا يرون من الغد أبعد من لذة ساعة …

وقد نجد من يصلي منهم إلى القبلة خمس مرات في اليوم ولكن حقيقة قبلته هي فاتيرينة البضائع الاستهلاكية.
ولا يبقى بعد ذلك إلا القليل أو أقل القليل ممن عرف ربه.
ولو بقي مؤمن واحد مرابط على الحق في الأربعة آلاف مليون فهو وحده أمة ترجحهم جميعاً عند الله يوم تنكشف الحقائق وينهم مسرح العرائس ويتمزق ديكور الخيش والخرق الملونة، وتنهار علب الكرتون التي ظنناها ناطحات سحاب وتنتهي الدنيا.
وحينئذ وعندما تهتك الأستار وتقام الموازين، سوف نعرف ما الدنيا وماذا تساوي … وماذا يساوي كل الزمن حينها نضع كل أقدامنا في الأبد.
وحينئذ سوف نتذكر الدنيا كما نتذكر رسماً كروكياً، أو مسرح خيال الظل، أو نموذج مصنوع من الصلصال لتقريب معنى بعيد بعيد ومجرد …
وسوف نعلم أنها ما كانت سوى النقطة التي كان فيها كل أملاح البحر المحيط، ولكنها لم تكن إبداً البحر المحيط … “



الكتاب: وبدأ العد التنازلي

تأليف: مصطفى محمود

نشر: دار المعارف

الحجم: 147صفحة

Hsein Wen

unread,
Nov 3, 2010, 6:41:28 AM11/3/10
to reading...@googlegroups.com
السلام عليكم :
 
طبعاً كلام يحتاج إلى القليل من المراجعة , ولابد من التعليق عليه لكن ليس الآن ..
 
سأحاول أن أرسل الرد ولكن بعد قراءة متأنية ..

 

شكراً للجميع ....


Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages