Sent from my iPadفي بداية القرن الرابع الميلادي كان هناك صراع كبير بين الكنيسة المسيحية الآخذة في النمو والأديان الوثنية في الدولة الرومانية ....
وكان آنذاك الدين الرسمي في روما هو عبادة الشمس التي لا تقهر, وكان قسطنطين هو كبير كهنتها.
لكن لسوء حظه, كان هناك اهتياج ديني متزايد يجتاح روما. فقد كان عدد أتباع المسيح يتضاعف بشكل مهول, وذلك بعد مرور ثلاثة قرون من صلبه
عندئذ بدأ المسيحيون والوثنيون يتحاربون وتصاعدت حدة النزاع بينهما حتى وصلت لدرجة هددت بانقسام روما إلى قسمين
فرأى قسطنطين أنه يجب أن يتخذ قرار حاسم في هذا الخصوص. وفي عام 325 قرر توحيد روما تحت لواء دين واحد, ألا وهو المسيحية
ولقد كان قسطنطين رجل أعمال حاد الذكاء, فقد استطاع أن يرى أن نجم المسيحية كان في صعود فقرر ببساطة أن يراهن على الفرس الرابحة
واتبع طريقة ذكية لتحويل الوثنيين عن عبادة الشمس إلى اعتناق دين المسيحية, حيث أنه خلق ديناً هجيناً كان مقبولاً من الطرفين وذلك من خلال دمج الرموز والتواريخ والطقوس الوثنية في التقاليد والعادات المسيحية الجديدة
عملية تشويه في الشكل, فأثار الدين الوثني في الرموز المسيحية شديدة الوضوح ولا يمكن نكرانها. فأقراص الشمس المصرية أصبحت الهالات التي تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين, والرموز التصويرية لإيزيس وهي تحضن طفلها المعجزة حورس أصبحت أساس صورنا الحديثة لمريم العذراء تحتضن وترضع المسيح الرضيع
وكل عناصر الطقوس الكاثوليكية مثل تاج الأسقف والمذبح والتسبيح والمناولة وطقس "طعام الرب", كلها مأخوذة مباشرة من أديان قديمة وثنية غامضة
ولا يمكن أن تكون صدفة أن الإله الفارسي مثرا - والذي كان يلقب أيضاً بابن الرب ونور العالم - كان قد ولد 25 ديسمبر, وعندما مات دفن في قبر حجري ثم بعث حياً بعد ثلاثة أيام.
حتى أن يوم العطلة الأسبوعية قد سرق من الوثنين عابدي الشمس, ففي البداية كان المسيحيون يتعبدون مع اليهود في يوم السبت, ثم انتقلوا للاحتفال بيوم الأحد Sunday, أي يوم الشمس.
وأثناء عملية دمج الأديان تلك, كان قسطنطين بحاجة لتوطيد التعاليم المسيحية الجديدة, فقام بعقد الاجتماع المسكوني الذي عرف بالمجمع النيقاوي نسبة إلى مدينة نيقة
وفي هذا الاجتماع الذي جرى عام 325 ميلادية تمت مناقشة العديد من مظاهر المسيحية والتصويت عليها, مثل اليوم الذي سيتم فيه الاحتفال بعيد الفصح ودور الأساقفة وإدارة الأسرار المقدسة وأخيراً إلوهية يسوع المسيح
حتى تلك اللحظة في تاريخ البشرية, كان المسيح في نظر أتباعه نبياً فانياً... رجل عظيم ذو سلطة واسعة, إلا أنه كان رجلاً ... إنساناً فانياً
ليس ابن الرب, ففكرة ابن الرب قد اقترحت رسمياً وتم التصويت عليها من قبل المجلس النيقاوي, وكان الفرق في الأصوات يكاد لا يذكر.
غير أن تأكيد فكرة إلوهية المسيح كان ضرورياً جداً لتوطيد الوحدة في الإمبراطورية الرومانية ولإقامة القاعدة الجديدة لسلطة الفاتيكان
ومن خلال المصادقة الرسمية على كون المسيح إبناً للرب, حول قسطنطين المسيح إلى إله مترفع عن عالم البشر ... كينونة تتمتع بسلطة لا يمكن تحديدها أبداً
وهذا الأمر لم يعمل على وضع حد لتحديات الوثنيين للمسيحية فحسب, بل بسبب ذلك لن يتمكن أتباع المسيح الآن من التحرر من الخطايا إلا بواسطة طريق مقدسة جديدة وهي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية
إن المسألة كلها كانت مسألة سلطة ونفوذ لا أكثر
وبما أن قسطنطين قد قام برفع منزلة المسيح بعد مضي حوالي أربعة قرون على موته, فقد كانت هناك الآلاف من الوثائق التي سجلت حياته على أنه إنسان فان
وعرف قسطنطين أنه لكي يتمكن من إعادة كتابة التاريخ, كان بحاجة إلى ضربة جريئة
فأمر قسطنطين, بإنجيل جديد وقام بتمويله. أبطل فيه الأناجيل التي تحدثت عن السمات الإنسانية للمسيح وزين تلك التي أظهرت المسيح بصفات إلهية وحرمت الأناجيل الأولى وتم جمعها وحرقها
وكان كل من يفضل الأناجيل الممنوعة على نسخة قسطنطين, يتهم بالهرطقة وكلمة مهرطق تعود إلى تلك اللحظة التاريخية, وإن الكلمة اللاتينية هيريتيكوس haereticus تعني الاختيار ولذا فأولئك الذين اختاروا التاريخ الأصلي للمسيح كانوا أول (المهرطقين) في التاريخ
ولحس حظ المؤرخين, فإن بعض الأناجيل التي حاول قسطنطين محوها من الوجود تمكنت من النجاة. فقد تم العثور على وثائق البحر الميت عام 1950 مخبأة في كهف, كما عثر على الوثائق القبطية 1945.
وقد تحدثت تلك الوثائق عن كهنوت المسيح بمصطلحات إنسانية تماماً بالإضافة إلى أنها روت قصة مريم المجدلية الحقيقية
دان براون - شيفرة دافينشي