من الذي يناكف في الحوار؟ عقدت يوم الأربعاء الماضي الموافق الخامس عشر من مايو 2013 جلسة الحوار السابعة عشر، وكالعادة استمرت المناكفات داخل القاعة، لقد مرت ثلاثة أشهر منذ بدأ انتظام جلسات الحوار، إلا أنه حتى اللحظة لا تلوح في الأفق بارقة أمل تدل على أنه سيفضي إلى نتائج إيجابية، وهذا نتيجة لعدة عوامل واضحة للعيان، والسؤال المهم من الذي يناكف هناك؟.
أولاً:- تمثيل الحكم في الحوار، فهو من يمسك بجميع الصلاحيات:-
عند النظر إلى تاريخ الصراعات السياسية في البحرين نجد أنه عقدت مجموعة من الحوارات مثل فيها الحكم، وعلى سبيل المثال، الحوار ما بين السلطة ممثلة في وزير العمل والجمعيات السياسية الأربع، وقد قدم فيه تقرير للمؤتمر الدستوري الثالث والذي أقيم في جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" في 23 مارس 2006 بعنوان نحو دستور عقدي لمملكة دستورية، وجاء فيه التالي:- وبعد ثلاث اجتماعات بين ممثلي السلطة والمعارضة توصلوا لوثيقة جاء في بندها الثالث التالي:-
"إن الحوار بين وفد "السلطة" برئاسة الدكتور مجيد بن محسن العلوي، ووفد الجمعيات السياسية الأربع، يرتكز على أساس المصلحة الوطنية، وأن يكون مبنياً على أساس المصارحة والشفافية."، وليس وفد الحكومة.
كذلك الحوار الذي دار في العام 2011 بين سمو ولي العهد ممثل الحكم وبين جمعيات المعارضة، حيث توصل سموه بعد أن أستلم مبادئ الجمعيات السياسية إلى مذكرة تفاهم عرضت على جلالة الملك ووافق عليها في يوم الثاني عشر من مارس 2011 حسب ما هو مذكور في تقرير بسيوني، وقد جاء فيه التالي:-
الفقرة 461 من التقرير- ولاحقاً، تم استخدام المبادئ آنفة البيان في إعداد مذكرة تفاهم حددت آلية الحوار، حيث التقى سمو ولي العهد بجلالة الملك وأخذ موافقة جلالته على تلك الوثيقة وعلى أن تكون المشاورات مع المعارضة على ذلك الأساس.
ويتضح من الفقرة السابقة أن الملك فوض ولي العهد بأن يتحاور مع المعارضة كممثل للحكم ضمن إطار مذكرة التفاهم. والغريب في الأمر أن بعض أطراف الحوار يعتبر المطالبة بتمثيل النظام بدعة ضلالة، بينما طالبت هذه الأطراف نفسها بأن يكون هنالك تمثيل للنظام في الجمعية التأسيسية للدستور التي طالبت بها المعارضة إبان فتر فبراير ومارس 2011، وهذا ما جاء على لسان الشيخ عبد اللطيف المحمود في يوم الثالث عشر من مارس 2011 حسبما ورد في تقرير بسيوني الفقرة 505 البند "د" :- "أن الاجتماع الذي عقد بين تجمع الوحدة الوطنية وأحزاب المعارضة في اليوم السابق في مقر الوفاق قد انتهى إلى طريق مسدود، حيث تمثل الخلاف الرئيسي بين المشاركين في إصرار المعارضة على انتخاب الجمعية التأسيسية بدون أي ممثلين للنظام. ومن الناحية الأخرى فإن تجمع الوحدة الوطنية يرى أن تمثيل النظام هو أمر لا غنى عنه في الجمعية التأسيسية".
أما اليوم فإن ممثلي الفاتح يرفضون أي تمثيل للنظام، ويبدوا أن سبب رفضهم لذلك هو أنه من مطالب المعارضة فقط لا أكثر، فهذا الحوار يهدف لحل نفس الأزمة الموجودة في 2011، فما هو الداعي لهذا التمايز في الموقف الآن؟!!!.
ثانياً:- الاستفتاء الشعبي:-
بموجب طريقة الاستفتاء الشعبي يمارس الشعب سيداته بصورة مباشرة، ويتم ذلك عن طريق قيام جهة ما بتحضير وإعداد مشروع لمواد دستورية "كما هي طاولة الحوار اليوم"، ثم يعلن هذا المشروع على الرأي العام للإطلاع على نصوصه "كما تطلب المعارضة"، فيتم تحديد موعد التصويت، فإذا صوت الشعب بالموافقة أصبح الدستور نافذاً، دون الحاجة لعرضه على أي جهة أخرى، أي أن الشعب في هذه الحالة هو صاحب القرار النهائي في قبول الدستور أو رفضه، وبذلك يصبح هذا الأسلوب الأقرب إلى الديمقراطية بصورتها المثالية لأن الشعب صاحب السيادة ومصدر جميع السلطات يقوم بوضع دستوره بنفسه، وذلك ما يتوافق مع ما نص عليه دستور مملكة البحرين في المادة رقم"1" البند (د) والتي تنص على أن "نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً".
وهذا ما ذكرته المذكرة التفسيرية لدستور المملكة في المادة 43 حيث نصت على أنه "نتيجة للتطور الذي صاحب الديمقراطية في العالم المعاصر، أخذت معظم الدساتير الحديثة بتطعيم النظام النيابي الواسع الانتشار، والذي يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة.
ولقد سايرت التعديلات الدستورية هذا الاتجاه، وأخذت بالاستفتاء الشعبي، وأشركت بذلك الشعب أشاركاً فعلياً في ممارسة السلطة، لذلك أضيفت المادة رقم "43" لتعطي الملك الحق في استفتاء الشعب في القوانين والقضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، على أن تكون نتائج الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية".
ولقد وافق الملك على مذكرة التفاهم التي قدمها له ولي العهد في يوم السبت الموافق 12-مارس 2011 حسب تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي جاء فيها في الفقرة 461 البند "ج" بأنه "إذا توافقت الآراء على تعديل الدستور، يتعين أن تعرض التعديلات المقترحة في استفتاء شعبي، وتدخل نتائج ذلك الاستفتاء حيز التنفيذ فور إعلانها بشرط مشاركة 70% على الأقل من الناخبين في التصويت، وأن يوافق على الأقل ثلثا الناخبين على التعديلات المقترحة. ويمكن لكلا الجانبين التشاور مع القوى الفاعلة في المجتمع البحريني من أجل التوصل إلى إجماع وطني حول التعديلات المقترحة"، فإن هذه الموافقة تدل على أن القضية المستمرة إلى اليوم تدخل تحت نطاق ما نصت عليه المادة "43" من "القضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد" التي يعرضها الملك على استفتاء شعبي، ولما لهذه القضية من أهمية ومن أجل ضمان استقرار وازدهار البلاد وحل الأزمة السياسية الدستورية الطاحنة وجب أن يشرك فيها الشعب بوصفه مصدر السلطات جميعاً وصاحب السيادة، عن طريق عرض مخرجات هذا الحوار من نصوص دستورية وقانونية على استفتاء شعبي، وتدخل حيز النفاذ بمجرد إقرارها.
هذا وقد ذكر تقرير بسيوني أيضاً في الفقرة 505-"ه" أن تجمع الوحدة الوطنية يختلف مع المعارضة في إصرارها على مناقشة شروط مسبقة ومبادئ للحوار الوطني المقترح، خاصة وأن نتائج الحوار ينبغي أن تعرض على الشعب للموافقة عليها من خلال استفتاء شعبي"، بينما يرفض اليوم ممثلي الفاتح عرض نتائج الحوار على استفتاء شعبي بحجة أن هذا الأمر تجاوز للأطر الدستورية وسيؤجج الفتنة والفرقة في البلاد.
والسؤال هنا هل كان الاستفتاء سابقاً لا يتجاوز الأطر الدستورية ولا يحرض على الفتنة، بينما أصبح كذلك الآن عندما طرحته المعارضة كمطلب؟!!!.