الازمة المالية العالمية (مظاهرها وتأثيراتها المحتملة والمتوقعة على الاقتصاد الدولي)

53 views
Skip to first unread message

natt...@gmail.com

unread,
Mar 4, 2009, 2:01:20 AM3/4/09
to الطيري, أروى البعداني

الأزمة المالية العالمية
(مظاهرها وتأثيراتها المحتملة والمتوقعة على الاقتصاد العالمي)

أ/نبيل الطيري
وزارة التخطيط والتعاون الدولي -natt...@gmail.com
مقدمة :
شهد اقتصاد العالم تغيّراً كبيراً وسريعاً منذ سبتمبر 2008. فما بدأ
كهبوط في قطاع الإسكان في الولايات المتحدة أصبح الآن أزمة عالمية،
انتشرت في الاقتصاديات الغنية والفقيرة على السواء. ويعتقد الكثيرون أن
هذه الأزمة يمكن أن يذكرها التاريخ كأسوأ أزمة منذ الركود الكبير الذي
شهدته ثلاثينيات القرن العشرين.وقد انتقلت عدواها إلى العالم وإلى
الأسواق المالية لمختلف الدول وبات علاجها عسيرا. كما انتقلت إلى جميع
القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية ولم تعد الأزمة الأميركية
الحالية جزئية تقتصر على العقارات بل أصبحت شاملة تؤثر مباشرة على
الاستهلاك الفردي الذي يشكل ثلاثة أرباع الاقتصاد الأميركي وهو بالتالي
الأساس الذي ترتكز عليه حسابات معدلات النمو. ولا تأتي الأزمات المالية
من فراغ بل تتفاعل مع الوضع الاقتصادي الكلي الذي يعاني في الولايات
المتحدة من مشاكل خطيرة في مقدمتها عجز الميزانية واختلال الميزان
التجاري وتفاقم المديونية الخاصة والعامة إضافة إلى الارتفاع المستمر
لمؤشرات البطالة والتضخم والفقر.
ولأن هذه الأزمة لم تتجاوب بشكل كبير مع الجهود المبذولة لمعالجتها، بدأ
دخول الاقتصاد الأمريكي ومن ثم الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود أو
الكساد، حيث التباطؤ في معدلات النمو، والتراجع في فرص العمل. خاصة وأن
هذه الأزمة تعتبر أزمة مختلفة عن سابقتها من الأزمات الكثيرة التي مر بها
الاقتصاد العالمي، فهي ليست ناجمة عن ارتفاع سعر الفائدة كما في أزمة
عام 1987 ففي عام 2008 خسر مؤشرات الأسهم الأميركية داو جونز 4.6%
وناسداك 9.9% لكن ارتفاع هذه النسبة أو تلك لا تعكس بالضرورة درجة خطورة
الوضع الاقتصادي والمالي الأميركي الحالي. ففي أكتوبر عام 1987 سجل داو
جونز هبوطاً هائلاً قدره 22.6% أي بنسبة تفوق بكثير النسبة الحالية ومع
ذلك فأن الأزمة الراهنة اخطر لأنها نجمت عن تراجع الاستهلاك الفردي في
حين كان ارتفاع أسعار الفائدة السبب الأساس في أزمة 1987.
وبالتالي فإن الأزمة الحالية ناجمة عن تراجع الطلب خاصة على قطاع
العقارات، وانتشار الديون المعدومة التي أدت إلى انهيار عدد كبير من
المؤسسات المالية والعقارية حول العالم وانهيار كبرى الشركات الدولية
العملاقة. كما أنها أزمة مركبة لأنها مصحوبة بارتفاع غير مسبوق في أسعار
النفط العالمية، وارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الغذاء العالمية، ولذلك
تتفاوت التوقعات بشأن السيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة.
ولأن هذه الأزمة ما زالت تتفاعل في جنبات الاقتصاد العالمي ولم تضع
أوزارها بعد فإن هذا التقرير المختصر يطرح تصور مبدئي لتحليل ومرئيات
لمظاهر هذه الأزمة، من حيث أسبابها ومداخل تأثيرها على الاقتصاد الدولي
وتداعياتها العالمية، والسيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة.

1- مظاهر الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد الدولي :
تعتبر الأزمة المالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي منذ أغسطس ٢٠٠٧ م من
أسوأ الأزمات التي
مر بها الاقتصاد العالمي منذ عقد الثلاثينات، بل وتعتبر الأخطر في تاريخ
الأزمات المالية،
خاصة بعدما ثبت عجز النظام الاقتصادي العالمي عن احتوائها والتخفيف من
آثارها بشكل سريع
وفعال. وتأتي خطورة هذه الأزمة من كون انطلاقها كان من اقتصاد الولايات
المتحدة الذي يشكل
قاطرة النمو في الاقتصاد العالمي، فاقتصادها هو الأكبر في العالم بحجم
يبلغ حوالي ١٤ تريليون
دولار، وتشكل التجارة الخارجية لها أكثر من ١٠ % من إجمالي التجارة
العالمية. ومن ناحية
أخرى تحتل السوق المالية الأمريكية موقع القيادة للأسواق المالية
العالمية، لذا فإن أية مخاطر
تتعرض لها هذه السوق تنتشر آثارها إلى باقي الأسواق المالية الأخرى بسرعة
كبيرة.

1- 1 . الأسباب الاقتصادية وراء الأزمة المالية العالمية :
تعود الجذور الاقتصادية للازمة المالية الحالية في القطاع المالي
العالمي إلى ما قبل نحو ثلاثة عقود، مع تطور قطاع الخدمات على حساب
قطاعات الاقتصاد التقليدية من تجارة وصناعة وزراعة.وفي القلب من قطاع
الخدمات، الخدمات المالية (بنوك، بورصات شركات تامين واستثمار ومؤسسات
مالية وغيرها) التي توسعت مع العولمة وتحول معظم اقتصاديات العالم إلى
اقتصاد السوق الحر. في سنوات الوفرة مطلع القرن، ومع الغليان الهائل في
قيمة الأصول في العالم ـ وفي مقدمتها العقارات ـ كانت السيولة مشكلة لدى
البنوك والمؤسسات المالية. بمعنى أن لديها فوائض هائلة من السيولة لا تجد
منافذ استثمارية لها، ولان العقار يبدو ملاذا آمنا للاستثمار اتجه قدر
كبير من تلك السيولة إلى قطاع العقارات.
ولقد كانت الشرارة الأولى للأزمة المالية تعود إلى أزمة الإقراض في
الولايات المتحدة حيث خرجت ضوابط الاقتراض عن المنطق سواء الاقتراض من
الشركات أو الأفراد، وصار بإمكان أي شخص أو بنك توفير التأمينات بغض
النظر عن جدوى الاقتراض أو إمكانية سداد القرض.حتى بتنا نسمع اليوم عن
تعرض مصارف كبيرة لأزمة سيولة( الاقتصاد الأميركي هو الأكبر في العالم
لكنه يتعرض لأزمات مثل أزمة الرهن العقاري أدت إلى تعثر بنوك وحدوث
أزمات ) ومن الطبيعي أن يتأثر السوق الأمريكي بشدة في هذه الحالة, ولكن
نتيجة للأوراق التي باعتها البنوك إلى مؤسسات أخرى أو ما يسمى (توريق
الديون) وهي الديون المدعومة بالرهون العقارية والتي بدأت تتحول إلى
(الرهون عالية المخاطر) بدأ المستثمرون في جميع أنحاء العالم أكثر حذرا
في استخدام هذه الأوراق المالية ولم يعد هناك مشترون لها.
يمكن تحديد تلك الأسباب كما يلي:
1. السياسات الخاطئة للولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية
حيث بلغت الديون الفردية 9.2 تريليون دولار تشكل الديون العقارية منها
نحو 6.6 تريليون دولار ، كما بلغت ديون الشركات قرابة 18.4 تريليون
دولار وبذلك فإن المجموع الكلي للديون يعادل 39 تريليون دولار أي ما
يعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغ معدل البطالة نحو 5 %
ووصل التضخم إلى ما نسبته 4 % .
2. إدارة النظام المصرفي بصفةٍ عامة تتلخَّص في كفاءة إدارة- أي تنفيذ-
السياسات المصرفية، وهي: إدارة السيولة والربحية، وإدارة مخاطر الائتمان،
وإدارة كفاية رأس المال. ونجد أن السبب الرئيس للأزمة الحالية يتمثَّل في
أن وحدات الجهاز المصرفي الأمريكي ثم الأوروبي ثم بقية الأجهزة في العالم
لم تتقيَّد بهذه السياسات بشكلٍ كافٍّ، أو بالمرة. ذلك لأنها ركَّزت على
الربح السريع الضخم عن طريق الإقراض غير المسئول وغير المنضبط بالقواعد
المصرفية المعروفة، خاصةً في قطاع العقارات، أي التمويل العقاري. ومن ثم
أهملت في الوقت ذاته اعتبار السيولة أو الثقة، ولم تقم بإدارة رشيدة
لمخاطر الائتمان أو كفاية رأس المال. هذا بجانب أن الربح السريع والضخم
صاحبه فسادٌ في قمة إدارة هذه المؤسسات. حيث تعود حالات العجز إلي أكثر
من سنة ماضية و قامت البنوك بشطب ما يزيد عن 500 مليار دولار من أصولها ،
إلا أن خسائر ائتمانية جديدة ظهرت مما أشعل مخاوف المستثمرين من جديد .
وفقد أكثر من 2 مليون أميركي ملكيتهم العقارية وأصبحوا مكبلين
بالالتزامات المالية طيلة حياتهم. ونتيجة لتضرر المصارف الدائنة نتيجة
عدم سداد المقترضين لقروضهم هبطت قيم أسهمها في البورصة وأعلنت شركات
عقارية عديدة عن إفلاسها.
3. أن الأزمة المالية بدأت نتيجة توفر ما يعرف بالأموال الرخيصة انخفاض
سعر الفائدة حتى وصل إلى 1% في عام 2003م مما رفع الطلب على القروض وخاصة
القروض العقارية، ومع سهولة وتيسير هذه القروض تزايد الطلب عليها مما أدى
إلى رفع سعر العقار في الولايات المتحدة. هذه الفقاعة في قطاع العقار
الأمريكي أغرت البنوك الكبرى وصناديق الاستثمار على الدخول في سوق القروض
العقارية الأمريكي، ما أدى إلى نشر مخاطرها على نطاق أوسع.
4. الرهون العقارية الأقل جودة ، وهذا يأتي من أن المواطن الأمريكي يشتري
عقاره بالدين من البنك مقابل رهن هذا العقار، حين يرتفع ثمن العقار
المرهون يحاول صاحب العقار ونتيجة لسهولة الحصول على قرض فإن صاحب الرهن
يسعى للحصول على قرض جديد، وذلك مقابل رهن جديد من الدرجة الثانية، ومن
هنا تسمى الرهون الأقل جودة، لأنها رهونات من الدرجة الثانية، أي أنها
أكثر خطورة في حال انخفاض ثمن العقار، وتوسعت البنوك في هذا النوع من
القروض الأقل جودة مما رفع درجة المخاطرة في تحصيل تلك القروض.
5. الزيادة الهائلة في توريق الديون العقارية ، وهو ما قام به المهندسون
الماليون في الولايات المتحدة وأنه يمكن تحويل تلك القروض إلى أوراق
مالية معقدة (توريق الديون) يمكن عن طريقها توليد موجات متتالية من
الأصول المالية بناء على أصل واحد . و لم تكتف البنوك بالتوسع في القروض
الأقل جودة، بل استخدمت (المشتقات المالية) لتوليد مصادر جديدة للتمويل،
وبالتالي للتوسع في الإقراض.. وذلك عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من
الرهونات العقارية، فإنه يلجأ إلى استخدام هذه (المحفظة من الرهونات
العقارية(لإصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى
بضمان هذه المحفظة، وهو ما يطلق عليه التوريق، فكأن البنك لم يكتف
بالإقراض الأولي بضمان هذه العقارات بل استخدم هذه القروض كرهن على قروض
أخرى.
6. نقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي على المؤسسات المالية
الوسيطة. حيث لا تخضع البنوك الاستثمارية للمنتجات المالية الجديدة مثل
المشتقات المالية أو الرقابة على الهيئات المالية التي تصدر شهادات
الجدارة الائتمانية كانت دورات الزيادة والهبوط في أسعار العقار مقصورة
في السابق على الدول التي تمر بها من قبل، لكن الفقاعة الأخيرة في قطاع
العقار الأمريكي أغرت البنوك الكبرى وصناديق الاستثمار من دول أخرى على
الدخول في سوق القروض العقارية الأمريكي، ما أدى إلى نشر مخاطرها على
نطاق أوسع.


1- 2 . التداعيات الدولية للأزمة المالية :
أخذت تداعيات هذه الأزمة تتفاقم منذ أكتوبر ٢٠٠٧ م بشكل سريع، وتشير
الأرقام المتاحة إلى أن الأسوأ في هذه الأزمة كان خلال الربع الأول
ونهاية الربع الثالث وبداية الربع الرابع من عام ٢٠٠٨م، وما زالت الأزمة
مستمرة مع وجود اختلاف بين المؤسسات الاقتصادية العالمية بين كون الأسوأ
في هذه الأزمة قد مضى أو أن الأسوأ فيها لم يأتي بعد. وتتمثل أهم تداعيات
الأزمة على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الدولي على النحو التالي :
أ- تداعيات الأزمة على الاقتصاد الأمريكي:
زادت هذه الأزمة من معاناة الاقتصاد الأمريكي، الذي يعانى بالفعل منذ
سنوات من النمو المتباطئ نتيجة العجز التجاري، وظهرت أعراض هذه الأزمة
على كافة مؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي للولايات المتحدة على النحو
التالي:
• تفاقم العجز في الميزانية، والذي وصل لأقصاه في الربع الأول من عام
٢٠٠٨ م، حيث أصبح يمثل حوالي 9.2 % من الناتج المحلى الإجمالي. مع وجود
توقعات بارتفاع عجز الموازنة في نهاية عام ٢٠٠٨ م من حوالي ١٥٥ مليار
دولار لحوالي ٢٥٨ مليار دولار بدون تكاليف خطة إنعاش الاقتصاد مقابل ١٦٣
مليار دولار عام ٢٠٠٧ م.
• ارتفاع حجم المديونية ليصل إلى ٣٦ تريليون دولار(حسب إحصاءات وزارة
الخزانة الأمريكية )، فقد ارتفعت الديون الحكومية لتشكل حوالي ٦٤ % من
الناتج المحلى الإجمالي، هذا إلى جانب ارتفاع مديونيات الأفراد والشركات
لتصل إلى 27.6 تريليون دولار، منها حوالي 2.9 تريليون دولار ديون أفراد
نتيجة التمويل العقاري، وحوالي 4.18 تريليون دولار ديون على الشركات.
• تزايد تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي منذ شهر يناير ٢٠٠٨ م، حيث شهدت
قطاعات الإسكان والتصنيع وحركة البيع والشراء ضعفًا في أنشطتها نتيجة
لارتفاع أسعار المواد والسلع الأولية والطاقة.
• ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 4.5 %، علاوة على ارتفاع معدلات
البطالة إلى5.1% وفقدان أكثر من ٣ مليون شخص لوظائفهم بمعدل ٨٠٠٠٠ وظيفة
شهريًا ليصل إجمالي من فقدوا وظائفهم في الاقتصاد الأمريكي بسبب أزمة
الرهن العقاري حتى مايو ٢٠٠٨ م أكثر من نصف مليون شخص.
• انخفاض المؤشر العام لثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى له منذ عام ١٩٩٢ م
نتيجة تخوف المستثمرين، حيث تراجع كل من مؤشر النشاط الصناعي في نيويورك،
ومؤشر الطلب على الاستهلاك إلى أدنى قيم لهما منذ أكتوبر ٢٠٠١ م، كما
انخفض معدل استخدام الطاقة الإنتاجية لأدنى مستوى له.
• تراجع تحويل رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي ٥٠ %،
لدرجة أن تحويل رؤوس الأموال أصبح كافيًا فقط لمجرد سد العجز في الميزان
التجاري الأمريكي، الذي بلغ حوالي ٦٠ مليار دولار.
• انخفضت مبيعات المنازل الأمريكية القائمة في شهر يناير 2009 إلى أدنى
مستوى لها منذ 11 عاما. وانخفض متوسط أسعار المنازل إلى أدنى مستوى له في
ستة أعوام. وفي الوقت نفسه أعلنت وزارة العمل الأمريكية عن ارتفاع معدلات
تسريح العمال في المؤسسات الفردية بمقدار 50 وظيفة أو أكثر في شهر يناير
2009 وقالت إنه من المرجح أن يستمر هذه الاتجاه لعدة شهور قادمة . كما
تراجعت عمليات بناء المساكن بنسبة 6% مع وجود توقعات بتراجعها بنسبة ١٠ %
أخرى بنهاية عام 2009 م.
• الهبوط السريع في سعر العملة الأمريكية مقابل العملات الرئيسية الأخرى
في العالم، حيث وصل الدولار إلى مستوى ١٠٠ ين ياباني وهو أدنى سعر له منذ
التسعينات، كما وصل اليورو إلى ما بعد حاجز الدولار والنصف لأول مرة منذ
صدور اليورو. وهو ما أدى لتزايد التحول عن التعامل بالدولار الضعيف سواء
من الأفراد أو الدول.
• تراجع أرباح البنوك الأمريكية، وذلك بعد إعدام مبالغ كبيرة من الديون
العقارية التي لم تتمكن من تحصيلها، وتوالي إعلان انهيار صناديق التحوط
التابعة لعدد من البنوك، بسبب القروض العقارية الرديئة، وحدوث عمليات بيع
واستحواذ في الجهاز المصرفي بأسعار متدنية جدًا، بعد تراجع أسعار أسهم
المصارف بشكل كبير.
• زيادة مشتريات الأجانب لحصص في الشركات والمصانع الأمريكية، وذلك بسبب
تراجع أسعار الأسهم وتراجع قيمة الدولار، حيث بلغت هذه المشتريات حوالي
٤١٤ مليار دولار في نهاية الربع الأول من عام ٢٠٠٨ م، وذلك بنسبة زيادة
حوالي ٩٠ % مقارنة بنفس الفترة من عام ٢٠٠٦ م.

وبالإضافة لما سبق قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إجمالي الخسائر
الاقتصادية الأمريكية بسبب أزمة الرهن العقاري بحوالي ٣٥٠ - ٥٤٠ مليار
دولار، بينما قدر صندوق النقد الدولي هذه الخسائر بحوالي ٩٤٥ مليار
دولار. ومهما كانت درجة الدقة في هذه الأرقام فإنها تبين مدى خطورة
الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي من حيث حجمها. والتأكيد هنا على
نوعية الأزمة أكثر من التأكيد على حجمها، حيث تكمن خطورة هذه الأزمة من
كونها ناجمة عن تراجع الاستهلاك الفردي وليس عن ارتفاع أسعار الفائدة كما
كان الأمر في الأزمات السابقة، وهو ما يجعلها أزمة ديناميكية قد تطول بعض
الوقت.

ب- تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي:
أكدت العديد من المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي
أن أزمة الاقتصاد الأمريكي بسبب الرهن العقاري لن تنجو منها أي دولة من
دول العالم، وأنها ستطول اقتصاد جميع الدول ولكن بنسب متفاوتة. وقد ظهرت
تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي بوضوح خلال الفترة المنقضية من
عام ٢٠٠٨ م، بشكل يؤكد أن العالم سيدفع ثمن التعافي من هذه الأزمة مع
الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثلت أهم تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد
العالمي في الآتي:
• تراجع التوقعات بشأن النمو في الاقتصاد العالمي عام ٢٠٠٨ م ليصل إلى
حوالي 5.1% وهو نمو يراه البعض صدى لنمو عام ٢٠٠٧ م، وأنه لن يكون هناك
نمو فعلي في عام ٢٠٠٨ م. وتشير دراسة للبنك الدولي(الأزمة المالية
العالمية: المواجهة في الحاضر، لضمان المستقبل15 نوفمبر 2008) إلى هناك
بلدان نامية كثيرة بدأت تدخل منطقة الخطر. فقد كان من المتوقع أن يبلغ
معدل النمو في البلدان النامية 6.4 % في عام 2009، ولكن الرقم خفض إلى
4.5 %. ومن المتوقع الآن أن تنكمش اقتصادات البلدان المرتفعة الدخل، التي
دخل كثير منها بالفعل في حالة ركود، بنسبة 0.1 % في عام 2009، وأن يهبط
معدل النمو العالمي إلى 1 %. وهناك قدر كبير من عدم التيقن، بل إن هذه
التصورات يمكن أن تكون متفائلة. وستضار بعض البلدان النامية بأشد من
المتوسط – بحيث تحقق نموا سلبيا بنسبة الفرد أو حتى بالقيمة المطلقة.
* والأزمة المالية العالمية، التي تأتي في أعقاب صدمة أسعار الغذاء
والبترول، يمكن أن تحدث نكسة كبيرة للحرب ضد الفقر. فمن المحتمل أن يؤدي
تضييق أوضاع الائتمان بشدة وزيادة ضعف النمو إلى تخفيض الإيرادات
الحكومية وقدرة الحكومات على الاستثمار لتحقيق الأهداف المتعلقة بالتعليم
والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين. وسيلحق أشد الضرر بالفقراء.
ونتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، تفيد التقديرات أن 100
مليون شخص عادوا إلى الوقوع في براثن الفقر المدقع. ومع كل هبوط بواقع 1%
في معدلات نمو اقتصاديات البلدان النامية، يضاف حوالي 20 مليون شخص آخر
إلى عدد الفقراء الآخذ في الازدياد.
*تعد مشكلة البطالة من اخطر التداعيات الناجمة عن الأزمة المالية ليس فقط
في أمريكا وأوروبا بل علي مستوي العالم وهو ما أكده تقرير لمنظمة العمل
الدولية بأن تأثير الأزمة علي الأمن الوظيفي مرتبط بفاعلية جهود الإنقاذ
والإنعاش لاقتصاديات الدول و توقعت المنظمة أن يبلغ عدد العاطلين عن
العمل‏198‏ مليون شخص‏,‏ محذرة من زيادة العدد إلي‏230‏ مليونا إذا ما
استمرت الأزمة الاقتصادية.
• تعرض العديد من البنوك حول العالم وخاصة في آسيا وأوروبا لخسائر من
جراء هذه الأزمة، الأمر الذي أدى إلى انتشار المخاوف بين البنوك من
الإقراض، وتراجعت معدلات تقديم الائتمان في العديد من دول العالم، الأمر
الذي دفع البنوك المركزية لضخ المزيد من الأموال في أسواق المال لتقليل
حدة هذه الأزمة.
• أدت هذه الأزمة إلى إيجاد نوع من عدم الاستقرار والتذبذب في الأسواق
المالية العالمية، وإلى وجود حالة من الخوف الشديد في أوساط المستثمرين
بشأن مستقبل الاقتصاد والاستثمار، دفعت بالكثيرين منهم إلى عدم الرغبة في
تحمل المخاطر، والبحث عن استثمارات آمنة في قطاعات أخرى، بل ودفعت البعض
منهم للمطالبة بعلاوات عن المخاطر تفوق ما تقدمه الحكومات، علاوة على ما
أحاط بعمليات الاندماج والاستحواذ من شكوك وغموض حيال الصفقات التي تتضمن
مبالغ جديدة من أدوات الدين.
• أدت الأزمة إلى شطب عدد من البنوك الكبرى في العالم ( حوالي ٢٥ بنك)
لأكثر من٣٠٠ مليار دولار من قيمة أصولها، نتيجة انخفاض قيمة الأوراق
المالية المضمونة بقروض عقارية منذ ٢٠٠٧م، الأمر الذي أدى إلى تراجع
السيولة النقدية المتاحة لدى البنوك لإقراضها للمستهلكين، وهناك تقديرات
بأن تصل القيمة إلى حوالي ٤٠٠ مليار دولار بنهاية عام 2008.

وتشير الأرقام إلى أن الأزمة قد امتدت إلى مناطق مختلفة من العالم، ففي
دول الاتحاد الأوروبي، وبرغم التوقعات التي سادت بعدم تأثرها بالأزمة إلا
أن الواقع الفعلي أثبت مدى خطأ هذه التوقعات، خاصة مع انخفاض وتراجع
أسعار العقارات في أوروبا وخاصة في اسبانيا. كما تراجع معدل النمو، حيث
خفضت مفوضية الإتحاد الأوروبي توقعاتها للنمو الاقتصادي في منطقة اليورو
إلى 8.1 % هذا العام نتيجة للشكوك حول مصير الاقتصاد العالمي، كما حذر
وزراء مالية دول منطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي من ارتفاع معدلات
التضخم، والتي وصلت إلى 5.3% نتيجة لاقتران ارتفاع أسعار النفط والمواد
الغذائية مع التباطؤ الاقتصادي وانخفاض ثقة المستهلكين.
من ناحية أخرى أطلقت العديد من الشركات الأوروبية الكبرى إشارات تحذيرية
من تأثير الأزمة الأمريكية عليها، كما أثرت الأزمة على الشركات الأوروبية
التي تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحملت شركة بى إم دبليو
لصناعة السيارات خسائر بقيمة ٢٣٦ مليون دولار نتيجة تزايد الديون
المعدومة وتراجع نشاط تأجير السيارات،واتساع تأثير الأزمة ليشمل قطاعات
مثل الصناعات الدوائية وصناعات البناء.
أما في الصين والهند فبرغم التفاؤل لدى بعض الشركات المتواجدة في الأسواق
الصينية والهندية بأن يكون تأثير الأزمة على الأسواق الصينية ضعيف ، إلا
أن الواقع يؤكد حتمية تأثر الصين بهذه الأزمة بشكل واضح، وذلك لأن الصين
تصدر حوالي ٢١ % من صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. على صعيد
آخر أثرت هذه الأزمة على الاقتصاد الياباني الذي شهد تراجعًا في النمو
الاقتصادي، وعدم استقرار أسواق الأسهم، مما دفع البنك المركزي للإبقاء
على معدل الفائدة منخفضًا عند0.5 %، كما تراجعت مبيعات الشركات المصدرة
نتيجة لانخفاض الدولار، وانخفض إنتاج المصانع لأدنى مستوياته منذ خمس
سنوات بمعدل ٣.١.%
ج- مظاهر التعرض للمعاناة والأثر على البلدان النامية :
كانت البلدان النامية في بداية الأمر محمية من أسوأ عناصر هذا الاضطراب،
ولكن الوضع لم يعد كذلك، نظرا لأن الانخفاض الدوري الذي كان قد بدأ
بالفعل في شهر سبتمبر قد اشتد. وأصبحت الأوضاع المالية أكثر تضييقا، وجفت
تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية، وسحبت مبالغ هائلة من رؤوس
الأموال، مما أدى إلى انخفاض حاد في قيم الأسهم وزيادات في هوامش أسعار
الفائدة على السندات. واعتبارا من منتصف أكتوبر، كانت أسواق الأسهم في
البلدان النامية قد خسرت معظم مكاسبها المتحققة منذ بداية عام 2008
واختفت عمليات الطرح العام الأولي للأسهم. وارتفعت بشدة هوامش أسعار
الفائدة على السندات السيادية والديون التجارية (التي كانت حتى عهد قريب
أهم مصدر لتمويل احتياجات البلدان النامية).
حيث من المتوقع بالفعل حدوث انخفاضات حادة في تدفقات رؤوس الأموال إلى
البلدان النامية. وحتى لو أمكن بسرعة التحكم في موجات الذعر التي أغرقت
أسواق الائتمان والأسهم في كافة أنحاء العالم، فمن المتوقع أن تؤدي
عمليات تخفيف مستويات الاستدانة المالية في الأسواق المالية وتحقيق تدعيم
يستغرق فترة طويلة للأجهزة المصرفية إلى حدوث تخفيضات حادة في تدفقات
رؤوس الأموال إلى البلدان النامية. ومن المتوقع أن تهبط تدفقات رؤوس
الأموال الخاصة إلى البلدان النامية من 1 تريليون دولار في عام 2007 إلى
حوالي 530 مليار دولار في عام 2009 (أي من 7.7 % إلى 3.0 % من إجمالي
الناتج المحلي للبلدان النامية).
وستكون للأزمة المالية العالمية التي لا تزال أبعادها تتكشف انعكاسات
رئيسية على خطط تنمية البنية الأساسية في البلدان النامية. لا تزال
البنية الأساسية تمثل أولوية كبرى لمعالجة الفجوات الإنمائية، إما في
تقديم الخدمات الأساسية أو في تخفيض العوائق أمام التجارة والقدرة على
المنافسة. وستصيب الأزمة المالية بعض المشروعات القائمة بعسر مالي،
وستحدث اضطرابات هامة في برامج عمل البلدان المعنية الخاصة بمعالجة النقص
في مرافق البنية الأساسية. ومن المحتمل أن يأتي العسر المالي في مشروعات
البنية الأساسية القائمة إما من (1) قضايا السيولة الناشئة عن عدم القدرة
على تجديد التمويل المستند إلى الأسواق الذي قد لا يكون متوافقا مع
متطلبات المدة الخاصة بالتدفقات النقدية التي تستند إليها، أو من (2)
انخفاض الطلب الذي يقل احتمال تأثيره على المشروعات المهيكلة (المنظمة)
التي تعتمد بصورة رئيسية على العقود، أو من (3) عدم تنفيذ الحكومات/
المستفيدين/الموردين للعقود في المشروعات المهيكلة. ويمكن تخفيف السببين
الأولين للعسر جزئيا عن طريق توفير تسهيلات إعادة التمويل أو إعادة
الرسملة من المؤسسات المالية الدولية أو من القطاع العام. وتقترح مؤسسة
التمويل الدولية إنشاء برنامج تسهيلات لتقديم تمويل يتراوح بين القصير
والمتوسط الأجل لمشروعات البنية الأساسية، على أن تتم تعبئة الأموال
اللازمة له من المؤسسات المالية الدولية الأخرى والحكومات.

2- النماذج الدولية لمواجهة الأزمة المالية :
لم تقف الحكومات وواضعي السياسات موقف المتفرج على الأزمة المالية
العالمية فمنذ وقوع الأزمة تبنت البنوك المركزية في معظم دول العالم وفي
مقدمته البنك المركزي الأمريكي سياسة تقوم على توفير السيولة سواء من
خلال ضخ أموال في الأسواق، أو من خلال تخفيض أسعار الفائدة ... ويمكن
تحليل الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة الأزمة المالية في النماذج
التالية :
أ-الولايات المتحدة الأمريكية :
ركزت خطة إنعاش الاقتصاد الأمريكي الذي تبناها الرئيس بوش على خفض أسعار
الفائدة الأساسية، وضخ حوالي ٧٠٠ مليار دولار من السيولة في شرايين
الاقتصاد الأمريكي، حيث تم خفض أسعار الفائدة حوالي ٨ مرات منذ بداية
الأزمة، كان أخرها خفض بنسبة 0.25 % وذلك لدعم الاقتصاد الأمريكي الضعيف
في مواجهة الاضطرابات المتزايدة في أسواق المال العالمية، ليبلغ سعر
الفائدة 1.5 %، بجانب إجراء تخفيضات ضريبية تصل إلى 150مليار دولار
لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي .
ورغم هذه الإجراءات إلا أن عدم الاستقرار ما زال مسيطرًا على الأسواق
العالمية بسبب الشكوك حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي، خاصة مع استمرار
تدنى المؤشرات الاقتصادية الكلية، ومع عدم وجود بوادر إيجابية تشير إلى
حل مشكلة الائتمان الراهنة، هذا علاوة على المشاكل الخاصة بانخفاض أسعار
المساكن وتدنى قيمتها، الأمر الذي جعل صندوق النقد يصف الاقتصاد الأمريكي
بأنه على مشارف الركود والتوقف، بل إنه سيمر بفصول من النمو السلبي
وتراجع في النمو سيكون له عواقبه الوخيمة على مجمل الاقتصاد العالمي.
ب-الدول الأوربية :
قامت البنوك المركزية الأوروبية بإجراءات مماثلة في محاولة للتخفيف من
حدة الأزمة، كما قامت بعض المؤسسات المالية وكبار المساهمين بدعم مؤسسات
مالية وعقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل سيتي جروب وميريل لينش
لإنقاذها من الانهيار.وتقديم ضمانات للودائع لدى الجهاز المصرفي من قبل
الحكومات كذلك دعوات التهدئة التى قدمها بعض وزراء المالية
ج-دول جنوب شرق أسيا :
اتفق زعماء دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) على تنسيق السياسات واتخاذ
إجراءات مشتركة لمواجهة الازمة المالية التي تلحق الضرر باقتصاداتهم
المعتمدة على التصدير مناقشات حول إنشاء صندوق لمساعدة دول المنطقة على
مواجهة الأزمة المالية التي عصفت بأكبر شركائها التجاريين في أوروبا
والولايات المتحدة.
د- مجموعة البنك الدولي تؤازر جهود مواجهة الأزمة المالية العالمية :
يتخذ البنك الدولي في الوقت الحالي بالفعل إجراءات مهمة لحماية البلدان
النامية من آثار الأزمة المالية العالمية التي أثرت على بلدان العالم
تتمتع مجموعة البنك الدولي بوضع يمكنها من زيادة مساندتها المالية من
خلال المؤسسة الدولية للتنمية ومساهمات المانحين التي ستبلغ 42 مليار
دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة، مع أشد بلدان العالم فقرا للتعجيل
بالمساندة حسب مقتضى الحاجة. وقد شرعت مؤسسة التمويل الدولية في إطلاق 4
برامج تسهيلات جديدة لإعادة رسملة البنوك، وتمويل البنية الأساسية،
وتسهيل التجارة، وإعادة تركيز الخدمات الاستشارية. وبجمع هذه المبالغ مع
أموال تعبأ من جهات أخرى، يمكن لهذه التسهيلات الجديدة تقديم أكثر من 30
مليار دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة. كما يمكن للوكالة الدولية
لضمان الاستثمار توفير السيولة التي تمس الحاجة إليها في الأجهزة
المصرفية في البلدان النامية.


