درس ابن رشد الفقه على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه أبي القاسم ودرس أيضا على أيدي الفقيه أبي مروان عبد الملك بن مسرة والفقيه ابن بشكوال وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري. كما درس على يد أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جبرول من بلنسية وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر (أحد أبناء ابن زهر) وفي الفلسفة تأثر بابن باجة كما كان صديقا لابن طفيل.[10]
يرى ابن رشد أن لا تعارض بين الدين الإسلامي والفلسفة ولكن هناك بالتأكيد طرقاً أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة. ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه. وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة. ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة الأول معرفة الحقيقة استناداً على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة والتي ذَكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكاتٍ فكريةٍ عاليةٍ توعدوا بحفظها وإجراء دراساتٍ جديدةٍ فلسفية.[14]
كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل.[15]وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت اتحاد الكون النموذجي. ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال:"من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة"..[16]
ثم انطلق يقدم الانتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التي قدمها الفلكيون في عصره. ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بغير الواضح والغامض وقال بأنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكاً. وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علمياً لأشكال البقع الشمسية.
انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبَي أرسطو وأفلاطون فقد اتفق مع أفلاطون أن الفضائل الأساسية الأربع هي (الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة) لكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة (الحكماء والحراس والصناع) وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية التي هي المعرفة العلمية الفلسفية المقصورة على الخاصة. وقد قَصَرَ الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر. وقد كان لهذا القول الأخير دورٌ كبير في تطور الفكر المتحرِّر في أوروبا في العصرين الوسيط والحديث. وأكد ابن رشد على أن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع وشدَّد على دور التربية الخلقية وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون.[17]وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا في رسم ملامح الأجيال القادمة فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية. وقد قال بعض الباحثين": "لقد تساءل الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين انطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وأسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الانحطاط يرجع جزئياً على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة وإلى انتباذها خارج الحياة الاجتماعية.". [18]
واستفاض ابن رشد في شرح أفكاره عن علم النفس من خلال تعليقاته الثلاثة التي عقب فيها عن محاضرة أرسطو بعنوان عن الروح.[23] فقد أبدى اهتمامًا كبيرًا بتفسير ذكاء الإنسان مستخدمًا الأساليب الفلسفية ومستندًا على تفسير أفكار أرسطو.[23] وقد تبدلت مواقفه بصدد هذا الموضوع طوال فترة عمله مع تطور أفكاره.[23] وفي تعليقه القصير أول أعماله الثلاثة تتبع ابن رشد نظرية ابن باغة التي تزعم بوجود عقل مادي يختزن صورًا معينة عن جميع الأشياء والمفاهيم التي يصادفها الإنسان.[24] ويسخر العقل الفعال تلك الصور في تأسيس المعرفة الكلية عن هذا المفهوم.[25] وفي تعليقه الأوسط انتقل ابن رشد في نقاشه إلى أفكار الفارابي وابن سينا قائلًا أن العقل الفعال هو ما يمنح البشر قدرة الفهم بصفة عامة والتي تعرف بالعقل المادي.[25] ومتى تصادف الإنسان في تجاربه الشخصية بمفهوم معين لفترة كافية تنشط تلك القدرة وتمنح صاحبها المعرفة الكلية عن هذا المفهوم (وهي فكرة مشابهة تمامًا لمفهوم الاستقراء في المنطق).[25]
وفي تعليقه الأخير (وهو أطولهم وأكثرهم إسهابًا) اقترح هو الآخر نظرية أخرى عرفت باسم نظرية وحدة الفكر. واقترح فيها بوجود عقل مادي واحد فقط وهو لدى جميع البشر بصفة متطابقة منفصلًا عن أجسادهم البشرية.[26] وحتى يتمكن ابن رشد من تفسير أفكار الأفراد المختلفة لجأ إلى استخدام مفهوم جديد سماه الفكر (باللاتينية cogitatio) وهو عملية تتحقق بداخل أمخاخ البشر تشتمل لا على السعي إلى المعرفة الكلية بل على التدبر الفعال في الأشياء المعينة التي يصادفها الإنسان.[26] ولاحقًا صارت تلك النظرية محل جدل حينما دخلت أول مرة أوروبا المسيحية ففي عام 1229 كتب توما الأكويني نقدًا مفصلًا للنظرية بعنوان عن وحدة العقل: دعوى ضد الرشديين.[23][27]
له مؤلفات عدة في أربعة أقسام: شروح ومصنفات فلسفية وعملية شروح ومصنفات طبية كتب فقهية وكلامية كتب أدبية ولغوية لكنه اختص بشرح كل التراث الأرسطي. وقد أحصى جمال الدين العلوي[28] 108 مؤلفاً لابن رشد وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصها العربي.كما يصنف محمد عابد الجابري [29] مؤلفات ابن رشد في سبعة أصناف: 1) مؤلفات علمية تشتمل على اجتهادات في مجالات مختلفة كالفقه في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد والطب في كتاب الكليات في الطب[30] 2) الردود النقدية كرده على الغزالي في كتب الضميمة وفصل المقال وتهافت التهافت ورده على الأشاعرة في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة[31] 3) المختصرات التي يدلي فيها ابن رشد بآراء اجتهادية ويعرض فيها ما يعتبره الضروري في الموضوع الذي يتناوله ككتاب الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى[32] وكتاب الضروري في النحو
59fb9ae87f