شهدت الساحة المصرية ، فى السنوات الأخيرة ، ظهور قيادات شابة عديدة ، من عدة محافظات ، تملك قدر كبير ، من التميز الأخلاقى ، والوعى
الفكرى والثقافى الرفيع .
ولقد أيقنت أن تفشى الفساد والبطالة والفقر ، ومختلف الأوضاع المحلية القديمة ، التى كانت فى منتهى السوء والتردى ، قد بلغت الحد الأقصى لها ، ولم يعد هناك مفر أمامها ، سوى عملها على اجبار النظام الحاكم ، على تحقيق تغيير حقيقى وشامل ، فى سياساته العديدة الخاطئة ، التى أستفزت جدا ، الغالبية العظمى من المصريين ، وبالفعل بدأت جديا ، هذه المجموعة المميزة ، منذ فترة طويلة ، من خلال مواقع الشبكات
الاجتماعية ، أبرزها الفيس بوك وتويتر واليوتيوب ، فى توصيل أفكارها الوطنية البناءة والهادفة ، الى الأغلبية الصامتة ، التى عانت من سلبيات كثيرة ، وكانت من أهم وأكثر الأسباب ، التى أدت الى تزايد انحدار البلاد ، ومع مرور الأعوام ، بدأ يظهر تدريجيا ، أثر نشاط وفعالية هؤلاء الشباب ، فى الاضرابات والاحتجاجات المتحضرة والمتنوعة ، التى شهدتها الدولة ، ولكنها لم تحقق وقتها ، النجاح الكافى المأمول لها ، لعدة عوامل ، كان أهمها افتقادها الى التأثير والتأييد الشعبى ، ولكن ما جرى فى تونس مؤخرا ، كان له أكبر الأثر ، فى قدرة هذه العناصر الشابة
الواعدة فيما بعد ، على حشد أعداد كبيرة من الشعب ، فى وقت زمنى سريع وقياسى ، عن طريق ارسالها ، دعوات الكترونية ثورية لهم ، وبالفعل تفاجىء العديدون ، وعلى رأسهم القيادات الحكومية والأمنية ، بخروج هؤلاء فى يوم الخامس وعشرين من يناير ، فى حشود ضخمة ومنظمة ، لم تشهدها مصر ، منذ زمن طويل ، ومع الوحشية المفرطة المعتادة ، التى مارستها غالبية أفراد قوات الأمن المركزى والشرطة ، تجاه المتظاهرين والمعتصمين السلميين الحضاريين ، والبطء الشديد الدائم ، الذى كان يتعامل به ، الرئيس السابق حسنى مبارك وأعوانه ، مع تطورات الأحداث الأخيرة ،
المتعاقبة والسريعة ، وكذلك اصرار بعض قادة وأعضاء الحزب الوطنى السابقين ، على مواصلة اتباع ما كانوا يفعلونه دائما ، فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وهو تأجيرهم لبلطجية وفتوات ، فى مقابل تصفيتهم للثوار ، كما حدث فى موقعة الجمل مثلا ، وغير ما سبق ، أدى الى تزايد ، وقوع عدد هائل من الجرحى والشهداء ، العزل الأبرياء ، وانضمام عدة فئات مختلفة ، الى صفوف المعارضين ، مما جعل سقف المطالب العديدة والمشروعة ، الغير حزبية أو دينية ، يرتفع عند الكثيرون ، حتى وصلت الى اصرارهم ، على حتمية اسقاط الرئيس فورا ، وظلوا متمسكين بهذا الموقف ،
لمدة ثمانية عشر يوما متتالية ، حتى تم تنفيذ مطلبهم الأول والأساسى ، فى الحادى عشر من فبراير ، بفضل تدخل قوات المسلحة العظيمة ، التى عملت طوال هذه المدة العصيبة وحتى الأن ، على حماية المواطنين ، والممتلكات الخاصة والعامة ، ضد كافة المخاطر الداخلية ، وقامت بتبنى الشرعية الجديدة الثورية ، عندما أجبرت قائدها الأعلى ، على التنحى الفورى ، لسقوط شرعيته الدستورية ، على أيدى الثائرين.
ولكن لايجب أن تنتهى ، هذه الثورة
الشعبية المجيدة والخالدة ، الا بعد نجاحها الكامل ، فى خلق حياة مدنية عصرية ، تليق بمصرنا الحبيبة ، تسود فيها الديمقراطية الحقيقية والعدالة والحريات ، والحقوق الانسانية الواجبة للأفراد عاما ، وسيحدث هذا ، اذا تحلى منظميها بالصبر والتريث ، وحافظوا على مميزاتهم الجميلة ، بجانب تحسين وتطوير أنفسهم على الدوام ، وبالاضافة الى ضرورة ، أن يظهر معدن الانسان المصرى الأصيل ، فى كل الأوقات ، وليست الصعبة فقط ، فلابد من استمرار ، روح المودة والحب والعطاء بلاحدود ، التى تميزت بها الأكثرية ، اثناء الاعتصامات والمسيرات الحاشدة الراقية ،
التى كانت فى ميدان التحرير بالقاهرة ، وميادين وشوارع معظم المدن المصرية الأخرى ، وخلال اللجان الشعبية ، وأيضا من الضرورى ، تجاوز مختلف الأطراف نهائيا ، اختلاف وجهات النظر أو الأراء المتعددة ، التى نشأت بينهم ، فى الأيام الحرجة الماضية .
وأخيرا أن يحرص الجميع دائما ، على الدفاع عن حقوقه المشروعة ، بشكل راقى وحضارى ، ومراقبته الواعية المستمرة ، لكل التصرفات والقرارات ، الصادرة من السلطة الحاكمة ، وأصحاب المسؤولية عموما ، فى أى زمان ومكان .