منذ ان وعى الانسان ارتقت المرأة في حضارة بلاد الرافدين مكاناً متميزاً متمتعة ببعض الامتيازات مقارنة مع غيرها في غير الوسط الجغرافي الذي عاشته فقد ارتبطت بالأرض فهي الام وهي المانحة للحياة وهي المالكة الراعية والرب الحامية ولذلك أعطاها المجتمع حقها ومكانتها بتميز و تقدير لم تنله الحضارات المجاورة المرأة الرافدينية ومكانتها واهميتها كأنموذج امرأة عاملة وامرأة ملكة وعلاقتها بأسماء الآلهة جاء مدونا ً بالخط المسماري في الأساطير السومرية والبابلية كطفرة زمنية نوعية في حياتها ضمن مسيرة المجتمع البشري وارتقاؤها إلى منزلة الآلهة جاء عبر عدة ملاحم وأساطير عدة منها قصة الخلق ثم قصة الطوفان وبأسماء عدة منها الآلهة (نمو) السومرية خالقة الإنسان تقابلها (مامي) البابلية والتي تعني الأم الكبرى والأرض والتربة الخصبة
اتفق العلماء عموماً على أن المرأة كانت تتمتع بأكبر قدر من الحريات في المراحل المبكرة من التطور الثقافي في بلاد ما بين النهرين من فترة أوروك (4100-2900 قبل الميلاد) إلى فترة السُلالات المبكرة (2900-2334 قبل الميلاد) ومن النساء الشهيرات في العراق القديم الملكة (بو-أبي) زوجة الملك آبار- كي أحد ملوك سلالة آور الأولى سنة(2650 ق.م) اشتهرت هذه السيدة السومرية بمقبرتها المكتشفة في أور في أواخر العشرينات من القرن الماضي والشهيرة بزينتها وأثاثها الملكي من الحلي والأحجار الكريمة وكذلك الضحايا البشرية التي رافقتها إلى مقبرتها والمؤلفة من حاشيتها وخدمها وحرسها بألبستهم الكاملة وأسلحتهم وعرباتهم وعددهم تسعة وخمسون شخصا
كما انه لم يشيد صرح لامرأة في العالم إلا لامرأة واحدة في أرض الرافدين وهو العراق واي صرح انه حدائق معلقة وجنان معلقة لملكة في مملكة بابل فأي هدية واي صرح بني من الزهور والرياحين قدم هدية وتقدير لامرأة عراقية ... إنها زوجة الملك البابلي نبوخذ نصر اما في الإمبراطورية الاكدية ومؤسسها الملك سرجون الاكدي (2371-2200 ق.م) فقد كان للمرأة ً دور فاعل في إرساء هذه الإمبراطورية وسبل نجاحها فقد قام الملك آلاكدي سرجون ببسط نفوذه على المدن السومرية الشهيرة أور والوركاء بواسطة ابنته الكاهنة انخي دوانا "إن-هيدو-انا" وهي اول اميرة تشغل مركز الكاهنة العظمى استطاعت بقوتها ومكانتها من سن قانون بقاء منصب الكاهنة للأميرات من بنات واخوات الملك وهي اول شاعرة في التأريخ وواحدة من اعظم شاعرات العالم القديم وتميزت بأدبها الذي شكل مفصلاً بين الادب السومري والادبين البابلي والاشوري حيث نظمت كتابة القصائد لمدح الآلهة كما اختار إلهة أنثى (إنانا / عشتار) كحامية له
زبيدة بنت جعفر المنصور:
كانت لؤلؤة ساطعة وهي زوجة هارون الرشيد وأم الأمين ترعرعت في قصر أبيها جعفر فهي زوجة خليفة وابنة خليفة انفرجت موهبتها وتميزت بحدة الذكاء وازدادت علما وأدبا في عصر زوجها الرشيد كانت شاعرة ملهمة وكثيرا ما كانت ترسل رسائلها مفرغة بأبيات شعرية إلى الرشيد وكُنيتها زبيدة نظرًا لشدة بياضها كانت بمثابة بصمة واضحة في الخلافة العباسية كانت من السيدات اللائي تركن ورائهن بصمة واضحة في الحياة فقد أقدمت على الكثير من الأعمال حيث عملت على بناء أحواض ساقية للحجاج خاصة القادمين من بغداد إلى مكة المكرمة ويوجد بئر باسمها حتى اليوم كما وتميزت بعطائها مع الفقراء والمحتاجين ولها فضلٌ عظيمٌ في العمران والحضارة والاهتمام بالأدباء والشعراء عملت زبيدة على تحفيظ جواريها القرآن فهي أم الخليفة الأمين الذي قتل على يد أخيه المأمون بعد نزاع على السلطة اختلفَت زُبيدة مع زوجها الخليفة هارون الرشيد على من يتولى الخلافة من بعده فهي أم أولاً وأخيراً وابنها محمد الأمين هو الأصلح من وجهة نظرها لتولى الخلافة رغم أنه كان أصغر من أخيه المأمون بستة أشهر فالأمين هاشمي الأب والأم أما المأمون فأمه جارية من جواري القصر تدعى مراجل وكان هارون الرشيد يميل لتعيين المأمون ولياً للعهد لعلمه برجاحة عقله وأدبه والتزامه بأدب السلاطين والخلفاء على عكس الأمين الذى كان الطيش يغلب عليه.
شغب:
من الشخصيات العجيبة التي مرت على تاريخ الدولة العباسية: الجارية (شغب) وهي أم الخليفة العباسي المقتدر بالله والملقبة بالسيدة تولى ابنها الخلافة العباسية في الثالثة عشرة من عمره فسار الحكم في يد أمه "شغب" فظلت تحكمه وتحكم الخلافة إلى مقتل ابنها سنة 320هجرية أي ربع قرن من الزمان كانت تحتقر الأئمة والفقهاء حتى إنها عينت نفسها قاضى القضاة فى بغداد توفت سنة 321 هجرية.
عريب: المغنية التي كانت أيضا عازفة على العود وكانت تغني عند الخليفة الواثق الذي عرف عنه اهتمامه بالتلحين شخصياً
وكان نشؤها يمثل بداية تاريخ الصحافة النسوية التي نجحت الى حد كبير في الدعوة لقضية المرأة وتحريرها اذ تعد مجلة ليلى 1923 اول مجلة نسوية في العراق برزت الصحفية بولينا حسون كرائدة الصحافة النسائية العراقية وترأست تحرير أمجلة نسائية "ليلى" عام 1923م وكانت حسون من أول الأصوات والأقلام النسائية التي طالبت بمنح المرأة حقوقها السياسية ومع ان هذه المجلة لم تحدد هدفا معينا وراء النهضة النسوية التي دعت اليها لكنها بشرت بنشر الثقافة والتعليم.
تحركت مجموعة من المثقفين ورجال الصحافة في الصحف المحلية عام 1924 بالدعوة الى حرية المرأة ومكافحة الحجاب ومنها جريدة الصحيفة التي تعود الى حسين الرحال رئيس تحريرها استطاعت ان تحرك الإنسان العراقي للتفكير بهذه المشكلة وأن تدفع بنسمات فكرية جديدة منعشة ومحفزة لنضال الرجل قبل المرأة ومعها من أجل انتزع حقوق المرأة وكان من أبرز الداعين إلى تعليم المرأة الوجيه النجفي محمود الحبوبي نجل الشاعر محمد سعيد الحبوبي كما وقف الشعراء الى جانب حقوق المرأة وما يلاحظ ان انصار المرأة من شعراء العراق كانوا اكثر جرأة من زملائهم في مصر
وقد برز في ذلك الشاعران معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وغيرهم من الكتاب والمفكرين الذين انطلقوا في معالجتهم هذه المسالة من باب محاكاتهم الحضارة الغربية في تطورها ونموها واعتبار ان التمسك بالتراث يعوق المواكبة الحضارية.
شهد العراق انفتاحا سياسيا واجتماعيا وفكريا من خلال تأسيس الاحزاب والجمعيات بعد تشكيل دولته الحديثة بزعامة الملك فيصل الأول سنة 1921 فالسنوات الممتدة بين سنتي (1921-1959) شَهِدت احتلال المرأة للمراكز المتقدمة في بعض حقول المعرفة حيث برزت أسماء لامعة لنساء وضعن خارطة طريق للعمل النسوي ودخول المرأة العراقية معترك الحياة العملية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في عام 1924 اسست اول جمعية نسوية في العراق تحمل اسم (النهضة النسوية ) وكانت من ابرز اهدافها التعليم والعمل والتحرر من بعض القيود ادت تلك الجمعيات والمنظمات النسوية دورا بارزا ومهما في نهوض المجتمع العراقي وكانت تهدف إلى إثبات نهضة المرأة العراقية ضد الجهل ان أول تنظيم نسوي عراقي هو (نادي النهضة النسوي) برئاسة السيدة أسماء الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي