حرب وسائل التواصل الاجتماعي
الدكتور عادل عامر
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم الأسلحة المستخدمة في حروب المعلومات في العصر الحديث، نظرًا لكونها تخترق الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر حول العالم، فلم يعد هناك مجال لعمل حراس البوابة التقليديين، فلدى الجميع- سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مؤسسات- الفرصة لنشر المعلومات والمحتوى بطريقتهم وتأطيرهم الخاص.
ورغم العديد من الآثار الإيجابية والفرص التي يوفرها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الطريقة التي تعمل بها تلك المنصات تشكل أيضًا مخاطر عديدة، فالوصول لقطاعات واسعة من الجماهير وإمكانية إخفاء الهوية، تجعل من السهل بشكل كبير التلاعب بالرأي العام ونشر محتوى مُضلل، ولذلك يمكن للإنترنت
وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي أن تصبح سلاحًا وساحة لحرب افتراضية، تقاتل فيها الجهات الفاعلة لتأكيد مصالحها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. وفرت شبكات التواصل الاجتماعي مساحة مفتوحة لحرية الرأي استطاع من خلالها المستخدمون إظهار الحقيقة بشكل أوسع، خاصة أن لكل مستخدم صفحة يستطيع من خلالها عرض محتويات متعددة
وبأشكال مختلفة، خاصة أن هذه الشبكات تتمتع بخاصية الوسائط المتعددة، أي عرض مقاطع فيديو وصور ورسومات وهاشتاقات، بعيداً عن قبضة الحكومات الخانقة التي تقوم بممارستها على وسائل الإعلام التقليدية.
وقد أصبحت هذه الشبكات تقوم بأدوار ووظائف متعددة، أهمها: تعبئة وصياغة الرأي العام وتنويره بأشكال متعددة وأكثر إقناعاً من الوسائل الأخرى، كما تستطيع محاسبة الحكومات على ممارساتها تجاه المواطنين وضعف أدائها في المجالات المختلفة. ومن الأدوار المهمة في هذه الآونة لشبكات التواصل الاجتماعي: فضح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأساليب متعددة ومتنوعة، خاصة أن هذه الشبكات توفر لمستخدميها خصائص متعددة ومتنوعة، لعل أهمها: أنها وسيلة ثنائية الاتجاه فيصعب فيها التمييز بين القائم بالاتصال والمستقبل، فالكل هنا - كل المستخدمين - قادرون على طرح أفكارهم ومناقشة أفكار غيرهم.
مظاهر العدوان على قطاع غزة:
وتأتي أهمية هذه الورقة في هذه الآونة نتيجة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة بكل ما يمتلك من أسلحة وذخائر، فقد أصبح من الواضح أن إسرائيل لم تفرق بين الأهداف العسكرية والمدنية، بل إن هذا العدوان كان موجهاً للأهداف المدنية في ظل عجز الاحتلال الإسرائيلي عن ضرب المقاومة الفلسطينية، خاصة أن هذه المعركة مختلفة عن سابقاتها؛ فالمقاوم الفلسطيني هذه المرة محصن وجاهز داخل الأنفاق، ولديه أنواع مختلفة من الأسلحة؛
الأمر الذي شجع الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الممتلكات الثقافية، بما فيها المباني والمنشآت الحكومية وكذلك الخاصة؛ من منازل، ودور عبادة، وقتل ما يزيد على 1900 شخص من المدنيين حتى صباح السبت الموافق التاسع من أغسطس 2014، وذلك بحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، من بينهم ما يزيد على 400 طفل و140 امرأة و75 مسناً.
إن العجز العربي والدولي خاصة على المستوى الرسمي، يشكل عاملاً مشجعاً لإسرائيل في المضي قدماً لارتكاب مزيد من الانتهاكات بحق المواطن الفلسطيني، حيث تعمل إسرائيل على هدم المنازل، وتطرد وتهجر السكان بشكل قسري، وتدمر الأراضي والبنى التحتية، وتعمل على قطع المواد الأساسية من مواد غذائية وتيار كهربائي ووقود، وتعتدي على المؤسسات التعليمية والصحية،
وتمنع المساعدات الإنسانية، وتقوم بجرائم القتل العمد للمدنيين وحرب الإبادة الجماعية واستخدامها الأسلحة التي تضر بالمدنيين والبيئة، فضلاً عن استهداف الطواقم الطبية والإعلاميين والمؤسسات الحكومية والخاصة، حتى التابع منها للأمم المتحدة، وهي بذلك تسجل انتهاكاً للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا تحترم حقوق الفئات الخاصة؛ كالطفل والمرأة وكبار السن.
دور مواقع التواصل في تشكيل الرأي العام نحو العدوان على غزة:
وفي إطار هذه المعطيات، ومن خلال متابعة بعض صفحات التواصل الاجتماعي بهدف تحليل هذه المواد شكلاً وموضوعاً؛ يجدر بنا طرح تساؤل رئيسي تنبثق عنه مجموعة من التساؤلات، وسنحاول في هذه الورقة الإجابة عنها بإيجاز:
ما دور مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل معارف الرأي العام وتكوين اتجاهاته نحو العدوان على غزة؟
ما آراء مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في العدوان على غزة؟
ما الأشكال والأساليب المستخدمة من قبل مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في العدوان على غزة؟
هل أثرت الانتماءات والأيديولوجيات السياسية لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في العدوان على غزة؟
ما المصادر التي اعتمدت عليها صفحات الشبكات في الحصول على معلومات حول العدوان على غزة؟
ما الحلول التي يقدمها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي للعدوان على غزة؟
آراء مستخدمي الشبكات في العدوان على غزة:
ترى النسبة الأكبر من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، أن إسرائيل هي السبب في بدء العدوان على غزة، خاصة بعد التخبط الذي نجم عن خطف الجنود الثلاثة في الضفة الغربية بالخليل، وأن المقاومة الفلسطينية من حقها الرد على العدوان واستهداف العدو الصهيوني بكل ما تملك من أسلحة. ورأى الجزء الأكبر من المستخدمين أن هذا حق مشروع، وأُعجب كثيرون بأداء المقاومة الذي وصفوه بالمفاجأة والنوعية في تاريخ القضية الفلسطينية، وعدوه ضربة قوية للعدو الصهيوني الذي دائماً ما يهدد بشنّ العدوان.
أساليب مستخدمي شبكات التواصل في التعامل مع العدوان:
قدم المستخدمون أشكالاً وأساليب متنوعة من صور ورسومات ومقاطع فيديو وكاريكاتيرات وما يسمى «هاشتاق»، أبرزها: غزة تقاوم، والعصف المأكول، والبنيان المرصوص. وجاء ذلك استجابة وتلبية للأداء العسكري القوي للمقاومة الفلسطينية، التي استطاعت أن تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة. كما قدم المستخدمون صوراً للجندي الإسرائيلي الأسير ومقاطع فيديو للعمليات المصورة التي نفذتها كتائب القسام وقتلت فيها عدداً من الجنود.
كما قدم المستخدمون صوراً وفيديوهات تبيّن حجم الدمار للمنازل والمؤسسات التي خلفها العدوان الإسرائيلي، وعدداً كبيراً جداً من الصور تحدثت عن قتل الأطفال بشكل متعمد، وعدداً آخر أوضح معاناة المواطنين الذين نزحوا إلى المدارس والمؤسسات التي قامت إسرائيل باستهداف عدد منها.
تأثير الانتماءات والأيديولوجيات السياسية على تناول العدوان:
لأول مرة منذ سنوات عديدة أجمع الفلسطينيون، سواء بشكل رسمي أو شعبي وباختلاف الانتماءات والتوجهات السياسية؛ على دعم المقاومة الفلسطينية. وربما يرجع السبب وراء ذلك لقدرة المقاومة على الوصول إلى العدو الصهيوني وإلحاقه خسائر كبيرة، بل إن الجمهور الفلسطيني والعربي وعدداً كبيراً من الجمهور العالمي؛ تشكل لديهم وعي كبير عن القضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة، وعن عدالة مطالب الشعب.
ويذكر أن مطالب المقاومة أصبحت الآن مجمعاً عليها من الكل الفلسطيني، بما في ذلك حركة فتح، حيث تبنى جزء كبير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي هذه المطالب، وأصبح يدافع عنها ويقنع الناس بها، وتشكلت لدى عدد كبير من المستخدمين في العالم معرفة حول أهمية تحقيق هذه المطالب البسيطة لأي إنسان في القرن الحادي والعشرين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة حرب مفتوحة أمام الجميع، فمجرد القليل من المعرفة بالتقنية والوصول إلى الإنترنت يكفيان لشن حملات تستهدف نشر محتوى مُتلاعب به لتعزيز رواية ما يتم بها استهداف مجتمع أو مجموعة معينة.
وفي الوقت نفسه، لم يعد هناك عدد قليل من المنصات، ولكن تعددها أدى لاتساع الجبهات التي يمكن شن الهجمات عليها، هذا فضلًا عن مشكلة ما يسمى بـ”التطبيقات الاجتماعية المظلمة- dark social applications“، التي لا يمكن تتبع حركة المرور الخاصة بها، وتشمل تطبيقات المراسلة المشفرة مثل “واتس آب” وتليجرام.
وأخيرًا، يتطلب ذلك الوضع وعيًا أكبر بكثير بأهمية السرد على مواقع التواصل الاجتماعي في تشكيل تصورات الجمهور، وكذلك يقظة من قبل جميع الأطراف المعنية لمواجهة تلك الروايات المُضللة، ودمج خطر “حرب وسائل التواصل الاجتماعي” ضمن جهود إعداد استراتيجيات دفاعية مضادة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو المجتمعات والدول.
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير أمن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
01118984318
01555926548
01024975371
01277691834