[ الفائدة الثالثة ]
من فوائد الصيام
* حفظ الجوارح عن المعاصي
ومن حِكَمِ الصيام وفوائده أن الإنسان يحفظ وجدانه،
ويحفظ جوارحه عن المعاصي، فلا يقربها، حتى يتم بذلك صيامه،
وحتى يتعود بعد ذلك على البعد عن هذه المحرمات دائماً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ
أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ .
فالإنسان إذا دعته نفسه إلى أن يتكلم بالزور، أو بالفجور،
أو يعمل منكراً من سب، أو شتم، أو غير ذلك، تذكر أنه في عبادة ،
فقال: كيف أتقرب بهذه العبادة، وأضيف إليها معصية ؟!
ليس من الإنصاف أن يكون في وقت واحد وفي حالة واحدة جامعاً
بين الأمرين: الطاعة والمعصية !
إن معصيته قد تفسد طاعته، وتمحو ثوابها.
فالإنسان مأمور أن يكون محافظاً على الطاعة في كل أوقاته،
ولكن في وقت الصيام أشد.
وكثير من الناس وقوا أنفسهم في شهر رمضان ثلاثين يوماً،
أو تسعة عشرين يوماً عن المحرمات، فوقاهم الله بقية أعمارهم منها.
وكثير من الناس كانوا يشربون الخمر، أو الدخان، وما أشبه ذلك،
ثم قهروا أنفسهم في هذا الشهر، وغلبوها، وفطموها عن شهواتها،
وحمتهم معرفتهم لعظم هذه العبادة ألا يجمعوا معها معصية،
واستمروا على ذلك الحال، محافظين على أنفسهم،
إلى أن انقضت أيام الشهر وكان ذلك سبباً لتوبتهم
وإقلاعهم واستمرارهم على ذلك الترك لهذه المحرمات،
فكان لهم في هذا الصيام فائدة عظيمة.
وهكذا أيضاً إذا حافظ العبد على قيامه، واستمر عليه،
حمله ذلك على الإكثار من تلك العبادة
فإذا تعبد الإنسان بترك المفطرات، والصيام لله تعالى، دعاه إيمانه،
ودعاه يقينه، وقلبه السليم إلى أن يتقرب بغيرهما من العبادات.
فتجده طوال نهاره يحاسب نفسه ماذا عملت ؟ وماذا تزودت ؟
تجده طوال يومه محافظاً على وقته لئلا يضيع بلا فائدة ؛
فإذا كان جالساً وحده انشغل بقراءة، أو بذكر، أو بدعاء، أو يتذكر آلاء الله وآياته.
وإذا كان في وقت صلاة، صلى ما كتب له من ليل أو نهار،
وإن دخلت الصلاة أقبل عليها بقلبه وقالبه، وأخذ يتأمل ويتفكر ما يقول فيها؛
فيكون الصيام بذلك سبباً في كثرة الأعمال والقربات كما يكون سبباً للمنع من المحرمات.
[ الوقفة الأولى ]
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر)
فالناس لا يزالون على خير ما عجلوا الفطر،
وذلك لامتثالهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعدم الخروج عليها بعقولهم،
إذ قد يستحب العقل تأخير الفطر لمزيد الأجر، فتقع مجانبة الخير، وقد ورد عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه زيادة
(.. فإن اليهود والنصارى يؤخرون)، فدلت تلك الزيادة على أن الخير في التعجيل راجع لمخالفة اليهود والنصارى،
ولهذا جاء عند الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
"كان لا يصلي المغرب حتى يفطر، ولو على شربة ماء"
[حسنه الألباني في صحيح الجامع].
[ الوقفة الثانية ]
عن أنس رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات
قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من الماء"
أي يستحب للصائم أن يفطر أول ما يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات،
فإن لم يجد فعلى الماء، وهذا الاستحباب مأخذه فعل النبي صلى الله عليه وسلم،
والأصل في فعله صلى الله عليه وسلم الاستحباب ..