3- السيناريوهات المحتملة للأزمة المالية العالمية :
تفاوتت التوقعات بشأن التطورات المحتملة في الأزمة المالية الراهنة،
فهناك من يرى أن المرحلة الصعبة فيها قد انتهت، وأن الاقتصاد العالمي
سيتعافى في نهاية هذا العام، وهناك من يرى أن هذه الأزمة ستطول بعض
الوقت، وقد تمتد حتى عام ٢٠١٠ م، وأن بوادر تعافي الاقتصاد الأمريكي ومن
ثم العالمي ستكون في النصف الثاني من عام ٢٠٠٩ م على الأقل. ولذلك فإن
وضع سيناريو معين لمستقبل الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي في ظل هذه
الأزمة يتوقف على طبيعة المرحلة التي يمر بها، وعلى مدى الاستقرار أو
التغير في أسعار المساكن وقدرتها على تخفيف الضغط على شركات التمويل لشطب
الخسائر المرتبطة بالرهون العقارية، ومن ثم فإنه قد يكون من الصعب في هذا
الوقت تحديد عمق أو مدة هذا التباطؤ أو الركود. إلا أنه بشكل عام يمكن
وضع ثلاثة سيناريوهات لما يمكن أن يكون عليه وضع الاقتصاد الأمريكي
والاقتصاد العالمي في المرحلة القادمة:
أ- السيناريو الأول: التعافي الاقتصادي السريع (المتفائل) :
وهذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلا، ويقوم على توقع أن تكون مرحلة التباطؤ
التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي قصيرة ومؤقتة، وسيليها
مرحلة من الانتعاش السريع في نهاية عام ٢٠٠٨م، وذلك للأسباب الآتية:
١- الأثر الفعال المنتظر من الإجراءات السريعة التي اتخذتها الولايات
المتحدة الأمريكية ودو ل العالم الأخرى بعد ظهور الأزمة، والتي سعت
لإنعاش الإنفاق الاستهلاكي، وإجراء المزيد من التخفيضات الضريبية، والتي
يتوقع لها أن تختصر فترة التباطؤ، وتعيد الانتعاش إلى الاقتصاد الأمريكي
ومن ثم الاقتصاد العالمي.
٢ -أن معدل التخلص من الوظائف في الولايات المتحدة بلغ ٨٠٠٠٠ وظيفة
شهريًا منذ ديسمبر٢٠٠٧ م، ويعتبر هذا أمرًا بسيطًا، وذلك لأن المعدل
الطبيعي للتخلص من الوظائف في معظم فترات الركود كان من ١٥٠٠٠٠ - ٢٠٠٠٠٠
وظيفة شهريًا وهو ما لم يصل إليه الاقتصاد الأمريكي بعد.
٣- أن السياسات النقدية والمالية المرنة التي تتبعها الولايات المتحدة
كفيلة بأن تساهم في إنهاء حالة الركود، وتعتبر عملية إنقاذ المصارف من
الإفلاس مثالا على سرعة ومرونة التحرك إزاء السياسات المالية والنقدية
لاحتواء هذه الأزمة.
٤ -سيادة التوقعات بقدرة الدول النامية الغنية ومنها الدول النفطية
والخليجية على المساهمة بشكل فعال في انتشال الاقتصاد الأمريكي والعالمي
من مستنقع الركود، وذلك من خلال ضخ المزيد من الأموال لامتصاص هذه
الأزمة، وفي هذا المجال يشار إلى قيام حكومات سنغافورة والكويت وكوريا
الجنوبية بضخ أكثر من ٢١ مليار دولار لإنعاش سيتى جروب وميرل لنش، وإلى
ضخ صناديق الاستثمار بالدول النامية لحوالي ٩٦ مليار دولار بأكبر بنوك
العالم منذ بدء الأزمة.
ب - السيناريو الثاني: الدخول في مرحلة من الركود غير القصيرة ( الأقل
تفاؤلاً ( :
وهذا السيناريو أقل تفاؤلا، ويقوم على أن الجزء الأسوأ من الأزمة المالية
العالمية قد انتهى، وأنه على الرغم من عدم وجود توقعات بالمزيد من
الانهيارات وأزمات السيولة في مؤسسات مالية ومصرفية جديدة، إلا أن
الاقتصاد الأمريكي ومن ثم العالمي لن يعود لوضعه الطبيعي في المستقبل
القريب، وستكون هناك مرحلة من الركود يتوقع أن تستمر حوالي ١٢ شهرًا على
أقل تقدير إن لم تمتد إلى ١٨ شهر. ويعزز هذه السيناريو ما أعلنه صندوق
النقد الدولي بانخفاض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي ليصل إلى ١.٥ % عام
٢٠٠٨ م، وكذلك الضعف المستمر للدولار الأمريكي، وضعف المؤشرات
الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم، هذا إلى جانب تدهور المؤشرات الخاصة
بسوق الإسكان، وما هو معروف من أن دورات الإسكان طويلة، حيث تستمر فترات
التراجع فيها لمدة غير قصيرة.
ج- السيناريو الثالث: الدخول في نفق الكساد المظلم ( المتشائم( :
وهذا السيناريو متشائمًا، واحتمالات حدوثه منخفضة، ويقوم على أن الاقتصاد
الأمريكي، ومن ثم العالمي على مشارف الدخول لنفق مظلم من الركود سيؤدي
بالتبعية إلى حالة من الكساد الاقتصادي طويل الأمد، وذلك عبر حدوث
تداعيات أكثر سوءًا سيكون تأثيرها سلبي وكبير على العالم، ويستند التشاؤم
في هذا السيناريو على الأتي:
• ارتفاع معدلات التضخم، التي ستزيد من الضغوط المفروضة على مالكي
الرهونات العقارية، ومن ثم تنخفض معدلات تكوين مدخرات، سواء على مستوى
الأفراد أو على مستوى الدول، والتي ستحتاج لوقت طويل لتجديد مدخراتها مرة
أخرى.
• أن كل الجهود المبذولة من قبل الحكومة الأمريكية بالتعاون مع البنوك
المركزية العالمية لحل هذه الأزمة هي مجرد مسكنات لامتصاص الأثر النفسي
عن طريق تأمين السيولة، ومنع انهيار أسعار الأسهم والسندات والأصول
الأخرى، خاصة في ظل استمرار التأثير السلبي لمشكلات قطاع الإسكان، والتي
حتمًا ستأخذ وقتًا أطول لحلها قد يصل لسنتين.
• وصول سياسة تخفيض سعر الفائدة من أجل توفير السيولة لنهايتها دون أن
تنتهي الأزمة، مع بقاء الصعوبة في سداد الديون الناجمة عن أزمة الرهن
العقاري، وهو ما سيقود لمرحلة من الركود القوي في الاقتصاد الأمريكي ومن
ثم العالمي.

وأيًا كان السيناريو الذي سيحدث لهذه الأزمة خلال الشهور والسنوات
القادمة، فإنه يبدو أن معدل النمو في الاقتصاد العالمي سيظل منخفضًا
لفترة غير قصيرة حتى ولو لم يتحول لنمو سلبي فسيبقى أقل مما كان عليه عام
٢٠٠٧ م، كما أن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأمريكي والعالمي ستحتاج
لفترة لتعويضها، الأمر الذي يشير إلى استمرارية ضعف الاقتصاد العالمي
لفترة زمنية طويلة قد تستغرق بعض الوقت.


Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages