خيمة السيرك السياسي (الحلقة 27)

5 views
Skip to first unread message

kadhim finjan

unread,
Feb 16, 2015, 5:16:58 AM2/16/15
to
 
فضفضات شروية تحت خيمة السيرك السياسي
 (الحلقة 27)
 
الأسطة غانم ومواقفه الوطنية الشجاعة
 
كاظم فنجان الحمامي
 
لم تنطفئ شعلة المروءة والشهامة في نفوس أبناء الجنوب على الرغم من بشاعة الأساليب التعسفية وضراوتها، وعلى الرغم من كل الظروف القاسية، التي كانوا يرزحون تحت وطأتها.
لقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن شجاعة النقابي العمالي (هندال جادر)، وسنتحدث هنا عن بسالة القائد الميداني (الأسطة غانم صخي الحمودي)، الذي قاد أخطر إضرابات عمال الموانئ في أربعينيات القرن الماضي، فأرغم الإدارة البريطانية لميناء المعقل على الرضوخ لإرادة العمال والإذعان لمطالبهم المشروعة.
كانت أرصفة الميناء وأنشطته التجارية والملاحية خاضعة برمتها لسلسلة متعاقبة من الزعامات البريطانية المفروضة بالقوة. لقد احتكروا التحكم بالموانئ منذ عام 1919 ولغاية 1953. كان الكولونيل (جي سي وورد) أول المدراء الانجليز وأطولهم مدة، من عام 1919 إلى 1942. ثم جاء من بعده الكابتن البريطاني (سي جي كوبلن) للمدة من 11/1/1943 إلى 14/2/1943، ومن بعده الكابتن البريطاني (دونالد لينكتون) للمدة من 1943 إلى 1946، تلاه الكابتن (وليم بنت) للمدة من 1946 إلى 1948، جاء من بعده الكابتن جورج توماس جونسون للمدة من 1948 إلى 1951، وانتهت سلطتهم بعد رحيل الكابتن (آر سي كلايت)، الذي حكم الموانئ العراقية للمدة من 1951 إلى 14/2/1953. ثم جاء العراقي محمد سعيد القزاز ليكتب بخط يده النهاية الرسمية للهيمنة البريطانية المطلقة على الموانئ العراقية، وينهي نفوذهم القديم على الممرات الملاحية المؤدية إليها، ويضع حداً لتسلطهم على المسطحات البحرية المرتبطة بها.
كانت الأحوال المزرية لعمال موائنا أكثر تردياً من أحوال الهنود في موانئ كجرات وكوجي وكراجي وبومبي والمستعمرات البائسة التابعة للتاج البريطاني. حتى جاء اليوم الذي اتسعت فيه شهرة الأسطة (غانم) بما عُرف عنه من جرأة وثبات على الحق.
كان قوي الشكيمة. حاد الطباع. مفتول العضلات. لا يداهن ولا يتلون ولا يرضى بالذل. تعلم بعض المفردات الانجليزية، وأدخرها للتفاوض والتحاور مع الذين صادروا حقوق العمال واضطهدوهم. لكنه وجد نفسه سائراً في طريق مسدود لا مجال فيه لتحقيق أي مطلب من المطالب الإنسانية والتشغيلية. فقاد إضرابه الأول متحدياً الانجليز وسلطتهم.
أكتشف (غانم) أن سائقي عربات القطار يقفون على الحياد، ويرفضون مشاركتهم، وربما يتسببون في إفشال إضرابهم، وقد يؤدي موقفهم هذا إلى طرد المضربين والاستغناء عن خدماتهم. فوضع خطة لخطفهم، وكانوا ثمانية أشخاص فقط.
وهكذا سارع إلى اختطافهم، والاحتفاظ بهم في مكان خفي شرقي جزيرة السندباد. أدخلهم في كوخ صغيرة (صريفة). أحاطهم بالحراسات المشددة. تركهم في عزلتهم بعدما وفر لهم المأكل والمشرب والسكائر. ثم أعلن إضرابه، فتعطلت عمليات الشحن والتفريغ، وتضررت حركة النقل والمناولة بين المخازن والأرصفة. استمر الإضراب أكثر من عشرة أيام، فكان من أقوى الهزات التي أزعجت الإدارة البريطانية.
واصل جلاوزة الحكومة المحلية بحثهم الحثيث عن الأسطة (غانم) حتى عثروا عليه، فاقتادوه عنوة إلى مقر المتصرفية (المحافظة). ما أن دخل مكتب المتصرف (فخري الطبقجلي) حتى انفجر الأخير بسيل من عبارات التعنيف، فأخذ يزبد ويرعد، بينما احتفظ (غانم) بهدوئه.
فجأة تلاشى غضب (الطبقجلي)، وتغيرت نبرته، فتحدث مع (غانم) بعبارات التوسل والرجاء. قال له: (أتريد أن تهجم بيتي ؟، ألا تعلم أن هؤلاء الإنجليز لهم علينا عهود ومواثيق، ويتعين علينا تنفيذ أوامرهم. فمن تكون أنت حتى تعلن عليهم العصيان ؟).
قال له (غانم): نحن نرفض تواطئكم معهم، فالعراق عراقنا، والأرض أرضنا، ولا مكان للغرباء بيننا.
شعر الطبقجلي أنه يتحدث مع محاور لا يلين، وجبل لا يهتز، فتغيرت نبرته، وطفق يتودد لغانم ويتملقه. قال له: (أسمعني يا ولدي. خلي عندك رحمة، ودع جماعتك يستأنفون أعمالهم في الصباح الباكر). رد عليه (غانم): وما الضمانات والمكاسب التي نحصل عليها كشرط لإنهاء إضرابنا ؟.
مضت سويعات توقف بعدها الحوار بين الأسطة غانم والمتصرف، الذي وجد نفسه مجبراً على التدخل لصالح العمال من أجل تحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، وتعديل أجورهم اليومية. فانتهى الإضراب في اليوم التالي، وهكذا تحققت بعض المكاسب الطفيفة، في الوقت الذي احتجزوا فيه (غانم) وراء القضبان بتهمة المشاكسة والتحريض على العنف. لكنه كان ينام في زنزانته قرير العين، فلم يحزن ولم يتذمر، فقد حقق لرفاقه ما كانوا يطمحون إليه.
وللحديث بقية. .
27.docx
u063Au0627u0646u0645 u0635u062Eu064A.jpg
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages