طفل “الأوتيزم”، أو التوحد، حالة خاصة تحتاج إلى رعاية من نوع خاص
وعلاجات خاصة جدا. ولأن هذا النوع من أمراض الأطفال في تزايد مستمر فإن
جهود العلماء والمعالجين مستمرة أيضا لإيجاد طرق ووسائل لإعادة إدماجه في
المجتمع ليصبح عنصرا فاعلا للمجتمع لا عنصراً ضد المجتمع.
أما أحدث أساليب العلاج لهذا المرض الذي تتباين أسبابه هو العلاج بالغذاء
الذي اثبت فعالية ملحوظة لبعض أنواع من هؤلاء المرضى، وقام به الدكتور
محمد بركة - أستاذ التخاطب ورئيس قسم بجامعة عين شمس - بالمشاركة مع قسم
الأطفال بالجامعة ومتخصصين من معهد التغذية المصري.
وتؤكد النتائج استفادة الأطفال المتوحدين من التغذية بالأسماك خاصة
التونة والمكسرات لأنها تحتوي على مادة اوميجا 3 واوميجا ،6 وهاتان
المادتان تحسنان وظيفة الجهاز المركزي.
كما وجدت استفادتهم أيضا من عسل النحل وكذلك من الغذاء الذي يحتوي على
ألبان النوق والماعز، على عكس ألبان الأبقار والجاموس، حيث وجد أن هذه
الأجهزة تحتوي على مواد تسمى “الكازين” التي تتحد مع إنزيم يوجد في أمعاء
الطفل يتحول إلى كازومورفين، وهو مسؤول عن فقد اتزان الطفل، ولأن لبن
النوق والماعز خال من عنصر الكازين فهو الأجدى في تغذية هؤلاء الأطفال.
وأن الأغذية التي أعطت نتائج جيدة في علاج هؤلاء الأطفال ايضا العنب
الأحمر والجزر الأحمر والخضر الداكنة والليمون ومجموعة الحمضيات
لاحتوائها على المواد المضادة للأكسدة.
ويشير دكتور بركة إلى أن هذا النوع من العلاج أعطى نتائج جيدة لبعض
الأطفال كما أعطى نتائج جيدة للبعض الآخر في حالة استخدامه مع الأساليب
الأخرى من العلاج، وقبل أن نخوض في الأساليب المختلفة للعلاج وأسباب
ودوافع هذا المرض، علينا أن نتعرف إلى طفل الأوتيزم من قريب.
وكما يعرفه دكتور عبد العزيز الشخص - مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة
عين شمس - فإن مرض التوحد هو أحد الاضطرابات النمائية العامة أو الشاملة
التي تعتبر من أكثر مشكلات الطفولة إزعاجا وإرباكا لأنها تتضمن انحرافا
في جميع جوانب الأداء النفسي خلال مرحلة الطفولة في الانتباه والإدراك
والتعليم واللغة والمهارات الاجتماعية والاتصال بالواقع والمهارات
الحركية، ولعل ذلك ينعكس سلبا على كل من يتعامل مع مثل هؤلاء الأطفال من
أولياء أمور أو معلمين أو اختصاصيين، حيث إنهم يواجهون صعوبات بالغة لأنه
يتعين عليهم بذل مجهودات شاقة في سبيل تعليمهم مختلف المهارات الحياتية
التي غالبا ما يكتسبها جميع الأطفال العاديين بصورة تلقائية مع تقدمهم في
النمو، مثال ذلك مهارات رعاية الذات والتواصل والمهارات الاجتماعية
والمهارات الأكاديمية.
ويضيف الدكتور الشخص أن تعليم الأطفال التوحديين يعد أمرا بالغ الصعوبة
لأنه يسير ببطء شديد من جهة إلى جانب انه يصعب عليهم الاحتفاظ بما تعلموه
لفترات طويلة من جهة أخرى.
بالإضافة إلى أنهم يمارسون سلوكيات شاذة ومزعجة تتضمن الانطواء الشديد
والانسحاب والعدوانية وإساءة معاملة الذات والآخرين، وممارسة سلوكيات
نمطية وطقوس مزعجة “مثل هز الرأس أو الجسم أو اليد لفترات طويلة”، وتعريض
أنفسهم للخطر، وعدم إدراك ما قد يقدمون عليه من مخاطر تهدد حياتهم، ولأن
نسبة طفل الأوتيزم أو التوحدي تعتبر كبيرة فهي تقريبا مثل نسبة الطفل
المنغولي إذ تصل نسبتها 1 إلى 600 حالة ولادة، هذا ما يؤكده الدكتور محمد
بركة، مضيفاً أن الأمراض النفسية بين الأطفال عامة مسؤولة عن حالة بين كل
مائة حالة في تأخر الكلام، وقد ظهر مصطلح التوحد الطفولي لأول مرة عام
1943 في بحث نشر عن الطبيب النفسي الأمريكي ليوكامر ومنذ ذلك الحين أجريت
عشرات الدراسات في محاولة لتحديد ماهية هذا الاضطراب المعقد سواء من حيث
أعراضه أم خصائصه أم طريقة حدوثه أم أسبابه أم أساليب علاجه، حيث غالبا
ما تظهر أعراضه بعد مرور فترة نمو عادية على الأطفال قد تصل إلى عامين أو
ثلاثة وقد تظهر بصورة فجائية دون سابق إنذار مما يعرض المحيطين بالطفل
للحيرة والارتباك وعدم القدرة على التصرف. كما يرى الدكتور بركة أن الأم
الذكية يمكن أن تلتقط مرض طفلها منذ الأيام الأولى لولادته وذلك بملاحظة
انه يرفض البشر حتى انه يرفض الالتصاق بأمه فهو على عكس أي طفل يرفض جسد
الأم، كما يرفض الثدي رغم حاجته للطعام.
أما العلامات التي لا تخطئها الأم في الطفل المتوحد منها انه لا ينظر إلى
عين محدثه، كما أثبتت الأبحاث والدراسات عن وجود مجموعة من الأعراض
والمؤشرات التي تميز الطفل المتوحد بشكل عام ومنها:
- عدم القدرة على الاستجابة للآخرين حيث يبدو أنهم يعيشون مع أنفسهم ولا
يعيرون انتباها للمحيطين بهم من الناس وفي حالة وجود أي فرد بالقرب منهم
يعاملونه وكأنه شيء مادي.
- غالبا لا تبدو على هؤلاء الأطفال أي مظاهر للقلق أو الفزع التي يتعرض
لها أقرانهم العاديون في مرحلة المهد “نهاية العام الأول” ومع تقدمهم في
السن قد يقدم بعضهم مع محاكاة لعب الآخرين دون التفاعل معهم. - معظم
هؤلاء الأطفال 50% منهم تقريبا يفتقرون إلى ممارسة الكلام ذات المعنى أو
يستخدمونه بصورة غير مفيدة، وقد يمارس بعضهم الكلام في صورة مضادة “تكرار
للصوت مثل الصدى”، وغالبا ما يعكسون الضمائر أنا بدلا من أنت، ويمارسون
الكلام بنغمة وطبقه وشدة غير عادية، وغالبا ما ينتهي كلامهم في صورة
تساؤل مع تكرار مقاطع صوتية عديمة المعنى وكأنها غناء.
- يبدي هؤلاء الأطفال رغبة قهرية في الحفاظ على ثبات البيئة وربما يشير
ذلك إلى أن لديهم وعيا دقيقا بأوضاع الأشياء في البيئة المحيطة بهم مثل
الأثاث المنزلي ووضع اللعب وأماكن الكتب على الأرفف وطريقة إعداد
المائدة، وهم يتمسكون بهذه الأوضاع ويتعرضون للحزن والأسى والألم إذا ما
طرأ عليها أي تغيير.
- يبدي بعضهم رغبة قوية في الالتصاق ببعض الأشياء عديمة الفائدة والقيمة
مثل إطار سيارة لعبة أو جزء مكسور منها أو بطارية قديمة أو حتى خيط أو
قطع قماش ويتشبثون بها لفترات طويلة.
كما يبدي الكبار منهم الاهتمام ببعض الموضوعات مثل الطقس ويتحدثون عنها
طويلا ويهتمون بتفاصيلها كما يحفظ بعضهم أشياء غير ذات قيمة مثل جداول
القطارات وغيرها.
أما أسبابه وان اختلفت وجهات نظر العلماء والباحثين في تفسير حدوثه
ومسمياته إلا انه بصورة عامة يمكن تصنيف تلك النظريات في ثلاثة توجهات
أساسية، إما عضوية أو بيئية أو بيئية عضوية.
وتركز النظريات العضوية - كما يقول الدكتور عبد العزيز الشخص على العوامل
الوراثية للطفل، هناك أدلة حديثة على وجود علاقة بين الخلل في
الكرومسومات ،7 15 والتوحد الطفولي والتفاعل بين العوامل الوراثية وبيئة
الرحم أو الإصابات والأمراض التي قد يتعرض لها الجنين قبل الولادة أو حتى
عقبها بفترة وجيزة.
وعلى العكس من ذلك تذهب النظريات البيئية إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون من
مشكلات عضوية غير أنهم يتعرضون لمؤثرات بيئة قوية في مرحلة مبكرة من
حياتهم تؤدي إلى إصابتهم باضطراب نفسي شديد.
ويضع أصحاب هذا الاتجاه مسؤولية كبيرة لمشكلة الطفل على الوالدين، ويجمع
أصحاب التوجه العضوي البيئي ببين كلا الجانبين في التأثير في حالة الطفل
حيث يكون لديه استعداد عضوي تظهره المؤثرات البيئية السلبية مثل الحرمان
العاطفي أو الرفض الوالدي الشديد، ومع تعدد الأسباب التوحد الطفولي فقد
اختلفت الأساليب التي استخدمت لعلاجه حيث اعتمد البعض على العقاقير بينما
لجأ البعض الآخر إلى العلاج بالغذاء، واستخدم فريق ثالث العلاج
بالفيتامينات المركزة، وآخر اعتمد على الأساليب النفسية والسلوكية وقد
حاول كل فريق إثبات صحة الأسلوب الذي يستخدمه، ويبدو أن كل أسلوب يحقق
نتائج جيدة مع بعض الأطفال، بينما يخفق مع البعض الآخر حيث إنهم مجموعات
من الأطفال غير المتجانسين.
ويقول الدكتور محمد بركة إن بعض هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى رسم للمخ
لوجود نوبات صرعية في 20% منهم، وضرورة استشارة أقسام أخرى وفحص
الكرومسومات كما أن في نسبة20% منهم تظهر الأشعة المقطعية والرنين
المغناطيسي ضمورا بالمخ أو في القنطرة التي تصل نصفي الدماغ، وقد يكون
موجودا في حوالي 20% من الدماغ. ويري الدكتور بركة أهمية استخدام جهاز
الكمبيوتر في علاج هؤلاء الأطفال، وهو يسبب التلاحم بين هؤلاء الأطفال
والفريق المعالج، كما انه يسهل دخول المعلومة إلى الجهاز العصبي المركزي
للطفل، كذلك استخدام الموسيقا في العلاج أثبتت فاعلية كبرى، كما انه
حديثا أثبتت رسم المخ أن هناك ترددات معنية لو سمعها الطفل تسبب تغيرات
توجد في رسم المخ وتسبب مضايقة للطفل، وهذه الترددات توجد ربما في الكلام
العادي أو نغمة الكلام الموجه للطفل، وفي محاولة ضبط هذه الترددات وجد
تحسن لدى القدرات الاستماعية وتحسن في رسم المخ، ونقل الحركات الهستيرية
للطفل، ويطمئن الدكتور بركة أن هؤلاء الأطفال قابلون للشفاء ولكنه يحتاج
إلى صبر ووقت طويل وحب كبير وتعاطف من أسرته والمحيطين به، كما انه
باتباع أساليب العلاج المناسبة لكل حالة أمكن نقل بعضهم من المدارس
المتخصصة إلى المدارس العامة مع الأطفال الطبيعيين، بل إن كثيرا منهم حقق
علامات تميز في الدراسة عن أقرانه الطبيعيين، حيث أثبتت اختيارات الذكاء
أن غالبية هؤلاء الأطفال متوسطي الذكاء ومعامل ذكائهم حوالي 70 -،90
وهناك نوع نمطي درجة ذكائه عالية جدا، ويرجع انخفاض معدل الذكاء لدى
البعض إلى انه يعد مرضاً من أمراض التطور القهرية، وهو يؤثر في قدرات
الطفل وبدرجة كبيرة على ذكائهم، ورغم ذلك فلا يعتبر هذا دليلا على تهتك
عضوي بالمخ نتيجة أن معامل الذكاء قليل، ولكن يرجع ذلك إلى رفض هؤلاء
الأطفال إلى الاستجابة لهذه الاختبارات كجزء من رفضه العام للبشرية.
ومن جانبه يضيف الدكتور احمد شوقي العقباوي، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة
الأزهر، أن هذا النوع من الأمراض مرض سيكوتك وليس سيكوباتيك، أي انه مرض
نفسي كما انه مرض وراثي، حيث وجد أن زواج الأقارب له دور كبير في إنجاب
طفل متوحد، كما وجد انه يكثر بين التوائم خاصة التوائم المتماثلة، مما
يؤكد وجود عامل وراثي متنحٍ ووجد ذلك في حالات عديدة، فإذا تم كشف هذا
الطفل بعد ولادته يمكن علاج الجهاز العصبي مبكرا حيث ثبت التحسن لدى
الأطفال المكتشفين عند الولادة وقبل الخمس سنوات الأولى من العمر، ثم يقل
التحسن من 5 - 12 سنة حتى يصبح التحسن اقل في سن 12 - 18 سنة، حيث يكون
الجهاز العصبي قد فقد المرونة والاستجابة للعلاج. ويؤكد الدكتور شوقي
العقباوي على أهمية دور الأسرة في التعامل مع المدرسة أو المستشفى
المعالج لإكساب الطفل مهارات اجتماعية والتعبير عن نفسه بالعلاج ومحاولة
حمايته من المخاطر وجذبه إلى الحياة الاجتماعية.