يُعدّ الناصر خشيني أحد الأصوات التونسية البارزة في مجالات الكتابة الصحفية والفكر السياسي والبحث في قضايا الوطن العربي، حيث جمع في مسيرته بين التحليل السياسي والكتابة النضالية والمشاركة الفاعلة في النقاشات الوطنية والقومية. وقد راكم تجربة تمتدّ لسنوات طويلة من المتابعة الدقيقة للأحداث العربية، وخاصة القضية الفلسطينية والثورة التونسية، كما ترك بصمته في الصحافة الورقية والإلكترونية عبر ملفات معمّقة ومقالات ذات طابع تحليلي نقدي.
نشأ الناصر خشيني في بيئة تونسية مشبعة بالانشغال بالشأن العام والهمّ القومي، ما جعله ينخرط منذ سنواته الأولى في متابعة التطورات السياسية في العالم العربي. وقد ساهمت القراءات المبكرة في الفكر القومي العربي والتحولات التاريخية في المنطقة في تشكيل وعيه السياسي، الذي اتسم مبكرًا بالنقد العميق للسياسات الإقليمية والعالمية المؤثرة على المنطقة.
ومع تقدّمه في التجربة، تبلورت لديه رؤية متكاملة حول العلاقات الدولية، الصراعات الإقليمية، وأدوار القوى الكبرى، وهو ما ينعكس بوضوح في كتاباته التي تتناول القضايا الكبرى بمنهج تحليلي عميق، غير منقطع عن السياق التاريخي والجغرافي والثقافي.
تميّز الناصر خشيني بإسهامات صحفية متنوّعة، شملت المقال السياسي والتحقيقات والملفات الكبرى. وقد أصبح اسمه مرتبطًا بقدرة لافتة على ربط الأحداث اليومية بالسياقات الأوسع، وتحويل الوقائع السياسية إلى قراءة معمّقة تستكشف جذورها وامتداداتها المستقبلية.
كان من أبرز إنتاجاته إعداد 14 ملفًا لصحيفة الكرامة التونسية، وهي ملفات اتسمت بالشمولية والعمق، وتناولت قضايا وطنية وإقليمية متشابكة، مع تقديم خلفيات تاريخية وتحليل استراتيجي.
أطلق الناصر خشيني مدونة إلكترونية تحوّلت لاحقًا إلى صحيفة رقمية بعنوان "الحرية أولًا"، عُرفت بطرحها الجريء ومقارباتها النقدية، قبل أن تتعرض للحجب. ورغم ذلك، بقي حضور كتاباتها مؤثرًا في القرّاء المتابعين للشأن العام.
قدّم الناصر خشيني مساهمات غزيرة في مجالات مختلفة، من أبرزها:
تحتل القضية الفلسطينية موقعًا مركزيًا في أعماله، حيث كتب عشرات المقالات والتحليلات. وقد شارك في كتاب جماعي حول مصير القضية الفلسطينية في مئويتها الثانية، وقدّم قراءات تتعلّق بمستقبل الكيان الصهيوني، geopolitics الشرق الأوسط، والتحولات الاستراتيجية التي ترسم مستقبل الصراع.
وثّق الناصر خشيني مراحل عديدة من الثورة التونسية وتحوّلاتها، محللًا:
ديناميات الحركات الاجتماعية
الأدوار السياسية للأحزاب والمنظمات
تأثير العوامل الخارجية
المسارات الدستورية والقانونية
كما قام بمراجعة طويلة لمقالاته حول الثورة، وجرى تجميعها لاحقًا لتصبح نواة كتاب كامل حول الحدث التونسي وتداعياته.
كتب سلسلة من المقالات التحليلية حول شخصيات دينية مثيرة للجدل مثل:
يوسف القرضاوي
محمد العريفي
عمرو خالد
وجدي غنيم
وقد اتسمت تلك المقاربات بجرأة نقدية وكشفٍ للأدوار السياسية والإعلامية لتلك الشخصيات داخل المنطقة وخارجها، وخاصة في فترة ما بعد 2011.
أعدّ مقالات موسّعة عن:
الغزو الأمريكي للعراق
أسلحة الدمار الشامل
انهيار الدولة العراقية
آثار الحرب على المشرق العربي
وتُعد سلسلته عن "الدمار الشامل للعراق" من أبرز الأعمال التحليلية التي كتبها في هذا المسار.
يُعد الناصر خشيني جزءًا من التيار الفكري العربي الذي يرى في الوحدة العربية ضرورة استراتيجية، وفي المقاومة ركيزة لتحرير فلسطين وتعزيز مكانة الأمة. وقد تناول في كتاباته:
المقاومة في لبنان وفلسطين
التحالفات الإقليمية
الحرب السورية ودور الجماعات المسلحة
اجتماع 500 عالم دين في القاهرة عام 2013 ودلالاته السياسية
وتُظهر أعماله قدرة على الربط بين الوقائع والعوامل الثقافية والدينية والسياسية التي تحكم المشهد العربي.
يتميز أسلوب الناصر خشيني بـ:
لغة تحليلية دقيقة
إحالات تاريخية واسعة
قدرة على الربط بين المستويات المحلية والإقليمية والدولية
جرأة في نقد السياسات والأدوار الخارجية
تركيز على قراءة "ما وراء الأحداث" لا مجرد وصفها
وهو ما جعله من الأصوات التي تُقرأ لفهم السياق، لا لمتابعة الحدث فحسب.
يمثل الناصر خشيني نموذجًا للمثقف العربي الذي لم يكتفِ بالتحليل من بعيد، بل جعل من الكتابة التزامًا يوميًا وموقفًا وطنيًا وقوميًا. ومن خلال مقالاته، ملفاته الصحفية، وكتبه، أسهم في إغناء النقاش العام في تونس والعالم العربي، ولا يزال حضوره الفكري قائمًا عبر ما يقدّمه من قراءات نقدية عميقة في زمن التحولات الكبرى.
تع