الرُّجوعُ إلى الحقِّ - الشيخ/ د. فيصل بن جميل غزاوي - المسجدالحرام - 19 - 5 - 1440 هـ

261 views
Skip to first unread message

الخدمة المجتمعية

unread,
Jan 25, 2019, 2:19:19 PM1/25/19
to frid...@googlegroups.com


open-friday-2.png

الرُّجوعُ إلى الحقِّ

الشيخ/ د. فيصل بن جميل غزاوي

المسجدالحرام  - 19 - 5 - 1440 ه

ـ

ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الرُّجوعُ إلى الحقِّ"، والتي تحدَّث فيها عن وُضُوحِ الحقِّ وجلائِه، وأنَّ الإنسان جُبِلَ على التقلُّب والتغيُّر والتبديلِ، ومتى يكونُ هذا التقلُّبُ محمُودًا ومتى يكون مذمُومًا، كما ذكَرَ العديدَ مِن مواقِف النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن تكفيرِه عن يَمينِه إذا رأَى المصلحَة خلافَ ما أقسَمَ عليه، وذكَرَ أيضًا مواقِفَ الصحابةِ الكرامِ - رضي الله عنهم -، والسلَف الصالِح - رحمهم الله - في رُجُوعِهم إلى الحقِّ بعد علمِهم بأنَّه خِلافُ ما كانُوا عليه.

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرور أنفسِنا ومِن سيئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليمًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإنَّ مِن طبيعة ابن آدم ومِن دلائل ضَعفِه ما يَعتَرِيه من أحوالِ التقلُّب والتغيُّر والتبديل، فيقَعُ في التردُّد والاضطِراب، والتناقُض واشتِباه الأمورِ وعدمِ الاستِقرار، فقد يتنبَّى قولًا في حين ويعودُ عنه في المُستقبَل، وقد يرَى رأيًا اليوم ويُنكِرُه غدًا.

ولا غرابةَ في ذلك؛ فالتكوينُ النفسيُّ والعقليُّ والجسديُّ للإنسان بيَّنَه العليمُ القديرُ بقولِه: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، فهو ضعيفٌ مِن جميع الوُجوه؛ ضعيفُ البِنيَة، وضعيفُ الإرادة، وضعيفُ العزيمة، وضعيفُ العقل، وضعيفُ العلم، وضعيفُ الصبر.

ومع هذا كلِّه فمما يُميِّزُ المُؤمن ويدلُّ على رجاحة عقله، وإذعانِه إلى ربِّه رجوعُه إلى الصوابِ، وتركُه ما يتبيَّن له فيه خطؤُه وما يُعاب؛ فهو لا يستنكِفُ أن يعودَ عن قولِه أو فعلِه أو رأيِه متى وجدَ الحقَّ في غير ما ذهبَ إليه، ولم يستمرَّ فيما كان عليه، وهو لا يكتَرِثُ بمَن يصِفُه بالتقلُّب أو تغيُّر الرأي؛ فالرجوعُ إلى الحقِّ فضيلةٌ، وهو عِزَّةُ النفسِ الحقيقية، لا كما يُزيِّنُ الشيطانُ لبعضِ الناسِ أنَّ العِزَّةَ في الثباتِ على الرأي وإن كان خطأً، قال الله تبارك في عُلاه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].

قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: تذكَّرُوا عقابَ الله وجزيلَ ثوابِه، ووعدَه ووعيدَه، فتابُوا وأنابُوا، واستعاذُوا بالله، ورجعُوا إليه مِن قريبٍ".

وهي فُرصةٌ لنا أن نُراجِع أعمالَنا بين الفَينَة والأُخرى؛ فمتَى ما وقعَ المرءُ في الزلَّة سارَعَ بالأَوبَة، وبادَرَ في طلبِ التوبة؛ لأنه ينشُدُ الحقَّ ويَبتَغِيه، ويسعَى في تحقيقِ أمرِ ربِّه ومراضِيه، ومَن فعلَ ذلك فهو داخِلٌ في وصفِ الخيريَّة الذي ذَكَرَه خيرُ البريَّة - عليه الصلاة والسلام - بقولِه: «كلُّ بنِي آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائِين التوابُون»؛ رواه الترمذي وابنُ ماجه.

عباد الله:

إنَّ منهجَ الإسلام يُعلِّمُنا كيف يُوطِّنُ المرءُ نفسَه على الرجُوعِ إلى الجادَّة، ويرتاضُها على لُزومِ الاستِقامة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135].

أي: لم يثبُتُوا على ما أتَوا مِن الذنوبِ، ولكنَّهم تابُوا واستغفَرُوا، ورجعُوا إلى رُشدِهم، ولم يُشابِهُوا مَن توعَّدَهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه: «ويلٌ لأقماعِ القَول، ويلٌ للمُصِرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعَلُوا وهم يعلَمُون»؛ رواه أحمد.

وأقماعُ القَول: الذين آذانُهم كالقِمع، يدخُلُ فيه سماعُ الحقِّ مِن جانبٍ ويخرُجُ مِن جانبٍ آخر، لا يستقِرُّ فيه، فتوعَّدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالوَيل الذين يستمِعُون القولَ الحقَّ فلا يتَّبِعُون أحسَنَه، الذين يعلَمُون أنَّه الحقُّ ولا يَعُونه ولا يعمَلُون به، بل يُهمِلُونه إما تكبُّرًا وعِنادًا، وإما تعصُّبًا وتقليدًا، وإما غلُوًّا وتقديسًا لما هم عليه.

معاشِر المُسلمين:

النُّفوسُ الكِبار لا تأنَفُ أن تنصاعَ للحقِّ، ولا ترضَى أن تبقَى على الخطأ، ولا تمنَعُها مكانتُها مِن أن تفِيئَ إلى أمرِ الله.

جاء في الحديثِ المُتَّفق عليه: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي واللهِ إن شاءَ الله لا أحلِفُ على يمينٍ فأرَى غيرَها خيرًا مِنها إلا كفَّرتُ عن يَمينِي، وأتَيتُ الذي هو خَير».

فيُستفادُ مِن هذا: أنَّ الأَولَى بالمُسلم أن يتراجَعَ عن عَزمِه في فعلِ شيءٍ أو عدمِ فعلِه إذا رأى المصلحةَ في غيرِ ما ذهبَ إليه؛ فمتَى ما حلَفَ على فعلِ شيءٍ أو تركِه ثم رأى أنَّ النفعَ في عدمِ المُضِيِّ في هذا اليَمِين، كفَّرَ عن يَمينِه، وأتَى الذي هو خَير.

وهذا ما فعلَه الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -؛ فلما شارَكَ مِسطَحٌ أهلَ الإفكِ في الكلامِ على عائشة - رضي الله عنها -، وخاضَ مع مَن خاضَ، قال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: "واللهِ لا أُنفِقُ على مِسطَحٍ شيئًا بعد الذي قالَ لعائِشة"، فأنزلَ اللهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]، قال أبو بكرٍ: "بلى والله، إنِّي لأحِبُّ أن يغفِرَ اللهُ لِي"، فكفَّرَ عن يمينِه ورجَعَ إلى النَّفقَة على مِسطَح، وقال: "ولا لا أنزِعُها عنه أبدًا".

وعن أبي الدرداءِ - رضي الله عنه - قال: كُنتُ جالِسًا عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ أقبَلَ أبو بكرٍ آخِذًا بطَرفِ ثَوبِه حتى أبدَى عن رُكبتِه، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أما صاحِبُكم فقد غامَرَ»، فسلَّم وقال: إنِّي كان بينِي وبينَ ابنِ الخطَّابِ شيءٌ، فأسرَعتُ إليه ثم ندِمتُ، فسألتُه أن يغفِرَ لي فأبَى علَيَّ، فأقبَلتُ إليك، فقال: «يغفِرُ اللهُ لك يا أبا بكرٍ، يغفِرُ اللهُ لك يا أبا بكرٍ، يغفِرُ اللهُ لك يا أبا بكرٍ».

ثم إنَّ عُمر ندِمَ، فأتَى منزلَ أبي بكرٍ فسألَ: أثَمَّ أبو بكرٍ، فقالُوا: لا، فأتَى إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسلَّمَ، فجعلَ وجهُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يتمعَّرَ حتى أشفَقَ أبو بكرٍ، فجثَا على رُكبتَيه، فقال: يا رسولَ الله! واللهِ أنا كُنتُ أظلَم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله بعَثَني إلَيكم فقُلتُم: كذَبتَ، وقال أبو بكرٍ: صدَقَ، وواسانِي بنفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكُوا لِي صاحِبِي؟ فهل أنتُم تارِكُوا لِي صاحِبِي؟»، فما أُوذِيَ بعدَها؛ رواه البخاري.

فالصحابةُ الكِرامُ يقَعُ مِنهم الخطأ، وليسُوا بمعصُومين، لكنَّهم سُرعان ما يرجِعُون إلى الحقِّ، وهذه هي المزيةُ العظيمةُ التي تُميِّزُهم.

قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله -: "وفيه: ما طُبِع عليه الإنسانُ مِن البشريَّة، حتى يحمِلَه الغضبُ على ارتِكابِ خِلافِ الأَولَى، لكنَّ الفاضِلَ في الدينِ يُسرِعُ الرجُوعَ إلى الأَولَى، كقولِه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: 201]".

ولما دخلَ عُيَينةُ بن حِصنٍ على عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، قال: يا ابنَ الخطَّاب! والله ما تُعطينا الجَزل، وما تحكُمُ بينا بالعدل، فغضِبَ عُمرُ حتى همَّ بأن يقَعَ به، فقال الحُرُّ بنُ قيسٍ: يا أميرَ المُؤمنين! إنَّ الله تعالى قال لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا مِن الجاهِلين، فواللهِ ما جاوزَها عُمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتابِ الله.

فلما هاجَت فَورةُ غضبِه - رضي الله عنه -، ذُكِّرَ بالآية فتذكَّر، وسكَنَت نفسُه، ورجعَ إلى الحقِّ مِن فَورِه، ولم يحصُل مِنه مُعاقبةٌ لهذا الرجُل.

وجاء في كتابِ عُمر إلى أبي مُوسَى - رضي الله عنهما - قولُه: "لا يمنعَنْك قضاءٌ قضَيتَه بالأمسِ راجَعتَ فيه نفسَك، وهُدِيتَ فيه لرُشدِك أن تُراجِعَ الحقَّ؛ فإنَّ الحقَّ قديم، وإنَّ الحقَّ لا يُبطِلُه شيءٌ، ومُراجعةُ الحقِّ خَيرٌ مِن التمادِي في الباطل".

فينبغي للمرءِ متى قضَى في شيءٍ أو أفتَى في شيءٍ ثم تبيَّن له خطَؤُه، أن يرجِعَ عن ذلك.

ولما رُوجِعَ قاضِي البصرة عُبَيدُ الله بنُ الحسن العنبَريُّ - رحمه الله - في مسألةٍ غلِطَ فيها، أطرَقَ ساعةً، ثم رفعَ رأسَه فقال: "إذًا أرجِعُ وأنا صاغِر، لَأَن أكونَ ذَنَبًا في الحقِّ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أكونَ رأسًا في الباطل".

وهكذا فكلُّ عاقلٍ مُنصِفٍ متى نُبِّهَ على سَهوِه وأُوقِفَ على غلَطِه رجَعَ إلى الحقِّ.

وقال الشافعيُّ - رحمه الله -: "كلُّ مسألةٍ صحَّ فيها الخبَرُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عند أهلِ النَّقلِ بخِلافِ ما قُلتُ، فأنا راجِعٌ عنها في حياتِي وبعد مماتِي".

فهذه الأقوالُ والمواقِفُ والوصايا السابِقة تدلُّ على ورَعِ هؤلاء القَوم العُظماء، وفضلِهم وفقهِهم وإنصافِهم، فحرِيٌّ بنا أن نتأسَّى بهم، ونتمثَّلَ خُطاهم.

أيها الإخوةُ في الله:

ومما ينبغي التنبيهُ عليه، وتجدُرُ الإشارةُ إليه: أنَّ المُراجعة المحمُودة تختلِفُ عن التراجُع المذمُوم؛ فالمُراجعةُ تعنِي: أن نُصوِّبَ الأخطاءَ بعد معرفتِها، ونستدرِكَ ما فات؛ حتى تبقَى أعمالُ المرء على الصوابِ والخيرِ والحقِّ، أما التراجُعُ المذمُوم فهو تركُ الحقِّ؛ فالحقُّ المُبِين يثبُتُ عليه صاحِبُه فلا يتزحزَحُ عنه، ولا يَحِيدُ قِيدَ أُنملةٍ.

فهذا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما أرادَ المُشركون ثَنْيَ عزمِه عن دعوتِه وجَهرِه بالحقِّ، قال لهم بكلِّ ثباتٍ وقوَّةٍ: «أترَونَ هذه الشَّمسَ؟»، قالُوا: أنا، قال: «ما أنا بأقدَرَ على أن أدَعَ لكم ذلك على أن تستشعِلُوا لِي مِنها شُعلة»؛ رواه أبو يَعلَى بسندٍ رُواتُه ثِقات.

فيتجلَّى هنا ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - مِن تمسُّكِه بالحقِّ، وقُوَّة ثباتِه على مبدأِه، وعدمِ تراجُعِه عن منهَجه الرشِيد، ومسلَكِه السديد.

وقد اقتدَى الأئمةُ والعُلماءُ بهَديِ نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - في الثباتِ على الحقِّ، وعدمِ التنازُلِ عنه بكلِّ ما أُوتُوه مِن قوَّةٍ؛ فالخليفةُ الراشِدُ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - ثبَتَ في حروبِ الرِّدَّة، ولم يَثنِ عزمَه عن قِتالِ المُرتدِّين شيءٌ، وقال في ذلك الموقفِ العظيمِ كلمتَه الشهيرَة: "واللهِ لأُقاتِلنَّ مَن فرَّقَ بين الصلاةِ والزكاةِ؛ فإنَّ الزكاةَ حقُّ المال، والله لو منَعُوني عِقالًا كانُوا يُؤدُّونَه لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتَلتُهم على منعِه".

أقولُ هذا القَولَ، وأستغفِرُ الله لي ولكم مِن كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وعلى كلِّ حالٍ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله الكبيرُ المُتعال، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه المنعُوتُ بكريمِ الخِصال، وشريفِ الخِلال، صلَّى الله عليه وعلى الأخيار الطيبين مِن الأصحابِ والآلِ.

أما بعد .. فيا عبادَ الله:

وإذا كان الرُّجوعُ إلى الحقِّ مِن الخِصال المحمُودة والصفاتِ الحسَنَة المنشُودة، فإنَّ تركَ الحقِّ، والغِوايةَ بعد الهِداية، والرُّجوعَ إلى الباطلِ على الضِّدِّ مِن ذلك؛ فتركُ الهُدى والانسِلاخُ مِن دينِ الإسلام، والخُروجُ عليه بعد اعتِناقِه أقبَحُ صِفاتِ المرءِ وشرَّ فِعالِه، ولا يرجِعُ عن دينِه إلا ضالٌّ مفتُون، وخاسِرٌ مغبُون، وفِعلُه هذا تعرِيضٌ بالدِّين، واستِخفافٌ به، وكذلك فيه تمهيدُ طريقٍ لمَن يُريدُ أن ينسَلَّ مِن هذا الدين، وذلك يُفضِي إلى انحِلالِ جماعةِ المُسلمين.

وليُعلَم أنَّ مَن عرفَ الدينَ وتغلغَلَ الإيمانُ في قلبِه لا يُمكنُ أن يُفرِّطَ في التمسُّك به، ولا يترُكه ويرتدَّ عنه مهما كانت الظروفُ والأسبابُ.

فلما سأل هِرقلُ أبا سُفيان عن الصحابةِ الكرام - رضي الله عنهم -: هل يرتدُّ أحدٌ مِنهم عن دينِه بعد أن يدخُلَ فيه سَخطةً له؟ قال: لا، فقال هِرقلُ: وكذلك الإيمانُ إذا خالَطَ بشاشَةَ القُلوب.

ومعنى: سَخطةً له أي: ليس مِن بابِ السُّخط والكُره لهذا الدين، وإنما لمصلَحةٍ ينالُها، ما ترَكَ الدينَ إلا لحظٍّ مِن حُظوظِ الدنيا كمالٍ أو جاهٍ أو شُهرةٍ.

أيها المُسلمون:

ومِن صُور التراجُع المذمُوم: أن يكون العبدُ على رُشدٍ وعلى بيِّنةٍ مِن أمرِه ثم يتراجَع عن الحقِّ الذي هو عليه، ويُبدِّلَ حُكمَ الله اتِّباعًا لهواه، ومُتابعةً لآراء الناسِ، وهذه هي الفِتنةُ.

فعن حُذيفة - رضي الله عنه - قال: "إذا أحَبَّ أحدُكُم أن يعلَمَ أصابَتْه الفتنةُ أم لا فلينظُر؛ فإن كان يرَى حلالًا كان يراهُ حرامًا فقد أصابَتْه الفتنةُ، وإن كان يرَى حرامًا كان يراه حلالًا فقد أصابَتْه".

والفرقُ بين هذا النُّكوص والتقهقُر والتبديلِ المذمُوم، وبين التراجُع المحمُود أنَّ تغيُّر الرأي وتبديلَ حُكم الله الذي أشارَ إليه ابنُ مسعُودٍ - رضي الله عنه - باعِثُه الافتِتان واتِّباعُ الهوَى، وليس باعِثَه اتّباعُ الحقِّ والهُدى، ومبنيٌّ على الرأي والهوَى والمُداهَنَة، ولم يكُ مبنيًّا على الدليلِ والحُجَّة البيِّنة.

ألا وصلُّوا وسلِّمُوا - عباد الله - على النبيِّ المُنيبِ الأوَّاه، كما أمرَكم ربُّكم القريبُ المُجيبُ التوَّاب، فقال تعالى في مُحكَم الكتاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على مُحمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، وانصُر عبادَك المُوحِّدين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلادِ المُسلمين يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في الأوطانِ والدُّور، وأصلِح الأئمةَ ووُلاةَ الأمور، واجعَل ولايتَنا فيمَن خافَك واتَّقاك، واتَّبعَ رِضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لِما تُحبُّ وترضَى مِن الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوَى.

اللهم كُن لإخوانِنا المُستضعَفين والمُتضرِّرين والمُجاهِدين في سبيلِك، والمُرابِطين في الثُّغور، وحُماة الحُدود، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا، وهيِّئ لهم مِن أمرِهم رشَدًا.

ربَّنا اجعَلنا لك شكَّارين، لك ذكَّارين، لك مِطواعِين، إليك مُخبِتِين أوَّاهِين مُنيبِين.

اللهم يا وليَّ الإسلام وأهلِه مسِّكنا به حتى نلقَاك، اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطِلَ باطلًا وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعَله مُلتبِسًا علينا فنضِلّ.

اللهم إنَّا نعوذُ بك مِن الضلالة بعد الهُدى، ونعوذُ بك أن نُفتَنَ في دينِنا، وأن نُردَّ على أعقابِنا بعد إذ هدَيتَنا.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

الرُّجوعُ إلى الحقِّ.pdf

الخدمة المجتمعية

unread,
Feb 23, 2019, 9:59:54 AM2/23/19
to frid...@googlegroups.com


open-friday-2.png

عِبَر وعِظات بمشاهِد الاحتِضار

خطبة الجمعة من المسجد الحرام بتاريخ 17/6/1440 هـ

لفضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد

 

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "عِبَر وعِظات بمشاهِد الاحتِضار"، والتي تحدَّث فيها عن حقيقة الدنيا وأنَّها فانِية زائِلة، مُبيِّنًا أنَّ المرءَ في حالِ احتِضارِه وخُروجِ رُوحِه يتيقَّنُ بذلك، ويرَى ما لم يرَه غيرُه مما يُكشَفُ له حينها، كما ذكَّر باغتِنام الصحة والفراغ في الطاعات، وعدم تضيِيعها فيما يندَمُ عليه العبدُ يوم لا ينفع الندم، كما أوردَ بعضَ النماذِج من السلَف الصالح - رضي الله عنهم - في هذه اللحظات العصيبة، ثم بيَّن أهمَّ معالِم العِظة والاعتِبار.

 

الخطبة الأولى

الحمدُ لله، الحمدُ لله العظيم الجليل، أحمدُه - سبحانه - وأشكُرُه وهو حسبُنا ونِعمَ الوكيل، منَحَ الكثيرَ وأعطَى الجَزيلَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً صادقةً مُخلِصةً هي الذُّخرُ ليوم الرحيل، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُؤيَّد بمُعجِز التنزيل، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه أهلِ الفضل والتبجيل، والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ فلزِم الحقَّ واستقامَ على السبيل.

أما بعدُ:

فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله، فاتَّقُوا الله - رحِمَكم الله -، والزَموا جادَّة الصدق؛ فلا يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ، حتى يُكتبَ عند الله صِدِّيقًا، ولا أشرُّ مِن الكذِب؛ فلا يزالُ الرجلُ يكذِب، ويتحرَّى الكذِب، حتى يُكتبَ عند الله كذَّابًا.

وسلامةُ الصدر مِن نعيم أهل الجنة، ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: 47].

ومِن البلاء أن يشتغل العبدُ بالخُصومات والمُشاحنات، فتسامَح - حفظك الله - وتغافَل، وأحسِنِ الظنَّ، ومَن لم تجِد له عُذرًا فقُل: لعل له عُذرًا، ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 34، 35].

معاشِرَ المُسلمين:

مِن أعظم نِعم الله على عبده أن يرزُقه قلبًا حيًّا، فيستذكِرَ ويتنبَّه، ويستحضِر بعضَ الأحوال والمُتغيّرات والتقلُّبات التي تمتلِئُ بها هذه الحياة، والحياةُ كلها عِبَر، وكلها تحوُّلات ومُتغيِّرات، بعضُها أعظمُ من بعضٍ، وبعضُها يُنسِي بعضًا.

غيرَ أنَّ هناك حالةً أو موقفًا قلَّما وقف عنده الإنسان، وإن وقفَ عنده فإنه لا يُعطِيه حقَّه من النظر والتفكير، هذا الموقِفُ يُصوِّرُه الحافظُ ابنُ الجوزيِّ - رحمه الله - حين يقول: "من أظرَف الأشياء إفاقة المُحتضَر عند موتِه".

قال - رحمه الله -: "فإنَّه يتنبَّهُ انتباهًا لا يُوصَف، ويقلَقُ قلقًا لا يُحدُّ، ويتلهَّفُ على زمانِه الماضِي، ويوَدُّ لو تُرِك كي يتدارَك ما فاتَه، ويصدُقَ في توبتِه على مِقدار يقينِه بالموت"، ثم قال - رحمه الله -: "فالعاقلُ مَن مثَّل تلك الساعة أو عمِلَ بمُقتضَى ذلك".

عباد الله:

إنَّ هذا التذكُّر يكُفُّ الهوى، وهذا التمثُّل يبعَثُ على الجِدِّ، ويحفَظُ الوقتَ، ويُصلِحُ العمل، يستذكِرُ حالَه وهو في عافيةٍ سابِغة، وحياةٍ مُمتدة؛ ليتزوَّد من الذكر والشكر وحُسن العبادة.

ساعةُ الاحتِضار - عباد الله - هي الساعةُ التي يكونُ فيها الإنسان بين الموتِ والحياةِ، وهي ساعةٌ إذا جاءَت يعلَمُ الإنسانُ يقينًا أنَّه سيموت؛ فليس في هذه الساعة كذِب، وليس فيها مهرَب، فيُرفَعُ له مِن الحُجُب ما يعرِفُ جَزمًا أنَّ آخرتَه قد جاءَت، ويُكشَفُ عنه غِطاءُ الدنيا، فيرَى شيئًا لم يرَه مِن قبل.

معاشِر الأحِبَّة:

وهذه وقفاتٌ مع هذه الأحوال، ومع أصحابِها حينما ينزِلُ بهم الأجَل، أو حينما يكونُون في حالٍ مِن اليأس والعَجز.

أيها المُسلمون:

الإنسانُ في هذه الدنيا في حالِ الصحة والرخاء والغفلة يكونُ ذا مالٍ أو ذا جاهٍ أو ذا منصِبٍ، فهو حينئذٍ مِلئُ السمع والبصر، وحولَه ما يُحيطُ به مِن حاشيتِه وأتباعِه، يعيشُ آمالًا عِراضًا، وخُططًا واسِعة، فإذا أدرَكَتْه حالةُ الاحتِضار، أو أصابَه حالُ يأسٍ مِن مرضٍ أو حادِثٍ مُقعِدٍ ماذا يكونُ حالُه؟ وما هي مشاعِرُه؟ وما هي أمانِيه؟ وعلى ماذا يتحسَّر؟ وماذا يرجُو؟ قد انفَضَّ الناسُ مِن حوله، وابتعَدَ عنه أربابُ المصالِح والأغراض.

لقد أصبح في حالةٍ أدركَ فيها أنَّ الغِبطة هي في القلب السليم، وصلاح العمل، وحُسن العبادة، والخُلُق الكريم، وصفاء السَّريرة، وحُسن السيرة، والإيثار ونفع الناس، ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 87- 89].

إنَّه في حال الاحتِضار أو حال العجز يتفكَّر ويتأمَّل هل كانت الدنيا تستحِقُّ كل هذا؟ عداوات، وحسدًا، ومُنافِسات، وتقديمَ هذا، وتأخيرَ هذا، وإهمالَ هذا، وتقريبَ هذا، وإعراضًا عن هذا، وغفلةً عن ذاك.

غفلةٌ عن حقوقِ الأهل والأولاد تربيةً وإصلاحًا، بل تقصيرٌ في حقِّ النفسِ صحَّةً وراحةً واستقرارًا، وعبادةً وإحسانًا.

في هذه الحال تنقطِع الآمال، وتتقاصَر التطلُّعات، ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: 22].

لقد أدرَكَ هذا المُحتضَر، وأدرَكَ هذا العاجز أنَّ الذين قبلَه كانُوا يحرِصُون كما يحرِص، ويسعَون كما يسعَى، ويعملُون في الدنيا عملَه، ويكِدُّون كدَّه، فاختطَفَت المَنُون أرواحَهم، وقطَّعَت الآجالُ أعمالَهم، وفاجعَتهم في أحبابهم.

جمعُوا فكان جمعُهم ميراثًا، وبنَوا فكان بِناؤُهم تُراثًا، يَغفلُون عن الآخرة وهي مُقبِلة، ويُقبِلُون على الدنيا وهي مُدبِرة.

في أحوالِ الاحتِضار مشاهِد شتَّى، ومواقِف مُختلفة، ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: 54]، ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: 27].

إنَّه في حالِ التذكُّر وحالِ المُحاسَبة يقولُ .. وهل ينفع يومئذٍ المَقُول؟! يقول: لو كنتُ تفكَّرتُ قليلًا في حال الدنيا وحال الآخرة، لعلِمتُ أنَّ في الصلاح وحُسن العمل وحُبِّ الخير للناسِ أسلَمَ الطرُق، وأنجَى المسالِك.

أين ضَجيجُ الجاه؟ وأين جلَبَة الأعوان، وكثرة العلاقات والاتصالات؟ لقد أدرَكَ أنَّ رفعَ الدرجات وسُلَّم الترقيات هي عند الله وحدَه، وأنَّ علوَّ المقام هو في التقرُّب من الله، وإحسان لعبودية والإخلاص، وليس في مراتبِ أهل الدنيا ومناصِبِهم وجاهِهم وأموالِهم.

في هذه الحال تنقطِعُ الآمال، وتكثُر التطلُّعات؛ فمِنهم مَن يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ومِنهم مَن يقول: ﴿{رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: 10]، ومِنهم مَن يقول: ﴿يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 56]، والجوابُ للجميع: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: 37].

ويا وَيحَ مَن يقول: ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [الشعراء: 99- 103].

ويا لسعادة مَن: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: 30- 32]، ويا لفَوز مَن ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 103].

معاشِر الإخوة:

وهذه أحوالُ بعض السلَف وما أُثِر عنهم في مثلِ هذه الساعات؛ فهذا سلمانُ الفارسيُّ - رضي الله عنه - فيما رواه أحمدُ والحاكمُ وابنُ ماجه -، لما مرِضَ خرجَ إليه سعدُ بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - من الكوفة يعُودُه، فوافقَه وهو في الموتِ يبكِي، فسلَّم وجلَس، فقال سعدٌ: ما يُبكِيك؟ ألا تذكُرُ صُحبةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ألا تذكُرُ المشاهِدَ الصالِحة؟ قال: "واللهِ ما يُبكِيني واحدٌ مِن اثنَين: لا أبكي حبًّا في الدنيا، ولا كراهيةَ لِقاءَ الله"، قال سعدٌ: فما يُبكِيك بعد ثمانِين؟ قال: "يُبكِيني أنَّ خلِيلِي عهِدَ إليَّ عهدًا فقال: «ليكُن بلاغُ أحدِكم من الدنيا كزادِ الراكب»، وإنَّا قد خشِينا أنَّا قد تعدَّينا!".

هذا هو سلمانُ - رضي الله عنه - يخشَى أن يكون قد تعدَّى، فماذا يقولُ مَن تعدَّى حقيقةً؟ ماذا يقولُ مَن تعدَّى على الأموالِ فنهَبَها، وتعدَّى على حدودِ الله فانتهَكَها، وتعدَّى على أعراضِ الناسِ ولحومِهم فنهَشَها، وتعدَّى على عقائِد الناس وأخلاقِهم فأفسَدَها؟

هذه هي المُحاسَبة: هل تعدَّى .. هل قصَّر .. هل بدَّل .. هل غيَّر؟!

وهذا عمرُو بن العاص - رضي الله عنه - جزِعَ جزعًا شديدًا عن الموت، فقال له ابنُه عبدُ الله: ما هذا الجَزَع؟ وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُدنِيك ويستعمِلُك، فقال: "أي بُنَيَّ! قد كان ذلك، وسأُخبِرُك، أي واللهِ ما أدرِي أحُبًّا كان أم تألُّفًا؟ ولكن أشهَدُ على رجُلَين أنَّه فارَقَ الدنيا وهو يُحبُّهما: ابنُ سُميَّة، وابنُ أم عبد".

فلما جُدَّ به - يعني: اشتدَّت عليه سكَراتُ الموت - وضعَ يدَه موضِع الأغلال مِن دقَنه، وقال: "اللهم أمَرتَنا فترَكنا، ونهَيتَنا فركِبنا، ولا يسَعُنا إلا مغفرتُك".

فكانت هذه كلماتُه - رضي الله عنه - وهو شديدُ الاحتِضار، حتى خرَجَت روحُه وفارَقَ الدنيا.

اللهم أمَرتَنا فترَكنا، ونهَيتَنا فركِبنا، ولا يسَعُنا إلا مغفرتُك.

اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا وعذابِ الآخرة، اللهم اجعَلنا ممن يفرَحُ بلقائِك وينعَمُ بعفوِك وعطائِك، واجعَلنا من حزبِك وأوليائِك، اللهم هوِّن علينا سكَرات الموت، اللهم توفَّنا وأنت راضٍ عنَّا.

وأخبارُ القوم لا تنتهي، وكلُّ واحدةٍ أعجَبُ من أختها.

وبعدُ .. عباد الله:

وبعدُ .. أيها الأحياء! وبعدُ .. أيها الأصِحَّاء! أنتم تقدِرون على ما لا يقدِر عليه أهلُ القبور، فاغتنِمُوا الصحةَ والفراغَ قبل يوم الغرغرة، وقبل يوم الحساب؛ فكلُّ يومٍ يعيشُه المرءُ، بل كلُّ ساعةٍ يعيشُها هي غنيمةٌ، ومَن اتَّقَى اللهَ فيما بقِي، غفَرَ له ما قد مضَى وما قد بقِي، ومَن استعملَ صحَّتَه وفراغَه في الطاعة فهو المغبُوط، ومَن استعملَها في المعصِية فهو المغبُون. الفراغُ يعقبُه شغل، والصحةُ يعقُبُها سقَم.

أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: 26- 30].

نفَعَني اللهُ وإياكم بالقرآن العظيم، وبهَديِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قَولِي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المُسلمين مِن كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، الحمدُ لله على ما منَحَ وأعطَى وهو الكريمُ الوهاب، أحمدُه - سبحانه - وأشكُرُه فهو واسعُ الفضل ومُجزِل الثواب، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له عليه توكَّلتُ وإليه متاب، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جاء بالحقِّ والحكمة وفصل الخطاب، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه خيرِ آلٍ وأكرمِ أصحاب، والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآب.

أما بعد .. أيها المُسلمون:

من معالِم العِظة والاتِّعاظ أن تعلَمُوا أنَّ الأعمال بالخواتيم، والسعيد مَن وُعِظ بغيره، وكل مُتعةٍ يعقبُها موت فهي هباء، ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء: 205- 207].

ومن معالِم العِظة - عباد الله -: أن يُدرِكَ المرءُ أنَّ الأيام خزائِن، وما مضَى فهو لا يعُود، ولا ذِكرى بغير إنابة، ولا انتِفاع بغير استِجابة.

وتأمَّلُوا هذه اللَّفتَة مِن الإمام الحافظ ابن القيِّم - رحمه الله -، فهو يقولُ: "فمَن كان مشغُولًا بالله وذِكرِه ومحبَّته وطاعتِه في حياتِه، وجَدَ ذلك أحوَجَ ما هو إليه عند خُروجِ رُوحِه، ومَن كان مشغُولًا بغيرِه في حياتِه وصُحبتِه، فيعسُرُ عليه اشتِغالُه بالله وحضورِه عند الموت".

ولا يثبُتُ إلا أهلُ الطاعة الصادِقُون الصابِرون؛ فهم لا تزيغُ قُلوبُهم ساعة الاحتِضار، ولا تنالُ منهم الشيطان شيئًا.

ألا فاتَّقُوا اللهَ - رحِمَكم الله -، واعلَمُوا أنَّ مما أوصَى به السلَفُ - رحمهم الله - عند الاحتِضار حُسنَ الظنِّ بالله، بأن يظنَّ بما يلِيقُ بالله - عزَّ وجل - وما تقتَضِيه أسماؤُه الحُسنى، وصِفاتُه العُليا، فيرجُو رحمةَ الله وفضلَه وعفوَه وإحسانَه وغُفرانَه وسَعةَ رحمته، ويكونُ ذلك حين يتحدَّثُ الذين حولَ هذا المُحتضَر عن محاسِن أعمالِه وجميلِ ما قدَّم مِن خيرٍ وفضلٍ، والحسرةُ لمَن لم يكن له محاسِن وفضائِل يرجُوها عند ربِّه.

وحُسنُ الظنِّ بالله هو أعلَى درجات التوكُّل، ولا يتوكَّلُ على الله حقَّ التوكُّل إلا مَن أحسَنَ الظنَّ به - سبحانه -.

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمةِ المُهداة، والنِّعمةِ المُسداة: نبيِّكُم مُحمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم في مُحكَم تنزيله، فقال - وهو الصادِقُ في قِيله - قولًا كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك: نبيِّنا مُحمدٍ الحبيبِ المُصطفى، والنبيِّ المُجتبَى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجِه أمهاتِ المُؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأربعةِ الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابةِ أجمعين، والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرَمَ الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمُشركين، واخذُل الطُّغاةَ، والملاحِدَة، وسائرَ أعداءِ المِلَّة والدين.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمُورِنا، واجعَل ولايتَنَا فيمَن خافَك واتَّقاك واتَّبَع رِضاكَ يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامَنا وولِيَّ أمرِنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقِك، وأعِزَّه بطاعتِك، وأَعلِ به كلمَتَك، واجعَله نُصرةً للإسلامِ والمسلمين، ووفِّقه ووليَّ عهدِه وإخوانَه وأعوانَه لِما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوَى.

اللهم وفِّق وُلاةَ أمورِ المُسلمين للعَملِ بكتابِك، وبسُنَّةِ نبيِّك مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً لعبادِك المؤمنين، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والهُدَى والسنَّة يا ربَّ العالمين.

اللهم أصلِح أحوال المُسلمين، اللهم أصلِح أحوال المُسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، واجمَع على الحقِّ والهُدى والسنَّة كلِمتَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرَخاءَ في ديارِهم، وأعِذهم مِن الشُّرور والفتَن ما ظهَرَ مِنها وما بطَن.

اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدودنا، اللهم سدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، واشدُد أزرَهم، وقوِّ عزائِمَهم، وثبِّت أقدامَهم، واربِط على قلوبِهم، وانصُرهم على مَن بغَى عليهم، اللهم أيِّدهم بتأيِيدِك، وانصُرهم بنَصرِك، اللهم احفَظهم من بين أيدِيهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعوذُ بك اللهم أن يُغتالُوا من تحتهم، وارحَم اللهم شُهداءَهم، واشفِ جرحاهم، واحفَظهم في أهلِهم وذرَارِيهم إنَّك سميعُ الدُّعاء.

اللهم عليك باليهود الصهاينة المُحتلِّين ومَن شايَعَهم، اللهم عليك بهم فإنَّهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرِمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورهم، ونعوذُ بك مِن شُرورهم.

اللهم اغفِر ذنُوبَنا، واستُر عيوبَنا، ونفِّس كُروبَنا، وعَافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وارحَم موتانا.

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

عِبَر وعِظات بمشاهِد الاحتِضار.pdf
Message has been deleted

الخدمة المجتمعية

unread,
Mar 1, 2019, 3:23:48 PM3/1/19
to frid...@googlegroups.com

open-friday-2.png

المسئولية عن الأسرة

الخطيب: الشيخ أسامة بن عبد الله خياط

الجمعة - 24 - 6 - 1440 هـ -

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " المسئولية عن الأسرة "، والتي تحدَّث فيها عن نِداءات الرحمن لعبادِه المُؤمنين في القرآن الكريم، مُبيِّنًا أهميتَها ومكانتَها بين الآيات، وذكرَ مِنها نِداءَ الله تعالى للمُؤمنين بوجوبِ وقايةِ أنفسِهم وأهلِيهم من النار، والقِيام عليهم بالنصح والتوجيه والإرشاد، والتربية السليمة للأولاد.

 

الخطبة الأولى

الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبدِه الكتاب، وجعلَ فيه النجاةَ لمَن اتَّقَى ربَّه وأناب، أحمدُه - سبحانه - دلَّ عبادَه على طريقِ جنَّته وجعلَها مُفتَّحةً لهم الأبواب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يخلُقُ ما يشاءُ ويختار ويتوبُ - سبحانه - على مَن تاب، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه، وخيرتُه مِن خلقِه النبيُّ المُصطفى الأوَّاب، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه صلاةً وسلامًا دائمَين إلى يوم البعث والنُّشُور والجزاء والحساب.

أما بعد:

فاتَّقُوا الله - عباد الله - بفعلِ ما أمَر، وباجتِنابِ ما نهَى عنه وزجَر مِن المُحرَّمات والخطايا والسيئات، واشكُروه على نعمِه السابِغات شُكرًا بالقلبِ بمحبَّته وتعظيمِه والخوفِ مِنه، وبرجائِه وإخلاصِ العمل له، والإنابة إليه، والتوكُّل عليه، وشُكرًا باللِّسان ثناءً عليه - سبحانه -، وإكثارًا مِن ذكرِه واستِغفارِه، والدعوةِ إلى سبيلِه، وتلاوةِ كتابِه، وتعليم الناسِ أحكام دينِهم، وتحذيرِهم أسبابَ غضَبِه ومُوجِبات عِقابِه، وشُكرًا بالعمل بأداءِ ما أوجَبَ عليكم مِن واجِبات، وما افترَضَه مِن فرائِض وفقَ ما شرَعَه - سبحانه -، وباتِّباع سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

عباد الله:

إنَّ أجَلَّ صفاتِ المُؤمنين قَدرًا، وأعظمَ سجايا المُتَّقين المُخلَصِين مِن عبادِ الله التي امتازُوا بها على مَن سِواهم مِن الكافرين المُكذِّبين بآياتِ الله - عزَّ وجل - ورُسُله، ما آتاهم ربُّهم مِن حياةِ القلب، وسُمُوِّ الرُّوح، ورَهافَة الحِسِّ، ما يجعلُهم حين يسمَعُونَ اللهَ تعالى يُنادِيهم في مُحكَم كتابِه بصِفة الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، يُقبِلُون على هذا النِّداءِ بآذانٍ صاغِية، وقلوبٍ خاشِعة، وعقُولٍ واعِية؛ لأنَّهم يستيقِنُون أنَّه خيرٌ يُؤمَرُون به، أو شرٌّ يُنهَون عنه.

ولقد كان مِن نِداءات الرحمن لأهل الإيمانِ في القرآن: قولُه - عزَّ اسمُه -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

وإنَّه - يا عباد الله - لنِداءٌ ما أعظمَه، وما أعظمَ ما جاءَ فيه مِن تقريرٍ بيِّنٍ لمسؤوليَّة كلِّ امرئٍ عن نفسِه وعمَّن استَرعاه الله مِن الأهل والوَلَد والأقرَبين، تلك المسؤوليَّة الشخصية والعائلية التي تُوجِبُ عليه كمالَ الحِرص على أن يجعلَ بينَه هو وهم وبين النار وِقايةً تَقِيه وتَقِيهم عذابَها يوم القِيامة.

فكما أنَّ كلَّ إنسانٍ ألزَمَه الله طائِرَه في عُنُقِه، أي: ما عمِلَ مِن خيرٍ وشرٍّ، فيكونُ مُلازِمًا له، مجزيًّا به، مُحاسَبًا عليه، يجِده يوم القِيامة بين يدَيه منشُورًا في كتابٍ أمامَ ناظِرَيه، فهو أيضًا مسؤولٌ عمَّن ولَّاه الله أمرَه، وأسنَدَ إليه رعايتَه مِن أهلِه وولَدِه.

كما أخبَرَ بذلك رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقولِه في الحديث - الذي أخرَجه الشيخان في "صحيحيهما" - عن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «ألا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرجُلُ راعٍ على أهل بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعِيةٌ على بيتِ بَعلِها وولدِه وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبدٌ راعٍ على مالِ سيِّدِه وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعِيَّته».

فهي إذًا مسؤوليَّةٌ جَسِيمة، وأمانةٌ عظيمةٌ تقتَضي مِن كل مؤمنٍ بالله تعالى، مُوقِنٍ بلقائِه، مُصدِّقٍ بجزائِه وحِسابِه وثوابِه وعِقابِه أن يعملَ على وِقايةِ نفسِه ومَن استَرعاه الله؛ مِن أهلٍ وأبناءٍ وبناتٍ وأقارِب أن يقِيَهم مِن كلِّ ما يُفضِي به وبهم إلى دخُول النارِ يوم القِيامة، والاصطِلاءِ بحرِّها، والتردِّي في عذابِها.

وهي وِقايةٌ تتحقَّقُ بإلزامِ النفسِ والأهلِ والولَد بالاستِجابةِ لله وللرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، بامتِثالِ الأوامِر، واجتِنابِ النواهِي، مُتَّخِذًا لنفسِه أقوَى مُعينٍ، وأجَلَّ واقٍ يَقِيه مِن عذابِ الله بتوحيدِه - سبحانه -، وإفرادِه بالعبادة وحدَه دُعاءً وصلاةً وركوعًا وسُجودًا وصيامًا وزكاةً وحجًّا ونذرًا وذبحًا وحلِفًا، ومحبَّةً وخوفًا ورجاءً وتوكُّلًا، وإنابةً وخضوعًا وإخباتًا وخشوعًا، بأدائِها وأداءِ كلِّ ما تعبَّدَه الله به خالِصًا له - سبحانه -، مُوافقًا لما شرَعَه وأذِنَ به، مُتابِعًا فيه رسولَه صلى الله عليه وسلم.

وباجتِنابِ أعظم المعاصِي وأشدِّها وأقبَحِها مآلًا، وذلك هو الشركُ به - سبحانه -، بصَرفِ أيِّ نوعٍ مِن أنواع العبادة لغيرِه - عزَّ وجل -؛ فإنَّه الذنبُ الذي لا يغفِرُه الله لمَن ماتَ عليه، كما قال - سبحانه -: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48].

وبالتوبةِ النَّصُوح مِن جميعِ الخطايا والسيئات، امتِثالًا لأمرِه - سبحانه - بقولِه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، وبقولِه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: 8] الآية.

ولن تكون هذه التوبة نَصُوحًا إلا بالإقلاعِ عن المعصِية، وبالنَّدَم الصادِقِ على اقتِرافِها، وبالعَزم الجازِمِ على عدمِ العَودة إليها، وبردِّ المظالِمِ والحُقُوقِ إلى أهلِها إن تعلَّقَت بحقوقِ العباد.

فإذا قرَنَ هذه التوبةَ بكمالِ مُراقبةٍ ومُحاسَبةٍ لنفسِه، ودوامِ تلاوةٍ لكتابِ ربِّه بتدبُّرٍ وتفكُّرٍ، وبتقرُّبٍ إليه بالنوافِلِ بعد الفرائِضِ، ومُصاحبَةٍ للأخيار الأبرار الذين يُذكِّرُونه حين ينسَى، ويُعينُونَه حين يذكُر، وبمحبَّةِ الخير للمُؤمنين، وكفِّ الأذَى عنهم، والإحسانِ إليهم بكلِّ ضُروبِ الإحسانِ، ومِنه: النصحُ لهم، وتحذيرُهم غوائِل العلُوِّ على الله بالعُتُوِّ عن أمرِه، والإيسافِ له الذي قال فيه - سبحانه -: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: 55]، والإيسافِ له المُوجِبِ لانتِقامه وأليم عِقابِه، إنَّه إذا قرَنَ التوبةَ النَّصُوحَ بهذه الخِصال الشريفة كان مبلَغُ نُجحِه في وِقايةِ نفسِه النار عظيمة.

وأما وِقايةُ الأهل والولَد أبناءً وبناتٍ، وكذا كلُّ مَن استَرعاه الله أمرَه، فبالأمر والنهي، وبالتعليم والتوجيه، وبالتأديب والمُراقبة، والمُتابعة والتفقُّد لأحوالِهم وأحوالِ مَن يصحَبُون ومَن يُجالِسُون في نَهجٍ مِن الحكمةِ جامعٍ بين الحَزم والعَزم، وبين الحِلمِ والرِّفقِ والأناة، مُستعمِلًا كلَّ مسلَكٍ فيما يُلائِمُه؛ إذ الحكيمُ مَن يضعُ الأشياءَ في مواضِعِها، ويلبَسُ لكلِّ حالٍ لَبُوسَها فيما يحِلُّ ولا يحرُم، ويُحمَدُ ولا يُعابُ، فهو كالطبيبِ الذي يعرِفُ الداءَ فيصِفُ له ما يُناسِبُه مِن دواءٍ بالمِقدار الذي يَقتَضِيه، وفي الزمن الذي يستلزِمُه.

مُدرِكًا أنَّ ما جاء مِن توجيهٍ نبويٍّ كريمٍ في شأنِ الجليسِ الصالِحِ والجليسِ السوءِ، في قولِه - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «مثَلُ الجليسِ الصالِحِ والجليسِ السوءِ كمثَلِ صاحبِ المِسكِ وكِير الحدَّاء، لا يعدَمُك مِن صاحِبِ المِسك إما أن تشترِيَه، أو تجِدَ رِيحَه، وكِيرُ الحدَّاد يُحرِقُ بيتَك أو ثوبَك، أو تجِدُ مِنه رِيحًا خبيثة».

هذا التوجيهُ يعُمُّ كلَّ مُجالِس، سواءٌ أكانت مُجالَسَتُه بالطريقة المُباشِرة المُعتادة، أم كانت عبر وسائل التواصُل الاجتماعيِّ وغيرها مما جاء به الإعلامُ الجديدُ، مما هو أكثرُ شُيُوعًا واستِخدامًا، وأقوَى تأثيرًا، وأخطرُ مآلًا وعُقبَى؛ فمَن أعرَضَ عن هذا واتَّبَعَ هواه، وعصَى ربَّه ومولاه، وفرَّطَ فيمَن استَرعاه فذلك الذي خسِرَ في دُنياه وأُخراه حين خانَ ما أُسنِدَ إليه مِن أمانةِ الرِّعايةِ لمَن تحت ولايتِه، وأضاعَ ما حُمِّل مِن أمرِ إصلاحِهم وإرشادِهم، وسُلُوك سبيل الاستِقامة بهم.

وخسِرَ أيضًا حين أعقَبَهم ذلك تجافيًا عنه، وبُغضًا له وتجهُّمًا، فغدَوا خصومًا له وأعداءً عِوَضًا عن أن يكون أصفِياءَ له وأولياءً، هنالك تعظُمُ مُصيبتُه، وتشتدُّ حسرتُه، وتبقَى على الأيام ندامتُه.

فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله -، واتَّخِذُوا مِن طاعةِ ربِّكم بامتِثالِ ما أمَر، وبالانتِهاءِ عما نهَى عنه وزجَر سبيلًا تبلُغُون به رِضوانَه، وحاجزًا يَقِيكم النار وبِئس القرار.

نفَعَني الله وإياكم بهَدي كتابه، وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قَولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المُسلمين مِن كل ذنبٍ، إنَّه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وليِّ المُتَّقين، أحمدُه - سبحانه - حمدَ الشاكرين الذاكِرين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ربُّ السماوات السبع وما بينهما وربُّ الأرضين، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه سيِّدُ الأولين والآخرين، وقُدوةُ خلقِ الله أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ، وعلى آلِه وصحابتِه الأبرار الأطهار المُخبِتين، والتابِعي وتابِعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد .. فيا عباد الله:

قال الإمامُ أبو بكرٍ ابنُ العربيِّ - رحمه الله - في بسطِ مدلُولِ قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، قال: "معناه: اصرِفُوا، وتحقيقُه: اجعلُوا بينَكم وبينَها وِقاية، ومِثلُه قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فمَن لم يجِد فبِكلمةٍ طيبةٍ»؛ أخرجه البخاري ومسلم - رحمهما الله - في "صحيحيهما".

قال: "فعلى الرجُلِ أن يُصلِحَ نفسَه بالطاعة ويُصلِح أهلَه إصلاحَ الراعي للرعيَّة؛ ففي صحيح الحديثِ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيَّته، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرجُلُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته ..» الحديث.

وعن هذا عبَّر الحسنُ في هذه الآية بقولِه: يأمُرُهم وينهاهُم".

وقد روى عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «مُرُوا أبناءَكم بالصلاةِ لسبعٍ، واضرِبُوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجِع»؛ خرَّجه جماعةٌ، وهذا لفظُ أبي داود بإسنادٍ صحيحٍ.

وكذلك يُخبِرُ أهلَه بوقتِ الصلاة، ووجوبِ الصيام، ووجوبِ الفِطر مُستندًا في ذلك إلى رُؤية الهلال.

وقد روى مُسلمٌ - رحمه الله - في "صحيحه" عن عُروة عن عائشة - رضي الله عنها -، أنَّها قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي مِن اللَّيل، فإذا أوتَرَ قال: «قُومِي فأوتِرِي يا عائشة».

وروى أبو داود والنسائيُّ في "سننهما"، وأحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه -، أنَّه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «رحِمَ الله رجُلًا قامَ مِن اللَّيل فصلَّى، وأيقَظَ امرأتَه فصلَّت، فإن أبَت نضَحَ في وجهِها الماء، رحِمَ الله امرأةً قامَت مِن اللَّيل فصلَّت، وأيقَظَت زوجَها فصلَّى، فإن لم يقُم نضَحَت في وجهِه الماء».

ومِنه قولُه - عليه الصلاة والسلام -: «أيقِظُوا صواحِبَ الحُجَر»، أو «صواحِبَ الحُجُرات»، يعني: أمَّهات المُؤمنين - رضوانُ الله عليهن -، أي: لصلاةِ اللَّيل.

قال: "ويدخُلُ هذا في عُموم قولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]".

ألا فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وصلُّوا وسلِّموا على خاتم النبيين، وإمام المُرسَلين، ورحمةِ الله للعالمين؛ فقد أُمِرتُم بذلك في الكتابِ المُبين؛ حيث قال ربُّ العالمين: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على مُحمدٍ وعلى آل مُحمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد.

وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، وعن أزواجِه أمَّهات المُؤمنين، وعن التابِعين وتابِعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين، وسائِرَ الطُّغاة والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادَتَهم، واجمَع كلمَتَهم على الحقِّ يا ربَّ العالمين.

اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسنَّةَ نبيِّك مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادَك المؤمنين المجاهدين الصادقين يا ربَّ العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمَين الشريفَين، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه إلى ما فيه خَيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العِباد والبِلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.

اللهم آتِ نُفوسَنا تقوَاها، وزكِّها أنت خَيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم أصلِح لنا دينَنَا الذي هو عِصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.

اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكَرات، وحُبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَّ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.

اللهم إنا نعوذُ بك مِن زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميعِ سخَطِك.

اللهم أحسِن عاقبَتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شِئتَ يا ربَّ العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شِئتَ يا ربَّ العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شِئتَ يا ربَّ العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحورِ أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك مِن شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورِهم، ونعوذُ بك مِن شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورِهم، ونعوذُ بك مِن شُرورهم.

اللهم انصُر جنودَنا على كافَّة الجبَهات، اللهم انصُرهم نصرًا عزيزًا، اللهم احفَظهم مِن بين أيدِيهم ومِن خلفِهم ومن أمامهم وعن أيمانِهم يا ربَّ العالمين، اللهم اكتُب أجرَ الشَّهادة لقتلاهم، اللهم اكتُب أجرَ الشَّهادة لقتلاهم، اللهم اكتُب أجرَ الشَّهادة لقتلاهم، واشفِ جَرحاهم، اللهم اشفِ جَرحاهم، اللهم اشفِ جَرحاهم، اللهم انصُر بهم دينَك، اللهم انصُر بهم دينَك، وأعلِ بهم كلمتَك، اللهم انصُر بهم دينَك، وأعلِ بهم كلمتَك.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحَم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، واختِم بالباقِيات الصالِحات أعمالَنا.

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا مُحمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

المسئولية عن الأسرة.pdf
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages