أفرجت الحكومة رسميًا عن النظام المحاسبي الجديد الخاص بالصيرفة الإسلامية، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها لترسيخ الإطار التنظيمي والتقييمي للعمليات المالية المطابقة للشريعة داخل البنوك الوطنية.
ويهدف هذا النظام، الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، إلى الفصل بشكل نهائي بين أموال ونشاطات الصيرفة الإسلامية والتعاملات البنكية الكلاسيكية، ما سيجعل هذا النمط من التمويل أكثر شفافية ومصداقية من حيث التسيير والمطابقة الشرعية، ويفتح في الوقت نفسه الباب أمام ولوج مستثمرين جدد إلى السوق المالية الإسلامية، وتعزيز الثقة في منتجاتها وتمويلاتها المختلفة.
إجراءات بالجملة في ظرف قياسي لرفع مصداقية وشفافية التمويل الشرعي
وتأتي هذه الخطوة لتؤكد أن الجزائر تتجه بقوة نحو ترسيخ التمويل الإسلامي كخيار استراتيجي في مسار تنويع منظومتها المالية، من خلال حزمة من النصوص القانونية والتنظيمية والقرارات المتتالية، آخرها النظام الجديد المتعلق بالمحاسبة والتقييم للصيرفة الإسلامية، إلى جانب مشروع قانون المالية لسنة 2026 المعروض حاليا على البرلمان، والذي يتضمن إجراءات داعمة للمالية الإسلامية، من بينها رفع دعم هوامش الربح للموظفين بنسبة 100 بالمائة عند اقتناء أو تشييد السكنات، وهي إجراءات تعكس الإرادة السياسية في تعزيز الشمول المالي وتوسيع قاعدة التمويل الإسلامي في الجزائر.
كيفيات محاسبة وتقييم المرابحة والإجارة والاستصناع والقرض الحسن
وحسب النظام رقم 25/09 الصادر في العدد الأخير للجريدة الرسمية والموقع من طرف محافظ بنك الجزائر صلاح الدين طالب، فقد تم تحديد القواعد المحاسبية وقواعد التقييم للعمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، والذي يمس المؤسسة الخاضعة وشباك الصيرفة الإسلامية والهيئة الشرعية للإفتاء في مجال المالية الإسلامية وهيئة الرقابة الشرعية.
مزاري لـ”الشروق”: دعم تمويل سكنات الموظّفين بمناصب محدّدة في 2026
ويحدد النظام وفق ذات المصدر، متطلبات التمويل القائم على المرابحة وهي التسجيل المحاسبي والتقييم لمخزونات المرابحة والتسجيل المحاسبي لإيرادات ومستحقات المرابحة والتسجيل المحاسبي لأعباء المعاملة بالمرابحة والتسجيل المحاسبي للتخفيضات اللاحقة على المخزون، كما تتضمن العملية التسجيل المحاسبي لهامش الجدية والعربون.
بالمقابل تتمثل متطلبات التحويل القائم على الإجارة في تصنيف الإجارة وهي الإجارة التشغيلية والإجارة المنتهية بالتمليك، ثم التسجيل المحاسبي الأولي لأصل الإجارة والتقييم اللاحق لأصول الإجارة والتسجيل المحاسبي لإيرادات وتكاليف الإجارة، ثم إلغاء التسجيل المحاسبي لأصول الإجارة.
وحدّد التنظيم أيضا متطلبات التمويل القائم على السلم والسلم الموازي وهي التسجيل المحاسبي لرأسمال السلم والتسجيل المحاسبي للمسلم فيه والتسجيل المحاسبي للسلم الموازي، وتم إبراز أيضا متطلبات تمويل الاستصناع والاستصناع الموازي، وهي التسجيل المحاسبي لتكاليف الاستصناع والتسجيل المحاسبي لتكاليف الاستصناع في عمليات الاستصناع الموازي والتسجيل المحاسبي لنواتج وأرباح الاستصناع وتقييم الاستصناع قيد الإنجاز وتكاليف الاستصناع وتسجيل خسائر عقد الاستصناع والتسجيل المحاسبي لأوامر التغيير والطلبات الإضافية والتسجيل المحاسبي لتكاليف الصيانة والضمانات والتسجيل المحاسبي للاستصناع عندما تكون المؤسسة الخاضعة هي المشتري “المستصنع”.
وغير بعيد عن ذلك، تتمثل متطلبات التمويل القائم على المضاربة في التسجيل المحاسبي لرأسمال المضاربة والتسجيل المحاسبي للأرباح والخسائر، في حين تتمثل متطلبات التمويل القائم على المشاركة في التسجيل المحاسبي لرأسمال المشاركة والتسجيل المحاسبي للأرباح والخسائر وتتمثل متطلبات التمويل القائم على القرض الحسن في التسجيل المحاسبي الأولي والتقييم اللاحق.
أما التقييم والتسجيل المحاسبي للمعاملات المرتبطة بالصكوك والأسهم والأدوات المماثلة فتتمثل في تصنيف الاستثمارات وتقييمها ويعاد تقييم الاستثمارات المقيدة حسب التكلفة في نهاية كل فترة وتحديد المكاسب والخسائر وحصص الأرباح المحققة، كما يتم إعادة تصنيف الاستثمارات.
وبخصوص المتطلبات المتعلقة بحسابات الاستثمار، فيتم تحديد أنواع حسابات الاستثمار ورفع تقارير عنها والتسجيل والتقييم والإلغاء المحاسبي وتحديد تقنيات دعم الأرباح، أما بخصوص التسجيل المحاسبي لرسوم التأخر في السداد والمعاملات غير المطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية فتتمثل في المدفوعات الخيرية والتعويض والغرامات.
سفيان مزاري: هذه أهمية النظام الجديد.. وتحفيزات للسكن في قانون المالية
وفي السياق، صرّح سفيان مزاري، رئيس قسم الصيرفة الإسلامية بالجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، لـ”الشروق”، أنّ الإجراء الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية يُعدّ خطوة تنظيمية محورية في مجال المحاسبة والتقييم الخاص بالصيرفة الإسلامية في الجزائر، موضحًا أنّه ولأول مرة يصبح لهذا القطاع إطار محاسبي واضح ومؤطّر قانونيا، بعد أن كانت القواعد المحاسبية الخاصة بالتعاملات الإسلامية غائبة في السابق.
وأكد مزاري أنّ هذا النظام الجديد يعزّز المنظومة المالية الإسلامية ويجعلها أكثر توافقًا مع المعايير الدولية، لاسيما مع معايير “إيوفي” (الهيئة العالمية لتأطير الصيرفة الإسلامية)، بما يرسّخ مبادئ الشفافية والمصداقية في العمليات البنكية ذات الطابع الإسلامي، خصوصًا من ناحية المطابقة الشرعية.
وأشار المتحدث إلى أنّ من أبرز مكاسب هذا التنظيم الفصل التام بين العمليات المالية الإسلامية – مثل المرابحة، المضاربة، المشاركة، الإجارة وغيرها – وبين باقي العمليات البنكية التقليدية، ما من شأنه تعزيز الثقة والمصداقية في الصناعة المصرفية الإسلامية، وجذب المزيد من الاستثمارات والحسابات الاستثمارية، وفتح أسواق جديدة، إضافة إلى دعم الشمول المالي وترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية في المعاملات المالية داخل الجزائر.
وأضاف مزاري أنّ هذا الإجراء يأتي مكمّلًا للمقترحات التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2026، والتي تخص المالية والصناعة الإسلامية، منها دعم هوامش الربح للموظفين بنسبة 100 بالمائة عند اقتناء أو تشييد السكنات، وهو ما يشمل ليس فقط صيغ المرابحة، بل أيضًا صيغ التمويل الأخرى على غرار الإجارة، واعتبر أنّ تكفّل الدولة بالأعباء أو هوامش الربح يمثل دعمًا حقيقيًا للمواطنين وللقطاع المصرفي الإسلامي على حد سواء، حيث تقرر وفق ما جاء في تقرير عرض مشروع قانون المالية لسنة 2026: “تخفيض نسبة الفائدة على القروض الممنوحة من طرف البنوك والمؤسسات المالية في إطار التمويل الإسلامي لاقتناء أو بناء أو تهيئة سكن، أو اقتناء قطعة أرض لبناء سكن فردي لفائدة الموظفين الذين يشغلون مناصب محدّدة”.
الجزائر تتفوّق على دول عربية في تنظيم وتأطير الصيرفة الإسلامية
وقال مزاري: “كنا ننتظر هذه الخطوة منذ سنوات، وسعدنا بإدراجها ضمن مشروع قانون المالية، لأنّها تمثّل دفعة قوية لمسار تطور الصيرفة الإسلامية في الجزائر، التي حققت خلال السنوات الخمس الأخيرة ما لم يتحقق خلال خمسين سنة، بل وتفوّقت على العديد من الدول في هذا المجال”.
كما أوضح أنّ قوانين المالية في السنوات الأخيرة لم تخلُ من إجراءات داعمة للصناعة المالية الإسلامية، سواء عبر إصدار الصكوك أو تحسين هوامش الربح أو دعم التعاملات البنكية المطابقة للشريعة، معتبرًا أنّ النظام الجديد للمحاسبة والتقييم يمثل قفزة نوعية في تأطير الصيرفة الإسلامية وتكريس مصداقيتها.
وختم رئيس قسم الصيرفة الإسلامية بالجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية تصريحه بالتأكيد على وجود إرادة قوية لتنويع المنتجات المالية، سواء الإسلامية الكلاسيكية أو تلك المرتبطة بالبورصة، مع فتح رؤوس أموال الشركات وتطوير صناديق الاستثمار خلال المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أنّ الجزائر اليوم تتفوّق على العديد من دول الجوار والعالم العربي في تنظيم وتطوير الصيرفة الإسلامية، بفضل الإطار القانوني الثري والمحدّث الذي يجري تدعيمه باستمرار.
-----------------------------
عبدالإله طالب
الجزائر العاصمة