You do not have permission to delete messages in this group
Copy link
Report message
Show original message
Either email addresses are anonymous for this group or you need the view member email addresses permission to view the original message
to كنوز الفن التشكيلي
بقلم:
خلود الدايني
واحدة من اهم الحقائق الثابتة في تاريخ الفن، هي ان الزخرفة عبرت افضل
تعبير عن هوية الفن الاسلامي، وظلت على مدى قرون عديدة تمثل شخصية الفنان
وابداعاته، وكانت قبل ذلك كله العنوان الاول للحضارة الاسلامية في جانبها
الفني.
يذكر الفنان خالد حسين محيي الدين قولا شائعا بين نقاد ومؤرخي الفن مفاده
(ان الفن تعبير عن فكرة دينية في الانسان، او بوساطته، وان الفن والدين
توامان منذ البداية)، ومثل هذا القول يمكن ان ينطبق على جميع الديانات
والمعتقدات الدينية، وبالذات القديمة منها ولا سيما تلك التي شاعت في
وادي الرافدين ومصر والديانة البوذية، ولكن نصيب الاسلام من تلك العلاقة
التوامية لا يكاد يذكر، فقد تهيب الفنان المسلم من الرسم والتصوير لان
الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالمصور فكيف يمكن الاقتراب من صفة ربانية،
وتهيب اكثر من النصب والتماثيل التي كانت رموزا للالهة والعبادات الوثنية
التي حرمها وحاربها الاسلام وبذلك وضع الفنان المسلم بينه وبين النحت سدا
منيعا.
هل كان هذا الجو الملبد بالمخاوف والخشية هو وراء انحسار فنون الرسم
والنحت من خارطة الفنون العربية الاسلامية؟ وهل كان هذا الجو نفسه وراء
انصراف الفنان كامل الانصراف الى فنون الزخرفة، ثم هل جاء هذا التمسك
بالزخرفة تعويضا عن الرسم والنحت بحيث سجل الفنان من الابداعات الزخرفية
ما جعله قمة لا تضاهي من قمم هذا الفن التجريدي الرائع؟ هذه الاسئلة
وغيرها قادتنا ثانية الى كلية الفنون الجميلة.
حوار صريح
قلت للدكتور خليل ابراهيم الواسطي، استاذ الخط العربي والزخرفة في كلية
الفنون الجميلة -جامعة بغداد:
* معروف بان فنون الرسم والنحت لازمت الانسان منذ عهده الاول بحياة
الكهوف، ومع ذلك لم يترك المسلمون فيها اثرا يستحق الذكر، كيف تفسرون
ذلك؟
- يجب ان نعرف حقيقتين متلازمتين، الاولى هي ان هذه الفنون لم
تلازم الانسان منذ فجر التاريخ فقط، بل كانت ملازمة كذلك -وخاصة النحت-
لجميع المعتقدات الدينية تقريبا وخاصة الوثنية، حيث كانت الاحجار
والاخشاب وشتى المعادن تتحول بين اصابع الفنانين الى تماثيل ونصب للحرب
والجمال والحب والمطر والخصب...الخ، وكل واحد منها يُعبد ويبجّل وتنذر له
النذور عند الزواج او استقدام المطر او اعلان الحرب او طلب الحماية او
الاستشفاء او اي داعٍ من دواعي الاستنجاد والمعونة وتلبية الحاجة، كان
النحت اذن حالة تعبير واقعية ونفسية عن مرحلته، وكان لا بد له ان يزدهر،
والحقيقة الثانية هي ان الفنان المسلم لم يكن قاصرا عن هذا الفن لو اراد،
ولكن كراهية او عدم تحبيذ التجسيد والتجسيم قد جعله يبتعد بارادته عن
دائرة النحت.
* هل يعني هذا بان الاسلام قد حرم فن النحت والرسم؟
- هذه مسألة يطول الكلام فيها، ذلك لان الفن الاسلام، فن مجرد
بعيد عن الصورة التي كرهها المسلمون خشية مضاهاة الله في قدرته على الخلق
والتصوير، او خشية الانزلاق الى الوثنية.
* ولكن هل هناك نص محدد على التحريم او الكراهية؟
- وردت لفظة الصورة او التصوير في القران الكريم في اكثر من سورة
وليس فيها ما يدل دلالة صريحة او خفية على تحريم الرسم او النحت اطلاقا.
* لماذا اذن؟
- لان تلك السور الكريمة كانت تصف الله سبحانه وتعالى بانه المصور
كما في الاية 24 من سورة الحشر مثلا (هو الله الخالق البارئ المصور...) وقد
تجنب الفنان المسلم كما اسلفت ان يهب نفسه صفةً وصف الله نفسه بها.
* هل هذا هو السبب الوحيد؟
- هذا احد الاسباب، غير ان هناك بعض الاحاديث النبوية الشريفة هي
التي نصت على التحريم، وقد استقر ذلك في ذهن الفنان، مع ان هناك جدلا
فقهيا قديما حول تفسير تلك الاحاديث.
* ولكن بعض العلماء راوا بان التحريم لم يكن مطلقا، وان الصور والتماثيل
مباحة مادام الهدف منها فنيا ليس دينيا؟
- هذا صحيح جدا، والشيخ محمد عبده كان في مقدمة من نادى بذلك،
فحين يكون جانب العبادة والتعظيم لله في مامن، فلا خوف من مزاولة هذه
الفنون.
* الا تعتقد بان المرحلة هي التي اوجبت مثل ذلك التحفظ؟
- لاشك في ذلك، فالمسلمون يومها قريبو عهد بعبادة الاوثان، كما لا
يصح ان ننسى بان العصر الاسلامي الاول كان قبل اي شيء اخر عصر زهد وتقشف
وجهاد، ولهذا نلاحظ انه بعد ان قطع الاسلام شوطا زمنيا كفيلا بتوطيد
دعائمه وترسيخ عقيدته تفتحت الابواب على مصراعيها امام الفن العربي
الاسلامي لياخذ دوره الابداعي في جميع المجالات، ومنها الرسم والنحت،
وهذا يؤكد ما اشرت اليه، بان القصور لم يكن في قدرات الفنان الذي استجاب
يومها لطبيعة المرحلة والعصر.
بداية وتطور
لو استعرنا مفردة (التعويض) من علم النفس، فانها تبدو مناسبة جدا لوصف
ذلك الاقبال الفني على فنون الخط والزخرفة والابداع فيها، فحيث غابت
اعمال الرسم والنحت، عوّض الفنانون عن غيابها كما يقول محيي الدين،
باتقان انواع من الزخرفة بعيدة عن تجسيم الطبيعة الحية او تصويرها،
واجادوا فيها واسرفوا في اشكالها وعناصرها وتنويعاتها، حتى بات بعضها
يعرف عند الغربيين باسم -الارابسك- اي الزخارف العربية الاسلامية او رسوم
الرقش العربي، كذلك عنوا بتحسين الخط العربي واتخذوا من الكتابة -ولا
سيما الخط الكوفي- ضروبا من الزخارف اصبحت مع الايام احدى اهم مميزات
الفن الاسلامي.
ويشير الدكتور الواسطي في هذا المجال الى ان الرقش كان يعتمد على نوعين
او اسلوبين من العمل الفني، اما اشكال هندسية او اشكال توريقية مكررة،
وفي الحالتين هناك معان رمزية للتبتل والعبادة.
* التكرار ظاهرة زخرفية.. كيف نفسر هذه الظاهرة؟
- هناك سببان رئيسان كما ارى، الاول يتعلق بالخصائص الفنية
للزخرفة، اي في طبيعتها الموضوعية، والثاني هو كره الفنان للفراغ حيث
يلاحظ بصورة جلية على الموروث ذلك النفور من المساحات العارية عن
الزخرفة.
* هل افاد الفنان المسلم من الفنون العربية التي كانت سائدة قبل ظهور
الاسلام؟
- بالتاكيد، وهي اكثر وضوحا في مجال النهضة الفنية المعمارية التي
ابتداها العرب بعد الاسلام، حيث استعانوا اول الامر بالتقاليد القائمة في
كل من العراق وسوريا، وكانت هذه التقاليد في حقيقتها نتيجة لتطورات الفن
الرافدي نفسه بصورة خاصة وللفنون التي ظهرت في المنطقة العربية بصورة
عامة.
* في اي عصر اسلامي على وجه التحديد يمكن الحديث عن الفنون العربية
الاسلامية؟
- كان انتقال الحكم الى دمشق هو البداية الحقيقية لتبلور الملامح
الاولى للفن الاسلامي، حيث ظهر الطراز الاموي الذي يعد اول مدارس الفن
الاسلامي.
* ماذا نتلمس في هذا الطراز؟
- الشيء الاول هو (التاثر) وليس النقل او التقليد الكامل بالفنون
العربية التي سبقته، والشيء الثاني هو ما يمكن ان نلمسه في مجال الزخرفة
حيث استعمال زهرة الاكانتس وورقة العنب التي كانت اكثر العناصر الزخرفية
شيوعا.
* هذا يعني بان فني الريازة والزخرفة هما من مواليد العصر الاموي؟
- تماما.
* وماذا عن العصر العباسي؟
- لا شك انه اكثر العصور الاسلامية ازدهارا وتطورا سواء في مجال
الزخرفة ام في مجال الريازة، ولعل تزيين ابنية سامراء من اهم الشواهد
الفنية حيث ظهرت ثلاث مجاميع يتضح فيها التطور التدريجي على اساليب
الزخرفة الريازية، وهذه المجاميع هي ما يصطلح عليه بطرز سامراء الاول
والثاني والثالث، وفي تاريخ الفن تعد هذه الطرز من اهم مرتكزات الفن
الاسلامي ولها اثر كبير على المراحل التالية حيث يشاع استعمالها في
العراق والمدن المجاورة.
* لا شك بان الزخرفة مرت بالعديد من المراحل ما بين البداية والنضج.. هل
يمكن تاشير ذلك؟
- عناصر الزخرفة الاسلامية مرت باربع مراحل يمكن ايجازها بالتواريخ
الميلادية على النحو التالي: المرحلة الاولى من القرن 7 الى القرن 9 حيث
التاثر بالفنون المحلية. الثانية من القرن 9 الى 13 حيث تكونت الشخصية
المتميزة، الثالثة من 13 الى 16 وهذه المرحلة شهدت تبادل العناصر
والاساليب بسبب الغزو وتوالي الهجرات بين البلاد الاسلامية، اما الرابعة
فمن القرن 16 الى القرن التاسع عشر حيث تواصل الازدهار في البداية ثم بدا
التدهور نتيجة الضعف والتمزق وظهور النفوذ الاوربي.