
|
الكتاب: |
عيون في غزة |
|
المؤلف: |
مادس جلبرت وإيريك فوسا |
|
ترجمة: |
زكية خيرهم |
|
الطبعة: |
الأولى - 2010م |
|
عدد الصفحات: |
344 صفحة من القطع الكبير |
|
الناشر: |
دار الشروق للنشر والتوزيع- عمان – الأردن |
|
عرض: |
نادية سعد معوض |
أخيرًا صدرت الترجمة العربية لكتاب "عيون في غزة"، للطبيبين النرويجيين مادس جلبرت وإيريك فوسا، وقد صدر باللغة النرويجية وعدة لغات حية إثر الاعتداء الغاشم الذي شنته القوات الصهيونية على غزة نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009م. ولقد قامت بالترجمة الكاتبة المغربية زكية خيرهم التي تعيش في النرويج.
قصة إنسانية لا تنسى
والكتاب –كما ورد على غلافه الأخير- قصة إنسانية عميقة تهز الإنسان، تتحدث عن الصدمة والألم والجحود من ناحية، وعن البطولة والمعاناة والتضامن من ناحية أخرى؛ فخلال 22 يوماً من الهجوم العسكري والطويل ضد السكان المحاصرين في قطاع غزة 2008-2009، قتل أكثر من 1400 فلسطيني، من بينهم المئات من الأطفال، كما أصيب أكثر من 5000 شخص بجروح.
يقول يوهان غادر ستروي، حزب العمل، وزير خارجية النرويج: عندما تندلع الحرب وتحتدم يدفع المدنيون الثمن ويعانون. كان إيريك فوسا ومادس جلبرت في غزة كأطباء في يناير 2009. لكنهما أوصلا إلى العالم ما كانا يشاهدانه هناك. لم يكن ذلك من واجبهما بل مسؤوليتهما. عندما تحاصر القوات العسكرية كل الأصوات وتكتمها، يصبح القليل الذي يخترق هذا الحصار أقوى وأكثر أهمية.
بينما يقول كوري فيللوك-رئيس وزراء النرويج الأسبق: لم تسمح إسرائيل للصحافيين من الاقتراب عندما كانت تسبب لأهل غزة معاناة لا توصف. لكن كان هناك طبيبان نرويجيان. إن قوة ما رَوَيَا سلطت فيضاناً من الأضواء على وحشية أضرت أيضاً بإسرائيل وأعاقت السلام..
ولقد عاش العالم بأسره هذه المذبحة الرهيبة على شاشات الفضائيات التي كانت تتابعها حتى أطلق عليها البعض هولوكوست، ومن ثم تأتي أهمية هذا الكتاب، حيث كان الطبيبان النرويجيان مادس جلبرت وإيريك فوسا يعملان على مدار الساعة مع زملائهما الفلسطينيين في مستشفى الشفاء بغزة، وكانَا الشاهدين الوحيدين من الغرب على الفظائع التي ارتكبت هناك. هنا في هذا الكتاب يرويان تجربتهما في أيام الغزو وشهادتهما عن المرضى الذين عولجوا وعن العمل الطبي الشاق والمتطلب في مستشفى في حالة حرب وعن عواقب الحرب الرهيبة.
هذا الكتاب اختار له مؤلفاه عنوان "عيون في غزة"، حتى لا تنسى عيونهم ما رأته هناك من ويلات ومآسٍ.
يحتوي الكتاب على عمل مشترك وأحاديث لكل من الطبيبين النرويجيين مادس جيلبيرت واريك فوسا، وكيف عاشا تلك المرحلة في مستشفى الشفاء بقطاع غزة، الذي كان يخضع لعملية عدوان كبيرة لم تميز بين عسكري ومدني.
ويروي الكتاب أيضاً كيف كانا يحملان ويجمعان الأجساد والأشلاء والجثث المحترقة والممزقة نتيجة القنابل الإسرائيلية دقيقة التوجيه. ففي تلك الحرب الهمجية التي امتدت خلال فترة شتاء 2008 / 2009 سقط أكثر من 300 طفل فلسطيني ضحايا لتلك القنابل الذكية والفسفورية التي استخدمتها آلة البطش الصهيونية في العدوان على غزة.
هذان الطبيبان الشجاعان، المتضامنان منذ زمن طويل مع القضية الفلسطينية، أصرَّا على التوجه خلال بداية العدوان والحرب على غزة، سافرا إلى هناك ودخلا القطاع، حيث عملا في مستشفى الشفاء.
جاء في الكتاب أن ما أظهرته وسائل الإعلام يمثل فقط القشرة الخارجية للواقع وللحقيقة. فهنا نحن نرى صوراً للقنابل والسيارات ولأقارب المرضى البائسين.. كتاب "عيون في غزة" يسهب في تقديم واقع الحرب وإظهار الحقيقة التي يجب أن لا تنسى.
يقول أحد مؤلفيْ الكتاب : نزعت الورقة التي غطت الجثمان..ساقاه كانتا (في مهب الريح )، طارتا نتيجة الانفجار.. كانت هناك علامات للسخام والحروق الناتجة عن الأضرار التي ألحقتها النار في العظام. إنه لا ينزف، كما أن هناك دلائل على أن الكثير من الأنسجة المتبقية قد ماتت... هذه كانت بداية وصف حالة فتى جريح يبلغ من العمر 12 عاماً.
يبدأ الكتاب بعرض ما حدث من قصف منظم وعرض للموت الجوي على غزة في 27 ديسمبر 2008، وفي الحقيقة تبدأ جذور علاقة الطبيبين قبل ذلك بأيام عندما تلقى اريك فوسا رسالة من وزير الصحة في الحكومة المقالة، باسم نعيم، يطلب فيها من منظمة التضامن النرويجية مع فلسطين –نورواك- كميات من الأدوية والعقاقير المهمة للمستشفيات في غزة، والتي نضبت مخازنها بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007 بعد سيطرة حماس عليه في يونيو من ذلك العام، والذي بدأ عمليًّا مع انتصار حماس في الانتخابات التي جرت بداية عام 2006، فيما يراه الكاتبان عقابًا جماعيًّا مارسته إسرائيل، مدعومة من الغرب، على الاختيار - غير الصائب- الذي قام به الفلسطينيون في تلك الانتخابات، أي لكونهم انتخبوا حماس. ويقدم اريك في النهاية خلال عرضه صورة عن الجهد الذي قامت به النرويج في التعاون مع الحكومة المقالة والمؤسسات الطبية في غزة من أجل مساعدتهم على الوفاء بالمطالب اليومية التي كان الحصار يفرضها عليهم.
أولاد حماس، ماذا تعني؟!
وعلى خلاف الصورة التي نقلها الإعلام الغربي من أن معظم الجرحى الذين تمت معالجتهم في المستشفى كانوا من مقاتلي حماس، بل في مقابلة قام بها اريك واجهه المذيع بأن المستشفى لا يستقبل إلا أولاد حماس، وعندها يجيب مندهشًا: ماذا؟ أطفال حماس؟ماذا تعني؟ ويعلق بحس من الصدمة والحزن، مسترجعًا صور الأطفال الذين قاموا بعلاجهم، وقد جرحوا نتيجة طلقات النار، وأطفال جاؤوا يحملون على رؤوسهم شظايا القنابل الملقاة عليهم من الجو، والأطفال الذين جرحوا بعد أن قصفت الطائرات مدرستهم. ويضيف أنه نسي كل ما قاله أثناء المقابلة، وأخذ يفكر كيف أن القضية الفلسطينية لم تعد تتعلق بالحقوق بل بقيمة الحياة الإنسانية، مشيرًا إلى أن المجازر والإبادات تبدأ - كما تعلمنا دروس التاريخ - عندما تنزع الإنسانية عن جماعات تمهيدًا لقتلها، مستشهدًا في هذا بما حدث للهنود الحمر في أمريكا، والحملة الدعائية التي قامت بها ألمانيا النازية ضد اليهود، وما جرى في رواندا بين الهوتو والتوتسي.
ويقول : إن التهوين من قيمة الإنسان تمنح رخصة لضرب أهداف مدنية للمدى الذي قامت به إسرائيل أثناء الغزو.
وفي أثناء الحرب وفوضى الموت والدمار يفكر المراقب، وهو ما فعله اريك عندما فكر بمسؤولية أوروبا عن الجريمة، لأنها تعاملت أو وافقت إسرائيل على عقابها لمليون ونصف مليون فلسطيني وصنفتهم بالإرهابيين لأنهم اختاروا الجانب الآخر. ويعتقد أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي كانوا مشغولين بهوس سحق حماس أكثر من حماية أرواح وحياة الفلسطينيين العاديين. ومن هنا تؤكد شهادة اريك وجيلبرت أن الغالبية العظمى من الضحايا الذين استقبلهم القطاع هم من المدنيين. في داخل دوامة الحرب تبرز أهمية القرارات واتخاذها في الوقت المناسب وللحالة المناسبة، فعلى الرغم من أن طبيب الحرب قد يجد في خيار قطع الطرف المصاب طريقًا لإنقاذ حياة الجريح إلا أن التردد يبرز أكثر عندما يتعلق الأمر بحياة زهور وبراعم ستواجه مصير عيش بقية حياتها من دون طرف أو أطراف لتشهد على فظاعة الحرب، وهنا تظهر المعضلة بين الحفاظ على حياة المصاب الطفل أو الصبي بكامل أطرافه وبين خيار قطع الطرف الذي يهدد الحياة والبحث بينهما عن خيار آخر.
اعتقدنا أن العالم قد نسينا
وفي الحرب يبدو التعاطف الدولي مهمًّا مع الذين يعانون من نارها، ومن هنا كانت أول عبارة سمعها اريك وجلبيرت من المسئولين في المستشفى : اعتقدنا أن العالم قد نسينا.
إن كتاب "عيون في غزة" مكتوب بلغة يتعاطف فيها الطبيب مع ضحايا الحرب، ولهذا عندما ظهر جلبرت على شاشة فوكس نيوز المتطرفة اتهمته بأنه دعائي لحماس.
يعرض الكتاب لحكاية الطفلة جمانة السموني، التي تعرضت عائلتها لمجزرة، وينقل جلبرت صرخة امرأة من العائلة حين عاينت طفولة وبراءة قد تحولت إلى ضحية، وهي تقول: ماذا فعلت جمانة لهم؟ إنهم مجرد أشرار، ومن هناك ليحمينا ويحمي العزل؟.. أسئلة طالما ترددت في أثناء الحرب، ومع استمرار الحصار والحرمان. الكتاب وثيقة مهمة، ورواية درامية تدور أحداثها في أروقة وعنابر وغرف العناية وعمليات مستشفى الشفا، وشهادات الكاتبيْن تعيد للحياة قصة وتسجلها من أجل أن لا تستعصي على النسيان، وفيه من المواد والمعلومات الأساس عن الصراع وجذوره والحملات الاستيطانية والمعاملة القاسية للفلسطينيين قبل غزة وبعدها، وكيف كان بإمكان الغزي السفر يوميًّا للعمل في إسرائيل أو زيارة مدن الضفة الغربية من دون معوقات، وكيف كبرت المعابر لتتحول إلى قلاع يمر منها العابرون الفلسطينيون إلى بيوتهم في القطاع كما تمر قطعان الماشية في طريقها إلى مسلخ. كتاب يحكي جحيم 22 عشر يومًا من مطر الموت على غزة وإبادة عبر الريموت كونترول. وفيه محاولات لتعريف العالم بما يجري داخل غرف المستشفى من موت ودم يسيل.
والكتاب في جزء منه انطباعات وفي جزء آخر تسجيل لحالات وصور عن الجرحى وعنابر المستشفى، ومراقبة لأداء الفريق الطبي العامل في المستشفى وطريقة إدارته للأزمة، ومراقبة لحياة غزة من شرفة المستشفى، أو كما نقلها لهما الناجون والجرحى وعائلاتهم الذين أدوا إلى حدوث زحام في المستشفى بتواجدهم مع ضحايا الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل 'الرصاص المسكوب'. أما الجزء الأهم منه فهو تفاصيل عمليات الإنقاذ، وهنا يخرج القارئ للكتاب بحزمة من المعلومات الطبية عن طريقة العلاج الأولي، بل ويدخل مع الأطباء إلى غرف العمليات، ويشاركهم في سباق الموت والحياة من أجل إنقاذ من يمكن إنقاذهم من الأطفال والنساء والرجال المدنيين الذين كانوا ضحايا القصف المنظم على بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم.
كتاب "عيون في غزة" هو كتاب توثيقي يحتوي على كثير من الصور المؤلمة والوحشية، ويقدم لمعاناة سكان غزة، وما تكبدوه خلال ثلاثة أسابيع من الهجمات العسكرية.. كما نحصل في هذا الكتاب على لمحة تاريخية عامة عن خلفية الصراع في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة. وكذلك استعراض الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ويظهر كل من جيلبرت وفوسا الصور الخاصة بكل منهما أثناء إقامتهما في غزة. بعض الصور تظهر الأطفال المصابين بجروح خطيرة. كانت الإصابات وحشية، واضطر الأطباء لإجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياة المصابين.
المؤلفان
مادس جلبرت: مواليد1974، طبيب ورئيس قسم الطوارئ في جامعة ترومسو شمال النرويج، وبروفسور التخدير في الجامعة في ترومسو.
إيريك فوسا، مواليد 1950 طبيب ومسئول قسم في مركز التدخل الجراحي في جامعة أوسلو الطبية، يدرس في جامعة أوسلو جراحة القلب والرئتين.
لدى كل منهما ما يقارب 30 عاماً من الخبرة والمشاركة في أعمال التضامن الطبي في فلسطين لمنظمة نورواك ولجنة فلسطين، بالإضافة إلى المهمات في مناطق الحرب الأخرى. كتبا العديد من الكتب العلمية.
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-95-139874.htm