الغنيمة الباردة ( 2-3 )
ولهذا بكى معاذ رضي الله عنه عند موته وقال:" إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر"اهـ.
بخلاف ليل الصيف فإنه لقصره وحره يغلب النوم فيه فلا تكاد تأخذ النفس حظها دون نومه كله فيحتاج القيام فيه إلى مجاهدة وقد لايتمكن فيه لقصره من الفراغ من ورده من القرآن جاء في كلام يحيى بن معاذ رحمه الله ناصحاً:" الليل طويل يا مسلم فلا تقصره بمنامك والإسلام نقي فلا تدّنسه بآثامك".
ثم إن قيام ليل الشتاء يشق على النفوس من وجهين:أحدهما: من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد.
الثاني: بما يحصل بإسباغ الوضوء في شدة البرد من التألم.
وإسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال.
روى ابن سعد بإسناده أن عمر رضي الله عنه وصّى ابنه عند مماته فقال له:" يا بُني عليك بخصال الإيمان قال: وما هي؟
قال: الصوم في شدة الحر أيام الصيف وقتل الأعداء بالسيف والصبر على المصيبة وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي وتعجيل الصلاة في يوم الغيم.
الوقفة الثالثة :الشتاء عدوإن الله تعالى بحكمته جعل الحر والبرد في الدنيا لصالح عباده فالحر لتحلّل الأخلاط والبرد لجمودها فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر والبرد تعجّل فسادها والمأمور به هو اتقاء مايؤذي البدن من الحر المؤذي والبرد المؤذي المعدودين من جملة أعداء ابن آدم.
قيل لأبي حازم الزاهد:" إنك لتشدد (يعني في العبادة) فقال: وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدواً قيل له لك خاصة؟
قال: بل لجميع من يعقل قيل له: وما هذه الأعداء؟
الوقفة الرابعة : قال: فمؤمن يحسدني ومنافق يبغضني وكافر يقاتلني وشيطان يغويني ويضلني.
وأما العشرة: فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والمرض والفاقة والهرم والموت والنار ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ولا أجد لهن سلاحاً أفضل من التقوى ".
فعدّ رحمه الله الحر والبرد من جملة أعدائه.
يارب أرحم والدي كما ربياني صغيرا وأسكنهم فسيح جناتك يارب
الفقير الى الله عبد العزيز