رحلتي من الشك إلى الإيمان - مصطفى محمود

168 views
Skip to first unread message

Jawad Sh

unread,
Nov 4, 2010, 8:34:05 PM11/4/10
to readingsproject

هل أنت صادق؟
سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم … فكل واحد يتصور أنه صادق وأنه لا يكذب … وقد يعترف أحدهم بكذبة أو كذبتين ويعتبر نفسه بلغ الغاية من الدقة والصراحة مع النفس، وأنه أدلى بحقيقة لا تقبل مراجعة.
ومع ذلك فدعونا نراجع معاً هذا الادعاء العريض وسوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جداً … وأن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود.
وأكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور أنه من أهل الصدق.
بل إننا لنبدأ في الكذب من لحظة أن نتيقظ في الصباح وقبل أن نفتح فمنا بكلمة.
أحياناً تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختاره كذبة.
الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سنه يكذب، والمرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب، والباروكة على رأس الأصلع كذبة, وطقم الأسنان في فم الأهتم كذبة، والبدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانيلة صوف كذبة، والكورسيه والمشدات حول البطن المترهل كذبة، والنهد الكاوتشوك على الصدر المنهك من الرضاع كذبة، والمكياج الذي يحاول صاحبه أن يخفى به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت.
البودرة والأحمر والكحل والريميل والرموش الصناعية … كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال قبل أن يفتح الواحد منا فمه ويتكلم.
بل إن مجرد ضفيرة المدارس على رأس بنت الثلاثين كذبة، واللبانة في فم رجل كهل هي كذبة أكثر وقاحة.
كل وهذا ولم يبدأ اللسان ينطق ولم ينفتح الفم بعد ………………..

وفي عالم السياسة والسياسيين وفي أروقة الامم المتحدة وعلى أفواه الدبلوماسيين نجد الكذب هو القاعدة.
بل إن فن الدبلوماسية الرفيع هو كيف تستطيع أن تجعل الكذب يبدو كالصدق .. وكيف تقول ما لا تعني .. وكيف تخفي ما تريد … وكيف تحب ما تكره … وكيف تكره ما تحب !! …………….

وفي عالم الدين ودنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس والمراسيم،
شهر الصيام هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات والحلويات والمخللات والمتبلات .. من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات، ويرتفع استهلاك اللحم في شهر رمضان، فتقول لنا الإحصاءات بالأرقام إنه يصل إلى الضعف ويصبح شهر رمضان هو شهر الصواني والطواجن.
وبين كل مائة مصل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله وهم شاردون مشغولون بصوالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون مصالحهم وأغراضهم ويركعون الركعة لتقضي لهم هذه المصالح والأغراض ……

وفي دولة الحب نجد أن مخادعة النفس هي الأسلوب المتعارف عليه… يخدع كل واحد نفسه ويخدع الآخر أحياناً بوعي وأحياناً بدون وعي .. فيتحدث العاشقان عن الحب وهما يريدان ان يقدما مبرراً شريفاً مقبولاً للوصول إلى الفراش .. ويخيل للحبيب أنه قد جن حباً وهو في الواقع يلتمس لنفسه وسيلة للهرب من واقع مرير.
وفي المجتمعات المتمدنة يمارس الحب كنوع من أنواع قتل الوقت … أو كنوع من أظهار البراعة والمهارة أو كمظهر من مظاهر النجاح.
وأحياناً تكون كلمة الحب كذبة معسولة تخفي وراءها زغبة شريرة في الامتلاك والاستحواذ والسيطرة.
وأحياناً تكون كلمة الحب خطة محبوكة وشركاً للوصول إلى ميراث.
وهي في أكثر صورها شيوعاً وسيلة للوصول إلى لذة سريعة وطريقة لتدليك الضمير والتغلب على الخجل ورفع الكلفة……

والكذب في الفن عادة قديمة بدأها الشعراء من زمن طويل.
وقصائد المديح وقصائد الهجاء في شعرنا العربي شاهد على انتشار هذه العادة السيئة.
والفن وليد الهوى والخاطر والمزاج … والمزاج متقلب.
ما أكثر الكذب حقاً!
إننا لنكذب حتى في الأكل، فنأكل ونحن شبعانون.
إين الصدق إذن؟
ومتى تأتي اللحظة الشحيحة التي نتحرى فيها الحق والحق وحده؟



يجيب مصطفى محمود ويعلل في مقالته (ماذا قالت لي الخلوة) من كتاب (رحلتي من الشك إلى الإيمان)


رحلتي من الشك إلى الإيمان

تأليف : مصطفى محمود

نشر : دار المعارف

الحجم : 109 صفحات

shark vet

unread,
Nov 5, 2010, 4:47:32 PM11/5/10
to reading...@googlegroups.com
بسم الله الرحمن الرحيم
رائع رائع رائع
ما شاء الله رائعة يا جواد, لأول مرة أتشوق لقرآءة كتاب كما تشوقت لقرآءة هذا الكتاب
رغم ظني أنه ليس كل ما قيل كذب
جزاك الله خيراً
 

Hsein Wen

unread,
Nov 7, 2010, 5:20:00 AM11/7/10
to reading...@googlegroups.com

السلام عليكم :

قرأت عدة مقالات من كتب المؤلف مصطفى محمود فوجدت أنها هامة جداً و تعبر عن وعي الكاتب ( هذا في حدود ما قرأت إلى الآن  ) و أنا راغب جداً في مواصلة القراءة لبعض كتبه .

 

Jawad Sh

unread,
Nov 7, 2010, 5:23:33 AM11/7/10
to readingsproject
أين الصدق إذن ؟
و متى تأتي هذه اللحظة الشحيحة التي نتحرى فيها الحق و الحق وحده ؟

إنها تأتي على ندرة، في معمل العالم الذي يضع عينه على ميكروسكوب بحثاً عن حقيقة، هنا نجد العقل يتطلع في شوق حقيقي و صادق ويبحث في حياد مطلق.. ويفكر في موضوعية على هدى أرقام دقيقة ومقادير وقوانين. والعلم بذاته هو النظرة الموضوعية المستقلة عن الهوى والمزاج وأداته الوحيدة .. صدق الاستقراء .. وصدق الفراسة.
واللحظة الأخرى الصادقة هي لحظة الخلوة مع النفس حينما يبدأ ذلك الحديث السري .. ذلك الحوار الداخلي، تلك المكالمة الانفرادية حيث يصغي الواحد إلى نفسه دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص على الخط، ذلك الإفضاء والإفشاء والاعتراف والطرح الصريح من الأعماق إلى سطح الوعي في محاولة مخلصة للفهم، وهي لحظة من أثمن اللحظات.
إن الحياة تتوقف في تلك اللحظة لتبوح بحكمتها، والزمن يتوقف ليعطي ذلك الشعور المديد بالحضور .. حيث نحن في حضرة الحق .. و حيث لا يجوز الكذب والخداع ولتزييف .. كما لا يجوز لحظة الموت ولحظة الحشرجة . إننا نكتشف ساعتها أننا عشنا عمرنا من أجل هذه اللحظة .. وأننا تألمنا وتعذبنا من أجل أن نصل إلى هذه المعرفة الثمينة عن نفوسنا .

وقد تأتي تلك اللحظة في العمر مرة فتكون قيمتها بالعمر كله، أما إذا تأخرت و لم تأت إلا ساعة الموت .. فقد ضاع العمر دون معنى ودون حكم .. وأكلته الأكاذيب .. وجاءت الصحوة بعد فوات الأوان. ولهذا كانت الخلوة مع النفس شيئاً ضرورياً و مقدساً بالنسبة لإنسان العصر الضائع في متاهات الكذب والتزييف .. وهي بالنسبة له طوق النجاة وقارب الإنقاذ .
والإنسان يولد وحده ويموت وحده ويصل إلى الحق وحده . و ليست مبالغة أن توصف الدنيا .. بأنها باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح .. فكل ما حولنا من مظاهر الدنيا يتصف بالبطلان و الزيف. ونحن نقتل بعضنا بعضاً في سبيل الغرور و إرضاءُ لكبرياءٍ كاذب. 

مصطفى محمود

بتاريخ 04 نوفمبر, 2010 05:34 م، جاء من Jawad Sh <jawa...@gmail.com>:
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages