لماذا يشتم الشيعة علمائهم؟! (كتاب الجنازة الماسونية نموذجاً) بقلم: سلمان عبدالأعلى تمهيد: كثيراً ما يثير المتطرفون ضد التشيع زوبعات وأكاذيب حاقدة على الشيعة وعلمائهم، فقد أضحى هذا المشهد مألوفاً نوعاً ما لكثرة تكراره، فهذا الشيخ المتطرف يكفر ويفسق علماء الشيعة ويتهمهم بأنواع التهم، وذاك الشيخ الحاقد يتطاول ويشتم ويحقر أحد الرموز الشيعية، لا لجريمة شنعاء وقعت منهم، وإنما فقط لكونهم رموزاً لتياراً يكرهه أسمه التشيع، فكرهه للتشيع أصبح عقدةً نفسية يعاني منها، ولذلك نراه يلجئ للتنفيس عنها بهذه الطرق السهلة التي لا تتطلب إلا لساناً لعاناً طويلاً يجيد فن التطاول والشتم، كما فعل الشيخان الكلباني والعريفي وغيرهم.
ولسنا هنا في مقام مناقشة هؤلاء، وإنما نحن في هذا الموضوع نريد أن نناقش الشيعة أنفسهم، إذ كيف يرفضون هذا الأسلوب من مخالفيهم ويتألمون لذلك ويتشكون منه، وهم أنفسهم يتبعونه مع بعضهم البعض، فالتكفير والتفسيق والشتم والإهانة والتحقير و... ليست فقط من مختصات الآخرين (المتعصبون ضد التشيع)، بل إن الكثير من أبناء الشيعة أنفسهم يمارسون هذه الأساليب مع بعض علماء التشيع، وربما نجدهم يتقربون بذلك لله سبحانه وتعالى !
فالكثير من أبناء الشيعة نراهم يمجدون وربما يبالغون في الإطراء على أحد العلماء أو أحد رجال الدين الذين يحبونهم أو الذين ينتمون لمرجعيتهم أو لنفس تيارهم الفكري، وهذا حق مشروع باعتبارهم يعبرون عن آراءهم وقناعاتهم الفكرية، ولكن أن يكون ذلك على حساب تكفير أو تفسيق أو إهانة وشتم وتحقير لعلماء أو رموز آخرين تابعين لتيارات فكرية أخرى، فهذا غير مقبول، فنحن لا نقبل هذا من المتطرفين والحاقدين على الشيعة، فكيف نقبله من أشخاص يزعمون الانتماء للتشيع؟!
مع كتاب الجنازة الماسونية: سمعت عن كتاب منشور على مواقع الإنترنت ضد المشيعين للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، فحملته لأقرأه، وهو بعنوان: ((الجنازة الماسونية.. في تشيع وتأبين محمد حسين فضل الله))، لكاتبه المدعو محمد كاظم الغروي، والذي يبدو لي أنه اسم وهمي، وليس شخصية حقيقية تحمل نفس الاسم في الواقع، ولعله هو نفس كاتب كتاب: ((زيارة عاشوراء)) الذي جاء للرد على الشيخ حسين الراضي، ويحمل أسم "حب الحسين"، ولعله أيضاً هو نفس من كتب كتيب: ((بداية ظهور الفرقة العبد الرسولية)) وغيرها من الكتب والكتيبات التي جاءت باسم "خادم الشريعة الغراء"، فهو نفسه أو شخص على شاكلته، إذ أنه ليس بعيداً عنه، فاللهجة المستخدمة واحدة بين هذه الأسماء الثلاثة وإن اختلفت الموضوعات.
إن هذا الكتاب يأتي بعد رحيل السيد فضل الله رحمه الله، وكلنا يعلم ماذا لاقى السيد في حياته، جراء إعلانه لبعض آراءه الفكرية، فلقد نُعت بالضال المضل والمشكك من قبل بعض العلماء، بل نعته البعض –كما هو رائج لدى العامة- بعدو الزهراء، فلقد شنت عليه الكثير من الهجمات التي ضخمت بعض آراءه وحملتها أكثر مما تحتمل، وحرفت بعضها عن مواضعها، بل لقد نسبت له آراء لم يقلها أصلاً.
وهذا الأمر قد روج له الكثير من رجال الدين في المنطقة (الأحساء والقطيف)، حيث صوروا لأتباعهم بأن السيد فضل الله رحمه الله، ضال مضل عند كل علماء الطائفة ورموزها، وهذا ما انكشف زيفه وبطلانه بعد رحيله رحمه الله، فلقد رأينا الكثير من المفكرين والعلماء والرموز الشيعية تنعاه وتؤبنه بكلمات لا تنسجم مع ما صوره هؤلاء[1] في حقه. وبعد كل هذا، وبعد أن انكشفت الحقيقة التي حاول الكثيرون طمسها يأتي هذا الكتاب، فكاتب هذا الكتاب نجده يجدد نعت السيد رحمه الله بالصفات السابقة الذكر، ويضيف لها بعض الشتائم له ولكل من أبنه ونعاه، حيث استخدم في كتابه الكلمات التالية قاصداً بها السيد رحمه الله: ((ضال مضل، مارق من المذهب، الهالك، الماسوني، الملعون، عدو الزهراء، عدو أهل البيت عليهم السلام .. ميتة فضل الله ميتة جاهلية.. عاش ملوثاً ومات في النجاسة ودفن في المراحيض ... وغيرها)).
بهذه الكلمات وبغيرها نعت صاحب الكتاب المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، ولم يكتفي بذلك فقط، بل إنه هاجم كل الذين شاركوا في تأبينه قائلاً: ((فإذا أذن المؤذن، بل قرعت الأجراس ودق الناقوس معلناً سقوط الصنم وهلاك الطاغوت (يقصد السيد فضل الله)، ونفوق هذا المسخ، صنعوا أقدامهم ليصلوا على جثته، وحملوا الصحف (لا المصاحف) ليتلوا على روحه الراحه إلى برهوت ما تيسر من قرآن مسيلمة وتفسير سيد قطب، وراحوا يرثون ويؤبنون، ويندبون كمستأجرة (لا ثكلى)، ويبكون بدموع التماسيح، ويرمقون الإرث من طرف خفي تارة، ومعلن أخرى...[2])). فمن هؤلاء الذين قصدهم الكاتب بكلامه هذا؟ ! هذا ما سوف يتضح لاحقاً.
ويقول الكاتب واصفاً ما أسماه بالخطة السياسية التي يديرها البعض في قضية السيد فضل الله، إذ يقول: ((كما استدرك وأعد البديل (أي البديل للسيد فضل الله)، في حال لم تنطل هذه الحيلة ولم ينجز الأمر كما أمل وخطط ورسم، فحضر من تلا بيان نعليه (عبد الله الغريفي) وهيأه لخلافته، أو بالأحرى للوصاية على العرش إلى أن يكبر أحد ابنيه وينضج ويبلغ مبلغه من الشيطنة والدهاء فيتولى الملك مباشرة، كما أوعز من بعيد وأرشد بدهاء إلى ناصر مكارم الشيرازي! فصدق التعيش ومنى نفسه وحدثها، وهو التاجر الضليع والبائع الخبير بآليات التسويق، ويعرف ماذا تعني بيروت وموقعها في عالم الصحافة والإعلام، ودنيا السياسة والزعامة.. مناه وأغراه بشكل غير مباشر لينتزع منه ما أراد من شهادات، فهو لا يخلو من فائدة، إذ هو –على أية حال- محسوب على حوزة قم، وإن كان حكومياً، لكن الناس والعامة تغتر بأقواله وتتأثر بعنوانه، فلا يخلو من فائدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أمله بهذا الدور حتى لا تجتمع سيوف المتنازعين على رقبة واحدة، وتتفرق فيما بينها وتتنازع، فينتهي الأمر من بين هذا وذاك إلى أحد ابنيه!)).
ويضيف بقوله: ((هذا هو عطاء الزيف والمكر والحيلة، وهذا هو نتاج اللعب السياسي، وهذه هي عاقبة الاستهانة بمقام مولاتنا الزهراء عليها السلام، والاستتخفاف بما قيل فيها، وإنكار ظلامتها وجحد ما نالها من حيف وظلم، وزعم عفوها وتجاوزها عن أعدائها الذين غصبوا حقها في فدك وعموم إرثها من أبيها، وهجموا على دارها وأضرموا النار ببنابها، وعصروها بين الحائط والباب، فكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، ولطموا عينها، ثم منعوها البكاء، واضطروها إلى بيت الأحزان... فجاء السياسيون الشيعة وامضوا على كل هذا بموقفهم من الجنازة المشؤومة، اقروا فضل الله على كل مزاعمة، وأبنوه كأنه أحد الأبطال، و احد علماء الطائفة المحقة وأعلامها!))[3].
ونجده في مورد آخر يتهجم ويتهم العلماء الذين شاركوا في تأبين السيد بقوله: ((هذه هي عاقبة الإساءة والسوء، أن كذبوا بآيات الله وصاروا بها يستهزئون .. التحقوا بركب الضلال ودخلوا في مؤامرة الوهابية للقضاء على التشيع، من بوابة فضل الله العريضة، وبؤرة ضلاله الواسعة، ولجوا بصفاقة، وغاصوا بعهر، أزاحوا أستارهم وأقنعتهم وأحلو لثامهم فبانت عوراتهم وظهرت وجههم القبيحة ![4])).
السيد نصر الله وصاحب الجنازة الماسونية: لقد استنكر الكاتب تأبين السيد حسن نصر الله للسيد فضل الله، ولذلك نراه يتهمه بالغرور بقوله قاصداً السيد نصر الله: ((مصيبة أن يعتد الرجل بنفسه وقدرات رجاله وحجم أنصاره، ويغتر بأمواله وسلاحه وإمكانياته، فيطغى ويتجبر حتى يغشى عن أوليات الحقائق وأبسط الأمور وأوضح الواضحات، ويعجز فلا يرى إلا ما يريد قائده، ولا يحسب الحق في شيء أنكره... فلا يمانع من الاصطفاف مع الضال المضل ولا يأبى الدفاع عنه ولا يتوقف في تبني أفكاره، ولا يحتاط أو يحذر من دعمه ونصرته وهو المعادي للزهراء عليه السلام، معرضاً نفسه للسخط الإلهي والغضب والنبوي والحرمان الولائي، بل كأنه يتحدى الله، وهو يبارز أولياءه ويستخف بحرماتهم التي هتكها فضل الله ! والمهزلة الكبرى أنه بعد كل هذا، هناك من يزعم ويعتقد أنه اليماني !))[5].
ويخاطب السيد نصر الله قائلاً: ((هل من الدين، أو من العقل أن تعرض عن هذا المدد وتتنكر لهذا الفضل، وتعلن خروجك على ولي أمرك الحقيقي، وانفصالك عن شعبه ورعيته، وأنت تتحدى الزهراء عليها السلام، بتأبينك وتعظيمك عدوها والمجاهد المترصد لحربها؟ وتتكل على الأسباب الطبيعية والعلل الحسية من قدرات تنظيمية، وعدة وعديد. وراجمات وصواريخ؟! أليس في هذا شاهداً ناطقاً على الغرور الذي نزل بك، ومقدمات الطغيان الذي يتهددك؟[6] )).
ويقول مستنكراً على كلمات السيد نصر الله التي وصف بها السيد فضل الله رحمه الله في تأبينه له، حيث وصفه بـ الكف الحصين، روحه الزكية، فكره النير، سيرته العطرة، لقاء الله من موقع اليقين، حيث أستنكر عليه استخدام هذه الألفاظ مع السيد فضل الله، ولذلك نجده يخاطب السيد حسن بقوله: ((بالله عليك، هل هذا الضال المضل، الشاذ المنحرف، هو الذي علمك لقاء الله من موقع اليقين"؟ كيف وهو المشكك في الولاية ومقاماتها، والطاعن في النبوة وخصائصها، والمتردد في التوحيد وشرائطه؟ ... أمن بؤرة الشك والتشكيك، والفساد والانحراف، أخذت دينك وبلغت يقينك يا سيد ؟ فيا لله وللعقيدة التي تحمل؟))[7].
الكاتب ونعته لبعض الشخصيات: لقد وصل مستوى الكاتب في الانحطاط إلى درجة كبيرة فنجده يتلفظ بكلمات لا تليق بالإنسان المؤمن المؤدب، ونحن نرفض استخدامها هذه الألفاظ حتى مع المخالفين والأعداء، فكيف مع أناس ليسوا كهؤلاء، فنجد مثلاً يصف السيد عبد الله الغريفي بقوله: ((نعرف البطريق عبدالله الغريفي... عنوان التعاسة والشقاء الطامع في مهزلة المرجعية الحزبية والمتهالك على إرث الضال والمتطلع لإمامة الضلال، فقد صار هو الآخر فجأة آية الله، ولم يبق إلا العظمى، ويبدوا أنها ستأتيه إذا استمر النزاع بين سيد جعفر النصاب المحتال (الأمين في المنظومة)، وسيد علي الأحمق الغبي (المأمون فيها)، وذلك بعد (هارون رشيدها) الضال الهالك أخزاه الله))[8].
ويضيف قاصداً السيد الغريفي بقوله: ((ولكن ماذا عسانا نقول لرجل جمع السفاهة والخباثة؟ تقطر الحماقة منه كلما تحرك والتفت، ويفيض الجهل منه كلما قام وقعد، ويفوح الخواء من أجوائه ويلف الفراغ فضاءه أينما حل وارتحل... لو قال له فضل الله وأخبره أن الشمس غابت، وهو يراها تلمح في رابعة النهار وتتلألأ في كبد السماء، ويحسها تلهب الأرض تحت قدميه وتصهر يافوخه من فوقه، لصدقه وكذب حسه ووجدانه![9])).
ونراه أيضاً يتحدث عن بعض الشخصيات ويصفها ببعض الصفات غير اللائقة بقوله: ((نعرف الذئب الرمادي عبدالله نظام (...) ونعرف الهر كاظم صاحب موقع منار (...) ونعرف الضبع الأرقط حسين بركة الشامي(...) نعرف محمد حسن الأمين "زلمة" ياسر عرفات (...) ونعرف عبدالحسين السلطان صاحب الدار الكويتية التي تنال في كل جمعة من المرجعية الأصيلة وتشوه العقائد الإمامية، وتسوق لعلي شريعتي، وأضرابه من المنحرفين، حتى أفردت عموداً للضال المضل فضل الله (وابنه من بعده!). وعموداً آخر لحسن الصفار، ونعرف الضال الصغير حسين الراضي (الذي يبول كل يوم في زمزم ويثير قضية من ركام فساده لعل أحداً يذكره!) والأحمق عبدالكريم الحبيل، وأعمى القلب عيسى قاسم والمنحرف القبيح حبيب فياض، والثعلب المكار محمد صادق الحسيني، ونعرف المرتزقة والوصوليين من أمثال حسين المصطفى، ومحمد الحاج حسن صاحب التيار الشيعي الحر، وكاظم العمري الخبيث ابن الطيب، وحسين الصفار، ونجيب نور الدين، ويوسف الزلزلة، وحيدر حب الله، وعلي السلمان، وجعفر الشاخوري، ويحيى زكريا، وعلي غلوم، وعلي المؤمن، وعلي سرور وسليم الحسني، وحسين معتوق...[10])).
ويضيف بقوله: ((نعرف هؤلاء وأضرابهم، نعرف لماذا يرثون الضال المضل، ويبكون الصنم الساقط، ويمجدون في المسخ الهالك، ونعرف كيف وأين ولماذا يلتقون معه وفيم وعلام يتوافقون؟))[11].
ويضيف دون حياء ولا أدب واصفاً ما أسماه بالحقيقة في موت السيد فضل الله قائلاً: ((وبالمناسبة، وللعلم، وتسجيلاً لحقيقة تاريخية لربما عمدوا لطمسها وإسقاطها (حتى من شهادة الوفاة)! فإن وفاة فضل الله لم تكن من مضاعفات التليف الذي نزل بكبده ونقص المناعة الذي أصابه، وإنما بسبب سقوطه في الحمام، وخبط رأسه بمقعد المرحاض (وكسره!). ما تسبب في شج رأسه (طبره!) وكسر في جمجمته وجلطة دماغية أشلته تماماً، فهلك على إثر ذلك، وهذا هو السبب المباشر للوفاة... أي أنه عاش ملوثاً، ومات في النجاسة، ودفن في المراحيض![12])). ويقول في وصف الشيخ اليعقوبي والسيد مقتدى الصدر: ((لن نأسى على هذا اليعقوبي الضائع ولن نحزن على الأرعن مقتدى الصدر الذي أعمته الرئاسة وأهلكته الشهرة وأودى به الجهل البسيط والمركب ...[13] مثل هذا الصبي الأرعن، من شأنه وطبيعة الحال أن يؤبن فضل الله، وكنا لنعجب إن لم يفعل))[14].
الكاتب ومشائخ المنطقة (الأحساء والقطيف): ركز الكاتب على بعض الشخصيات الدينية في المنطقة مما يدل على أنه من أهالي المنطقة، وفي ذلك يقول: ((كما نعجب من أمثال هاشم الشخص! إبن السيد محمد، ذلك الورع الطاهر، الذي كان النظر إليه ينقلك إلى أجواء التقوى وربوع الولاء، وكأنه يستمد من أجداده الأطهار ... وإذا بابنه العاق، لا عاق أبيه سيد محمد، بل عاق الأئمة عليهم السلام وعاق أمهم مولاتنا الزهراء عليه السلام. في سبيل إرضاء قادته وحزبه، تنظر إليه فيورثك التقزز ويبعث فيك الاشمئزاز من اللوث الذي يغمره، والقذارة التي خاض فيها وتمرغ حتى استولت عليه وصبغته ....))[15].
ويواصل كلامه قائلاً: ((فيثور الساذج الغبي (يقصد السيد هاشم الشخص)، ويقلب الدنيا لادعاء آل النمر السيادة، ويجعل من هذه الأمر أساس الدين ومحور حركته ونهضته، ثم يتجاهل أصل الولاء والبراءة التي يسحقه الضال المضل فضل الله، وتدوسه مدرسة حزب الدعوة، فلا يبالي، ثم يعود. فجأة. لينسى معركته ويوقع بيان النعي مع "السيد" الذي كان يصر أنه الشيخ حسن النمر ! وحسن هذا سيء، لا شيخ ولا سيد! ...علج أعماه الوصول وأهلكته الشهرة والأضواء، باع دينه بدنياه، وفرط بابنه (الذي دفعه لينشد في فضل الله!) في طريق إرضاء الشيطان، عسى أن يفسح له ويعيده إلى حظيرة الخراف التي وفق. جبراً. للخروج منها، فأبت شقوته إلا أن يعود إليها !)).
ويردف بقوله: ((ألا تعساً للآلات التي تدار بإشارة، والمكينات التي تحرك بكبسة زر! وهنيئاً لهم عاقبة السوء هذه، أن التحقوا آخر أعمارهم ونهاية مسيرتهم بحسن الصفار وعلي الناصر ومقتدى الصدر، وصاروا يأخذون دينهم من نوري المالكي وإبراهيم الجعفري والتقوا في آخر المطاف مع سعد بريك والمفتي قباني... فهؤلاء هم رفاقهم الجدد، وإخوانهم الذين اجتمعوا معهم والتقوا على أصل الفساد ومعدن الضلال، وتخندقوا في جبهة الصراع العقائدي الأولي في هذا العصر، فرضوا أن يكونوا في صف أعداء سيدة النساء عليها السلام والمستهزئين بالشعائر الحسينية، وخصوم الحوزة والمرجعية، وهاتكي حرمة نواب صاحب العصر والزمان عليه السلام))[16].
ويواصل كلامه قائلاً: ((أما السيد علي الناصر، فلا غضاضة عليه ولا عتب، ويبدو أن التكريم أخل بتوازنه وأفقده حكمته، فطاش الرجل وتجبر، وما عاد يتقي ويداري! وله الشكر على هذا، أن فضح نفسه أخيراً وكشف حقيقة طالماً داراها وأخفاها وتنكر لها، ها قد ظهرت وبانت...[17])). وهكذا أخذ الكاتب يفقد التركيز ويخلط بين القضايا والأحداث, وكل ذلك بسبب حقده الذي أفقده التوازن والاتزان.
الكاتب ومراجع الشيعة: لم يكتفي الكاتب بنعت بعض المشائخ ببعض الألقاب البذيئة، بل إنه تجاوزها بمراحل وهاجم حتى المراجع الذين شاركوا في تأبين السيد فضل الله رحمه الله، ولا غرابة في ذلك، لأن هؤلاء كانوا يروجون للناس بأن موقف جميع المراجع من السيد فضل الله هو موحد، وهو نفس ما يتبنونه هم، ولكن بعد وفاة السيد بان المستور، وبدلاً من الحياء من أنفسهم لأنهم لم يصوروا الواقع كما هو، نراهم يهاجمون المراجع الدينية التي لا تتبنى نفس آراءهم، والعجب أنهم كانوا يزعمون سابقاً بأن موقفهم من السيد فضل الله هو بسبب موقف المرجعيات الدينية منه ! يصف الكاتب المراجع الذين شاركوا في تأبين السيد فضل الله بالسياسيين بقوله: ((كذلك هؤلاء "المراجع" هم في حقيقتهم سياسيون وموظفون دفعتهم الحكومات التي تقف خلفهم للمرجعية، أو تقدموا هم دون دعم، وبلغوا ما أرادوا تحقيقاً لمخططاتهم الشخصية. وليسوا بأي حال من مراجع الطائفة... فمن يستهزئ بالعزاء الحسيني ويسخر من اللاطمين الجازعين على سيد الشهداء عليه السلام، من الطبيعي أن يصف مع الضال المضل فضل الله، ويلتحق بركب الضلال من بابه الأوسع... فناصر مكارم ويوسف صانعي واليعقوبي والمؤيد والمدرسي (الذي زاره وعانقه قبل وفاته)، ليس من مراجع الطائفة، لا علماً وفقاهة، ولا شرفاً ونزاهة، فكلهم يستمد من الحكومات ويأتمر بأوامرها، وتحركه السياسة وتديره في وجهتها، ولا علاقة لهم بالدين والعقيدة)).
ويردف قائلاً: ((وهكذا الحال في بعض وكلاء المراجع العظام الذين "اجتهدوا" وقدموا العزاء، رغم توصية السيد السيستاني وتأكيده على وكلائه بتغييب أنفسهم والابتعاد عن أجواء التشييع والتأبين ومجالس الترحيم، لكن بعض التجار منهم كالمدعو حامد الخفاف في لبنان والسيد محمد باقر المهري في الكويت قدموا العزاء... هؤلاء لا دين لهم ولا شرف، يبيعون عقيدتهم لإرضاء هذا الزعيم، وتلك الحكومة، ومماشاة أو حذراً من نفوذ الأحزاب، مع مصالح مالية غير خافية، يريد التعيس أن يحفظها ويؤمن وضع في هذا البلد وذاك، في ظل سطوة الجماعات وقوتها))[18].
هذا وقد ختم الكاتب كتابه بما أسماه باللائحة السوداء في أسماء الذين شاركوا في تأبين الضال المضل محمد حسين فضل الله وأقاموا لمهلكه المآتم وقدموا فيه العزاء على حد تعبيره، وقد ذكر من ضمنهم مراجع وعلماء كبار، مثل الشيخ ناصر مكارم شيرازي، والسيد علي الخامنئي، والشيخ يوسف الصانعي، والشيخ محمد علي التسخيري وغيرهم.
ليس دفاعاً عن السيد فضل الله: قد يعتقد البعض بأن ما جاء في هذا الموضوع هو دفاعاً عن آراء السيد فضل الله وهذا غير صحيح، فليس المقصود به هو الدفاع عن السيد رحمه الله ولا عن آراءه، ولكن أقول بأن التعاطي مع قضيته بهذا الشكل هو أمر غير صحيح وغير مقبول، فإذا كنتم لا تتفقون معه في بعض آراءه، فلكم الحق في ذلك، ولكم الحق أيضاً في الرد عليه، ولكن بالأسلوب الصحيح وبالطريقة السليمة، هذا إذا كان قصدكم فعلاً هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد بين الله سبحانه وتعالى أصول الدعوة إلى سبيله بقوله: ((أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن))، وهذه الأساليب الرخيصة بعيدة كل البعد عن هذا النهج القرآني.
ويمكننا القول بأن الكثير من العلماء والمراجع وغيرهم من الذين نعوا السيد الراحل رحمه الله لا يتفقون معه في بعض الآراء والقضايا الفكرية، ولكنهم مع ذلك يكنون له الاحترام والتقدير وإن اختلفوا معه، فليس كل من نعاه وأبنه هو متفق معه في جميع آراءه وأفكاره، وهذا أمر طبيعي، فمن عادة العلماء أن يؤبنوا وينعوا بعضهم البعض، مع أنهم مختلفون في الكثير من الآراء والأفكار، ولكن الكاتب غفل عن هذا الأمر أو تغافل عنه لغاية في نفسه، ولذلك نجده أخذ يهاجم ويشتم ويحقر كل من أبن السيد وينسب له بأنه قد وافقه وأقره على آراءه وهذا غير صحيح، مع أن الآراء التي نسبها الكاتب للسيد رحمه الله ليست دقيقة بل ليست صحيحة، لأنه حرفها عن موضعها وحملها أكثر مما تحتمل كما فعل غيره من قبله.
وقد يقول قائل: أن هذا الكتاب لم يكتبه شيعي مخلص، وإنما هو نتاج مؤامرة على التشيع من قبل أعداء خارجيين هدفهم الطعن في علماء الشيعة وتفكيك وحدتهم.. هكذا يفكر البعض.
ولهؤلاء أقول: لنفترض بأن كلامكم صحيح، وأن هذا الكتاب هو نتاج لمؤامرة تحاك ضد الشيعة والتشيع، ولكن الأمر في الواقع ليس مقتصراً على هذا الكتاب، فأنا أعرف الكثيرين في مجتمعاتنا من رجال الدين ومن غيرهم، ممن يتعامل مع قضية السيد فضل الله ومع من لا يعاديه ولا يحاربه بهذه الطريقة، فهل هؤلاء أيضاً عملاء ومتآمرين على التشيع؟!
كلمة أخيرة: إن ما قام به صاحب هذا الكتاب من تطاول وشتم وإساءة واتهام و... لبعض علماء ومراجع الطائفة يعد عملاً غير مقبولاً، وقد يكون صاحبها أولى بالصفات التي نعت بها غيره، ولكن السؤال هنا: ما هو موقف المتحمسين ضد السيد فضل الله من هذا الكتاب؟ !
ولهذا أخاطب المشائخ الذين حاربوا السيد فضل الله، وأساءوا إليه، وحرضوا عليه، وشهروا به، في المجالس وعلى المنابر، إذا كنتم لا تتفقون مع ما جاء في هذا الكتاب، فعليكم أن تبينوا ذلك ولا تصمتوا، لأنكم أول المتهمين به، وذلك لمواقفكم المعروفة من قضية السيد فضل الله ومن طريقة تعاملكم السابقة معه (فتاريخكم لا يبرؤكم). [1] راجع مقالنا المُعنون بـ (ورحل فضل الله ولكن ...!). [2] راجع كتاب الجنازة الماسونية ص10. [3] راجع المصدر السابق 10. [4] راجع المصدر السابق 12. [5] راجع المصدر السابق ص24. [6] راجع المصدر السابق ص25. [7] راجع المصدر السابق 31. [8] راجع المصدر السابق ص52. [9] راجع المصدر السابق ص 53. [10] راجع المصدر السابق ص53-54. [11] راجع المصدر السابق ص55. [12] راجع المصدر السابق ص56. [13] راجع المصدر السابق ص57. [14] راجع المصدر السابق ص58. [15] راجع المصدر السابق ص63. [16] راجع المصدر السابق ص63. [17] راجع المصدر السابق ص65. [18] راجع المصدر السابق ص92. |
|
المسلمون والحاكم الجائر
بقلم: سلمان عبد الأعلى -شبكة راصد الإخبارية
http://disar10.selfip.org/artc.php?id=43336
بعد التغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم العربي هذه الأيام، أرى من المناسب أن نجدد طرح تساؤلاتنا حول موقف الدين الإسلامي من مسألة الخروج على الحاكم الجائر.. صحيح أن هذه المسألة كما يبدو هي من المسائل التقليدية القديمة التي بُحثت من قبل العديد من المفكرين والعلماء المتقدمين والمتأخرين، إلا أننا نرى بضرورة تجديد البحث حولها خصوصاً في هذه الفترة التاريخية الهامة والحساسة التي تمر بها المنطقة.
وإن ما يدعونا للدعوة لتجديد البحث حول هذه المسألة، هي أنها وعلى الرغم من أهميتها لم يتوصل حولها لنتيجة نهائية حاسمة لدى جميع المسلمين، فالآراء حولها متباينة جداً إلى حد التناقض.
مهما يكن، فلقد ذهب فريق من علماء المسلمين إلى حد القول بعدم جواز الخروج على الحاكم ولو كان حاكماً جائراً، لما في ذلك من إثارة للفتن ولما يترتب على الخروج عليه من المفاسد والأضرار على حد تعبيرهم، والغريب فيمن يتبنى هذا الرأي أنهم يقولون بـ عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر حتى ولو كان هذا الحاكم قد وصل إلى الحكم عن طريق خروجه هو على حكم غيره باستخدامه للقوة والعنف في هذا السبيل!
كما نستغرب أيضاً من أصحاب هذا الرأي، أنهم مع رأيهم هذا يبررون خروج معاوية بن أبي سفيان وعائشة وطلحة والزبير على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مع أنه – أي الإمام علي (ع)- بإجماع المسلمين حاكم أقل ما يُقال في شأنه أنه حاكم عادل، فكيف يا ترى يحرمون الخروج على الحاكم الجائر ويجوزون الخروج على الحاكم العادل؟ أليس في ذلك مفارقة كبرى؟!
على كل حال، خلال فترة الاحتجاجات السلمية في مصر التي أنهت حكم الرئيس المصري حسني مبارك، طل علينا أحد رجال الدين الذين يتبنون هذا الرأي، ويسيرون على نفس هذا المنهج، وهو مستنكراً على الاحتجاجات ومحذراً من عواقبها ومن عواقب الفتنة التي يتسبب بها المحتجون على حد تعبيره، وللأسف أن هذا ومن على شاكلته كانوا يحذرون ويهاجمون المحتجين مع أن احتجاجاتهم كانت سلمية، ولم يستنكروا على من استخدم القوة والعنف ضدهم، فكيف نفسر ذلك يا ترى؟!
والأدهى من ذلك والأمر، أن يقول أحدهم وهو مفتي لإحدى الدول الإسلامية: ((ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ووزع الأرزاق بين الناس، فجعل هذا غني وذاك فقير، وجعل هذا ملك وذاك مملوك، فلا يجوز الاعتراض على أمر الله عز وجل، فعلى الإنسان أن يرضى بقسمة الله ولا يعترض عليه ولا يحسد أحد على عطاء الله له)).
إن ما نلاحظه على هؤلاء أنهم مع تفننهم في التحذير من الخروج على الحاكم الجائر أو حتى التفكير فيه، نراهم لا يحركون ساكناً ولا يعملون شيئاً مضاداً للحكام الجائرين ولو بنقدهم أو نصحهم ببضع كلمات هزيلة، بل نرى الكثير منهم يفتون حتى بحرمة مناصحة الحاكم في العلن كما يقول أحدهم.
للأسف بأن الكثير من هؤلاء هم علماء للسلاطين، فهم لا يدخرون جهداً في دعم الحاكمين بشرعنة وعقلنة تصرفاتهم وسلوكياتهم قد إمكانهم، وهم في هذا لا يختلفون عن المرجئة الذين يقولون بالإرجاء، ومقصودهم منه، هو أن كل شرير وآثم وحاكم متسلط ظالم مهما بلغت جريمته عليه أن يرجو مغفرة الله وينتظر رحمته ولا يتنافى ذلك مع إيمانه ويصح وصفه بالإيمان، وان كان من الحاكمين يبقى من أمراء المؤمنين، وقد اسند هؤلاء فكرتهم هذه إلى القرآن مستدلين عليها بالآية الكريمة ((وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ))[1].
والإرجاء بهذا المعنى –سواءً كان المرجئة كفرقة أم المرجئة كسلوك- تبرير واضح لعمل الظالمين والمفسدين، فهو يدعم الظالمين ويجعل المستضعفين مكتوفي الأيدي، جامدين وخاملين مستسلمين لظلامات الظلمة والطغاة، وربما ينصحهم البعض من رجال الدين بالصبر على هذه المآسي التي يتعرضون لها لأنهم سوف يأجرون عليها في الآخرة ! مما يجعلهم لا يقاومونها ولا يستنكرون عليها، لأنها تصرفات باركتها أيادي رجال الدين الذين يروجون لمثل هذه الأفكار.
ومما يدلل كذلك على أن بعض رجال الدين هؤلاء يدعمون أعمال الطغاة والجبابرة ويبررون أعمالهم ترويجهم لفكرة أن الإنسان مسير وغير مخير، ومقصودهم هو أن الإنسان مجبر على أفعاله وتصرفاته وغير مختار الإرادة فيها، ولهذا نرى البعض يروج لهذه الفكرة ويدعي الإيمان بها، وربما نجده يعذر بعض الحاكمين الظالمين ويبرر أعمالهم بناءً على هذا الرأي الذي يتبناه.. وكيف لا يعذرهم وهم مجبرون على تصرفاتهم وغير مخيرون فيها كما يرى؟!
ولكنه في المقابل نراه يناقض نفسه ولا يلتمس العذر لمن يخرج على الحاكمين، ولا ندري هل أن الحاكمين والظالمين في رأيه هم فقط المسيرون والمجبرون على أفعالهم وتصرفاتهم أم أن الكل بما فيهم من يعارضهم ويخرج عليهم؟!
لا يراودني أدنى شك بأن الحاكمين الجائرين وأعوانهم عبر التاريخ هم من كانوا وراء انتشار مثل هذه الأفكار، سواءً كان ذلك من ناحية ابتكارها أو من ناحية الترويج لها ودعمها، وذلك لأنها أفكار صالحة لهم وتخدم أهدافهم ومصالحهم.
قد يظن البعض واهماً أن هذا الخلل الواضح في الفكر الديني والذي يخدم الحاكمين الجائرين موجود فقط لدى بعض علماء أهل السنة، وهذا غير صحيح لأن بعض الأفكار الموجودة لدى بعض علماء الشيعة تخدم الحاكمين أيضاً بشكل أو بآخر، فالكثير من علماء الشيعة يرون بأن الانتفاضة والخروج على الحاكمين مخالفة للدين في ظل غياب الإمام المعصوم عليه السلام.
ونتيجة لذلك، فإنهم يرون بأن الدخول في الأمور السياسية والتصدي لها والسعي لتأسيس دولة في ظل غياب الإمام المعصوم عجل الله فرجه الشريف، هو أمر مخالف للشريعة، لأن التكليف الشرعي في عصر الغيبة يقتضي من المكلف انتظار الفرج حتى ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، ومن هذا المنطلق نرى هجوم بعضهم على بعض العلماء الذي تصدوا لبعض النواحي السياسية أو شاركوا فيها.
إن هذا الفكر هو أيضاً فكر جميل جداً ومحبب بالنسبة للحاكمين الجائرين، لأنه يطمئنهم على مستقبلهم ويجعلهم في مأمن من نقمة المظلومين واحتجاجاتهم، لأن المظلومين لو قاموا ضدهم وخرجوا عليهم فإنهم سوف يكونوا مأثومين شرعاً.. وهكذا نرى وبكل وضوح كيف يوظف الدين في خدمة الظالمين بدلاً من إنقاذ المستضعفين!
عموماً، إننا بعد كل هذه التغيرات والأحداث التي تعصف بنا في العالم العربي نتساءل قائلين: ما هو مستقبل ومصير هذه الأفكار الدينية بعد هذه الثورات والتغيرات التي نشهدها هذه الأيام؟! وما مدى تأثيرها في الأوساط الاجتماعية؟!
[1] راجع كتاب الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ للسيد هاشم معروف الحسني ص 100، دار التعارف للمطبوعات بيروت، 1410هـ - 1990م.
ليبراليون بلا ليبرالية
بقلم: سلمان عبد الأعلى
لا أريد أن أتحدث في هذا المقال عن الليبرالية، من حيث تاريخها ومبادئها ومرتكزاتها، ولا أريد كذلك أن أبدي تأييداً أو معارضة لها، فهذا موضوع آخر، وإنما أريد فقط أن أتحدث حول بعض الليبراليون أو دعاة الليبرالية في وطننا العربي، من حيث صدق انتسابهم لها أو صحة نسبتهم إليها.
فالكثير من المفكرون والكتاب العرب يدعي بأنه ليبرالي، ويُكثر من الحديث عن قيم ومبادئ الليبرالية، من الحرية والتعددية وحقوق الإنسان وغيرها، ولكنه أحياناً ينسى بأنه ليبرالي -كما يدعي- ويتغافل (وليس يغفل) عن هذه القيم والمبادئ لغاية في نفسه !
فلقد أثبتت الأحداث الأخيرة الجارية في البحرين زيف الكثير من دعاة الليبرالية والمروجون لها، فالحرية –والتي منها حرية التعبير عن الرأي- التي كانوا بالأمس القريب يدعون لها أصبحوا اليوم يحاربونها بحجة المحافظة على الأمن، وحقوق الإنسان التي كانوا حريصين على عدم تجاوزها, أصبحوا اليوم حريصين على هتكها بحجة محاربتهم للمخربين والعابثين، والتعددية والانفتاح على الآخر الذين كانوا ينظرون لها في كتاباتهم وخطاباتهم أصبحوا من المحاربين لها بحجة محاربتهم للطائفية، وهكذا انقلبوا رأساً على عقب بشكل مفجع.
أجل، لقد انتكس هؤلاء على أعقابهم انتكاسات رهيبة، ونسوا ما كانوا يروجون له من تعاليم ليبرالية، إذ تركوا ليبراليتهم تحتضر على أبواب البحرين دون محاولة منهم لإنقاذها، فلقد أصبحوا لا يختلفون عن رجال الدين السلفيين المتزمتين إلا في الشكل والمظهر فقط، حيث أنهم وقفوا من قضية البحرين نفس ما وقف أولئك، وأبدو نفس الشدة والمنطق في تعاملهم معها، وذلك لأن قضية البحرين تخص جماعة من الشيعة، والشيعة لا يحق لهم أن يطالبوا بحقوقهم، وإن حدث وطالبوا بها فإنهم سيصبحون طائفيون لا محالة كما حصل في البحرين، ولهذا فلا حرية للشيعة ولا دعوة لقبول التعددية لمذهبهم، ولا حقوق إنسان لأفرادهم (أي لا ليبرالية معهم حتى ولو كنت ليبرالياً)، كما هو موقف بعض دعاة الليبرالية العرب.
في السابق كان الليبراليون العرب يخوضون حروباً ضارية مع السلفيين المتزمتين، لأنهم لا يقبلون بالحرية ولا بالتعددية، ولأن عقولهم متحجرة ومتعصبة كما كان يقول بعضهم، أما اليوم فبعض هؤلاء الليبراليون نراه يمشي مع هؤلاء بل خلفهم، لأنهم ضد الطائفية طبعاً، ولا أدري هل الحرية والقبول بالتعددية وحقوق الإنسان هو أمر جيد ويفترض أن يعطى لكل الناس أم أن هناك استثناء لبعض الفئات ومنهم الشيعة؟! أم أنه لا يوجد استثناء، غير أن الشيعة مشكوك في كونهم بشراً، وإذا كانوا كذلك فلا يحق لهم أن يطالبوا بحقوق هي حقوق للبشر خاصة. أليست لهم خصائص جسدية تختلف عن الآخرين (أذناب كالحيوانات) كما يعتقد ويتصور أصحاب الأذهان المقفلة؟ !
على كل حال، إن من تابع بعض الكتابات في بعض الصحف العربية في الأيام الماضية، يرى كيف أن الكثير من الكتاب أخذ يحرض على الشيعة ويحذر من خطرهم ومن شر مخططاتهم (الصفوية، المجوسية، ...)، التي هي كما يصفها مخططات ضد الإسلام، وضد العرب والعروبة. . وكل ذلك طبعاً محاربةً منه للطائفية، ولكن هل يصح أن تواجه الطائفية بطائفية ضدها (مثلها أو مشابهة لها) كما يفعل هؤلاء؟ !
ما أريد قوله هنا: إن ما يقوم به بعض الكتاب الليبراليون من كتابات تحريضية ضد الشيعة بحجة محاربة الطائفية، هو في حقيقته ترويج للطائفية وليس محاربةً لها، فالطائفية لا تحارب بهذه الطريقة التي تؤدي لزيادة التعصب والكره والحقد والاصطفاف المذهبي، لأن هذا يغذي الطائفية ويشجعها بدلاً من مقاومتها ومحاربتها، كما أن هذا الفعل يتنافى أصلاً مع مبادئ الليبرالية التي ترفض مثل هذه التصرفات.
ولعل قائل يقول: إن ما يقوم به بعض الليبراليون هذه الأيام أمر طبيعي جداً، فكل البشر -إلا ما رحم ربي- يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فهم يقولون شيئاً ولكنهم يفعلون شيئاً آخر، وهذه المشكلة تعاني منها كافة التيارات الفكرية، سواءً كانت دينية أو غير دينية، فلماذا التركيز على الليبراليين؟!
وهذا الكلام في مجمله صحيح وأنا أتفق معه، غير أن هناك فرق ينبغي أن نلتفت إليه، فصحيح أن الناس يخالفون أحياناً مبادئهم بسلوكياتهم، إلا أن هذا عادةً ما يكون في قضايا جزئية وفرعية، فمثلاً لو خالف أحد المسلمون أحد التعاليم الإسلامية الفرعية فإنه يبقى مسلماً ولا يخرج عن دائرة الإسلام، ولكنه لو خالف أحد الأصول الإسلامية الثابتة بصراحة وبقصد كالتوحيد والنبوة، فإنه حينها سيخرج عن الإسلام ولا يصح بعدها نسبته إليه.
ونفس الأمر ينطبق على التيارات الفكرية الأخرى، والتي منها الليبرالية فلو خالف أحد منهم مبادئها وأصولها الرئيسية فهل يبقى حينها ليبرالياً؟!
بالطبع لا، ولذلك نقول: بأن بعض الليبراليون تخلوا عن ليبراليتهم في أحداث البحرين الأخيرة، فنحن لو سألناهم عن ما هي الليبرالية؟ لأجابونا بأنها تعني الحرية والقبول بالتعددية وغيرها من المرتكزات والمبادئ التي خالفوها بأنفسهم في هذه القضية.
ومن هنا نقول لهؤلاء الليبراليون: حافظوا على ليبراليتكم إذا كنتم تريدونها وحريصين عليها، لأن من يترك أصلاً من أصولها كما فعلتم في قضية البحرين -من محاربتكم للحرية ومخالفتكم للتعددية ولحقوق الإنسان- فإن نسبته لليبرالية يصبح أمراً مشكوكاً فيه.
عُذْراً.. إِذَا انْقَطَعَ
الكَلامْ.. فَالرُّوح يَقْتُلَها الحَنِينْ..
وَأَنَا المُكَبَلُ بِالهَوى ..
والحُبُّ قَيْدٌ لا يَلِينْ ..
هَيْهَاتَ أَنْسَى كَرْبَلاءْ ..وَأَنَا
بِذِكْرَاها سَجِينْ ..
سَأَظَلُ أَذْكُرُ كَرْبَلاء.. وَأَظَلُ أَهْتِفُ
يَاحُسَينْ..
الخُطب المسيلة للدموع !
بقلم: سلمان عبد الأعلى -شبكة راصد الإخبارية
http://r300.homeip.net/index.php
يحرص الكثير من رجال الدين ((الخطباء)) على إلقاء الخطب المؤثرة في نفوس الجماهير، ولذلك نراهم يتفننون في جعل خطبهم تحظى بتأثير كبير لدى المستمعين، بكونها تمتاز بأنها من ضمن الخطب المسيلة للدموع، لأنهم بهذا يعتقدون بأن الخطبة الناجحة هي التي تحدث أثرها في عيون المستمعين لها.
ولهذا نجد الكثير من الخطب الحزينة والمؤثرة التي تحذر الإنسان من عقوبة الله سبحانه وتعالى للعاصين، ونجد المستمعين كثيراً ما يتفاعلون معها بالضجيج والعويل وذرف الدموع، غير أننا نرى الكثير من هؤلاء (المستمعين المتفاعلين) ينسون هذه الخطب بعد فترة قصيرة، حال توقف الخطبة أو عند خروجهم من مكان إلقائها، بحيث يبدون وكأنهم لم يستمعوا إليها، فضلاً على أن يكونوا تأثروا بها أم لا، حيث نجد الكثيرين ممن يتفاعلون مع الخطب والمواعظ التي تحذر من عواقب المعصية والتمرد و... وتشجع على الطاعة والالتزام الديني، نجدهم في تعاملاتهم الحياتية يتصرفون وكأنهم يجهلون هذه الأمور، لأنهم يؤثرون مصالحهم الشخصية على المبادئ والقيم والمعتقدات التي يدعون الالتزام بها.
ما أود قوله هو: بأن الكثير من الخطب التي تلقى على مسامع الجماهير، وتحدث زلازل وهزات في مظاهرهم، تذهب أدراج الرياح وتفقد مفعولها بسرعة، وذلك لأنها تفتقد للتأثير الفعلي التي من المفترض أن يكون لها، فمن المفترض أن يكون الهدف من الخطبة هو إحداث تغيير ولو يسير في الواقع الفعلي للإنسان وللمجتمع، وليس فقط التأثير النفسي الوقتي الذي يترجم بإطلاق زفرات ودموع من أعين المستمعين، فلقد أصبحت الدموع روتين معتاد تقابل بها كل الخطب النارية المؤثرة التي من هذا النوع، ولكن دون تغيير واقعي يذكر، إذ أصبح المشهد وكأنه مشهد تمثيلي مسرحي لا بد من لعلب دور فيه.
إنني أعتقد بأن المشكلة تكمن في أن هذه الخطب أصبح الهدف منها هو البكاء فقط، ولهذا نجد الخطيب يحقق هذا الهدف بيسر وسهولة بحكم خبرته الواسعة في هذا المجال، ويفرح بتحقيقه لهذا الهدف إذا رأى الناس تفاعلت معه في خطبته وعلت منهم أصوات النحيب والبكاء، كما أن المستمعين المتفاعلين معه يفرحون هم أيضاً ببكائهم لأنهم يعتقدون بأنهم بذلك يغسلون أدران ذنوبهم، غير أن هذا الهدف هو هدف وهمي، وغير واقعي، وغير فعال، فمن المفترض أن يكون الهدف من الخطب التي تلقى على مسامع الناس هي أمور أخرى تساهم في تغيير حالهم وحال مجتمعاتهم للأفضل، ولا بأس بأن تكون من ضمن الوسائل التي تحقق هذه الأهداف هو البكاء، لأن للبكاء دور فعال في إحداث هزات عنيفة في أعماق الإنسان، ولكن ما هو مرفوض أن يكون البكاء هو فقط للبكاء دون أن يلعب أي دور آخر.
ولذلك لو أردنا أن نقيس تأثير بكائنا وتباكينا على واقعنا في حياتنا لما لا حظنا فرقاً كبيراً، لأن بكائنا أصبح عادةً شكلية أكثر كونه تفاعل حقيقي.
ومن المؤسف له بأن الكثير ممن يلقون هذه الخطب (المسيلة للدموع) جاهلين بالمؤثرات والأسباب الحقيقية التي تؤثر في أفكار الناس وسلوكياتهم، وذلك لأنهم غير مطلعين على العلوم المفيدة في هذا الشأن كعلم النفس وعلم الاجتماع.
ولا يتصور البعض أنني بكلامي هذا أرفض البكاء وأحاول أن أهاجمه وأنهيه. لا، وإنما كان هدفي هو أن يكون بكائنا فعالاً يخدمنا ويجعلنا نتفاعل مع قضايانا أكثر حتى نغير من واقعنا نحو الأفضل، لا أن يكون بكائنا يحطمنا ويهدمنا ويزعزع ثقتنا بأنفسنا، أو أن يكون مجرد عمل نؤديه لنوهم أنفسنا بأننا نتقرب بذلك إلى الله سبحانه وتعالى حتى نتخلى عن أداء واجباتنا ومسؤولياتنا تجاه خالقنا ومجتمعنا وأنفسنا.
ولو سألنا أحدهم عن الفائدة من البكاء الديني، لرأيناه يجيبنا بالعديد من الأجوبة التي قد تعجبنا وتذهلنا، وبأدلة عقلية ونقلية، ولكن لو سألناه عن: ما هي الفائدة التي جناها هو شخصياً من بكاءه؟ لرأيناه يتلكأ ولا يستطيع الإجابة، مع أن هذا هو ما نفقده في مجتمعاتنا.
ولهذا علينا أن نكون فعالين وعمليين ونثبت مبادئنا وقيمنا الدينية بالعمل والفعل، بدلاً من أن نثبتها فقط بالأقوال والخطب الفلسفية أو الأخلاقية أو بالتفاعل الظاهري الشكلي، لأن هذا وحده لا يكفي.
المشروع الإيراني في المنطقة !
بقلم: سلمان عبد الأعلى- شبكة راصد الإخبارية
http://rasid202.homeip.net/artc.php?id=44351
لم أكن لأكتب هذا المقال لولا الموقف الذي تعرضت له مؤخراً والذي له علاقة وصلة وثيقة به، إذ كنت في لقاء مع أحد المسئولين لإحدى الشركات الكبرى عندنا في المملكة، والذي افتتح اللقاء بسؤالي: هل أنت شيعي؟ فأجبته بنعم، وما إن سمع جوابي حتى ألحق سؤاله بالسؤال التالي: ما رأيك بالمشروع الإيراني في المنطقة؟ !
في الحقيقة ما إن سمعت هذا السؤال حتى داخلي شعور بالاستياء، وذلك لأن هدفي من اللقاء هو أمر آخر بعيد الصلة عن هذا الموضوع، فهو لا يرتبط به لا من قريب ولا من بعيد، ولكن ما جعل الجلسة تنحو هذا المنحى هو ما يثار حالياً في وسائل الإعلام الخليجية عن ما يسمى بالمشروع الإيراني في المنطقة، والذي أنا إلى الآن أجهله ولا أعرف شيئاً عنه، ولم أجد شخصاً يتبرع لي ليبينه ويشرحه فضلاً عن أن يثبته ويدلل على وجوده، فالكثير يحذر من ما يسمى بالمشروع الإيراني، ولكن دون تحديد دقيق لماهية هذا المشروع وأهدافه وأبعاده.
فنحن نلاحظ أن عبارة المشروع الإيراني في المنطقة -والمقصود طبعاً المنطقة العربية أو الخليج العربي على وجه الخصوص- تتردد حالياً بكثرة على ألسن الكثيرين من المحليين السياسيين والكتاب ورجال الدين السلفيين وغيرهم، ولكن وللأسف الشديد أنهم يرددون هذه العبارة دون أن يقدموا شرحاً ولو موجزاً لها، فنحن نحتاج أن نتعرف على ما هو هذا المشروع؟ وما هي أهدافه؟ وما هي مظاهره ومرتكزاته؟ وهل هو معارض لمصالحنا كدول ومجتمعات عربية أم لا؟
لكن وعلى كثرة ما سمعت عن هذا المشروع، وعلى كثرة التهويل الإعلامي له لم أجد إلى الآن شخصاً يثبته ويوضحه، مع أنه خطر كما يقول المحذرون منه، ولا أدري كيف يكون بذلك المستوى من الخطورة، والصورة حوله هولامية وينقصها الكثير من الوضوح، إذ كيف تسنى للمحذرين منه أن يحددوا مستوى خطورته، وهم لم يقدموا إثباتاً عليه أو تبييناً له بشكل مثبت وواضح.
أقول كلامي هذا، لا لأنني أدافع عن إيران، بل لأن البعض أخذ من هذا العنوان فرصة لتنفيذ أجنداته الطائفية، فأخذ يروج بأن ولاء الشيعة لإيران وليست لأوطانهم، وهم يقفون مع المشروع الإيراني في المنطقة ضد أوطانهم، وغيرها من العبارات الموظفة والتي تفوح منها رائحة الطائفية.
فالبعض من الطائفيين السلفيين وجدها فرصة ذهبية بالنسبة له، لمهاجمة الطائفة الشيعية، من ناحية التشكيك في ولائها لأوطانها، ليتسنى له بعدها من محاربة الشيعة ومهاجمة معتقداتهم التي يراها معتقدات باطلة بكل حرية.
وأنا بدوري أتسائل: كيف يقف الشيعة مع المشروع الإيراني وهم لا يعرفونه؟ ! إذ أنني لم أجد أحداً من أفراد الشيعة ولا من قياداتهم وأنا أعيش في أوساطهم يتحدث عن هذا المشروع فضلاً عن أن يتحدث عن آليات تنفيذه وتطبيقه على الأرض، والأمر الآخر، لماذا لا يُركز على المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة مع أن لهما مشاريعهما الواضحة، والتي الكثير منها معلن وممثل على الأرض؟! ثم ما علاقة هذا الأمر لو افترضنا وجوده بالجانب الديني؟ أوليس هذا الموضوع من المواضيع السياسية البحتة؟!
فهذه التساؤلات تثور في ذاكرتي كلما تأملت في هذا الموضوع. فلو فرضنا أن لإيران مشروعاً في المنطقة، فمشروعها هو مشروع سياسي، وليس مشروعاً دينياً أو مذهبياً حتى يتم إطلاق العنان للطائفيين لمهاجمة الشيعة (كل الشيعة) تحت هذه الذريعة، ولو فرضنا كذلك أن هذا المشروع السياسي واضح وهو في غير صالحنا، فما هي الطريقة المثلى لمقاومة هذا المشروع؟! هل يا ترى بالخطب الدينية وبالشحن والتحريض الطائفي كما نرى؟!
بالتأكيد لا، فهذا الأمر غير صحيح وغير مقبول، فلو فرضنا وسلمنا بوجود هذا المشروع، فهو مشروع سياسي بامتياز وليس مشروعاً دينياً أو مذهبياً، ولهذا ينبغي أن تكون ردود الفعل حوله ردود فعل سياسية لا ردود فعل دينية أو مذهبية، إذ ينبغي أن يواجه ويتصدى له من قبل السياسيين، وذلك بالطرق والأساليب السياسية، وبحشد سياسي وعسكري رادع إن تطلب الأمر، لا أن يواجه من قبل رجال الدين الطائفيين من خلال الخطب التحريضية في المراكز الدينية أو الوسائل الإعلامية، والتي تشن الهجوم على طائفة بكاملها وتحشد الجماهير ضدها كما يفعل الكثير من رجال الدين الطائفيين، فسياسة دولة ينبغي أن تواجهها سياسة دولة، وذلك حتى تكون المواجهة من جنسها ومنسجمة معها.
لذلك أقول: أتمنى إعادة النظر في طريقة تعاطينا مع هذه القضية، وذلك بأن نتركها للمسئولين السياسيين في بلداننا لأنها من اختصاصاتهم، ونبعدها قدر الإمكان عن زجها في المجال الديني والاجتماعي، لأن هذا لا يصب في مصلحة أوطاننا، وإذ تطرقنا لها في مجالنا الاجتماعي والديني، فعلينا أن نعي بأنها مسألة سياسية بحتة ولا ندمجها ونخلطها في الموضوع الطائفي المذهبي، وذلك لأنها مسألة لها علاقة بسياسة دولة وليست بسياسة طائفة، لذا ينبغي التفريق.
المسلمون وسؤال الحرية (الفكرية)
بقلم: سلمان عبد الأعلى -شبكة راصد الإخبارية
http://r101.webhop.net/artc.php?id=46002
ما أكثر الأصوات التي تنادي بالحرية وتطالب بها، فكل التيارات الفكرية أو لنقل أغلبها تدعي –ولو نظرياً- أنها تشجع على الحرية الفكرية، إذ نراها (ترتكز) في وجودها، و(تركز) في أعمالها على مفهوم الحرية، لأنها بلا حرية تثبت تميزها عن غيرها (المخالف لها) أو (المختلف عنها) لا يمكنها أن تدافع عن وجودها، لأن الحرية سر وجودها وتميزها، ولهذا فالحرية من حيث المبدأ متفق عليها بين جميع التيارات الفكرية، سواءً كانت دينية أو غير دينية، ولكن يبقى الاختلاف في كيفيتها ومساحتها (ضوابطها وحدودها).
من هنا تأتي أهمية الإجابة عن سؤال الحرية الفكرية لدى المسلمون، السؤال الهام الذي أرى بأن الإجابة عليه في غاية الأهمية، وذلك لأنها –أي الحرية- نظرياً تختلف عن ما هو قائم فعلياً على صعيد الواقع، فلو تسائلنا قائلين: ما هي الحدود والقيود التي توضع على الحرية الفكرية في الإسلام؟ لرأينا الإجابة عن هذا السؤال تختلف عما هو عليه الوضع على أرض الواقع، فالكثير من المسلمين يقعون في تناقضات حادة بين ما يقولونه وما يفعلونه، ففي الوقت الذي نراهم يخطبون ويكتبون عن الحرية التي أعطاها الإسلام للإنسان مستدلين بذلك بــــــ الأدلة العقلية والنقلية، نراهم يكثرون في الواقع العملي من وضع الحدود والقيود على هذه الحرية بمبررات منطقية وأخرى غير منطقية.
فلو تحدث مثلاً بعض العامة من أبناء المسلمين في بعض القضايا الفكرية المتعلقة بالفكر الإسلامي، ولو بوضع بعض التساؤلات البسيطة التي يريدون الحصول على إجابة لها، رُفض حديثهم وقوبل بالاعتراض والاستنكار، وقد يقال لهم حينها، بأنكم غير مختصين في العلوم الإسلامية، فلماذا إذاً تتحدثون وتتدخلون في غير إختصاصكم؟!
وكذلك الأمر، إذا تحدث بعض أهل الإختصاص في بعض هذه القضايا الفكرية بشكل لا ينسجم مع الفكر السائد، فسيرفض حديثه أيضاً وسيقال له عندها: بأنك لست في مستوى علمي رفيع حتى تناقش في هذه القضايا التي أقرها علمائنا الأفذاذ، وربما يقول له هذا القول من هو أقل منه علماً وفهماً بمستويات كبيرة !!
أما إذا ناقش بعض هذه القضايا أحد العلماء الكبار، فإنه عندها سيقال عنه –وليس له- بأنه: مشكك في الثوابت الدينية، وسوف ينعت بالضال المضل، وبعدو الزهراء (عليها السلام)، وبعدو أهل البيت (عليهم السلام)، وبغيرها من الأوصاف والنعوت التي على هذه الشاكلة، وهكذا حيث توضع القيود على الحرية الفكرية بشكل غريب وغير منطقي؛ تارة بذريعة التدخل في غير الاختصاص، وأخرى بذريعة التشكيك في الثوابت والعقائد الدينية وغيرها !َ
والغريب في الأمر أننا إذا تسائلنا قائلين: ما هي الثوابت الدينية الواجب الاعتقاد بها، والتي لا يجوز أبداً تجاوزها؟ فإن الإجابة عن هذا السؤال تأتي مختصرةً جداً كأن يقال: أن الثوابت الضرورية التي لا يجوز التساهل معها أو التنازل عنها هي أصول الدين الأساسية (التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد).
ولكن ما نلاحظه أنه عندما يُفتح باب النقاش حول بعض القضايا الدينية الخارجة عن دائرة الأصول الدينية المحددة سابقاً؛ نرى البعض أيضاً يرفض ذلك بشدة ويضيفها للثوابت الدينية التي لا يصح أبداً فتح النقاش حولها، وهي في حقيقتها قد تكون قضايا دينية جزئية ليست بالأساسية أو أنها تكون مسائل وأحداث تاريخية ليست ذات ارتباط بالعقائد الدينية أو أن يكون لها ارتباط ولكنه ارتباط ضعيف، المهم أن كل شيء أصبح عند البعض من الثوابت التي لا يجوز مناقشتها، ولا ينبغي بحال التهاون مع من يثيرها أو يفكر في مناقشتها!!
والغريب أننا فعلياً نناقش الثوابت والمسائل المتعلقة بالأصول العقائدية الدينية كالتوحيد (ما هو الدليل على وجود الله؟) والعدل (هل الله عادل؟) والنبوة (كيف نعرف صدق النبي؟) والمعاد (ما هو الدليل على البعث بعد الموت؟) برحابة صدر مع أنها من الأصول العقائدية الأساسية الثابتة، ونرفض بعدها مناقشة حديث أو رواية أو دعاء... بحجة أنها من الثوابت التي لا يجوز مناقشتها، فكيف نفهم ذلك يا ترى ؟!!
مهما يكن، فإنه من الأمور الثابتة أن الإسلام كـ دين قد كفل الحرية الفكرية، وشجع عليها وحث على البحث والتأمل والتفكير حتى في الاعتقاد بأصل الدين، حيث أعطى الحرية في ذلك، وقال ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) ((فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ))، ومن هنا تأتي الجدوى المرجوة من الدين، لأن الدين دون حرية الإختيار لا فائدة منه ولا ميزة معه.
وبناءً على ذلك، فإننا نرفض ما يقوم به بعض المسلمين من معاداة الحرية ومحاربتها، لأن هذا مخالف لتصورنا الإسلامي في هذا الشأن، فالإسلام حث على الحرية الفكرية بهدف السعي للوصول إلى الحقيقة لا من أجل الإبتعاد عنها، وهناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي حثت على التأمل والبحث (بحرية) من أجل الوصول إلى الحق، ولكن البعض يظن واهماً أنه إذا أعطينا الناس الحرية، فإنهم سيبتعدون لا محالة عن الدين وقيمه وتعاليمه، وهذا ما يصور الفكر الديني وكأنه فكر هزيل ومرتبك يخشى من مواجهة الفكر الآخر، وهذا بالتأكيد يخالف التصور الإسلامي للحرية التي هي: (الحرية بهدف الوصول للحق وليست الحرية بهدف البعد عنه).
إن هذا الخلل ناشئ من الفهم الخاطئ للحرية، وسوء الظن بالناس وقلة الثقة بهم، لأن البعض يتصور بأنه إذا أعطيت الحرية للناس فإنهم سيختارون الانحراف لا محالة، فالحرية عند هؤلاء تساوي الانفلات الأخلاقي والتمرد الديني، إذ يتصورونها دون حدود وضوابط، ولا يفهمونها بالمعنى الصحيح، بأنها الحرية في البحث والتأمل والاختيار بهدف التوصل للحقيقة المنشودة.
والحرية بهذا المعنى –الحرية للوصول إلى الحق- واجب على المسلمين كافة، وليست مجرد حق لهم كما في الفكر الغربي، فمن المعروف أن أصول الدين لا يجوز فيها التقليد، بل يجب الوصول فيها إلى اليقين والاطمئنان، وهذا يعني أن الحرية الفكرية هنا واجبةً شرعاً، وليست مجرد حق يمكن أخذه أو التنازل عنه.
ولهذا نقول: إذا كنا ندعي بأن الإسلام قد كفل حرية التفكير والبحث والتعبير عن الرأي، فعلينا أن نرحب بكل من يمارس هذا الدور على أرض الواقع (بشروطه وضوابطه)، ولكن وللأسف الشديد أننا لا نزال نرفض الممارسة، ونضع المبررات الهزيلة لرفضنا لها.. وهكذا يبقى سؤال الحرية (الفكرية) حائراً عندنا، وعليه أن يمر بمخاضات متعسرة حتى نبشر بولادة جديدة لأجوبة وممارسات عملية شافيه تخرجه من حيرته.
هكذا ظلمنا الإمام الشيرازي (قده)
بقلم: ابراهيم محمد محمد البوشفيع
ورقة صفراء وأسئلة بيضاء:
كنت في صغري أحب البحث في الأوراق الصفراء التي اختزنتها مكتبتنا الخاصة في منزلنا، كانت الأوراق تتراوح بين بيانات دينية، ونشرات توجيهية من بعض العلماء في العراق ولبنان، وبعض القصائد التي كانت توزع هُنا وهناك.
وقعت في يدي فجأة ورقة صفراء كتب فيها سؤال عن اجتهاد السيد محمد بن السيد مهدي الشيرازي، وذُيلت بإجابات مقتضبة لبعض المراجع الكبار في النجف الأشرف بعدم معرفتهم الشخص المذكور بالاجتهاد، وعدم عهدهم إياه في حوزاتهم. وحين سألت أخي الأكبر عن هذا الاستفتاء أخذه مني وقال لي: لا شأن لك بهذه الأمور وأنت بهذه السن.المشكلة أن هذا الأمر أوقعني في حيرة شديدة، فقد كنت في ذات الفترة أقرأ تلك الكتيبات الصغيرة التي كان يحضرها أخي المرحوم الشيخ شفيع (رحمه الله) ووالدي (دام ظله) من كربلاء، والتي كانت من تأليف الإمام الراحل الشيرازي (قده)، وما فيها إلا التوجيهات الدينية وتعليم أصول الدين والمذهب، وكلامٌ عن الشيوعية لم أفهمه، وكتاب عن مناسك الحج.
كبرت وكبر معي هذا التساؤل والتناقض في التعامل مع الإمام الشيرازي (قده)، فقد شهدت الكثير من الإنجازات التي قدمتها هذه المرجعية في قيادتها للجماهير التي كانت ترجع إليها في التقليد، وكانت تتركز حين ذاك في القطيف وسيهات والكويت وكربلاء، وكنت أسمع عن الشيرازيين بأن عليهم علامات استفهام في أنشطتهم التي تتسم بالسرية، وأن هؤلاء – على رغم انتشارهم الواسع وكثافتهم- ليسوا على حق وأعمالهم باطلة، لأنهم يرجعون إلى شخص غير مجتهد، أو في أحسن الأحوال غيرِ الأعلم.
الصدمة:
بعد وفاة الميرزا حسن الإحقاقي وبعده ابنه الميرزا عبدالرسول[i][1]، تقدم بعض الإخوة بالسؤال من المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد الهاجري (قده)[ii][2] عن من يمكنهم الرجوع إليه في التقليد، خصوصاً بعد اقتناعهم بمبدأ تقليد الحي الأعلم، فأحالهم لتقليد السيد محمد الشيرازي،[iii][3] وبعد مراجعته المشهورة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) كان يجيب من يسأله عن الأعلم بالتخيير بين السيد السيستاني والسيد الشيرازي[iv][4].
عجيب! كيف يمكن لشخص في مثل علمية آية الله المحقق الشيخ محمد الهاجري أن يضفي لقب الأعلمية لشخص قيل لنا بأنه غير مجتهدٍ أصلاً وحامت حوله الشبهات؟!
وللأسف – أقولها وكلي حسرة وألم- فقد رجع بعض الأخوة لتقليد الإمام الشيرازي (قده) بناءً على وضوح كلام الشيخ الهاجري، إلا أنهم تعرضوا للمضايقات والإلحاح والمحاورات الطويلة لإقناعهم بالعدول عن السيد الشيرازي (قده)، ورضخوا لتلك الضغوطات واقتنعوا بما أُملي لهم تحت إلحاح الأكثرية[v][5].
قائمة الملاحظات:
في الحقيقة هي قائمة الافتراءات التي أُلصقت بالإمام الشيرازي ومرجعيته، والتي كنتُ أسمعها من هنا وهناك منذ الصغر وحتى وقت قريب، ومن أهمها:
- أن السيد الشيرازي غير مجتهد أصلاً، مستشهدين بأقوال بعض (الفضلاء) و(أهل الخبرة)!!؛ وبالتالي فإن تقليده غير مجزئ ولا مبرئ للذمة.
- بعض المؤلفات المنسوبة للسيد الشيرازي لم يكتبها هو بل كتبها آخرون له.
- أغلب تلك المؤلفات تفتقر إلى العمق وتمتاز بالسطحية ، وبعضها ملتقطٌ من هنا وهناك.
- مرجعية السيد الشيرازي سياسية وذات طابع ثوري واندفاعي، فيجب الحذر منها، خصوصاً مع الظروف الأمنية التي كانت تعيشها المنطقة في فترة الثمانينات ومطلع التسعينات.
وغيرها الكثير من الافتراءات التي سمعتها – وللأسف – حتى من بعض المتمشيخين والمتلبسين بلباس طلبة العلم، وبعض الذين تأثروا بهم من هنا وهناك.
البحر المليء عذوبة:
في إحدى سفراتي إلى البحرين لحضور بعض الفعاليات العاشورائية هناك، أهداني أحد الأشخاص اسطوانة تحوي محاضرات عربية للإمام الشيرازي، مشفوعة بابتسامة منه ودعوة لي بالتوفيق.
في طريق عودتي كنتُ أستمع باهتمام إلى بعض تلك المحاضرات التي انتقيتها بعشوائية، فصُدمت بحجم الفكر والوعي الذي يمتلكه هذا المفكر العظيم، في مجال السياسة والاجتماع والأخلاق والفقه وهموم الحركات الإسلامية والتاريخ السياسي والاجتماعي للعراق وباقي شعوب المنطقة.
فالتفتُّ إلى أخي الذي كان بجانبي قائلاً: ألا تظُنُّ بأننا ضيّعنا على أنفسنا الكثير الكثير من العطاء الفكري والوعي والعلم بمقاطعتنا كتب ومحاضرات هذا السيد الجليل؟؟
بعدها بفترة كنت في طور إعداد بحث تاريخي، فاقتنيت كتاب فلسفة التاريخ للإمام الشيرازي، وما إن تصفحت عناوينه وبعض فصوله إلا وذُهلت لهذا المفكر العملاق، فلم يكتفِ بالبحث في السنن التاريخية التقليدية والنظريات التاريخية القديمة للعلماء المسلمين، بل راح يناقش المناهج التحليلية الحديثة للتاريخ للمفكرين الغربيين. وتساءلت حينها، أي عمقِ فكري يريده هؤلاء أكثر من هذا؟!
أضف إلى ذلك الكثير من الكتب النهضوية ككتاب السبيل إلى إنهاض المسلمين وكتاب طريقنا إلى الحضارة، وكتاب اللاعنف في الإسلام وكتاب ليحج خمسون مليوناً كل عام وغيرها الكثير، متجاوزاً الكتب والموسوعات الفقهية والأصولية العميقة، التي تثبت أن للمرجع الراحل نظرة ثاقبة تنفذ في المستقبل، يرى بعين البصيرة ما لم يره غيره، كان البعض يستهزئ بالسيد الشيرازي حينما كان يطرح بعض القضايا المستقبلية التي لم تكن معهودة في ذلك الوقت، واليوم خلف لنا الكثير من الفكر والعطاء، ورصيداً ضخماً من الحسرة والندم.
انفجار الحقيقة:
وقع في يدي كتابٌ «قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف» لسماحة الدكتور الشيخ محمد حسين الصغير[vi][6]، والحديث عن هذا الكتاب والمؤلف يحتاج إلى موضوع مستقل، ما يهمنا في الأمر أن الدكتور الصغير كتب هذا الكتاب كجزء ثانٍ لكتابه الأول «أساطين المرجعية في النجف الأشرف»، وقد ترجم لعددٍ من العلماء والمراجع، وتكمن أهمية هذا الكتاب وندرته في أن الكاتب تحدث عن هذه الشخصيات من واقع معايشة واحتكاك مباشر معهم.
في هذا الكتاب خصص الدكتور الصغير بحثاً بعنوان: «السيد محمد مهدي الشيرازي موضوعياً»[vii][7]، وقد ذكر فيه من الحقائق والمعلومات ما أزالت الرين عن قلبي، وأبطلت سحر الأوراق الصفراء والنفوس السوداء التي ما برحت تُسقط شخصية الإمام الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي (قده).
وتجدر الإشارة إلى أن سماحة الدكتور محمد حسين الصغير هو من المحسوبين على مرجعية السيد محسن الحكيم ثم السيد الخوئي فالسيد السيستاني، وقد كان – ولا يزال- مستشاراً لهذين المرجعين الكبيرين[viii][8]، وهذا ما أعطى البحث المزيد من الموضوعية والاستقلالية.
وقد استوقفتني الكثير من الموارد في هذا الكتاب جعلتني أعيد حساباتي في أمور كثيرة جداً، ومن أهم تلك الموارد التي ذكرها الدكتور الصغير:
«إن هذه الأسرة الشريفة في كربلاء المقدسة ـ أسرة آل الشيرازي ـ يحسدها الكثيرون ممن لا خلق ولا خلاق، لأنهم محبوبون حباً ذاتياً، ولهم شعبية هائلة في الوسط الجماهيري، وتلك نعمة كبرى، وكل ذي نعمة محسود. »[ix][9]
«السيد الشيرازي قدس سره داعية إسلامية كبير، ومرجع ديني معروف، وظاهرة فريدة في البحث والتأليف والنشر، وضرب به المثل في الصبر والمعاناة على ذلك. »[x][10]
«لم يكن هذا المكان الذي احتله السيد الشيرازي اعتباطيا أو فجائياً، فالرجل في نشأته المباركة وراء هذه الأهمية الخاصة، فقد كان كثير الصِلاة بالمناخ العلمي، وقد عاصر طائفة من العلماء الربانيين، وهو على ارتباط مباشر بثقافة هذا العصر، فعاد بذلك مثقفاً عصرياً متحضراً. »[xi][11]
«نشأ السيد الشيرازي قدس سره في بحبوحة من الشرف الشامخ، متمتعاً بالخلق الرفيع، ومدرّعاً بالعلم الناضج، ومنفتحاً على كل جديد في الحضارة الإنسانية.، لم يقف عند علم الفقه وعلم الأصول وعلم الدراية، وقد جعل القرآن الكريم أمامه فهداه الصراط المستقيم، وانصهر بالعلوم والسياسة والتربية والقانون والتعليم وعلم النفس، وأطاريح الفلسفة والمنظمات الدولية، ولوائح حقوق الإنسان. »[xii][12]
«لم أسمعه طيلة صلتي به متناولاً لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعدائه ومناويئه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يَكِلُ أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلباً لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهاراً، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ما هو بريء منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل شاغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو أرفع جانباً، وأعلى كعباً وأسمى عقلية. »[xiii][13]
«بلغني أن أحدهم ممن ثلب السيد الشيرازي، كان قد أحتُضر، وقد رأوه يتملل على فراش الموت، ويتأسف كثيراً، فخوطب في ذلك، فأجاب أنه زوّر على بعض المراجع العظام فتوى كاذبة تتناول السيد الشيرازي بالقدح، والمرجع لا يعلم بذلك على الاطلاق، بل كان يحب السيد الشيرازي حباً جماً. »[xiv][14]
«كان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرض في حياته إلى حقد الحاقدين، واستهدف من قبل نفر ضال، وكان الشطط والبهتان والتزوير من معالم الحملة الظالمة التي واجهها بقلب سليم، وشق غبارها بعزم ثابت وشجاعة نادرة فكان مظلوماً من قبل هؤلاء، وكان ظلمه هذا ظلماً فئوياً متعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثل الصدارة في نظر المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرة المثقفين، وكان يحظى بتأييد شعبي منقطع النظير. »[xv][15]
«حدثني سماحة الأخ العلامة الجليل الدكتور السيد محمد بحر العلوم دام علاه، قال: أهدى إليّ السيد الشيرازي وأنا مقيم في لندن (132) مجلداً من موسوعته الفقهية، فبهرت لهذا العمل الضخم، واستدعيت أحد العلماء البارزين، وقلت له بالحرف الواحد: من منا يستطيع أن يقوم بهذا الجهد العظيم، أليس صاحبه قد غربل الآثار، واطلع على ما في الأسفار، حتى استطاع أن يخرج بمثل هذه الحصيلة النادرة؟ اتركوا التقولات، ودعوا الرجل يعمل بصمت!! »[xvi][16]
«ولكن المؤسف له حقاً أن السيد الشيرازي، إنما حورب باعتباره مرجعاً، فكان الاعتداء عليه اعتداء على المنصب. والاعتداء على المنصب ـ أمس واليوم وغداً ـ يشكّل ظاهرة مخزية، تورد من تولّى كبرها موارد الهلاك. »[xvii][17]
«نتيجة للحملات الظالمة التي شنت بضراوة ضد المبادئ الاسلامية، انبرى هو وأخوه الشهيد السعيد المجاهد السيد حسن الشيرازي إلى تكريس جهودهما في النشر والتأليف في شتى الفنون المعرفية المنبثقة عن الإسلام، لإشاعة الطرح الإسلامي في احتواء قضايا العصر، وصيانة شباب الأمة من الانحراف والانزلاق، إن لم أقل المئات في الدعوة، والدعاة، والتبليغ، والسياسة والتربية، والاجتماع، والاقتصاد الإسلامي، وشؤون الدولة، والإدارة، والحقوق، والقانون، والفقه، على شكل كراسات ونشرات وكتب ومؤلفات، أتمكن أن أقول جازماً بأنها قد أغرقت الأسواق والمكتبات بتراث غض جديد، وبعرض جديد، وهو ما أتاح للشباب المثقف الاندماج الكلي في هذا الخط التبليغي الرائد، فصدرت بعده للمؤلفين العراقيين كتب قيمة تصب في هذا الرافد، ومعنى ذلك أن السيد الشيرازي له فضل السبق في إرساء حركة التأليف والنشر بأهداف رائدة في العراق بالتوجه الكتابي والتدويني مضافاً إلى الشعر المسيطر. »[xviii][18]
«انتقل الإمام السيد مهدي الحسيني الشيرازي إلى الرفيق الأعلى عام 1960م، فحمل راية النضال الديني والسياسي في كربلاء المقدسة أبناؤه الأبرار: السيد محمد الشيرازي، والسيد حسن الشيرازي، والسيد صادق الشيرازي، وكوكبة مناضلة من رجال العلم والفكر والإصلاح، وقد أظهروا من البسالة والمقاومة وما شهد به تاريخ العراق المعاصر، ودون بأحرف من نور توجت أعمال المجاهدين الحقيقيين بأكاليل النصر المبين، وكان قائد ذلك السيد محمد الشيرازي، وهو في عنفوان شبابه المبارك، وهذه حقيقة ثابتة. »[xix][19]
«كانت إقامة السيد الشيرازي قدس سره في الكويت مباركةً بأدق معاني هذه الكلمة، إذ استطاع استقطاب الجماهير المؤمنة في دول الخليج، وفي المنطقة الشرقية من الحجاز، وفي شرق أسيا، مضافاً إلى أوروبا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية. »[xx][20]
«ومن أهم توجهاته العناية الخاصة بجبل العلويين، وأماكن تواجدهم، والأخذ بـأيديهم نحو الطريق الأقوم في موالاة أهل البيت، والسير في ضوء تعليماتهم العليا من دون المغالاة المتنشرة من دون أساس، وقد أنقذ المشروع مئات الآلاف، ووضع أقدامهم على الجادة، وزودهم بالكتب والمجلات والمنشورات التي طورتهم فكرياً وثقافياً وعقائدياً بما سيكتبة التاريخ مرفوع الجبين. »[xxi][21]
«جددت العهد بمكتبه – السيد الشيرازي- في 3/7/2004م لأقدم التعازي بفقده، وأخوه آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي دامت بركاته يخلفه فيه ويقوم مقامه، وحوله الناس يستقبلهم بثغره الباسم ووداعته المعهودة، وهو يلبي طلباتهم، ويقضي أشغالهم، ومن حوله أبناء الفقيد السعيد وأبناؤه هو، وكلهم من أهل العلم والتحصيل، هنالك تذكرت قول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: «بيت فيه العلم لا يخرب» وهكذا كان. »[xxii][22]
«سيأتي اليوم الذي تختفي فيه مظاهر الابتزاز لكيان الابتزاز والمتقين، ويعود آل الشيرازي إلى كربلاء المقدسة، مربض أمجادهم وجهادهم الديني، وتزدهر بهذه الأسرة الكريمة ربوع العراق بإذن الله تعالى. »[xxiii][23]
ومما ذكره الدكتور محمد حسين الصغير الدور الذي لعبه السيد الشيرازي في إنقاذ الإمام الخميني (قده) من الإعدام[xxiv][24] إبان حكم الشاه المقبور على إيران، وذلك بسعيه لدى مراجع النجف الأشرف لإرسال برقيات تحذر الشاه من مغبة ذلك، ولمخاطبة الإمام الخميني بالمرجع، لكون الدستور الإيراني آنذاك يحظر إعدام المراجع، مما اضطر
الشاه إلى تسفيره لتركيا.
هذا غيضٌ من فيض[xxv][25] مما ذكره الدكتور الصغير، وقد كان منصفاً وموضوعياً في طرحه.
وأختم بالمفاجأة التي كتبها الدكتور محمد حسين الصغير إذ يقول: «وفي هذا الصدد فإنني أسجل للتاريخ تقرير سيدنا الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك: «لو كان عندنا ثلاثة مثل السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم». وهو حديث متواتر مشهور على ألسنة الشباب الذين سمعوه، وكان الأخ الحميم العلامة السيد جواد الشهرستاني[xxvi][26] كبير وكلاء المرجعية العليا في النجف الأشرف آخر من حدثني به. »[xxvii][27]
فرحم الله هذا المرجع الكبير المظلوم، وأسأل الله أن يسجّل شهادتي هذه اعتذاراً مني إليه مما قد يكون بدر مني في حق هذا المرجع الكبير، عسى الله أن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، إنه هو السميع البصير.
مِسك:
إن من أكبر مشاكلنا التي تعيق تحضرنا وتقدمنا هي مشكلة التعميم والخلط وعدم الموضوعية، فحين تشير إلى المكانة العلمية والمعرفية لعالم من العلماء ومرجع كبير من المراجع، ينبري البعض بتشويه صورته بسبب ملاحظات يراها على بعض وكلائه أو مقلديه! وما شأني أنا وإياهم؟ بل شأني معه هو فقط، وكأن هذا الذام لم يسمع قوله تعالى: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»[xxviii][28].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أبرز مرجعي تقليد للشيخية في الأحساء والكويت.
[2] آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري، ولد في الأحساء بالسعودية عام 1335هـ، درس في الأحساء وكربلاء على يد نخبة من العلماء أمثال السيد مهدي الشيرازي والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ يوسف الخراساني وغيرهم، ونال درجة الاجتهاد وبدأ بتدريس العلوم الإسلامية والبحث الخارج لأكثر من 27 عاماً، تخرج على يديه عدد من العلماء كالسيد صادق الشيرازي والسيد حسن الشيرازي والسيد محمد تقي المدرسي والسيد هادي المدرسي وغيرهم من أساتذة البحث الخارج في قم وكربلاء، عاد إلى الأحساء وعُين قاضياً لمحكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية إلى أن توفي في عام 1425هـ.
[3] كان آية الله الهاجري زميل درسٍ للسيد الشيرازي في حوزة كربلاء المقدسة، وكان يقول بأن جوابه هذا ناتجٌ عن معرفة تامة واحتكاك مباشر بالمكانة العلمية للسيد الشيرازي (قده).
[4] نقل لنا ذلك أكثر من شخص قام بسؤاله مباشرة، وذلك مشهور عندنا.
[5] مورد التأسف هنا ليس لعدولهم عن السيد الشيرازي عليه الرحمة إلى مرجعِ آخر، وإنما لما صاحب ذلك الضغط من تسقيط وتصغير من شأن الإمام الشيرازي سمعناه دون أن نحرك ساكناً.
[6] الدكتور الشيخ محمد حسين الصغير، العالم الديني والبروفيسور الأكاديمي والشاعر الكبير، ولد في مدينة النجف عام 1940 م. التحق بالحوزة العلمية في النجف عام 1952، وأكمل دراسته في البحث الخارج على يد السيد أبي القاسم الخوئي (قده)، أكمل دراسته العليا في جامعة القاهرة وجامعة بغداد وجامعة درهام البريطانية. حصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة الامتياز ودرجة الشرف الأولى عام 1979. حصل على درجة الأستاذية (البروفيسور) عام 1988، كما أنه مؤسس الدراسات العليا في جامعة الكوفة، وقد حصل منها على مرتبة الأستاذ الأول عام 1993، كما حصل على مرتبة الأستاذ الأول المتمرس عام 2001. أشرف وناقش أكثر من 257 رسالة ماجستير ودكتوراه في الدراسات القرآنية والأصولية والحديثية والبلاغية والنقدية. كما أنه له من المؤلفات والبحوث العلمية أكثر من ستين بحثاً علمياً وثلاثين مؤلفا.
[7] صدر هذا الفصل فيما بعد في كتاب مستقلٍ بعنوان (انفجار الحقيقة) أصدره مكتب العلامة المهتدي البحراني في البحرين، مع تقديم للمهتدي البحراني يشرح فيه مسيرة ومآسي مرجعية الإمام الشيرازي على مدى نصف قرن.
[8] قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، الدكتور الصغير، ص 213.
[9] المصدر السابق، ص 213
[10] المصدر السابق، ص 214
[11] المصدر السابق، ص 214
[12] المصدر السابق، ص 214
[13] المصدر السابق، ص 215
[14] المصدر السابق، ص 216
[15] المصدر السابق، ص 216
[16] المصدر السابق، ص 216
[17] المصدر السابق، ص 217
[18] المصدر السابق، ص 221-222
[19] المصدر السابق، ص 225
[20] المصدر السابق، ص 229
[21] المصدر السابق، ص 230
[22] المصدر السابق، ص 241
[23] المصدر السابق، ص 241
[24] المصدر السابق، ص 233
[25] يمكن الاطلاع على كامل الفصل إليكترونيا على العنوان: http://www.alshirazi.net/esdarat/malaf/0120.htm
[26] السيد جواد الشهرستاني صهر سماحة المرجع السيد علي السيستاني (دام ظله)، ووكيله المطلق، ومدير مكتب المرجع السيستاني في قم المقدسة.
[27] قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، الدكتور الصغير، ص 235
[28] سورة المائدة، الآية 8.