من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه

8 views
Skip to first unread message

الشيخ صابر

unread,
Nov 30, 2006, 2:09:12 PM11/30/06
to دار الحرمين لتحفيظ القران
العبادة هي الغاية من وجود الإنسان في
هذه الحياة , وهي التي من أجلها أرسل الله
الرسل وأنزل الكتب , {وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون} . ( الذاريات 56) .
والله عز وجل كما أنه لم يخلق هذا
الإنسان عبثا بل خلقه لغاية محددة ,
ووظيفة عظيمة , فكذلك لم يتركه هملا لا
يعرف كيف يؤدي هذه الوظيفة التي من أجلها
خُلِق , فخلقه وعلمه , ودله على الطريق
الموصلة إليه سبحانه , وجعلها طريقا
واحدة , دليلها الكتاب , وبابها الرسول ,
فمن أراد سلوك الطريق من غير دليل تاه ,
ومن أراد الولوج من غير باب الرسالة
وبدون مفتاح النبوة فقد ضل سواء السبيل ,
فبين سبحانه للناس على ألسنة رسله كيف
يعبدوه ويوحدوه , وحدد لهم مجالات هذه
العبادة وضوابطها , فلا يعبد إلا الله
وحده , ولا يعبد كذلك إلا بما شرعه من
الدين .
وجاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة
تحث على الاعتصام بالوحي واتباعه , وتحذر
من اتباع غيره من الأهواء والضلالات قال
تعالى:{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }( الأنعام 153) .
وحذر سبحانه من مخالفة أمر رسوله وسنته
وشريعته فقال عز وجل :{فليحذر الذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم}( النور 63) .
من أجل ذلك كان أحد الأحاديث الجامعة
التي وضحت هذا المعنى , ووضعت القواعد
والضوابط لهذه القضية , حديث عائشة رضي
الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم ,
وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد ) .
فهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام ,
وهو مكمِّل ومتمِّم لحديث إنما الأعمال
بالنيات , ويدخل في هذين الحديثين الدين
كله ، أصوله وفروعه ، ظاهره وباطنه ,
فحديث عمر ميزان للأعمال الباطنة ،
وحديث عائشة ميزان للأعمال الظاهرة ,
ففيهما الإخلاص للمعبود ، والمتابعة
للرسول , اللذان هما شرط لقبول كل قول
وعمل ، ظاهر وباطن , فمن أخلص أعماله لله ,
متبعاً في ذلك رسول الله , فعمله مقبول ,
ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود
عليه , وقد جمع الله بين هذين الشرطين في
قوله جل وعلا : { فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا } ( الكهف 110).
وقد دل الحديث على أن كل عمل ليس عليه أمر
الشارع فهو مردود على صاحبه , وفي قوله
صلى الله عليه وسلم : ( ليس عليه أمرنا )
إشارة إلى أن أعمال العباد كلَّها ينبغي
أن تكون تحت أحكام الشريعة , فتكون
الشريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها ,
فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة
موافقا لها فهو المقبول , ومن كان عمله
خارجا عنها فهو المردود .
ولخطورة الابتداع في الدين والإحداث فيه
, جاء ذم البدع والنهي عنها , والتنفير من
أهلها , فالبدع في الحقيقة مضادة للشريعة
, مراغمة لها , والمبتدع ببدعتة قد نصب
نفسه منصب المستدرك على الشرع بزيادة أو
نقصان , فلم يكتف بما شُرِع له , وهو بلسان
حاله , يتهم الرسول کصلى الله عليه وسلم
بالتقصير في أداء الأمانة والرسالة , فإن
نبينا عليه الصلاة والسلام لم يترك خيرا
إلا دلنا عليه , ولا شرا إلا حذرنا منه ,
ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله : " من
أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه
سلفها , فقد زعم أن محمدا خان الرسالة ,
لأن الله يقول : {اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا} ( المائدة 3 ) فما لم يكن يومئذ دينا
فلا يكون اليوم دينا " ، ولا يخفى ما جرته
البدع على الأمة قديما وحديثا من الفتن
والويلات , والتفرق والاختلاف في الدين .
والبدعة هي كل ما يكن على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه دينا يُعبد
الله به ويتقرب إليه , من اعتقاد أو قول
أو عمل , وهي تشمل العبادات والمعاملات ,
والفعل والترك , فكما تكون بفعل غير
المشروع , تكون أيضا بترك ما هو مشروع
ومباح , إذا تركه الإنسان بقصد القربة
والتدين , ولذلك لما جاء ثلاثة نفر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن
عبادته , , فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها
, فقالوا : وأين نحن من رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر , فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي
الليل أبدا , وقال الآخر : وأنا أصوم
الدهر ولا أفطر , وقال الثالث : وأنا
أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم
الذين قلتم كذا وكذا , أما والله أني
لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم
وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن
رغب عن سنتي فليس مني ) أخرجاه في
الصحيحين .
والبدع جميعُها تشترك في وصف الضلالة ,
فليس فيها ما هو حسن وما ليس بحسن , فقد
جاء في الصحيح من حديث العرباض بن
ساريةرضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( وإياكم ومحدثات الأمور
فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) زاد
النسائي ( وكل ضلالة في النار ) . إلا أنها
ليست على رتبة واحدة في الضلال , فمنها
البدع الكبيرة والصغيرة والمكفرة وغير
المكفرة .
فهذا الحديث على قلة ألفاظه حوى من
المعاني والمسائل الشيء الكثير , فقد بين
الضابط العام والقاعدة الكلية التي توزن
بها الأعمال , وعلى ضوئها يحكم
بمشروعيتها أو عدمها .
ومن خلاله يتبين أن مقتضى العبادة التي
خُلِق لها الإنسان , أن يجعل المسلم
أقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته وفق
المناهج التي جاءت بها الشريعة , وأن
يفعل ذلك طاعة واستسلاما وانقيادا لأمر
الخالق جل وعلا , وشعاره في ذلك ما أخبر
الله به عن المؤمنين المفلحين في قوله :
{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى
الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا
سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages