مفاهيم ينبغي أن تصحح تجاه القضية الفلسطينية
ليسانس أصول الدين قسم تفسير وحديث جامعة الأزهر
إهداء إلى المقاومة الفلسطينية الباسلة
بقلم: أحمد سليمان الدبشة
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاّ على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
ربّي إنّ الهدى هداك وآياتك تهدي بها من تشاء، وإذا الهداية حلت في قلب نشطت للعبادة الأعضاء، يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يضام وملكك الذي لا يرام أن ترفع عنّا ما نزل بنا من البلاء، اللّهم أنت ربّي لا إله إلاّ أنت عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم.
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، أعلم أنّ الله على كل شيء قدير، وأنّ الله قد أحاط بكل شيء علمًا. اللّهم إنّي أعوذ بك من شر نفسي ومن كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللّهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، ثم أمّا بعد:
أخوة الإسلام في زمن اختلت فيه المفاهيم وزيفت فيه الحقائق وشوه فيه وجه الحق ولبس فيه الحق ثوب الباطل ونفر النّاس منه ولبس الباطل فيه ثوب الحق، وجمل وزين للنّاس وسط خضم هائل من الأباطيل والأكاذيب من بني جلدتنا وممّن ينتسبون إلى ديننا ويتحدثون بألسنتنا. وسط هذا كله يحتاج المسلم إلى وقفة مع الله يعيد بها الأمور إلى نصابها الصحيح الذي يرضي ربّنا جل وعلا، والحق جل وعلا علّمنا أنّ المسلم إذا اختلطت عليه الأمور فإنّ له مرجعيةً ثابتةً لا تتغير ولا تتبدل {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...} [سورة النساء:من الآية 83]، وأولي الأمر في القرآن عندما تذكر يقصد بها الفقهاء، يحتاج المسلم إلى هذه المرجعية لأنّه من المؤسف والمخزي أنّه بمجرد أن يفتح ملف القضية الفلسطينية ويطرح للحوار حتى تستمع إلى كم هائل من الأكاذيب والأباطيل التي وإن أقنعت النّاس في الدنيا فهي لا تساوي شيئًا عند الله.
كلامًا مزوقًا من هؤلاء الذين أخبر عنهم الحق جل وعلا {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} [سورة البقرة: 204-206] من هؤلاء الصنف من النّاس الذين لا يفعلون الخير ولا يريدون لأحد أن يفعله أصحاب النظرية القديمة الحديثة {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ}. فمن قائل إنّ الفلسطينيين باعوا قضيتهم، أو أنّنا لا شأن لنا بشؤون الآخرين أو أنّنا أدينا ما علينا لهم وزيادة، وينبغي أن نلتفت إلى مصالحنا وسط كل هذا، ينبغي على المسلم أن يتلمس طريقه إلى رضا خالقه بعيدًا عن أن يرضي النّاس أو يسخطوا.
أخوة الإسلام، يقول علماء الفقه إنّ هناك على وجه الأرض ثلاثة أماكن تسمي في الفقه الإسلامي أرض أوقاف إسلامية، ما معنى أرض أوقاف إسلامية، أرض أوقاف إسلامية معناها أنّها ليست ملكًا لأحد، ليس من حق أحد أن يتصرف فيها، ليس من حق أحد أن يتنازل عنها، ليس من حق أحد أن يتفاوض حولها، تمامًا كما لو دخلت أنت الآن إلى المسجد فوجدت داخله مصاحف مكتوب عليها وقف لله تعالى هذه المصاحف ملك لمَن؟ لله أنا أقرأ فيها وأتركها مكانها أنت تقرأ فيها وتتركها مكانها.
هل لو دخلت أنا الآن إلى المسجد وأخذت هذه المصاحف وقمت ببيعها، ما حكم هذا البيع؟ بيع باطل لأنّ من لا يملك تصرف فيما لا يملك التصرف فيه.. هذه الأماكن هي مكة المكرمة وبها المسجد الحرام والمدينة المنورة وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفلسطين القدس الشريف وبها المسجد الأقصى، هذه الأماكن تسمى أرض أوقاف إسلامية؛ لأنّ الذي يزعم الآن أنّ الفلسطينيين باعوا فلسطين أسأله أنا الآن: هل لو خرج أهل الحجاز الآن مثلاً وقالوا سنسلم مكة للأمريكان هل يجرؤ مسلم على وجه الأرض أن يقول: وما دخلنا نحن بمكة. الذي ذكر المسجد الحرام ذكر معه في نفس الآية المسجد الأقصى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الإسراء: 1]. والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى الأسير بألف صلاة على الصحيح.
--
(إن عمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أعطي شبرا واحدا من فلسطين لليهود)
السلطان عبدالحميد الثاني