ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : ( بعثت بجوامع الكلم , ونصرت
بالرعب , وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح
خزائن الأرض , فوضعت في يدي ). وفي رواية
للترمذي ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ
, أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب ,
......... الحديث ) .
قال الزهري " وبلغني أن جوامع الكلم أن
الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت
تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد
والأمرين أو نحو ذلك " .
وجوامع الكلم التي بعث بها نبينا عليه
الصلاة والسلام , تشمل ما جاء في القرآن
من الآيات الجامعة , كقوله عز وجل : {إن
الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
}( النحل 90 )
فإن هذه الآية لم تترك خيراً إلا أمرت به
ولا شراً إلا نهت عنه , وهي مما بعث به صلى
الله عليه وسلم .
وتشمل أيضا ما جاء في كلامه صلى الله
عليه وسلم مما هو مروي في كتب السنة ,
والمقصود هنا الكلام على النوع الثاني ,
وهو جوامع الكلم النبوي .
وقد وردت عن الأئمة المتقدمين عدة أقوال
في تحديد أصول الأحاديث النبوية أو
الأحاديث الجامعة التي يدور عليها الدين
, فمن ذلك ما جاء عن الإمام أحمد -رحمه
الله - أنه قال : " أصول الإسلام على ثلاثة
أحاديث : حديث عمر : ( إنما الأعمال
بالنيات ), وحديث عائشة : ( من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ), وحديث
النعمان بن بشير : ( الحلال بيِّنٌ
والحرام بيِّن )
وقال الإمام أبو داود : "نظرت في الحديث
المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث , ثم نظرت
فإذا مدار أربعة آلاف الحديث على أربعة
أحاديث , حديثِ النعمان بن بشير : (
الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن ), وحديث
عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث أبي
هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
المرسلين ......... الحديث ) , وحديث : ( من حسن
إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) , قال : فكل
حديث من هذه الأربعة ربع العلم ".
وأنشد بعضهم :
عمدة الدين عندنا كلمات أربع من
كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس
يعنيك واعملن بنية
ويعني بقوله " ازهد " حديث : (ازهد في
الدنيا يحبك الله ....الحديث ) .
وقد اجتهد أهل العلم في جمع تلك الأحاديث
الجوامع , وصنفوا في ذلك المصنفات , حتى
جاء الإمام النووي- رحمه الله -, فجمع
اثنين وأربعين حديثاً جامعاً عليها مدار
الدين , وهي التي عرفت فيما بعد
"بالأربعين النووية" , واشتهرت هذه
الأربعين وأقبل الناس على حفظها ونفع
الله بها , ببركة نية صاحبها وحسن قصده ,
وقد شرحها الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا
نفيساً في كتابه جامع العلوم والحكم ,
وزاد عليها ثمانية أحاديث تمام الخمسين .
فينبغي على المسلم أن يعتني بهذه
الأحاديث حفظا وفهما ودراسة , وأن يجعلها
من أوائل الأحاديث التي يُربَّى عليها
الأطفال والناشئة , وسنعرض في المواضيع
القادمة بعض هذه الأحاديث بشيء من
التفصيل والشرح , والله الموفق والهادي
إلى سواء السبيل .