شارك عدد من الفنانين التونسيين والضيوف العرب في سهرة افتتاح مهرجان الأغنية التونسية في دورته الواحدة والعشرين وذلك بقاعة الأوبيرا بمدينة الثقافة بالعاصمة والتي خصصت لتكريم الفنانة ذكرى بعد مرور 20 سنة على رحيلها في حادثة تراجيدية أنهت رحلتها وهي في اوجها وفي قمة مسيرتها الفنية. فقد عثر على الفنانة التونسية في 28 نوفمبر من سنة 2003 مقتولة ووجه الاتهام لزوجها رجل الاعمال المصري ايمن السويدي الذي مات منتحرا وفق الرواية الرسمية بعد أن اجهز على زوجته في منزلهما بالعاصمة المصرية القاهرة.
وقد وجب الاعتراف بأن السهرة ( الثلاثاء 7 مارس ) لم تكن حزينة ولا مملة بل على العكس من ذلك قد دارت في اجواء من الفرح والحماسة ملفتة للانتباه ويعود الفضل في ذلك لذلك الرصيد الغنائي الذي تركته الفنانة ذكرى فاغلب اغانيها جميلة ومتقنة ومحببة للنفس مما جعل السهرة تمر بسلاسة ومكن الجماهير من ان تستعذب الالحان الجميلة. وقد ساهمت ذكرى رغم غيابها في لمة فنية رائقة تونسية عربية استمع فيها الجمهور إلى مجموعة من بين أجمل اغانيها من آداء اصوات تونسية شابة وعدد من الفنانين المعروفين على غرار نوال غشام ومحمد الجبالي ويسرى محنوش وألفة بن رمضان وايضا اسماء من ليبيا وذلك إلى جانب مشاركة الفنانين المصريين محمد الحلو وهاني شاكر وقد قدم كل منهما اغنية من اغانيه الخاصة.
وافتتحت الفنانة الشابة آمنة دمق سلسلة الاغاني وقد ادت أغنية " إلى حضن أمي" وتولى خلالها الموسيقار عبد الرحمان العيادي الذي كان لسنوات طويلة رفق درب الفنانة ذكرى قيادة الفرقة الوطنية للموسيقى قبل أن يسلم المشعل لمديرها الحالي يوسف بلهاني ثم أدت الفنانة الشابة صفاء سعد أغنية "وحياتي عندك" وادى غازي العيادي اغنية "انا زي زمان" وادت نوال غشام اغنية ليبية تلتها مشاركة الشاب جيلاني من ليبيا الذي قدم اغنية "سلبت عقلي" ثم الفة بن رمضان التي أدت اغنية " كل اللي لاموني". وقدم خالد الزواوي اغنية " من قالك يا عين" وأدت آية دغنوج اغنية "الله غالب" وقدم محمد الجبالي اغنية " يوم ليك " واختتمت يسرى محنوش سلسلة اغاني ذكرى بادائها لاغنية "الاسامي".
وقد تميزت اغلب الاصوات باتقانها للاغاني وحماسها الواضح لتكريم فنانة كان من الممكن أن تكون بيننا اليوم وأن تمتع الجماهير بصوتها الهادر الذي استمع اليه الجمهور في السهرة في مقاطع "فيديو" ومقتطفات من تسجيلات لبرامج قديمة من بينها برامح للراحل نجيب الخطاب الذي كان يعرف جيدا كيف يقدم الفنانين الشباب أمام الجماهير الواسعة. مع العلم أن الجمهور ما انفك يصفق ويهتف مشجعا ومتفاعلا بقوة مع برنامج السهرة الأمر الذي جعل منشط السهرة ( مع اميمة العياري) حاتم بن عمارة يثني عليه ويكرر الثناء عدة مرات خلال الحفل.
وكان صعود الفنان هاني شاكر على مسرح أوبيرا مدينة الثقافة وادائه لاغنيته " يا ريت" من أجمل اللحظات في سهرة افتتاح مهرجان الأغنية التونسية في دورته الجديدة. غنى هاني شاكر بصوته الطربي الصافي فبين أن السنين الطويلة لم تفقد صوته قوته بل على العكس مازال صوته صادحا جميلا ومازال قادرا على اختراق كل جدران الصد للوصول إلى اعماق اعماق الجماهير الميالة للطرب والتي لا تحركها إلا الاغاني الراقية.
شدد هاني شاكر في كلمته التي القاها بالمناسبةعلى حب تونس واشاد بقوة بحرفية الفرقة الوطنية للموسيقى التي قال إنها برهنت عن كفاءة عالية مثنيا على قائد الفرقة يوسف بلهاني الذي قال إنه اتفق معه على اختيار أغنية "يا ريت " لتقديمها في السهرة. وهي فعلا بالنسبة للعارفين برصيد هاني شاكر من احلى اغانيه. أغنية مليئة بالشجن المحبب للنفس وفيها لمسة انسانية جميلة ويزيدها طبعا أداء هاني شاكر حلاوة.
وكان الفنان المصري محمد الحلو قد احيا عاصفة من الذكريات وهو يغني اغنية جينيريك مسلسل ليالي الحلمية الشهير. لقد ادى الاغنية باقتدار كبير فأعاد إلى الاذهان احداث ذكرى احد اجمل المسلسلات المصرية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات بالقرن الماضي والذي تدور احداثه حول التغييرات التي عاشها المجتمع المصري من الحقبة الأخيرة من حكم الملوك في مصر إلى العشريات الاخيرة في القرن العشرين. وقد ادى ادوار البطولة في هذا المسلسل بأجزائه العديدة كبار الممثلين المصريين من بينهم يحيى الفخراني وصلاح السعدني وصفية العمري وممدوح عبد العليم واثار الحكيم ( ثم الهام شاهين) وهشام سليم وهدى سلطان وغيرهم.
وقد أدى اغنيته وسط ترحيب الجماهير التي صفقت له بقوة مما اضفى على السهرة أجواء من البهجة التي نفتقدها كثيرا في هذا الظرف الصعب الذي تمر به بلادنا في مختلف المستويات والذي انعكس على النفسيات فخلق حالة من الاحباط تكاد تتفشى بين أكبر عدد من المواطنين.
وإذ اعتبرنا أن الفضل يعود في ذلك إلى الفنانة ذكرى الغائبة جسديا والحاضرة بفنها الخالد فإنه لا يفوتنا الاشارة إلى أن هيئة التنظيم قد توفقت في خلق لمة فنية حقيقية جمعت بين اجيال متعددة من التونسيين أولا وبين تونسيين وليبيين ومصريين ثانيا. الجميع التقوا من اجل ذكرى وايضا من اجل لقاء بين اجيال من الفنانين العرب الذي قلما يتاح لظروف معروفة مع ضرورة الاشارة إلى ان المهرجان كرم الموسيقار صلاح الشرنوبي الذي قدم شهادة تحدث فيه عن نجاح التجربة الفنية الذي جمعته مع الفنانة ذكرى كما كرم المهرجان الموزع الموسيقي المصري هاني عبد الكريم والاعلامية المصرية منى الشاذلي وقبلهم جميعهم كرم الموسيقار التونسي والقائد السابق للفرقة الوطنية للموسيقى الفنان عبد الرحمان العيادي.