حديث جبريل الطويل

7 views
Skip to first unread message

الشيخ صابر

unread,
Nov 30, 2006, 2:07:30 PM11/30/06
to دار الحرمين لتحفيظ القران
من الأحاديث العظيمة التي بين النبي صلى
الله عليه وسلم فيها أصول الدين , حديث
جبريل المشهور , عندما جاء إلى النبي صلى
الله عليه وسلم , على هيئة رجل يسأله
ويستفتيه عن بعض المسائل الهامة ,
والحديث رواه الإمام مسلم عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ,
إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد
سواد الشعر , لا يُرى عليه أثر السفر , ولا
يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى
الله عليه وسلم , فأسند ركبتيه إلى
ركبتيه , ووضع كفيه على فخذيه , وقال : يا
محمد , أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة ,
وتصوم رمضان , وتحج البيت إن استطعت إليه
سبيلا ) . قال : صدقتَ , قال : فعجبنا له
يسأله ويصدقه .
قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : ( أن تؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . قال :
صدقت .
قال فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد
الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه
يراك ) .
قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ( ما
المسئول عنها بأعلم من السائل ) .
قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ قال : ( أن تلد
الأمة ربَّتها , وأن ترى الحفاة العراة
العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان
) .
قال : ثم انطلق , فلبثتُ ملِيَّا , ثم قال
لي : ( يا عمر , أتدري من السائل ؟ ) .
قلت : الله ورسوله أعلم .
قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
فهذا الحديث قد اشتمل على بيان أصول
الدين وقواعده , ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم في آخره ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم
دينكم ) , فجعل ما في هذا الحديث بمنزلة
الدين كله .
بدأ جبريل بسؤال النبي صلى الله عليه
وسلم عن الإسلام , والإسلام هو إظهار
الخضوع للشريعة و التزام ما جاء به النبي
صلى الله عليه وسلم من عند ربه , وقد فسره
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
بأعمال الجوارح الظاهرة , ومن هذه
الأعمال ما هو بدني كالصلاة والصوم ,
ومنها ما هو مالي كإيتاء الزكاة , ومنها
ما هو مركب منهما كالحج فهو عبادة مالية
وبدنية .
وأما الإيمان فقد فسره النبي صلى الله
عليه وسلم في هذا الحديث بالأعمال
الباطنة , فقال : أن تؤمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله , والبعث بعد الموت , وتؤمن
بالقدر خيره وشره , وهذه هي أصول الإيمان
الخمسة التي ذكرها الله عز وجل في مواضع
من كتابه , كقوله تعالى : { ومن يكفر بالله
وملا ئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد
ضل ضلالا بعيداً } (النساء 136). وقال
سبحانه :{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } (القمر
49) .
وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين
الإسلام والإيمان , فجعل الإسلام خاصا
بأعمال الجوارح الظاهرة , وجعل الإيمان
خاصا بالأعمال الباطنة , لاجتماع هذين
الاسمين معاً في سياق واحد , فكان لكل
واحد منهما معنى خاصا , وأما إذا ذكر كل
واحد منهما على انفراد فإن أحدهما يدخل
في الآخر , فيدخل في الإسلام الاعتقادات
والأمور القلبية , كما قال عز وجل : { إن
الدين عند الله الإسلام } (آل عمران 19) ,
وكذلك الإيمان إذا ذكر مفردا فإنه تدخل
فيه أعمال الجوارح الظاهرة , قال صلى
الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون
شعبة , فأفضلها قول لا إله إلا الله ,
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , والحياء
شعبة من الإيمان } أخرجه مسلم .
وأما الإيمان بالقدر فهو على أربع مراتب
كما بين أهل العلم :
الأولى : مرتبة العلم , وهي الإيمان بأن
الله تعالى سبق في علمه ما كان وما سيكون
من أفعاله وأفعال عباده , وأن الله تعالى
قد أحاط بكل شيء علما .
والثانية : مرتبة الكتابة , وهي الإيمان
بأنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما
سيكون إلى يوم القيامة , وذلك قبل أن يخلق
السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , وكان
عرشه على الماء .
والثالثة : مرتبة المشيئة , وهي الإيمان
بأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ،
وأنه لا يخرج شيء في هذا الكون عن إرادته
الكونية ومشيئته جل وعلا .
والمرتبة الرابعة : الخلق والإيجاد , وهي
الإيمان بأن الله خالق كل شيء , فالعباد
مخلوقون ، وأفعالهم مخلوقة , قال عز وجل :
{ والله خلقكم وما تعملون } (الصافات 37)
وكل ما سوى الله مخلوق مفتقر إليه سبحانه
وتعالى .
وأما درجة الإحسان فقد بين النبي صلى
الله عليه وسلم أن العبد لن يستطيع أن
يصل إليها إلا بأن يعبد الله كأنه يعاينه
وينظر إليه , فإنه إذا استحضر ذلك عند
أداء العبادة , فلن يترك شيئا يقدر عليه
من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماع
القلب والاعتناء بإتمام العبادة إلا أتى
به , ومن شق عليه ذلك فليعبده عبادة من
يعلم أن الله يراه ويطلع عليه , والمقصود
هو الحث على الإخلاص في العبادة ,
ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن , وهي
درجة رفيعة ومقام عال , لا يصل إليه إلا
القليل من الناس , وقد دل القرآن على هذا
المعنى في مواضع متعددة كقوله تعالى : {
وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا
تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ
تفيضون فيه } ( يونس 61) .
ثم سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله
عليه وسلم عن الساعة , فأخبره أن السائل
والمسؤول علمهم عنها سواء , فالساعة
علمها عند ربي في كتاب , وهي أحد مفاتيح
الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله عز
وجل , فسأله عن علاماتها فذكر له النبي
صلى الله عليه وسلم علامتين :
العلامة الأولى : أن تلد الأمة ربتها
وسيدتها , فإن السيد إذا وطئ أمته فأنجبت
له أولادا كان هؤلاء الأولاد بمنزلة
أبيهم في الحرية والسيادة , فكأنه صلى
الله عليه وسلم يشير إلى أنه في آخر
الزمان , ستفتح البلاد على المسلمين ,
ويكثر الرقيق والإماء حتى يكون للأمة
أولاد من سيدها , فإذا وقع ذلك كان علامة
على قرب الساعة ودنو أجلها .
العلامة الثانية : أن ترى الحفاة العراة
الفقراء رعاة الغنم والشياة , الذين
كانوا لا يملكون شيئا من حطام الدنيا ,
يتطاولون ويشيدون المباني العالية ,
مباهاة ومفاخرة , والمقصود أن الأسافل
والأراذل يصيرون رؤساء على الناس , وأن
الأمر سيوسد إلى غير أهله .
فمن تأمل هذا الحديث وجد أن قد اشتمل على
شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة
والباطنة , من عقود الإيمان , وأعمال
الجوارح , وإخلاص السرائر , والتحفظ من
آفات الأعمال , فصلوات الله وسلامه على
من أوتي جوامع الكلم .
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages