موسيقى تركية جديدة

4 views
Skip to first unread message

Percival Blanco

unread,
Jul 17, 2024, 12:36:01 AM (2 days ago) Jul 17
to brat-users

في ثمانينيات القرن الماضي عاش المؤرّخ التركي والصحافي مراد بردقجي (1955) في القاهرة لعدة سنوات وتحديداً في حيّ الزمالك. تعرّف المؤرخ المختص في التاريخ العثماني والموسيقى التركية أثناء تلك السنوات على جاره الموسيقار والمطرب محمد عبد الوهاب (1902 - 1991). ويصف بردقجي في إحدى مقالاته بدايات علاقته بعبد الوهاب برؤيته لرجل مُسنّ يخرج كلّ صباح من بيته إلى سيارته الأنيقة مرتدياً معطفاً وقبّعة من الصوف حتى لو ارتفعت درجة الحرارة إلى أربعين درجة مئوية وبعد أن سأل بائعي الحيّ وحارسي العقارات عنه عرف أن هذا الشخص هو محمد عبد الوهاب.

موسيقى تركية جديدة


تنزيل الملف 🌟 https://urlin.us/2zjmhJ



توطّدت علاقة بردقجي بالموسيقار المصري خلال الثمانينيات وذكر بردقجي أنه كان يزوره كثيراً خلال تلك السنوات وفي إحدى هذه الزيارات أجرى الصحافي التركي مع عبد الوهاب حواراً نُشر عام 1989 في العدد 109 من مجلة "حريات جوستري" التركية وقد حصلت "العربي الجديد" على نسخة من اللقاء من المؤرخ الموسيقى التركية مراد أوزيلدريم صاحب كتاب ""وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين" الذي استضافنا في بيته وفتح لنا أرشيفه الغني.

اللافت للانتباه في هذا اللقاء أيضاً هو موضوع تأثُّر الموسيقى التركية بالعربية والعكس. فبينما ينقل بردقجي لعبد الوهاب ما يردّده الموسيقيّون الأتراك حول تأثُّرهم بالموسيقى العربية وأن بعض ملحّنيهم أخذوا ألحاناً من أغاني عبد الوهاب وترجموا كلمات تلك الأغاني إلى التركية ونسبوها لأنفسهم يرى عبد الوهاب أنه تأثّر كثيراً هو وموسيقيون عرب آخرون بالموسيقى التركية.

جدير بالذكر أيضاً أن أحكام بردقجي على بعض الأمور في مصر كانت مجرّد انطباعات سريعة احتوت على بعض المعلومات غير الدقيقة. يظهر ذلك في حديثه عن تكريم الدولة المصرية للفنانين إذ اكتفى بردقجي ببعض النماذج التي لا تُعطي صورة كاملة عن موقف مصر من الفن والفنانين كمنح عبد الوهاب رتبة اللواء الفخرية أو إطلاق اسم أم كلثوم على ميدان. ربما لا يعرف المؤرّخ المصري ما تعرّض له فنانون مصريون آخرون وعرب أقاموا في مصر ولم يكونوا بنفس درجة قُرب "كوكب الشرق" و"موسيقار الأجيال" من الأنظمة المصرية حتى إن فيلا أم كلثوم الشهيرة في الزمالك لم تتحوّل إلى متحف وطني كما ذُكر في اللقاء بل تعرضت للهدم بعد عقد واحد من رحيل السِّت. وهو بالطبع لا يشعر مثلنا بالخجل من ممالأة عبد الوهاب لنظام السادات في تطبيعه القاتل مع الكيان الصهيوني.

ورغم ذلك تبقى للحوار أهمّيته كوثيقة للقاء مؤرخ تركي مختصّ في تاريخ الموسيقى ببلاده بموسيقي مصري بارز مثل محمد عبد الوهاب.

يقولون إن موسيقى البحر الأبيض المتوسط أنجبت أربعة أصوات ملحمية في الخمسين سنة الأخيرة. ويرتّبون هذه الأصوات كالتالي: من فرنسا إديث بياف ومن البرتغال أماليا رودريغز ومن مصر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.

كنت أتصوّر حتى سنوات قليلة أن أماليا رودريغز هي الوحيدة التي ما زالت حيّة من بين هذه الأصوات. وفي أوّل أيام إقامتي بمصر كانت القنوات الثلاث للتلفزيون المصري تُنهي بثّها كلّ ليلة بالنشيد الوطني وكان قائد الأوركسترا رجلاً مُسنّاً وبالكاد يقف على قدميه لكنه يهزّ عصاه بسرعة فائقة. كان شكل هذا المايسترو غريباً بالنسبة لي. سألت عن اسمه فقالوا: "ألا تعرف من هذا إنه الأستاذ عبد الوهاب". وعرفت أيضاً أنه ما زال حيّاً.

يُعرف عبد الوهاب في الغرب بأنه "أبو الموسيقى العربية" ورغم أن يُعرف لدينا بأنه مطرب فقط إلا أنه يُعرف كمُلحِّن أيضاً في العالم العربي. وقد لحّن الكثير من الأغاني لأم كلثوم التي يقول عنها العرب "الستّ" وهي صوت مصر التي انتحر البعض في جنازتها.

لم يُلحّن عبد الوهاب أغانيَ عاطفية فقط بل أيضاً الأناشيد العسكرية وأغلب الأناشيد الوطنية في العالم العربي مِن لحنه. يقال إن الدول العربية التي استقلّت بعد الحرب العالمية الثانية كانت تحدّد عَلَم الدولة أولاً ثم تذهب إلى عبد الوهاب لتطلب منه أن يُلحّن لها النشيد الوطني. وبالفعل قام بتلحين عدة أناشيد وطنية لبلاد عربية مختلفة. ومنحَه الرئيس السادات رتبة اللواء الفخرية. تخلّى السادات عن فكرة الحرب عام 1978 ومن أجل توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع "إسرائيل" ذهب إلى الولايات المتحدة وبعد عودته إلى مصر أقاموا له احتفالات في المطار وعزفت الفرقة الموسيقية ألحان النشيد الجديد التي ألّفها عبد الوهاب من أجل الاحتفال بكامب ديفيد وجعله السادات النشيد الوطني لمصر.

ورغم أن عبد الوهاب قد تجاوز الثمانين من عمره إلا أن شعره لم يشب تماماً ولديه ذاكرة قوية وصوته فيه نغم. التقيت بمحمد عبد الوهاب وجهاً لوجه في بيته بحي الزمالك المُطلّ على النيل وهو البيت الذي وضعت الحكومة المصرية يدها عليه بمجرّد رحيل الفنان. ليس من أجل مسائل الميراث أو الديون ولكن لكي يصبح مُتحفاً وطنيّاً وقد أصدرت الحكومة هذا القرار قبل سنوات من رحيله. احترام الفنانين عادة في مصر. مثلاً حوّلوا بيت أم كلثوم إلى متحف وأُطلق اسمها على معهد موسيقى وميدان يتوسطه تمثال لها. مثلما يحدث عندنا تماماً!

كان أول ما قاله لي عبد الوهاب فور جلوسه: "إننا نُعدُّ أقرباء. أمي تركية أيضاً". كانت مصر تحت حكم المماليك الشراكسة لمئات السنين وكانوا في مصر يطلقون كلمة "تركي" على أحفاد المماليك ولذلك قلت له: "هذا يعني أنك من أحفاد المماليك". فقال: "لا يا عزيزي لستُ من أحفاد المماليك أو ما شابه أقصد الأتراك الحقيقيين. أمّي جاءت مع عائلتها التركية إلى مصر وعاشت في القاهرة وتزوجت أبي بعد ذلك. وقد ماتت قبل عشر سنوات. وكان أبي فلاحاً".

هكذا بدأ حواري مع عبد الوهاب. وصارت لدي الفرصة لأعرف مدى صحّة ما يُقال في تركيا حول بعض الملحّنين الأتراك الراحلين الذين أخذوا من أغاني عبد الوهاب وترجموها إلى التركية ثم نسبوها إلى أنفسهم. وتحدّثنا كثيراً أيضاً عن الموسيقى العربية في الوقت الحاضر وفي المستقبل.

تحدث عبد الوهاب عن أثر الموسيقى التركية والغربية في الموسيقى العربية. وأظنّ أن أغرب ما تحدّثنا عنه هو أن عبد الوهاب يقول عكس ما نقوله نحن في تركيا قال لي: "تعلَّم العرب الموسيقى من الأتراك. نحن أخذنا منكم الكثير وغيّرناه بما يليق بموسيقانا".

سألته: "أريد أن أخبرك بأنهم يقولون عندنا إن الموسيقى التركية تأثرت بالموسيقى العربية وأن الثيمة الأساسية في الموسيقى التركية قادمة من الألحان العربية. وبحكم علاقتك القوية بتركيا منذ سنوات كيف ترى هذا الأمر".

- أخذنا الروح أولاً من الموسيقى التركية وتأثرنا أيضاً في تركيب النغمات. قديماً لم يكن عند العرب موسيقى منتظمة. إننا تربّينا ونحن نعزف مقام السماعي التركي والبَشرو. تعلّمنا من مقاماتكم ولم نكن نعرف الموسيقى الكلاسيكية. مثلاً تعلّمنا من الأتراك مقام الفَرَح فِزا وشَوق فِزا وحجاز كار كُرد. عندما كنا نذكر كلمة موسيقى قديماً كانت الموسيقى التركية هي التي تخطر ببالنا ثم حاولنا أن نبدع موسيقى بديلة لموسيقاكم. وهكذا ولدت الموسيقى العربية.

687b7eae2f
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages