محمد علي كلاي.. أيّ بطل وحكيم أنت؟!
بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
صحيفة الشرق القطرية
" كرهت كل لحظة من التدريب، ولكني كنت أقول ( لا تستسلم )، اتعب الآن، ثم عش بطلا باقي حياتك". محمد علي.
تملكتني الدهشة وأنا ألج عالم الملاكم الأعظم الذي توفي في بحر الأسبوع الفارط، أن الرجل بالاضافة لكونه أسطورة في عالم الملاكمة؛ يزخر قاموسه بالكثير من الحكم والفسلفة العميقة بالحياة والدين، وتعجبت أننا –كمسلمين- لم نستثمره في الدفاع عن الاسلام بالغرب، وهو القامة السامقة التي تحترمه النخب الغربية، وربما نظرة فاحصة لأولئك الذين حضروا جنازته من نجوم السياسة والرياضة والفن؛ لتشي بالمكانة الكبيرة التي كان عليها محمد علي.
كنا ونحن أطفالا، عندما نلعب مع أسناننا ولداتنا لعبة الملاكمة، نتسابق للتسمية باسمه، من فرط كارزميته إذاك، رغم أننا لم نتابعه ولم نعرفه، ولكن شهرته طغت في كل العالم، وخلال هذا الأسبوع طالعت الكثير من التقارير والمقالات ومقاطع اليوتيوب عن حياة الرجل، ودخلت عالمه بشكل كبير، ولربما ما جعلني أتسمّر وأقف مذهولا أمام قوته وعظمته ما فعله مع خصمه الملاكم إيرني تيريل، في الوقت الذي هاجمته الصحافة الأمريكية بسبب موقفه من الحرب في فيتنام، وكان المجتمع الأمريكي في غالبه ضده، ومورست عليه ضغوطات اعلامية ونفسية صعبة قبل تلك المباراة الحادة.
كان تيريل وقتذاك بطل العالم، وهو ملاكم فارع الطول لم يهزم على مدار خمس سنوات، ووقتما حددت المباراة بينه وبين بطلنا محمد علي في هيوستن عام 1967، قام باهانة بطلنا مناديا إياه باسمه القديم "كاسياس كلاي"، مكررا ذلك في كل المناسبات، وقائلا: "أريد تعذيبه بالضربة القاضية"، وشاهدت في مقطع الفديو الخاص بهذه القصة لقطات لذلك الملاكم الضخم الممتلئ قوة، وهو يوجه الاهانة تلو الاهانة، ومستهزئا ببطلنا، بل وغنى أغنية ساخرة، مكررا ذات الاسم القديم عليه، مما جعل محمد علي مصممًا على الانتقام، ليس لنفسه فقط، بل لأن السخرية طالت الدين الاسلامي، ووجه لتيري جملته الشهيرة في إحدى اللقاءات التليفزيونية: "لم لا تناديني باسمي يارجل؟، لم أقل لك أن اسمي هو كلاي، وإنما اسمي هو محمد علي, سأعاقبك وأجعلك تنطق اسمي الحقيقي داخل الحلبة".
أدعوكم أن تتابعوا تلك القصة المؤرخة بلقطات فريدة تعكس شخصية محمد علي، الذي وبعكس كل مباراياته التي يبدأ بها مدافعا، حتى ينهك خصمه وهو يوجه له الضربات، ثم ينقض عليه في الجولات الأخيرة بعد أن تخور قواه. في هذه المباراة بدأ بهجوم ضارٍ على تيريل، وفي كل لكمة يوجه له السؤال: ما هو اسمي..ما هو اسمي؟، وبالفعل وفي الجولة السابعة من المباراة بدأت الدماء تسيل من وجه تيريل. وفاز محمد علي تلك المباراة، ووصف النقاد المباراة بأنها "واحدة من أبشع معارك الملاكمة"، وظني أن محمد علي لم يكن يواجه تيريل، بل كل المجتمع الأمريكي الذي وقف ضده وحاربه، وبفوزه في تلك المباراة أجبر تيريل وكل الغرب على مناداته باسمه الجديد. وأجاب بطلنا حيال تلك القوة والقسوة على خصمه: "أنا لم أكرهه, لم أحبه ولكني لم أكرهه, ولكنه لم يكن يمزح بشأن اسمي, كان يتعمد الإهانة وأنا لا أقبل الهزل فيما يخص ديني واسمي".
معظم الذين أسلموا من ديانات أخرى، لتعجب من فعل الدين الإيمان بهم، فالرجل ثبته الله تعالى على الاسلام، وكان يقول في حدث خيري يحمل اسمه عام 2011، حيث بلغ السبعين من عمره: "أعتقد أن الشلل الرعاش الذي أعاني منه، ربما يكون تذكير من الله لي بما هو أهم"، كانت هذه الجملة تمثل فلسفة كلاي في مواجهة الحياة.
تذكرت هنا مايك تايسون الملاكم الفذ الذي أسلم وتسمى بمالك عبدالعزيز، وقتما بكى في الروضة الشريفة بالمدينة المنورة، وقال: "هي بالفعل كانت أجمل اللحظات، يومها بكيت لأكثر من ساعة ونصف أثناء وقوفي أمام قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أرفع يدي مبتهلاً بالدعاء للعلي القدير في الروضة الشريفة، وما زلت أذكر كيف بقيت أصلي ساعة كاملة وكيف تلوت يومها القرآن الكريم وكيف تضرعت إلى الله عز وجل..لم أستطع مقاومة دموعي عندما جئت لواحدة من حدائق الجنة".
وقبلهما لاعب السلة العالمي كريم عبد الجبار وهو يقول: "الإسلام نقلني من العبودية إلى الحرية".
وأتساءل: ألا يمكن لنا، والاسلام اليوم يتعرض لتشويه كبير اليوم من قبل الجماعات المتطرفة، أن نستثمر هؤلاء النجوم العالميين الذين أسلموا، في تحسين صورة الاسلام في الغرب. هناك قائمة كبيرة من المشاهير في عالم الرياضة، سواء كانوا مسلمين أصلا أم أسلموا، من المهم استثمار شعبيتهم لابراز صورة ديننا المشرقة، وكم تعجبت من تلكم الجمل العظيمة التي كان يقولها الملاكم الأعظم محمد علي تجاه الاسلام وما فعله الايمان به.
هؤلاء يحظون بكثير من التقدير والحب في مجتمعاتهم، ولا أدل على ما فعله الحبر اليهودي الأمريكي (Rabbi Michael Letner) الذي فجر أعظم مفاجأة في حفل تأبين محمد على، وأعلن تضامن اليهود الأمريكيين مع المسلمين ضد ما يواجهونه من دعوات عنصرية، ومع الفلسطينين ضد الاضطهاد الإسرائيلي، وليت هناك جهة رسمية كرابطة العالم الاسلامي، تنبري لاستثمار هؤلاء النجوم المسلمين.
"لدينا حياة واحدة، وعما قريب ستصبح من الماضي، وما نعمله لله هو الذي سيبقى". محمد علي.