تاريخ النشر: الخميس 26 أغسطس 2010
عدنان عضيمة
بعد أن حققت التكنولوجيا الرقمية كل هذه الانتصارات المذهلة في مجال
تطوير أجهزة وأدوات التفاعل مع الوسائط الإعلامية المتعددة، يتصاعد الآن
السؤال: هل حدث هذا على حساب الاهتمام بحل المشاكل الصحّية والتغلب على
الأمراض والعاهات المستعصية؟ قد يبدو الأمر كذلك بالنسبة للكثير من
المراقبين والمحللين الذين يعتقدون أن التكنولوجيا أصبحت تجيد لعبة البحث
عن العوائد والمكاسب المادية السريعة بأكثر مما تهتم بحلّ المشاكل
الصحّية للبشر. ولكن، وبالرغم من صحّة هذا الطرح، إلا أنه لا يعني أن آلة
البحث الطبي توقفت عن الدوران.
وبين اليوم والآخر، يتم الإعلان عن اختراق تكنولوجي جديد لمشكلة صحية أو
مرض مستعصٍ. ومن ذلك مثلاً الاكتشاف المهم الذي توصل إليه علماء
بريطانيون منتصف الشهر الجاري عندما ابتدعوا طريقة متطورة لتصوير أدمغة
المصابين بمرض التوحّد باستخدام تقنية المسح بالرنين المغناطيسي MRI.
وبهذه الطريقة يتم تعريض رأس المريض لجهاز المسح الإشعاعي لمدة 15 دقيقة
ثم يقوم الكمبيوتر المبرمج برسم صورة الدماغ بناء على تغيّر خصائص
الموجات الإشعاعية عند اختراقها لقطاعاته المختلفة. ويأمل الخبراء أن
تستخدم هذه التقنية في المستقبل في اكتشاف ألغاز مرض التوحّد وبما يساعد
الأطباء على تشخيص الحالات الأكثر تعقيداً منه وبدقة كافية.
ويوم أمس، أُعلن في اليابان عن ابتكار “المراحيض الذكية” “Intelligent
Toilet” التي تعتمد على نظام رقمي بالغ التطور يدعى “تكنولوجيا المراحيض
الصحية العصرية” Lifestyle-Japan-health-technology-toilets. ويعود فضل
تطويرها لشركة يابانية متخصصة بصناعة التجهيزات الصحّية المنزلية تدعى
“دايوا هاوس”. ويعرف عن اليابانيين منذ زمن طويل أنهم رواد لا يزاحمهم
أحد في مجال تطوير “الحمامات وبيوت الراحة” على المستوى العالمي
بالاعتماد على أعلى مستويات التكنولوجيات تقدماً.
وتأتي “المراحيض الذكية” الجديدة وهي تقترن بالكثير من التجهيزات
المكمّلة التي لا تُرى بالعين، لتجعل منها مختبراً طبياً متكاملاً ووسيلة
للإنذار المبكر من الأمراض. وبعد أن تقوم مواد الكشف الطبي بعملية تحليل
سريعة للفضلات، فإنها تقدم تقريرها الطبي بطريقة إلكترونية إلى كمبيوتر
يتولى طباعته عند الطلب أو تظهر النتائج على شاشات استظهار صغيرة مثبتة
على حائط الحمام. وبهذه الطريقة، يصبح مستخدمو “المراحيض الذكية” تحت
المراقبة الطبية المتواصلة، وبما يتيح لهم الاطلاع على أي تطوّر سيء من
أول وهلة وقبل فوات الأوان. ويقول خبراء إن الكشف المبكّر عن معظم
الأمراض يمثل الخطوة المهمة الأولى للنجاح في علاجها.
وليست “المراحيض الذكية” هي الابتكار الوحيد الذي خرج به اليابانيون في
مجال تطوير وظائف الحمامات، بل تمكنوا أيضاً من تحقيق اختراقات طبية أخرى
في هذا المجال، ومنها مثلاً رشاشات الماء التي تعمل على تدليك الجسم
بطريقة مدروسة ومبرمجة بدقة، وبخاخات العطور المفيدة للجلد وجهاز التنفس،
وأجهزة الاستماع الموسيقي أثناء الاستحمام.
وفي مجال آخر أكثر تعقيداً وإثارة من النواحي التكنولوجية والعلمية،
يواصل علماء وباحثون طبيون تطوير تقنية جديدة سبق أن أعلن عنها العام
الماضي وتتعلق بـ”طباعة الأعضاء البشرية في الأبعاد الثلاثة” 3D Organ
Printing، وتهدف إلى ضخّ أنواع من الخلايا الحيّة بواسطة “نفّاثة حبر”
تشبه تلك التي تستخدم في طابعات الكمبيوتر، وتجميعها بعد ذلك على شكل
العضو المراد طباعته بالاستعانة ببرنامج تطبيقي متخصص ومتصل بطابعة
كمبيوتر معدّلة.
وقال خبراء متخصصون في تعليقهم على هذا الإنجاز إنه يمثّل منعطفاً جديداً
تماماً في مجال استبدال أنسجة الجسم التالفة بأخرى جديدة عن طريق تحويل
الأنسجة إلى عوالق رغوية من الخلايا الحيّة السليمة القابلة للطباعة، كما
أشاروا إلى أن هذه التجربة تفتح آفاقاً مستقبلية واعدة لتبديل أعضاء
الجسم التالفة برمتها•
وتمكنت بعض المختبرات الطبية في جامعة نورث كارولاينا من تحقيق تقنيات
طباعة سلاسل الحمض النووي الـ”دي إن إيه” DNA والبروتينات والخلايا في
أجسام الحيوانات• ونقلت وسائل الإعلام عن مهندس الأنسجة فلاديمير ميرونوف
قوله:”قد يكون لهذا الاكتشاف نفس النتائج الضخمة التي حققها ابتكار مطبعة
جوتينبورج”.
وكان التحدي الأكبر الذي واجهه مهندسو الأنسجة يكمن في صعوبة ابتكار
طريقة لزراعة التراكيب العضوية في الأبعاد الثلاثة إلى أن فوجئ ميرونوف
بأحد علماء الأنسجة الذي يدعى توماس بولاند من جامعة كليمسون في ساوث
كارولاينا الذي جاء حاملاً إليه أخباره السارّة من أنه تمكّن من “طباعة”
مواد حيوية باستخدام الطابعات القذّافة للحبر ink-jet printers المستخدمة
في الكومبيوتر بعد إجراء تعديلات مناسبة عليها.
ويصف بولاند العملية ببساطة شديدة بأن الأمر لا يتطلّب أكثر من مجرّد
انتزاع خرطوشة الحبر من الطابعة وتنظيفها جيداً ثم إعادة ملئها بخلايا
معلّقة ضمن سائل غروي مناسب• ولكن الأمر في الحقيقة أكثر تعقيداً من هذا
الوصف المجرّد لأنه يتطلّب استخدام برنامج تطبيقي حاسوبي لتنظيم درجة
لزوجة المحلول الغروي وضبط مقاومته الكهربائية ودرجة حرارته بما يتفق مع
الشروط المناسبة للإبقاء على حيوية الخلايا والحفاظ على سلامتها. وقالت
الكاتبة العلمية ماريسا فيتولز على موقع memebox.com الطبي المتخصص، في
معرض تعليقها على هذا الابتكار الجديد “وداعاً يا مانحو الأعضاء البشرية،
لقد وصلت المطابع التي تقوم بطباعتها بدلاً من أخذها من أجسادكم”.