في سبتمبر من عام 1940، بعد بضعة أشهر على استسلام فرنسا في الحرب العالمية الثانية، دخل أربعة مراهقين صدعاً طبيعياً على سفوح هضبة دوردوني. وسرعان ما اتضح لهم، بعد أن توغلوا عميقاً في ظلمة المكان، أنهم لم يكونوا أول من اجتذبهم ذاك العالم السفلي.
ووجدوا على الصخور رسومات بألوان مشرقة من الأحمر الخمري والأسود والأصفر لحيوانات مهيبة، كانت تجوب السفوح قبل آلاف السنين. لقد عثروا في الواقع على أحد أجمل الكهوف المنقوشة، التي تم اكتشافها يوماً، إنه كهف لاسكو.
بيئة هشة
شهد الكهف منذ فتح أبوابه أمام الجمهور، عام 1948 وحتى عام 1963، زيارة أكثر من مليون سائح له. إلا أن غزو السياح، الذين وصل عددهم إلى 200 سائح يومياً، قد ترك أثره البالغ في البيئة الهشة تحت الأرض. غطت الطحالب الرسومات التاريخية، ودفعت السلطات إلى اتخاذ القرار بإقفال الكهف.
إلا أن إقبال الجمهور النهم على الأعمال الفنية القديمة أدى إلى إعادة بناء نموذج مماثل للكهف عرف بـ «لاسكو 2»، وهو عبارة عن مهمة مفعمة بالحب قامت بها مونيك بيترال، التي أمضت عقداً من الزمن تعمل على تسجيل محتويات الكهف يدوياً، وتعيد بناء نسخة لجزء منها. بدأ عام 2007، العمل على بناء خمس نسخ مطابقة من أجزاء الكهف غير الموجودة في «لاسكو 2»، وأطلق على المشروع تسمية «لاسكو 3».
تقنيات حديثة
وظف مشروع «لاسكو 3» تقنيات حديثة، وتم التوصل إلى بناء نموذج فرضي ثلاثي الأبعاد للكهف، حيث لجأ الفنانون لأشعة الليزر، ونقلوا الرسومات على قماش الكتان بوضوح بالغ. إلا أنهم لاقوا صعوبة في تنفيذ العمل اليدوي، لأن الرسومات مسطحة.
فعمدوا إلى استكمال النموذج الافتراضي عبر إدخال صور عالية الوضوح للأعمال الفنية الموجودة في الكهف على شكل طبقات مدمجة في النموذج ثلاثي الأبعاد، قبل إعطائها حجمها الحقيقي في ما يعرف بالمصفوفة. وطوّر الفريق بهدف تقليد طبيعة الصخور بشكل دقيق،
 تقنية أسموها «الغطاء الحجري».
نسخ فريق الرسامين بدقة الصور الأصلية على طبقة الأحجار الاصطناعية. وقال فرنسيس رينجنباخ، رئيس قسم الإنتاج الفني لمحترف نسخ بيريجورد: «لقد استعملنا الأصباغ عينها التي استخدمها رسامو متحف لاسكو.
واتسمت الصعوبات الأساسية التي واجهتنا بكونها تقنية أكثر منها فنية. فعلى الصعيد الجمالي، كان الهدف إنتاج نسخة مطابقة للكهف. أما الوسائل التقنية فقد تطورت بسرعة، وكنا نشعر دوماً أننا متأخرون عن مواكبتها، في حين بقي الجزء الفني كما هو منذ البداية». لقد استغرقت الصفائح الخمس التي تم وضع الرسومات عليها ما يقارب 1800 ساعة عمل.
معرض متنقل
تعتبر صفائح «لاسكو 3»، خلافاً لمشروع «لاسكو 2» الثابت، متحركة، وهي تشكل حالياً نقطة ارتكاز المعرض المتنقل، الذي يسمح للجمهور حول العالم بتأمل مهارات فناني متحف «لاسكو» القدماء. وسيتم عام 2016 تطوير معرض «لاسكو 4» بنسخة شبه كاملة عن الكهف.
تحياتي
شمس النور