و قدر عدد اليهود في عهد الخليفة المستنجد العباسي عند زيارة الرحالة اليهودي بنيامين القطيلي لبغداد سنة 566 هـ - 1170 م بأربعين ألفاً في بغداد وحدها يعيشون بأمان وعز ورفاهية وكسبوا مركزاً مالياً ممتازاً وكانوا يتمتعون بالحرية الاقصادية وحرية الدين فكانت لهم مدارسهم وكنسهم ولقي حاخامهم الأكبر كل تعظيم واحترام .. لذا يمكن القول بأنهم تمكنوا في العهد الإسلامي في اكتساب ثقة الخلفاء والقادة العرب ونالوا حقوقهم المدنية والدينية ومارسوها بحرية مطلقة .
و لما زالت دولة بني العباس على يد المغول ذاق اليهود كما ذاق كل العراقيين الأمرين على يد الغزاة المغول .. استمرت أحوال اليهود وغيرهم من العراقيين تسوء تحت ظل المغول .. كذلك في زمن الاحتلال الفارسي .. إذ واجه اليهود اضطهادات حتى انتهت سيطرتهم على العراق عام 1638 حين جاء الاتراك وبدأت اوضاع اليهود العراقيين تسير في طريقها الى الافضل .. وقد اعتبر اليهود دخول السلطان التركي الى بغداد ( يوم معجزة ) واستطاعوا خلال فترة الحكم العثماني ( 1638 - 1917 ) أن يمارسوا امور حياتهم بحرية تامة واتسعت الطائفة وتعاظمت وعاش افرادها جنباً الى جنب مع مسلمي العراق الذين كانوا يرون انفسهم مسؤولين عن حماية جيرانهم وأصدقائهم من اليهود .
برزت مكانة اليهود خلال الفترة الاخيرة من الحكم العثماني - في مجال التجارة والاعمال، وكان رئيس صيارفة الوالي المعروف باسم ( صراف باشا ) يهودياً .. واشتهر من بين هؤلاء الصيارفة ساسون بن صالح بن داود الذي تقلد هذه الوظيفة اعواما طويلة .. قدر الرحالة بدرو تكسرا في زيارته للعراق سنة 1604 – 1605 عدد اليهود تقديراً مبالغاً به حين قال بأنه يتراوح بين 20 – 30 ألف بيت .. و قدر عدد الأسر اليهودية في بغداد مطلع القرن التاسع عشر بنحو ( 2500 ) أسرة يهودية وصار اليهود ممثلين في مجلس المبعوثان بعد إصدار الدستور العثماني سنة 1876 .
وقد انتشر يهود العراق في المدن والقرى العراقية ولا سيما بغداد والموصل والبصرة وكركوك وكانوا يقومون بالاعمال الاقتصادية المختلفة وكانت لهم علاقات تجارية وثيقة بالهند وايران .. وازدهر هذا الدور إثر افتتاح قناة السويس في مصر عام 1868 وتعاظم دورهم في اعقاب الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الاولى عام 1919.
وقد ترك كثير من يهود بغداد منذ القرن الثامن عشر موطنهم واتجهوا إلى الشرق الأقصى من أجل التجارة وتوزعوا في كالكوتا وبومباي ورانجون وسنغافورة وهونج كونج .. ونال بعضهم جنسيات أجنبية إنكليزية وفرنسية وقدموا خدمات كبرى للدولتين كما عمل غيرهم كوزراء لدى أفراد المغول في الهند .. وقد شكل يهود بغداد في الهند طبقة مترفعة عن يهود الهند الذين يسمون بني اسرائيل ويعدون من الملونين بينما كان يهود بغداد يعتبرون انفسهم مساوين للحكام البيض ( الاوربيين ) في الهند .
وقد بقيت هذه الطوائف تعتبر الطائفة اليهودية في بغداد المركز الروحي والديني رغم أن عدد أفرادها أصبحوا مستقلين سياسياً واقتصادياً وقد ساعدتهم ثروتهم التي جمعوها على إعانة يهود العراق وغيرهم من يهود الشرق بإنشاء المدارس والمؤسسات الخيرية والمعابد .
وتولى العديد من يهود العراق رئاسة المصالح الاقتصادية والمكاتب الحكومية وكان لهم بنوك عديدة منها بنك زلخة وبنك كريديه وبنك إدوارد عبودي وغيرها ، كما احتكروا عدة صناعات كالابسطة والاثاث والاحذية والاخشاب والادوية والاقمشة والتبغ والجلود وغيرها واحتكروا استيراد بعض السلع مثل منتجات شركة ( موبيل أويل ) الامريكية .. كما عملوا في معظم المهن الحرة كالطب والصيدلة والصحافة والطباعة.