إنما الأعمال بالنيات

5 views
Skip to first unread message

الشيخ صابر

unread,
Nov 30, 2006, 2:27:10 AM11/30/06
to دار الحرمين لتحفيظ القران
المقاصد والنيات هي محل نظر الله جل وعلا
, وهي من الأعمال بمثابة الروح من الجسد ,
فكيف يكون حال الجسد إذا نزعت منه الروح ,
وكيف يكون حال شجرة اجتثت من فوق الأرض
ما لها من قرار , وكل عبادة لم تقم على نية
صالحة ومقصد شرعي صحيح , فإنها في ميزان
الله هباء تذروه الرياح , وسراب إذا طلبه
صاحبه لم يجده شيئا , من أجل ذلك عني
الشرع عناية عظيمة بإصلاح مقاصد العباد
ونياتهم , وورد في ذلك الكثير من النصوص
في الكتاب والسنة , ومن الأحاديث العظيمة
التي وضحت هذا المعنى الحديث الذي في
الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ
ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ,
فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته
لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها , فهجرته
إلى ما هاجر إليه ).
فهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور
عليها الدين , ولذلك صدر به أهل العلم
كتبهم , وابتدؤوا به مصنفاتهم , قال
الإمام الشافعي رحمه الله : ( هذا الحديث
ثلث العلم , ويدخل في سبعين بابا من أبواب
الفقه , وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال
حجة إلى لقاء الله تعالى ) .
والنية هي القصد الباعث على العمل ,
ومقاصد العباد تختلف اختلافا عظيما بحسب
ما يقوم في القلب .
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما
الأعمال بالنيات ) يعني أحد أمرين الأول :
أن وقوعها واعتبارها شرعا لا يكون إلا
بالنية , فكل عمل اختياري يفعله العبد لا
بد له من نية باعثة على هذا العمل ,
والثاني أن صحة هذه الأعمال وفسادها ,
وقبولَها وردَّها , والثواب عليها وعدمه
لا يكون إلا بالنية .
فالعبادات والأعمال الصالحة بأنواعها ,
من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها لا
تصح ولا تعتبر شرعا إلا بقصدها ونيتها ،
بمعنى أن ينوي تلك العبادة المعينة دون
غيرها , فلا بد من النية لتمييز صلاة
الظهر عن صلاة العصر مثلا , ولا بد منها
لتمييز صيام الفريضة عن صيام النافلة ,
وهكذا .
وكما أن النية مطلوبة لتمييز العبادات
بعضها عن بعض , فهي مطلوبة أيضا لتمييز
العادة عن العبادة , فالغسل مثلاً يقع
للنظافة والتبريد ، ويقع عن الحدث
الأكبر ، وعن الجمعة ، والنية هي التي
تحدد ذلك , وهذا المعنى للنية هو الذي
يذكره الفقهاء في كلامهم .
وأما المعنى الثاني , فهو تمييز المقصود
بهذا العمل , هل هو الله وحده لا شريك له ,
أم غيره, ففيه دعوة للعبد إلى إخلاص
العمل لله في كل ما يأتي وما يذر , وفي كل
ما يقول ويفعل , فيحرص كل الحرص على تحقيق
الإخلاص وتكميله ، ودفع كل ما يضاده من
رياء أوسمعة ، أوقصد الحمد والثناء من
الخلق ، وهذا المعنى هو الذي يرد ذكره
كثيرا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم
وسلف الأمة , ولذلك قال صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ,
أي أنه ليس للإنسان من عمله إلا ما نواه
من خير أو شر , فمن نوى نية حسنة تقربه إلى
الله , فله من الثواب والجزاء على قدر
نيته , ومن نقصت نيته وقصده نقص ثوابه ,
ومن اتجهت نيته إلى غير ذلك من المقاصد
الدنيئة فاته الأجر والثواب , وحصل على
ما نواه .
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا
للأعمال التي صورتها واحدة , واختلف
صلاحها وفسادها بسبب اختلاف نيات
أصحابها , وهو مثال الهجرة من دار الكفر
إلى دار الإسلام , كما هاجر النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه الكرام , فأخبر
أن هذه الهجرة تختلف باختلاف النيات
والمقاصد منها , فمن هاجر إلى دار
الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في تعلم
دين الإسلام , وإظهار شعائره التي يعجز
عنها في دار الشرك , فهذا هو المهاجر حقا ,
وهو الذي يحصل أجر الهجرة إلى الله
ورسوله , ومن هاجر لأمر من أمور الدنيا ,
أو لامرأة في دار الإسلام يرغب في نكاحها
, فهذا ليس بمهاجر إلى الله ورسوله على
الحقيقة , وليس له من هجرته إلا ما نواه .
وسائر الأعمال الصالحة في هذا المعنى
كالهجرة , فإن صلاحها وفسادها بحسب النية
الباعثة عليها , وحين سئل صلى الله عليه
وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة أو حمية أو
ليُرَى مكانُه , أيُّ ذلك في سبيل الله ؟
قال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
فهو في سبيل الله ) كما في الصحيحين , وقال
تعالى في اختلاف النفقة بحسب النيات :
{ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء
مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة
بربوة .... الآية } (البقرة 265 ) وقال : {
والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا
يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ..... الآية
} (النساء 38) وهكذا جميع الأعمال.
فالأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب
ما يقوم بقلب العبد من الإيمان والإخلاص
، حتى إن صاحب النية الصادقة يكون له أجر
العامل نفسه ولو لم يعمل , ولهذا لما تخلف
نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
عن غزوة تبوك بسبب بعض الأعذار الشرعية
التي أعاقتهم عن الخروج قال عليه الصلاة
والسلام كما في الصحيح : ( إن بالمدينة
أقواماً ما سِرْتُم مسيراً، ولا قطعتم
وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر ) .
وكما تجري النية في العبادات فكذلك تجري
في المباحات , فإن قصد العبد بكسبه
وأعماله المباحة , الاستعانة بذلك على
القيام بحق الله والواجبات الشرعية ,
واستصحب هذه النية الصالحة في أكله
وشربه , ونومه وراحته , ومكسبه ومعاشة ,
أجر على تلك النية ، ومن فاته ذلك فقد
فاته خير كثير , يقول معاذ رضي الله عنه (
إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ) , وفي
الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا
أجرت عليه ، حتى ما تجعله في فيِّ
امرأتِك )
وأما الحرام فلا يكون قربة بحال من
الأحوال حتى لو ادعى الإنسان فيه حسن
النية .
وبذلك يكون هذا الحديث جامعاً لأمور
الخير كلها , فحري بالمؤمن أن يفهم معناه
وأن يعمل بمقتضاه في جميع أحواله
وأوقاته .
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages