في قرية صغيرة هناك في ارض بلوشستان
في روابي قياوان
كان كوخنا المتواضع . تحيط به بعض اشجار النخيل , ترعى بينها بقرتنا
الوحيدة مصدر غذائنا اليومي . انا وابي وامي واختي الصغيرة فاطمة
رغم كل الشقاء والعناء كانت جنة بالنسبة لي . يالها من ذكريات , كنا
نجتمع حول والدتنا كل يوم وهي تحبك خيوط الزري وتروي لنا قصص التراث
والبطولات الخيالية فنسبح معها في خيال واسع الافق . نستمع لوالدنا وهو
ينشد ابيات الشعر وقصائد عن بطولات شاكر الرند ومير قمبر بحماس وشوق كبير
رغم تكرارها .
اعيادنا كانت يوم هطول المطر حيث تنموا سنابل القمح وتغر الطيور فنتراقص
معها طربا ومرحا , لا ينقص صفو حياتنا سوى خدام ( ال مير ) حيث ياتون كل
عام او اقل ليتقاضوا الضرائب , من الاسر المعدومة اصلا بكل وحشية وجبروت
فياخذون نصف قوتنا ومصادر رزقنا, كنت اكرههم بشدة .
وكثيرا اتسأل لماذا ياخذون قوتنا , وهل يعملون لنا شئ مقابل ذلك , هل
بنوا مسجدا واحدا
او مدرسة واحدة , لماذا لماذا فلا اجد من يجيب على سؤالي , وتمر الايام
على هذا الحال .
في احد السنين توقف المطر واجدبت الارض وهلك الزرع وزاد الشقاء والعناء.
اتى رجال ( الم ير ) كعادتهم لجني الضرائب لم يكن لدينا ماندفعه لهم ,
نكاد لا نجد ما نقتات عليه . رايت والدي وهو يتناقش معهم محاول اقناعهم
بعدم وجود ما لديه ليقدمه لهم . حركوا ابصارهم يمينا وشمالا فلم يجدوا
غير البقرة مصدر غذائنا . فأصروا على اخذها بالقوه ولاكن والدي رفض ,
فاعتدوا عليه بالضرب , حاول الدفاع عن نفسه ومنعهم من اخذ البقرة .
طرحوه ارض امام عيني واخذوا يضربون راسه بالحجر, حاولت رغم صغر سني اذ لم
يتجاوز عمري حينها الثانية عشره ان ادفعهم بعيدا عنه فدفعوني بشدة
واستمروا بالضرب , حتى فارق والدي الحياة , فاندفعت والدتي نحوهم بصراخ
وعويل شديد . قيدوها بالحبال وقيدونا انا واختي ايضا وربطونا باحد الجمال
وسحبونا سيرا على الاقدام خلفهم حتى الغروب , حيث وصلنا الى جاشك . في
جاشك وضعونا في غرفة مظلمة كريهة الرائحة تعج بالنساء والاطفال والرجال .
وفي صباح اليوم الثاني ساقونا جميعا الى مركب خشبي يخيم علينا الخوف
والجوع والالم والحزن ... الى المجهول .
سار بنا المركب في عرض البحر يوما كاملا حتى ماقبل الغروب لترسي بنا على
ساحل عمان
نزلنا على البر فقادونا سيرا على الاقدام ايام لا اتذكر عددها غذائنا
الماء والتمر الجاف الى منطقة قريبة من مدينة العين الاماراتيه , نجهل
مصيرنا .
هناك قاموا بتوزيعنا الى مجموعات سمعنا منهم مجموعة السعودية مجموعة
الدوحة مجموعة الكويت , فصلوني عن امي واختي فصرخت اترجاهم ان لا يبعدوني
عن امي , فكان الجواب الضرب بالسياط , ضربوني ضربا مقرحا لا تزال اثارة
معلمة على جسدي الى هذا اليوم , وربطوني بالحبال .
رأيت رجال مخرومة انوفهم ومربوطة بالحبال واخرين ضربوا المسامير في
ارجلهم دون رحمة وبعضهم مرمي على التراب تحت حر الشمس .
كنت ابكي وابكي .. فلو كان الموت حق .. فقد تمنيته في ذلك الوقت .
ايام كانت تمر لا اعلم فيها عن مصيري ومصير امي واختي الصغيرة فاطمة.
الاحزان والدموع لا تفارقني .
كنت في مجموعة الدوحة حيث تم جمعنا في احد الساحات وتم المزايدة علينا .
وهكذا اصبحت مملوكا عبدا رقيقا تم بيعي بخمسة دراهم .
لا اعلم اين امي اين اختي من هم اهلي من هم جماعتي ...كل ما اعرفه انني
من الهوت..
عبدا رقيقا لاحد شيوخ قطر .
اليوم اصبحت حرا من جديد... ولاكن حرا مجهول الجذور.
كل ما اتمناه من الله عز وجل ان ارى امي واختي فاطمة ولو لساعة واحدة فقط
قبل ان اموت.
فقد كنت طول عمري ادعوا سبحانة وتعالى في كل صلاة وركعه اركعها ان يريني
ذلك اليوم الذي يتشتت فيه احفاد ( ال مير ) حكام جاشك .. كم شتتوا
عائلتي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى
بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ
ذكريات انسان من بلوشستان