الطريقة الصوفية : فضلها وأهميتها وفوائدها

444 views
Skip to first unread message

ha...@hotmail.com

unread,
May 1, 2008, 8:24:16 PM5/1/08
to الصوفية طريق إلى الله
الطريقة الصوفية : فضلها وأهميتها وفوائدها
تأليف : محمد حبيب الفندي
دار الرضوان حلب سوريا
مقدمة ومدخل:
التصوف هو منهج التربية الروحي والسلوكي الذي يرقى به المسلم الى مرتبة
الإحسان التي عرفها النبي صلى الله عليه وسلم : أن تعبد الله كأنك تراه
فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
فالتصوف هو البرنامج التربوي الذي يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي
تحجب الإنسان عن الله عز وجل ..وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما
يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الآخر ومع الذات .
والنفس البشرية تحمل جملة من الصفات التي تحتاج إلى تهذيب وتشذيب وتقليم
كي تتمزق حجبها الظلمانية ..كما أن جسم الإنسان دائما يحتاج إلى تهذيب
وترتيب ليبدو جماله وألقه ..فالجسم البشري لابد له من قص شعره مثل شعر
الإبط والعانه والرأس وتهذيب شعر الوجه للرجل ..وتقليم أظفاره ..وتنظيف
الأسنان ووو…الخ ..كذلك النفس البشرية لو تركت وشانها لتحول الإنسان إلى
طبيعة متوحشة فلابد لنفسه من تهذيب وتزكية .
فالطريقة الصوفية هي المدرسة التي تقوم بعملية التطهير والتربية
والتزكية ..وكما أن المريض يحتاج إلى طبيب لمعالجة ما مرض من أعضائه
الجسمانية كذلك من يحتاج إلى معالجة نفسه من أمراضها إلى طبيب حاذق عارف
مدرك يشرف على التربية والتزكية .
فالنفس فيها مجموعه من الجراثيم والعاهات التي تقبع داخل النفس مثل الكبر
والعجب والغرور والأنانية والبخل والغضب والرياء والرغبة في المعصية
والخطيئة والرغبة في التشفي والانتقام والكره والحقد والخداع والطمع
والجشع وووو…… أمراض كثيرة …فهذه
الدوافع الخبيثة موجودة في كل نفس بشرية وتحتاج إلى تهذيب وتنظيم وتوجيه
وتزكية …لأن هذه الشهوات البهيمية تشكل مثل الحجب السوداء على جوهر الروح
المنور فتمنع عنها رؤية الحق والحقيقة ..وتفسد عليها تذوق طعم الحق
والخير ..وإذا تركت هذه الأوصاف السيئة وشانها تنمو وتنمو في نفس الإنسان
كما تنمو الأعشاب الضارة حول
أجمل الزهور والأشجار فإنها تجعل من صفات الخير أكثر ضعفا وتحول الإنسان
إلى وحش بشري همه إشباع شهواته وغرائزه فقط .
من هنا كانت أهمية الطريقة السلوكية والصوفية في تزكية هذه
النفس ..بتنقيتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل ..وذلك بزرع صفات الخير
في النفس مثل التواضع والإيثار والكرم والحب والتعاون وحب الله والصالحين
والعمل على مساعدة البشرية بل كل ما في الكون ..والحياء وخشية الله وحب
طاعته والتلذذ بها الخ .
فكان لابد من أخذ الطريقة من يد شيخ مأذون ..لأن هذه الطريقة مستنبطه من
الشريعة المطهرة لا تحيد عنها قيد أنملة ..لأنها في الحقيقة تكوين النفس
الإنسانية وفق الهيئة التي كان عليها السلف الصالح من هذه الأمة ..ذلك أن
الشيخ المسلك للطريقة لا يجوز أن يكون مسلكا إلا إذا كان مأذوناً من شيخ
مسلك مأذون كذلك وهكذا دواليك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي إذاً
أسلوب تربوي نبوي مأخوذ من جماعه عن جماعه عن جماعه وهكذا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ..فالمسلم عندما يضع يده بيد شيخ يبايعه على الالتزام
بالطريقة كأنما يضع يده بيد رسول الله لأنه يعاهد شيخه على الالتزام
بالشريعة المطهرة .

أهمية الطريقة:
ولعل قائلا يقول : ألا يستطيع الواحد منا أن يلتزم بالطريقة دون الانخراط
في أي طريقة صوفية ..بمعنى آخر : ألا يكفي أن يلتزم المرء بالكتاب والسنة
فيكون عندها قد أخذ بالطريقة التي يريدها الله ورسوله ….؟؟؟
نقول :
أولا: إن الالتزام بالطريقة الصوفية لا يخرجك من التمسك بالكتاب والسنة
إذ أن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة وكل ما خالف الكتاب والسنة
فهو ليس من الطريقة بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه .
ثانيا : الطريقة ليست تعاليم منفصلة عن تعاليم الكتاب والسنة بل هو روحها
ولحمتها .
ثالثا : إن من يقول هذا القول لو قلنا له إن كلفناك أن تتعلم سنن الصلاة
وآدابها وشروطها وأركانها من الكتاب والسنة هل تستطيع ..؟؟
سيقول : لا أستطيع إلا إذا رجعت إلى كتب الفقه وأقوال الفقهاء المختصين
الذين استخرجوا الأحكام من نصوص الكتاب والسنة وذلك لأنهم بلغوا رتبة
الاجتهاد وهذا أمر أنا غير قادر على فعله ..بل إن الأمة الإسلامية منذ
تاريخها البعيد لم تجمع إلا على فقهاء معدودين استطاعوا أن يقدموا فقها
مستنبطا من الكتاب والسنة مثل أبي حنيفة ومالك و الشافعي وابن حنبل
وسفيان والأوزاعي وغيرهم …
فهل هذا الفقه التي تتعلمه منفصل عن الكتاب والسنة أم أنه منبثق ومستخلص
ومستقى منهما …؟؟
فنقول: كما أن للفقه والتفسير والتأريخ والحديث علماء اختصوا به فقدموا
لنا فقها ومصطلحات خاصة به فعلمنا الواجب من السنة من المندوب من الشرط
من الركن ….الخ كذلك باقي العلوم كالعقيد ة وغيرها .
وهناك علوما لا تؤخذ إلا بالمشافهة من المختصين بها مثل علم التجويد في
قراءة القرآن ..وقد نبغ فيه علماء بينوا أحكام النون الساكنة والتنوين من
إظهار وإدغام وإخفاء …وأحكام المدود إلى ما هنالك من الأحكام ..فلو أراد
أحد أن يقرأ القرآن بالشكل الصحيح للزمه أن يتتلمذ على يد شيخ مختص يراقب
قراءته ويكون له قدوة في لفظ الحروف وقراءتها .
كذلك علماء السلوك قدموا لنا فقها في السلوك له مصطلحاته وأصوله ….كما
أستنبط الفقهاء الأحكام من الكتاب والسنة في الصلاة من حيث شروطها
وأركانها ومفسداتها وووو ….وكذلك علماء التصوف استنبطوا أحكام التزكية
ووسائل معالجة النفس من الكتاب والسنة .
ولذلك من الجهالة بمكان أن نرى أحداً يتساءل مستغربا أو مستنكرا مصطلحات
الصوفية ذلك أن كل علم له مصطلحاته الخاصة به التي تمثل مفهوما معينا
لهذا العلم ولذلك لو كلفت نفسك أن تبحث عن مرجعية وأصل المصطلحات الفقهية
من الكتاب والسنة قد لا تجدها بحرفيتها ولكن تجد معناها موجود ..وكذلك
مصطلحات العقيدة ومصطلحات علم الحديث والنحو وووو….الخ
ولكن عندما يأتي الأمر عند التصوف نجد من يستنكر هذا الأمر ….!!
و كما للفقه علماء والعقيدة وغيرها منهم برز علماء اختصوا بذاك العلم
كذلك في علم السلوك والتصوف برز علماء كثر و أجمعت الأمة عليهم مثل
الإمام الجنيد والإمام القشيري وحجة الإسلام الغزالي والشيخ عبد القادر
الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي والشيخ أحمد البدوي والشيخ إبراهيم الدسوقي
وآخرين قدس سرهم العزيز ونفعنا الله ببركاتهم .
فهؤلاء العلماء الإجلاء الذين شهدت الأمة بصلاحهم ومعرفتهم بايعوا الناس
وأرشدوهم وسلكوهم في طريق الإحسان
رابعاً: كما أن الحديث لا يقبل ما لم يكن موثقا بسند إلى رسول الله ليكون
مقبولا وملزما ..كذلك الطريقة الصوفية هي موثقة بسند إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم مأخوذة مشافهة جيلا من بعد جيل إلى رسول الله ..فلكي تكون
مرتبطا بهذه السلسلة كان لابد من أخذ الطريقة من شخص مجاز بها .
ومعلوم لدى صاحب كل معرفة وذوق ما لهذا الالتزام من بركة ونور على قلب
السالك وحياته وعبادته ..إذ أن هذه الطريقة الصوفية منقولة بالتواتر من
يد شيخ الى يد شيخ حتى وصلت إليك وكل أصحاب هذه الطرق كانوا أولياء
عارفين أعلام .
خامسا : بما أن هذا العلم ليس علم أقوال وأحكام ظاهرة إنما يرتبط بالقلب
والباطن والنفس فهو لا يتحصل بالقراءة والكتابة لا بد له من صحبة ورفقة
شيخ يدل المرء بأحواله وأقواله وملاحظته ونظره وسلوكه .
أما لو أننا رأينا إنسانا مستقيما على الشريعة المطهرة محب للصالحين ومحب
لفعل الخيرات تارك للمعاصي والمنكرات ..نقول أن هذا الإنسان يسير في درب
السلامة والخير وليس وبينه وبين الجنة حجاب وهو على خير ة على هدى .
لكن يخشى على هذا الإنسان من مداخل النفس ومداخل الشيطان من أن ينحرف …
لذلك نحن ندعو مثل هذا الأخ أن يلتزم بالطريقة ليحصن نفسه ويحمي قلبه من
وسوسات النفس والشياطين .
وإن مثل هذا الشخص الطيب المستقيم ولكنه لم يلتزم بطريقة وبين من مثله
ولكنه ملتزم بطريقة مثل شخصين قررا الذهاب الى مكة ..أما الأول فاستقل
سيارة لوحده وسار معتمدا على على معرفته بالطريق وبأخطار السفر .
اما الآخر فإنه ذهب ومعه رفقة ودليل عارف بمخطط الطريق الموصل الى مكة .
أما الأول فإنه يخشى عليه من قطاع الطريق …ويخشى عليه من الضياع قبل
الوصول ..ويخشى عليه أن ينشغل بما يرى حوله في الطريق من أشياء جميلة
ومراتع خصبة ربما تود نفسه المكوث فيلتفت عن مقصوده وهدفه ويتعوق عن
مراده ..
أما الثاني فإنه برفقة دليل خبير بالطريق فيصل بأسهل الطرق
وأسرعها ..وبحكم وجوده ضمن رفقة فإن قطاع الطريق يهابون الوصول
إليه ..وباعتباره مع دليل ورفقة فإنه إن دعته نفسه للكسل والتعاون فإن
همة الذين معه ترفع من همته ويظل مستأنفا للسير حتى يصل الى بغيته
ومقصوده ..
من هذا المثل تستطيع أن تميز بين من ياخذ الطريقة وبين من لا يأخذها .

أوصاف المرشد (الشيخ) الذي تأخذ منه الطريقة الصوفية وضرورته:
قال بعض العلماء للشيخ المرشد شروطا لابد أن تتوفر ليكون أهلا لتسليك
الناس وتربيتهم في طريق التصوف ..وأهمها :
أن يكون عالما بالفرائض العينية كالصلاة والصوم وووو…..إلخ
أن يكون عارفا بالله متحققا بعقيدة أهل السنة والجماعة
أن يكون عالما بأساليب وطرق تربية النفس وتزكيتها وعارفا بأمراض النفس
ومداخل الشيطان على الإنسان
أن يكون مأذونا بإعطاء الطريقة ولإرشاد من شيخه .
قال ابن سيرين : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .

فعلى المسلم الصادق أن يتوجه الى الله بالدعاء بصدق وإلحاح أن يجمعه مع
شيخ يتربى على يديه وان يبحث في البلد الذي يسكن فيه فإن وجد شيخا
فالأولى أن يأخذ الطريق من الشيخ الذي في بلده فإن لم يجد في بلده شيخا
فليبحث في مكان آخر ولو كان خارج بلده ألا ترى المريض إذا مرض يذهب إلى
أقرب طبيب منه ليعالج مرض جسده ..فإن لم يجد في بلده قطع آلاف الأميال
بحثا عن طبيب يخلصه من مرضه ..فكيف بمرض يوصل الإنسان إلى جهنم الآخرة
وجهنم الدنيا ..؟!
ألا يستحق أن تبذل لأجل إيجاده الغالي والنفيس .؟؟!
وهذا لا يستلزم أن يكون بالضرورة شيخا يحمل زيا معينا أو شهادة
معينة ..فهذا علم قلوب وتربية وسلوك لا يعترف بالمظاهر والأشكال ..لكن
المهم أن يكون متصفا بالأوصاف التي ذكرنا وبعدها لايهم أن يكون أكاديميا
أم غير ذلك ..
وليس مهما أن يكون مريدوه كثر أم قله ..فهذا أيضا ليس معيارا لأهليته في
الطريقة والتربية .
بل المهم هو الاستقامة والصلاح ومعرفة أصول التربية والسلوك .

يقسو القلب ، و يتشتت الفكر ، وتضعف العزيمة ، وتثقل العبادة لكن بنظرة
واحدة ، أو بحديث لحظة يتبدل الحال فيخشع القلب ، و يجتمع الفكر ، وتنشط
العزيمة ، و تخف العبادة . قال الجنيد رحمه الله : ( صفة الصفوة 2/236) :
كان لي شيوخ ، كانت رؤيتهم لي قوة من الأسبوع إلى الأسبوع وإن أبا بكر بن
مسلم منهم .
فلذا حرص أهل العلم من السلف الأول إلى قصد لقاء الأولياء والعارفين
وجالوا لهذا البلاد لما فيه استصلاح الأحوال فيحصل لهم بسبب التلاقي
والتزاور مزيدٌ عظيم يجدون أثره في بواطنهم وظواهرهم فأهل الولاية
والصلاح يمتد تأثيرهم الى من حولهم بالتحدث إليهم أو برؤيتهم.
جاء في كتاب : الصوفيــة والتصــوف في ضوء الكتاب والسنـة تأليف الشيخ
السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي وقد نقل فيه مايلي من الأقوال :

{الشيخ الصوفي وشروط المشيخة
قال الشيخ ( أحمد بن زروق ) :
وشروط الشيخ الذي يلقى إليه المريد نفسه وقيادة خمسة : علم صحيح ، وذوق
صريح ، وهمة عالية ، وحالة مرضية ، وبصيرة نافذة .

ومن فيه خصال من خمس خصال لا تصح مشيخته وهي :
الجهل بالدين ، وإسقاط حرمة المسلمين ، ودخول فيما لا يعنيه ، واتباع
الهوى في كل شئ ، وسؤ الخلق من غير مبالاة .
وإن لم يكن شيخ مرشداً أو إن وجد ناقصاً عن الشروط الخمسة ، أعتمد على ما
كمل فيه وعومل بالأخوة في الباقي ( محرر من كتاب قوانين حكم الإشراق إلى
كافة الصوفية في جميع الآفاق ) .

وقال الإمام السيد أحمد الرفاعي في ( البرهان المؤيد ) صـ43،4:
( عليكم بنا : صحبتنا ترياق مجرب البعد عنا سم قاتل . أي محبوبي: تزعم
أنك أكتفيت عنا بعلمك . ما الفائدة من علم بلا عمل . ما الفائدة من عمل
بلا إخلاص . الإخلاص على حافة طريق الخطر . من ينهض بك إلى العمل ، من
يداويك من سم الرياء ، من يدلك على الطريق القويم ، بعد الإخلاص )
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( هكذا أنبأنا العليم الخبير، وقال
أيضاً : ( لازم أبوابنا أيها المحبوب فإن كل درجة وآونة تمضي لك في
أبوابنا درجة وإنابة إلى الله تعالى ، فقد صحت إنابتنا إلى الله .

قال تعالى : “ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ “ سورة لقمان /15
انتهى
ثم إن كلا من الصاحب والمصحوب . إما أن يكون شيخاً وإما أن يكون أخاً ،
وإما أن يكون مريداً . فإن كان شيخاً فينبغي أن يكون مرشداً كاملاً
متشرعاً متديناً عارفاً في أصول الطريقة وأركانها وآدابها وخلواتها
وجلواتها وأذكارها وأسرارها وسلوكها مطابقاً للشرع الشريف في أقواله
وأفعاله وأحواله . عارياً من الكبر ، والعجب ، والحقد والحسد لمشايخ
القوم . والكذب . خالياً من دسائس النفس متواضعاً ذا حرمة للفقراء .
والمشايخ والغرباء ، طلق اللسان في تعريف السلوك ، يراعي المسائل في
الجواب ، مهذب الأخلاق ، صاحب قلب ولسان ثابت قدم ، متسللاً بإجازة
مربوطة واصلة إلى رسول الله r وآله .
وقال سيدي السيد أحمد عز الدين الصياد الرفاعي :
(( اعلم من تصدر للمشيخة في هذه الطريقة العلية الرفاعية فقد جلس على
بساط النيابة عن شيخ الأمة سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه . فيجب
عليه أن يكون عالماً بما أمره الله ونهاه عنه ، فقيهاً في الأمور
التعبدية ، حسن الأخلاق طاهر العقيدة ، عارفاً بأحكام الطريقة سالكاً
مسلكاً كاملاً شيخاً زاهداً متواضعاً حمولاً للأثقال ، صاحب وجد وحال
وصدق مقال ، ذا فراسة وطلاقة لسان في تعريف أحكام الطريقة ، متبرئاً من
عوائق الشطح ، طارحاً ربقة الدعوى والعلو ، محباً لشيخه حافظاً شأن حرمته
في حياته وبعد وفاته يدور مع الحق أين دار ، منصفاً في أقواله وأفعاله ،
متكلاً على الله في جميع أحواله .
وذكر شيخنا السيد محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي في كتابه ( العقد
النضيد : في آداب الشيخ والمريد ) ، فقال : وينبغي أن يتصف الشيخ المسلك
باثنتي عشرة صفة : صفتان من حضرة الله نعالى وهما الحلم والستر . وصفتان
من حضرة النبي r وآله وهما الرأفة والرحمة ، وصفتان من حضرة الصديق
الأكبر رضي الله تعالى عنه وهما الصدق والتصديق وصفتان من حضرة الفاروق
الأعظم رضي الله تعالى عنه وهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفتان
من حضرة عثمان ذي النورين رضي الله تعالى عنه ، وهما الحياء والتسليم .
وصفتان من حضرة الكرار رضي الله تعالى عنه وهما الزهد الأتم والشجاعة
ومتى أتصف الشيخ بهذه الأوصاف وتمكن قدمه ، وزكت شيمه ، صلح أن يكون قدوة
في الطريق أ . هـ
وقد نقل نحو ذلك أيضاً عن حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله
سره ومن كلامه رضي الله عنه في وصف الشيخ المرشد . هذه الأبيات
الشريفات :

إذا لم يكن للشيخ خمس فوائد .0.وإلا فدجـال يقـود إلـى الجهـل
عليم بأحكام الشريعة ظاهراً .0. ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل
ويظهر للوراد بالبشر والقرى .0. ويخضع للمسكين بالقول والفعـل
فهذا هو الشيخ المعظم قدره .0. عليم بأحكام الحـرام من الحـل
يهذب طلاب الطريقة ونفسه .0. مهـذبة من قبـل ذو كـرم كلي

وإن كان الصاحب أو المصحوب أخاً فينبغي أن يكون خادماً لإخوانه . واقفاً
على رؤسهم بإنشراح صدر بفرح وسرور متلذذاً بخدمتهم . باذلاً جهده في
رضاهم . فقد قال رسول الله e وآله : ( الخادم في أمان الله مادام في خدمة
أخيه المؤمن ) وقال : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )
وقال رسول الله
وآله " خادم القوم أعظمهم أجراً " رواه الديلمي .

أما شيوخ الطريقة الرفاعية فيقولون :-
أول آداب الطريقة الرفاعية الصحبة ، وهي خدمة المرشد وذلك لتتطيع طباع
المريد على طباع المرشد فتتبدل أخلاقه وطباعه ، من سوء الخلق إلى حسن
الخلق ، ومن الغضب إلى الحلم ، ومن البخل إلى السخاء ، ومن الكبر إلى
التواضع ومن الجفاء والغلظة إلى الوفاء والبشاشة ، ومن الغدر والضرر إلى
النفع والبر ومن الدعوى إلى الوقوف عند الحد ، ومن الشطح إلى الأدب ، ومن
الخوض بالأقاويل الكاذبة المكفرة التي أعتادها جماعة من أهل الزيغ كالقول
بالوحدة المطلقة وكنسبة تأثير الفعل إلى المخلوق وغير ذلك إلى الخضوع
والانقهار تحت مرتبة العبدية ورد الآثار إلى المؤثر الحقيقي وهو الله
تعالى .
وليخرج المريد من ورطة الكسل إلى ساحة النشاط بالعمل ، وتجنب الزلل
وليكون متجرداً عن غرض نفسه ، ومرض طبعه لا يريد فساداً في الأرض ، ولا
علواً عاملاً بكتاب الله ، مقتفياً آثار رسول الله وآله ، دائراً مع الحق
حيث دار ، معمداً على الله متكلاً عليه ، منصرفاً عن الأغيار ، ناشراً
لواء العزم ، شاداً مؤزر العزيمة ، قريباً من أهل الحق ، بعيداً عن أهل
الباطل ، خاضعاً خاشعاً ، لا يرى لنفسه على غيره مزية ، لا تأخذه في الله
لومة لائم ، محباً للعلماء معرضاً عن السفهاء ، غير متعزز في الطريق ، لا
طائشاً ولا فاحشاً ، غيوراً في دين الله لا ينحرف عن الحق اتباعاً لهوى
النفس يترقب من طرفة العين الموت ، ويستحي في كل أاحواله وأفعاله من الله
سبحانه ، يعظم أشياخه ، ويعرفمنزلتهم ولا ينجح إلى غيرهم ، ويحب القوم
ويكثر الأدب مع أاولياء الله جميعاً ، ويحد المراتب ، ولا يغل في دين
الله ، وينصرف عن الأغيار ثقة بالله ، ويحب لله ، يستمد من مدد الله
بواسطة رسول الله وآله ، ويجعل أشياخه وسائط لرسول الله ، عليه أفضل
صلوات الله ، ويتخذ الصدق والجد وقوة الحزم والعزم بضاعة في طريق الله مع
سلامة الصدر ، وطهارة النية وهي أصل عظيم في طريقة شيخنا ووسيلتنا إلى
الله تعالى السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه كيف لا ؟ وطريقته
طريقة المصطفى وآله ، وأخلاقه ، وإن من طريقته عدم القول بتأثير
المخلوقين ، ورد الأمر في كل الأمور لله رب العالمين ، وصدق الله العظيم

“ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ “ الروم /4-5 . انتهى
وقال الإمام الشيخ عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه سواد العينين :
أخبرني الشيخ العارف أبو زكريا جمال الدين الحمصي : أن شيخه العارف بالله
الحجة القدوة الإمام عز الدين أحمد الصياد سبط القطب الغوث أبي العباس
السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنهم أخبره أن جده سيدنا السيد أحمد الكبير
قال على كرسي وعظه في ( أم عبيدة ) : قد آن أوان زوال هذه المجالس : أفلا
يخبر الحاضر الغائب : من أبتدع في الطرق وأحدث في الدين وقال بالوحدة ،
وكذب متعالياً على الخلق وشطح متكلفاً ، وتفكه فيما نقل عن القوم من
الكلمات المجهولة لدينا وتطاول كاذباً ، وخلا بإمرأة أجنبية بلا حجة
شرعية ، وطمح نظره لأعراض المسلمين وأموالهم ، وفرق بين الأولياء بعضهم
عن بعض بلا وجه شرعي . وأعان ظالماً ، وخذل مظلوماً، وكذب صادقاً، وصدق
كاذباً ، وعمل بأعمال السفهاء ، وقال بأقوالهم فليس مني فأنا بريء منه في
الدنيا والآخرة ، وسيدي الشيخ منصور بريء منه والنبي عليه أفضل صلوات
الله وسلامه بريء منه والله على ما نقول وكيل .

فما المقصود من اتخاذ شيخ وطريقة ؟
يقول الشيخ محمد الهاشمي الشاذلي ( وأما إذا كانت الطريق طريق تبرك ،
والشيخ ينقصه بعض شروط الإرشاد ، أو تعدد مطلوب المريد ، أو خالفت نية
المريد همة الشيخ وتعدد الزمان أو فارق شيخه بموت أو غيره من حوادث
الزمان ، وكان لم يتمم سيره إلى الله في الطريق ، ولم يحصل مقصودة من
الطريق على يده ، فيجب عليه أن يواصل مطلوبة من الطريق ، ولا يجوز أن
يبقى مربوطاً بالأول طول عمره ، وإلا أدى ذلك إلى موته جاهلاً بربه ويظن
أن هذا هو المقصود من الطريق . كلا فإن المقصود من الطريق الوصول إلى
المطلوب الأعظم ـ عز وجل ـ فطريق بلا وصول وسيلة بلا غاية ، والطريق جعلت
للسير فيها بقصد الوصول إلى مطلبه لا للمكث والإقامة فيها وإلا أدى ذلك
إلى موته جاهلاً بربه . والمراد بالمريد الحقيقي : هو الذي سلم نفسه
مباشرة بالفعل للشيخ المرشد الحي في أيام السير إلى الله تعالى ليسلك به
الطريق إلى أن يقول له : ها أنت وربك ( نقل من كتاب الحل السديد لما
استشكله المريد 6-7).}.



قال سماحة المرحوم العلامة الأستاذ السيد أبو الحسن علي الندوي:

وهكذا أصبحت هذه المدارس التي تخضع لقيود وتقاليد
كثيرة قاصرة عن إصلاح شعبي وتربية عامة ، وبقيت منحصرة في نطاق ضعيف ، لا
تقيد ولا تسعف إلا العدد القليل الذي يلحق بها ، وينتسب إليها .
فلا صله لها بالشعب ، ولا صله للشعب بها إلا عند الاستفتاء أو ما يشبه
ذلك ، وأنها تعيش في عزلة عن الحياة .
وكذلك المؤلفون المثقفون الكبار ، فالفجوة الثقافية والعقلية بينهم وبين
الشعب واسعة عميقة ، لا يعتبرها إلا الخاصة والشواذ .

ثم إن صله الناس بالمدارس والعلماء والمؤلفين صلة علمية عقلية ، لا يخضع
له القلوب والنفوس ، ولا تنصبغ بها الحياة والأخلاق والطبائع إلا في
النادر ، ولا يتقيد بها الناس ، ولا يرتبطون بها ارتباطاَ روحياً إلا في
النادر .
كان المسلمون في حاجة إلي دعاة وشخصيات قوية جامعة تجمع بين تلاوة الآيات
وتعليم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس ، وهكذا تخلف الرسول r في أمته بعد
انقطاع النبوة ، وتجدد صلتها بالسنة والرسول ، وتجدد الميثاق الذي دخلت
فيه هذه الأمة والمسلمون جميعاً عن طريق الإيمان ، والنطق بالشهادتين ،
وما عاهدت عليه وبايعت الرسول r ـ مع بعد الزمان والمكان ـ من السمع
والطاعة ، ومخالفة النفس والهوى والشيطان ، والتحاكم إلي الله والرسول ،
الكفر بالطاغوت ، والمجاهدة ، والمجاهدة في سبيل الله .
فقد تغافل عن ذلك الخلفاء ، واقتصروا علي الجباية والفتوح وأخذ البيعة
لأنفسهم وأولادهم ، وعجز عن ذلك العلماء ، فاشتغلوا بالفتوى والوعظ
والتدريس والعلم والتأليف ، وإذا أرادوا لم يخضع لهم العامة ؛ لأنهم لا
يرون فيهم إلا النادر القليل من الإخلاص والزهد .

وهكذا ضعف الشعور في العامة والسوقة والفلاحين والعملة ، حتى في كثير من
الخاصة والمتعلمين / بأن الإسلام عهد وميثاق وبيع وشراء بين العبد وربه
وأصبحوا أحراراً في تصرفاتهم ، جامحين عاتين في شهواتهم هملاً وقطعاناً ،
لا يضبطهم راع ، وضعفت في كثير منهم الرغبة في الطاعات وبلوغ درجة
الإحسان ، والحصول على نور اليقين وبشاشة الإيمان ، وتقاصرت الهمم ،
وخمدت النفوس ، وأقبل الناس ـ إلا من عصم ربك ـ على اللذات والشهوات .

ضيعت الخلافة الإسلامية ـ كما وصفنا سالفاً ـ روح الخلافة وأمانة
النبوة ، وأصبحت ملكاً وسياسة وإدارة جباية .
فقام في نواحي المملكة الإسلامية الواسعة خلفاء الرسول (r) والربانيون ،
يجدد الناس بدعوتهم وصحبتهم ميثاق الإسلام ، ويدخلون في السلم فقهاً
وإرادة ، بعدما دخلوا في الإسلام وراثة وعادة ، ويستردون بتعليمهم
وتربيتهم حلاوة الإسلام ولذة الإيمان ، ويخرجون من سلطان الهوى ورق
الشهوات وعبادة الناس ، وينشطون في العبادات والطاعات والدعوة إلى الله
والجهاد في سبيله .

ومن أشهر الدعاة والمربين : الحسن البصري ، والفضيل بن عياض ، ومعروف
الكرخي ، والجنيد البغدادي رحمهم الله .
وانتهى الأمر إلى القرن السادس ، وقد تباعد الزمان عن النبوة وآثار
بركاتها ، واتسعت الدنيا ، وكثرت أسباب الغفلة واللهو وطال عليهم الأمد
فقست قلوبهم " .
انتهى ما تم اقتباسه من كلام المرحوم العلامة السيد أبي الحسن الندوي
الحسني رحمه الله تعالى ، في كتابه المعنون " رجال الفكر والدعوة " ( 1 :
381 )


قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
والبلد الذي ليس فيه شيخ من أهل الدين الصحيح والنفس الكاملة والأخلاق
الإلهية هو في الجهل كالبلد الذي ليس فيه كتاب من الكتب ألبته وإن كان كل
أهله علماء , وإن كان في كل محلة منه مدرسة وفي كل دار من دوره خزانة
كتب ,فلا تغني هذه الكتب عن الرجال , فإنما هي صواب أو خطأ ينتهي إلى
العقل , ولكن الرجل الكامل صواب ينتهي إلى الروح , وهو في تأثيره على
الناس أقوى من العلم , إذ هو تفسير الحقائق في العمل الواقع وحياتها
عاملة مرئية داعية إلى نفسها , ولو أقام الناس عشر سنين يتناظرون في
معاني الفضائل ووسائلها , ووضعوا في ذلك مائة كتاب , ثم رأوا رجلاً
فاضلاً بأصدق معاني الفضيلة وخالطوه وصحبوه لكان الرجل وحده أكبر فائدةً
من تلك المناظرة وأجدى على الناس منها وأدل على الفضيلة من مائة كتاب,
ومن ألف كتاب , ولهذا يرسل الله النبي مع كل كتاب منزل ليعطي الكلمة قوة
وجودها , ويخرج الحالة النفسية من المعنى المعقول , وينشئ الفضائل
الإنسانية على طريقة النسل من إنسانها الكبير .

قال أبو علي : وقدمت إلى مصر لأرى أبا الحسن وآخذ عنه وأحقق ما سمعت من
خبره مع ابن طولون , فلما لقيته لقيت رجلاً من تلاميذ شيخنا الجنيد
يتلألأ فيه نوره ويعمل فيه سره , وهما كالشمعة والشمعة في الضوء وإن صغرت
واحدة وإن كبرت واحدة, وعلامة الرجل من هؤلاء أن يعمل وجوده فيمن حوله
أكثر مما يعمل هو بنفسه , كأن بين الأرواح وبينه نسباً شابكاً , فله معنى
أبوة الأب في أبنائه : لا يراه من يراه منهم إلا أحس أنه شخصه الأكبر ,
فهذا هو الذي تكون فيه التكملة الإنسانية في أبنائه , وكأنه مخلوق خاصة
لإثبات أن غير المستطاع مستطاع .

وإليك أمثلة تدل على ما نحن بصدده :

جاء في ترجمة الإمام مالك بن أنس عالم المدينة وإمام المذهب المالكي ,
المتوفى سنة 159رحمه الله تعالى : قال مصعب بن عبد الله :كان مالك إذا كر
النبي صلى الله عليه وسلم عنده تغير لونه وانحنى , حتى يصعب ذلك على
جلسائه , فقيل له يوماً في ذلك؟؟ , فقال : لو رأيتم لما أنكرتم علي ما
ترون , كنت آتي محمد بن المنكد ر وكان سيد القراء _أي سيد العلماء _ , لا
نكاد نسأله عن حديثٍ إلا بكى حتى نرحمه . ولقد كنت آتي جعفر بن محمد وكان
كثير المزاح و التبسم ، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اخضرَّ و
اصفرَّ ، وكنت كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر فأنظر إليه
نظرة ، فأتعظ بنفسي أياماً .

قال أشعث بن عبد الله أحد أصحاب الحسن البصري : كنا إذا دخلنا على
الحسن ، خرجنا و لا نعد الدنيا شيئاً . وقال يونس بن عُبيد : كان الرجل
إذا نظر إلى الحسن انتفع به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه . وقال في
وصفه : كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه ، و إذا جلس فكأنه أمر بضرب
عنقه ، وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له .

قال وكيع بن الجراح : النظر إلى وجه عبد الله بن داود عبادة .

و قال الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : لمجلسُ كنت
أُجالسه عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه _أوثق من في نفسي من عمل سنه .

قال عمر بن عبد العزيز : لأن يكون لي مجلس ُ من عبيد الله – عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة - أحب إلي من الدنيا وما
فيها . وقال أيضاً : والله إني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف
دينار من بيت المال , فقالوا: يا أمير المؤمنين , تقول هذا مع تحريك وشدة
تحفظك ؟ فقال:أين يُذهب بكم؟والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على
بيت مال المسلمين بألوفٍ وألوف ,إن في المحادثة تلقيحاً للعقل , وترويحا
ًللقلب , وتسريحاً للهم وتنقيحاً للأدب .

دليل أخذ العهد (الطريقة )شرعا :
عندما يريد أن يلتزم شخص بالطريقة الصوفية فعليه أن يجلس أمام شيخه
ويبايعه على التوبة من الذنوب والالتزام بطاعة الله عز وجل وأن يكون سيره
على مذهب شيخ من شيوخ الإرشاد كالشيخ عبد القادر الجيلاني أو الشيخ أحمد
الرفاعي أو غيرهم من السادة الأكابر المربين …وإنما مثل هذا مثل من يلتزم
بتطبيق الفقه على مذهب الإمام أحمد أو الشافعي أو المالكي …وهكذا .

ولعل قائلا يقول هل من دليل شرعي نستند إليه في مشروعية البيعة أو العهد
أو التلقين الذي يأخذه المريد من الشيخ …؟
نقول :
إن هذا معروف بالتواتر ومنقول إلينا جيلا بعد جيل بشكل عملي معمول
به ..وإن هذا مذكور في الكتاب والسنة وقد أجمع عليه أهل التربية والسلوك

القرآن :
قال تعالى إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن
نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيماً)
الفتح آية 10
(وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم
الله عليكم وكيلا )سورة النحل آية 91
(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )سورة الإسراء آية 34

السنة :
اخرج البخاري في صحيحيه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ،
ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا
تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ،ومن أصاب من ذلك شيئاً
فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو
إلى الله ، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ).

عن يعلى بن شداد رضي الله عنه قال: حدثني اوس رضي الله عنه ؛وعبادة بن
الصامت حاضر يصدقه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :هل
فيكم غريب؟-يعني من أهل الكتاب –فقلنا : لا يا رسول الله ،فأمر بغلق
الباب فقال : ارفعوا أيديكم وقولوا : لا إله إلا الله ،فرفعنا أيدينا
وقلنا : لا إله إلا الله ،ثم قال صلى الله عليه وسلم :الحمد لله ؛اللهم
إنك بعتنني بهذه الكلمة وأمرتني بها ،ووعدتني عليها الجنة ، وإنك لا تخلف
الميعاد ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ألا ابشروا فان الله قد غفر لكم )

روى الطبراني والبراز بإسناد حسن :أن عليا كرم الله وجهه سأل النبي صلى
الله عليه وسلم بقوله : يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله ،
وأسهلها عبادة ، وأفضلها عنده تعالى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(عليك بمداومة ذكر الله سراً وجهراً ، فقال علي : كل الناس ذاكرون فخصني
بشيء ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل ما قلته أنا و النبييون
من قبلي : لا إله إلا الله ولو أن السموات والأرضين في كفة ولا إله إلا
الله في كفة لرجحت بهم ، ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول: لا
إله إلا الله ، ثم قال علي : فكيف أذكر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم :
غمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات ، ثم قالها ثلاثا وأنا
أسمع ، ثم فعل ذلك برفع الصوت ).

والأحاديث الواردة اكثر من أن تحصى ولكن اخترت منها ما ذكرنا للدلالة على
مشروعية أخذ البيعة والعهد على طاعة الله كما يفعل شيوخ الطريقة الصوفية
من مبايعة المريد على طاعة الله والتوبة والإنابة إليه …وهكذا ظل علماء
التصوف من بعد ذلك يأخذون البيعة على مريديهم إلى يومنا هذا والى أن تقوم
الساعة ..وكم دخلت دول في الإسلام من خلال أرباب الطرق الصوفية من غير
حروب أو قتال إنما من خلال مشاهدة الناس لأخلاق الصوفي وصدقه وإخلاصه
وأدبه .


الطريقة والحياة :
ولعل قائلا يقول : لو افترضنا أن كل الناس أخذوا طريقة صوفية ..ألا يؤدي
هذا إلى تعطل الحياة بكل مرافقها ..وذلك لأن الناس ستنشغل بالأوراد
والأذكار والانقطاع عن الناس والعمل والزوجات والأولاد ..فيشكل ذلك
انتحاراً جماعيا للحياة ..؟؟!

نقول :
كما يقال: الحكم على الشيء فرع عن تصوره …فعندما تصورت أن الطريقة هي
عزلة وانقطاع عن الحياة أصدرت هذا الحكم ..وحكمك صحيح فيما لو كان الأمر
كما ذكرت ..
في حين أن الطريقة والالتزام بها لا يعني ذلك أبداً .
فالطريقة هي بناء الجهاز الروحي لدى الإنسان ليكون سليما وهذا يتم بوسائل
كثيرة لا تمنع الإنسان عن عمله وحياته ..وأهم عناصر البناء الروحي ووسائل
تطهير النفس من أدرانها هي :

المحبة ..الذكر …مخالفة النفس ومجاهدتها بالطاعة ..وبالعلم الذي تأخذه من
الشيخ في الأوقات التي تكون خارج مواعيد عملك وخصوصياتك المنزلية
والحياتية ..
فهل محبتك لله ولرسوله والصالحين ولشيخك تؤخرك عن أي التزام حياتي ودنيوي
….؟؟
هل إذا دعتك نفسك للسرقة أو الظلم أو الأذى أو المعصية وخالفتها يؤخرك عن
شيء في حياتك .؟
هل إذا جلست ولو ساعة من الأربع والعشرين ساعة لتذكر الله أو تقرأ القرآن
تؤخرك عن شيء من حياتك ….؟؟
هل إذا اغتنمت ساعة من يومك أو خلال الأسبوع وجالست شيخك وسألته أو
استمعت إلى إرشاده تعطل حياتك ومشاغلك …؟؟
ثم ألا يمكنك أن تذكر الله وأنت جالس في عملك أيا كان نوع عملك وتنشغل
بذكر الله تعالى …؟

أعرف أناسا يعملون بشتى ميادين منهم الطبيب ومنهم المهندس ومنهم المحامي
ومنهم النجار والحداد والمعلم ووووو….. وكل منهم ملتزم بطريقة صوفية ومع
ذلك هم يقومون بعملهم على أكمل وجه دون أن تؤثر الطريقة عليهم بأي أثر
سلبي مطلقا …بل إن الطريقة الصوفية جعلتهم أكثر اتقانا وبرا ورحمة وصدقا
في عملهم ولو أني أجريت استقصاء وبحثا ميدانيا في هذا الموضوع لاستخلصنا
نتائج تجعلنا نقول أننا إذا أردنا لمجتمعاتنا أن تتمسك بالحب والرحمة فما
علينا إلا أن ندعوهم للتمسك بمنهج التصوف …وإذا أردنا لأوطاننا أن تنمو
وتعمر فما علينا إلا أن نوجه أبناءنا للتصوف .
ثم إن الطريقة الصوفية ليست أكاديمية علمية أو جامعه توجب على منتسبيها
الدوام والتفقد وو……
لكنها عيادة روحية تتطبب الأنفس وتزكيها ..
فالعامل يظل عاملا بعمله والفلاح والحداد والجزار وكل المهن ..
إذ أننا لو أردنا من الجميع أن يتحولوا إلى طلاب شريعة ليس لهم عمل إلا
العلم وطلبه والانقطاع له لتعطلت الحياة ولكن الأمر ليس كذلك فالصحابة
كان منهم العالم والتاجر والجزار والحداد ووووو….ومع ذلك لم ينقطعوا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلموا وتزكت نفوسهم وتهذبت طباعهم
واستقام حالهم وسلوكهم …

فدراسة العلم وطلبه والتفرغ له شيء ..وأخذ الطريقة والالتزام بطريق
التصوف شيء آخر.

فالتصوف يدعو المسلم الصوفي أن يكون منعزلاً عن الشرور والمعاصي ..وأن
يهجر السوء وأهله وأن يهجر السلوك السيئ والخلق السيئ وان يكون منفتحا
ومشاركا في كل ما فيه مصلحة مجتمعه وبلده والناس أجمعين ..

ولو قرأت سلوكيات الصالحين لوجدت أحوالا نادرة كم يتعطش العالم والبشرية
لها ..من الحب والتفاني والكرم ..بحيث ترى أمامك شخصا يحب العالم كله بل
يحب الكون كله ويعطف عليه يحب الشجر والبشر والحيوان وكل ما في الكون
وهذه نظرة المسلم الحق للحياة ولكن ميزة الصوفي أنه يستشعرها ويتذوقها
وغيره يعرفها معرفة عقلية .

أهمية الشيخ في حياتك
ولعل قائلا يقول : إني لم أجد شيخا مناسبا كي آخذ منه الطريقة وأتربى و
أزكى نفسي على يديه ….أو أن نرى عالما من علماء المسلمين وطلاب العلم يرى
أنه لا حاجة له بأخذ الطريقة فهو يعرف الحلال والحرام ويعرف ما يغضب الله
وما يرضيه فما حاجته لأخذ الطريقة من شيخ ..؟؟!!

نقول :
لعل بعض الناس يريد أن يرى الشيخ أمامه كما يرى أي سلعة يعثر عليها في
السوق ..فعدم معرفتك بالشيخ لا يعني عدم وجوده وإن الأمة الإسلامية على
مر تاريخها لا تخلو من أولياء صالحين عارفين إلى أن تقوم الساعة ..فعدم
وجدانك لهم لعله من ذنب وقعت فيه من حيث لا تشعر إما لكبر أو عجب دفين في
نفسك فما استطعت أن تجتمع مع صفوة خلقه وأحبائه ..
فهلا كسرت قلبك بينك وبين ربك وبكيت و بكيت على نفسك مستغفرا طالباً ملحا
بالدعاء لله أن يجمعك بمن يبصرك بعيوب نفسك ويرشدك إلى أحوالك ..؟!

ألم ترى أن الله عز و جل أوكل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهمة
تزكية نفوس الصحابة مع عظم معرفتهم بأنفسهم وكمال معرفتهم بما يرضي الله
ورسوله وبالحلال والحرام فقال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا
منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة …).
فالكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة ولكن التزكية لم يقل يعلمهم أو يتلو
عليهم التزكية بل قال : ويزكيهم ….لأن التزكية تكون بالمصاحبة والملاحظة
وان التابعين تربوا على أيدي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ..والتابعون
قد ربوا من بعدهم

وهكذا ….؟؟
أما من يرى في نفسه الكفاية من العلم فهو بغير حاجة الى من يرشده في هذا
العلم فنقول له : إن هذا العلم موقوف تعلمه والانتفاع به غلا على من يأخذ
الطريقة ..وهذا ماقاله كبار العلماء أمثال الشعراني ولذلك نراه قدس سره
في كتابه العهود المحمدية لا يكاد يخلو خلق من الأخلاق المحمدية إلا
ويشير فيه إلى أن هذا الخلاق لا لا يحصل عليه الإنسان إلا بواسطة شيخ
ومرب يسلك المريد على يديه ليتخلق به .

وإن هذا الأخ العالم لو تفرس في قصة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل
الصلاة والسلام والخضر عليه السلام لوجد في ذلك الكفاية …عندما قال سيدنا
موسى عليه السلام للخضر هل أتبعك على أنت علمني مما علمت رشداً …قال :
إنك لن تستطيع معي صبرا )

ثم إن العالم نتيجة إقبال الناس عليه وانشغاله بتعليمه لهم وتبجيلهم له و
التفاتهم نحوه فهو أكثر عرضة للوقوع في أمراض النفس ورعونتها ..وكم تخفى
على العالم مثل هذه المداخل لأن النفس والشيطان يزينانها له بمظهر الدين
… فكم أغوى الشيطان من العلماء فأصبحوا مثل الإناء الذي ينفع غيره وهو
محروم من الانتفاع دون أن يعلم .
وكم زينت النفس لهم أمراً ظنوه من الشرع ولكنه مبطن برياء أو عجب أو هوى
…؟؟!

ثم عن هذا العالم أو طالب العلم عندما يأخذ الطريقة على يد شيخ مرب فإن
نفسه تستكين وتبتعد عن العجب والكبر ويتعلم التواضع لشيخه ..وهذه سيرة
علماء الأمة في تواضعهم لشيوخهم ومربيهم
وكما قلنا سابقا أن العلوم الشرعية قد يستطيع الإنسان أن يأخذها من الكتب
والسطور لكن الأخلاق لا بد لها من مرشد ومرب لأنها تؤخذ بالمجالسة
والمحبة لشخص الشيخ ..وهي من باب الصحبة التي أمرنا الله عز وجل بتطبيقها
والرسول صلى الله عليه وسلم ..

ألم يقل ربنا سبحانه( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )
ألم يقل ربنا سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين )
ألم يقل ربنا سبحانه ( واتبع سبيل من أناب إلي )
وقال صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة المؤمن ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من
يخالل ).
وكما قيل: لولا المربي ما عرفت ربي .


تصور خاطئ عن الطريقة

ولعل قائلا يقول : أنا لا أريد أخذ الطريقة الصوفية خشية أن أتدروش أو أن
أصير مجذوبا و ثيابي ممزقة أو اغفل عن عملي وبيتي ..

نقول :
إن هذا التصور خاطئ للأسباب التالية :
أولاً: إن الطريقة الصوفية لا تقتضي أن يكون الإنسان رث الثياب
والهيئة ..ولكنها لا تحتقر الفقراء والبسطاء الذين لا يجدون ما يلبسونه
من الثياب الفاخرة ..ولذلك ظن من يرى أمثال هؤلاء من الفقراء أن الطريقة
الصوفية تلزمه بذلك وهذا ظن خاطئ .

لأن الطريقة يدخلها الفقراء والأغنياء والعالم والأمي والتاجر والأستاذ
….فصاحب الطريقة أو شيخ الطريقة لا يفرق بين الناس من حيث وضعهم المادي
فالكل في نظره أبناؤه وإخوانه .
ولكن باعتبار أن بعض الأغنياء يأنفون من مجالسة الفقراء ولا يحبون مجالسة
العامة من البسطاء لذلك نفوسهم تصور لهم الأمر بهذا الشكل ..وهذه ليست
دعوى جديدة بل إن كبراء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن لا نقبل
أن نجالس الفقراء والبسطاء فإذا طردت هؤلاء من مجلسك جلسنا معك ..!!
فأنزل الله عز وجل قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم…..).
وقوله تعالى: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ……) .

فظن من لا يعرف.. أنه إن هو أخذ الطريقة سيؤول حاله الى هذا الحال..!!
ونسي أن الطريقة لا تعنى بالمظاهر والأشكال أصلا ..فالغاية أن لا تتكبر
على خلق الله بثيابك أو تتفاخر عليهم ..فربما لبس إنسان ما ثيابا ثمينة
متكبرا على العباد فهو مؤاخذ من الله …..ومنهم من لا يتكبر بثيابه
الثمينة أو الأنيقة فلا بأس عليه ..وكذلك هناك من الناس من يرتدي ثيابا
بسيطة بقصد إشعار الناس أنه متواضع وأنه خير منهم فهذا مثله كمثل الذي
تكبر على الناس بثيابه الثمينة والمميزة .

ثانيا : إن الواقع العملي للملتزمين بالطريقة يدحض هذا التصور
الخاطئ ..إذ أننا نرى من يدخل في الطريقة من أصناف المجتمع ومن شرائحه
المختلفة ولكن أحدا منه م لم ينجذب أو يتدروش –بالمفهوم الذي يتصوره
صاحبنا - إنما كل واحد منهم يمارس عمله على أكمل وجه .

فالحداد في ورشته والنجار في محله والطبيب في عيادته والمحامي في محكمته
والمعلم في مدرسته ….فكل هؤلاء أحدهم لم ينشغل عن أموره أو عن بيته
وأولاده وزوجه.
ثالثا : إن الطريقة الصوفية تقول لك طهر نفسك ونور قلبك ولكنها لا تقول
لك : اهمل ثيابك ولا تنظفها أولا تعتني بها ..إنما تقول لك: لا تجعل قلبك
مشغولاً بمظهرك على حساب قلبك ..فمادام قلبك ليس مشغولا بمظهرك على حساب
قلبك فلك أن تلبس أفخر الثياب وأجودها وهذا كله مأخوذ من الهدي النبوي
والشريعة المطهرة .

ومعروف سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني كان يلبس أفخر الثياب ويركب أفخم
الدواب ويجالس الملوك والأمراء يعظهم ويذكرهم ويحضر مجلسه آلاف المستمعين
وهو شمس المعرفة وأستاذ التصوف قدس سره العزيز .

رابعاً: ولا بد أن ننوه أن هناك بعض الناس لهم أحوال خاصة فنراهم بثياب
رثة وقد يكونون من الصالحين فنحن مأمورون أن نحترمهم ولا نعترض عليهم
فهؤلاء لهم حالهم الخاص مع الله ولكن لسنا ملزمين بتقليدهم ..وهذا مصداق
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين مردود في
الأبواب لو أقسم على الله لأبره ).

ثم يا أخي المسكين والساذج الحقيقي من يرى أمامه نبع الحياة الحقيقي ثم
لا يغترف منه ..المسكين من يعصي الله ..المسكين من يضيع الدين خوفا من
كلام الناس وانتقاداتهم ..الغافل من انشغل بتزيين ظاهره ونسي باطنه ..

ما بال دينك ترضى أن تدنسه …وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها …إن السفينة لاتجري على اليبس .

المقصود من الطريقة :
ولعل قائلا يقول : أنا جالست الصوفية أو ربما قال أخذت الطريقة ثم تركتها
لأنني كنت أظن أنني ساكون مثل الصالحين الذين يطيرون في الهواء أو يمشون
على الماء أو لو أني رفعت يدي الى السماء وطلبت مالا لرزقني الله أو دعوت
على من ظلمني لأهلكه الله ..لكن كل ذلك لم يحدث لي فتركت الطريقة .

نقول :
نعم إنك لو بقيت في الطريقة سنين وسنين وهذه نيتك وهدفك من الطريقة فستظل
تراوح مكانك فمن هاجر لله ولرسوله فهجرته لله ورسوله ومن هاجر لدنيا
يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه…فالطريقة ليس المقصود
منها أن تكون صاحب كرامات وخوارق عادات …فمن كان هدفه الكرامات ..فهو في
الكرى مات ..

لكن ينبغي أن يكون مقصودك هو العمل لنيل مرضاة الله عز وجل .

وهذا هدف كل مؤمن أما من يريد أن يجعل من الدين مطية لتحقيق شهوات
نفسانية وأهواء نفسية فقد ضل الطريق وتاه عن المقصود ..لأن الذي يحجب
الإنسان عن الوصول إلى الحق جل جلاله هو حجب النفس الأمارة المتمثلة
بأمراضها القاطعة عن الله ..لعمري كيف يمكن أن يصل إلى الله من كان بعمله
مرائياً ….أم كيف يصل إلى الله من كان يملأ قلبه الكبر والعجب ..أو كيف
يتذوق حلاوة الإيمان من كانت نفسه تواقة للمعاصي والذنوب وهو مرتكب
للمخالفات والعيوب …؟!

ولو درى هذا المسكين ما أضاع بعدم معرفته وجهله لبكى على نفسه ولحثا
التراب على رأسه ..إذ أنه أضاع الكنز المطلسم والكرامة العظمى والغنى
الأتم والثراء الحقيقي ..أما علم أن إصلاح نفسه وتزكيتها هو الكسب
الحقيقي .أما علم أن تطهير النفس من أدرانها ليكون المرء أهلا لمجالسة
الحق هو الكنز الحقيقي ….أما علم أن الاستقامة على الشريعة المطهرة هو
عين الكرامة وأفضلها ..فأي كرامة تعدل أن يخلّص الإنسان نفسه من الكبر
والرياء والعجب ووووو … ويحليها بالفضائل من الحب والإخلاص والصدق
والتوبة والإنابة والخشية والقناعة والرضى والصبر والشكر والمراقبة
….؟؟!!

لو نظر هذا المسكين بعين الحقيقة لعلم أن أعظم الكرامات أن يجعلك الله
جليسه ومذكوره وحبيبه ..فتأنس به وتلذ بمناجاته وتراقبه في كل أحوالك
وحركاتك فيغنيك ويعزك ويكون لك سندا ومعينا في كل حياتك …

الطريقة الصوفية هي الوسيلة التي تجعلك مهيأً لدخول حضرة الحق وأنت نظيف
النفس طاهرا ..هي التي تبصرك بعيوبك وأسباب انقطاعك عن الله …هي التي
تغرس في نفسك حب الله ورسوله والصالحين ..هي التي تجعلك شاكرا ذكرا
متفكرا مراقبا تائبا منيبا ..هي التي تنقلك من الغفلة الى الذكر ومن
الظلمة إلى النور ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء الى السعادة ومن
المعصية الى الطاعة ومن رفقة الدنيا الى رفقة الآخرة ومن الانشغال
بالنعمة إلى الانشغال بالمنعم ومن الفوضى الى النظام ومن الجهل إلى
المعرفة والعلم ومن الشر إلى الخير .

إنما مثلك في دخولك للطريقة كمريض موجوع ذهب الى الطبيب فرأى حال الطبيب
من الصحة والعافية والغنى فقرر أن يتردد عليه ناوياً أن يسرق شهادته
المعلقة على الجدار ظانا أنه بسرقتها سيؤول حاله إلى مثل حال الطبيب من
الغنى والعافية ضاربا بإرشاداته عرض الحائط غير مطبق لتعليمه ولم يتناول
علاجه الموصوف لأمراضه وأوجاعه …..!!

فإنه سيخرج من عيادة الطبيب بأمراضه التي دخل بها دون شفاء ..ولن يتمكن
أن ينال ما ناله الطبيب …وهذا مثل من قال عنهم ربنا : (قل هل ننبئكم
بالأخسرين أعمالا ..؟؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا) .
فإذا رزق الله العبد الاستقامة وكان من أهل محبته ووداده ومجالسته فإنه
يسخر له كل ما في الكون ألم يقل ربنا في الحديث القدسي الجليل مازال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ولئن سألني لأعطينه ….)

ليس كل من ادعى التصوف صوفي

لعل قائلاً يقول : لكني أرى أن كل أهل التصوف والذين يلتزمون الطريقة
فقراء والبعض منهم غشاشون وكذابون ودجالون ..فهم يتسترون بالدين لنيل
مطامع دنيوية …!

نقول :
بالأصل كان طريق التصوف لا يسلكه إلا كمل الناس وعارفيهم ..وكان الناس
يجلون أتهل التصوف ويعطونهم قدرهم الذي يليق بهم ..وكان شيوخ الطريقة لا
يعطون الطريقة إلا لمن كان أهلا لها ممن جاءهم قاصدا وملحا وراغبا
فيتفرسون فيه الصلاح فيمنحونه هذا الشرف ويعطونه هذه الكرامة ..ولكن مع
تقدم السنين وتغير الأحوال والأزمان أخذ يتشبه بأهل التصوف من ليس منهم
من أهل الطمع الدنيوي الذين يريدون أن يسخروا الدين لمآربهم النفسية
وشهواتهم الدنيه ولذلك اختلط على بعض الناس من هو صوفي ممن هو متشبه
ظاهرا بهم .

اما موضوع الفقر والغنى فهو غير مرتبط مطلقا بالتصوف أو غيره .فلو كان
معيار الحق هو الغنى والفقر لكان اليهود والكفار من أغنى أغنياء العالم
فهذا لا يدل على أنهم على حق ..
وإذا جئنا الى المسلمين كذلك نجد أكثر أغنياء العالم من المسلمين منهم
الفاسق والفاجر ومن يقضي أيامه بالخمور والفواحش .فهل يعني أنه على
حق ..؟؟!

وبالمقابل نجد من اهل التصوف من هو الغني الذي يملك الكثير من مئات
الملايين ومنهم الفقير ..ومنجد من غير المتصوفة كذلك الفقير المدقع .

فالفقر والغنى ليس سببه أنك صوفي أو أنك لست صوفي .
الفقر والغنى هو قسمة من الله مرتبطة بجملة من الأسباب التي ترتبط بأسباب
الكسب والعمل .

لأن التصوف لا يدعو إلى الفقر ..ولا يدعو إلى ترك الدنيا كما يظن
البعض ..إنما التصوف يدعو المسلم أن لا تكون الدنيا في قلبك .إنما أن
تكون في جيبك ويدك .ولذلك يقول سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : أخرج
الدنيا من قلبك واجعلها في يدك لا تضرك .

وهذا التصور مغلوط ذكره الله في القرآن بقوله تعالى( فأما الإنسان إذا ما
ابتلاه ربه فأكره ونعمه فيقول ربي أكرمن ..وأما إذا ما بتلاه فقدر عليه
رزقه فيقول ربي أهانن ..كلا ..بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام
المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما …)

إذاً يوجد بين المتصوفة الغني والفقير والمتعلم والأمي والعلم والمتعلم
والتاجر والعامل مثلهم مثل أي شريحة في الحياة ..ولكن الصوفي عندما يكون
غنيا فهو شاكر لربه مخرجا زكاة ماله كريم ومنفق ومتصدق على
المحتاجين ..متواضع لا يتكبر على بعاد الله بماله ولا يرى في نفسه ميزة
على غيره لأنه غني وغيره فقير …وماله لا يشغله عن عبادته المفروضة ..وإذا
زاد ماله لا يفرح فرحا يجعله يبطر ويتكبر ..وإذا نقص ماله لا ينكسر قلبه
ويملؤه الحزن والأم على ما ضاع أو خسر من مال .بل هو راض مطمئن رابط
الجأش مستسلم لقضاء الله وقدره ..
أما القول أن الصوفية غشاشون فهذا الحكم رجما بالغيب ..إذ ان القائل لا
يعرف كل الصوفية حتى يحكم عليهم .وإن عرف شخصا في الأوصاف المذكورة فقد
يكون ممن تشبه بهم ..أو أنه لم يتهذب طبعه ونفسه بعد .

ونقول لهذا الأخ : لو أننا رأينا طبيبا جعل من مهنة الطب وسيلة لابتزاز
الناس المحتاجين وسلب أموالهم هل نقول كل الأطباء على هذه الشاكله …?؟!

إذا عرفنا موظفاً مرتشياً هل نحكم على جميع الموظفين بأنهم مرتشين ..؟؟!
إذا رأينا جنديا يخون وطنه وشعبه ودينه …هل نقول كل الجنود خائنون ….؟؟!

إذا رأينا عالما منافقا هل نقول كل العلماء منافقين ..؟؟!
إذا رأينا صوفيا يرتكب أخطاء معينة هل نقول كل الصوفية غشاشين أو ما
شابه .؟؟!
طبعا العاقل لا يقر بمثل هذا الحكم .

ثم إن حال المؤمن المفروض ان يحمل حال الناس على أحسن الأحوال .فيحسن
الظن بالناس ويعذرهم فربما رأيت من إنسانا سلوكا تنكره لأول وهلة ولكن لو
بحثت وتعمقت في في بحثك في سبب فعله لعذرته ..أو ربما كان لحمكة أن
تجهلها ..وإن كان المفروض على المسلم أن يحسن الظن بالناس دون بحث وتجسس
لأن ذلك أسلم لدينه ..

كما قال أحدهم رأيت مسلما في يوم رمضان وهو مفطر فسببته وأزعجته ولكن بعد
ذلك تبين لي أنه مريض ومعذور .

و قال آخر :رأيت رجلا يمشي مع امرأة لوحدهما فشككت في أمرهما .وتبعتهما
وسالت فتبين لي أنها زوجته .

وقال ثالث : رأيت شيخا يجلس مع امرأة سافرة فأنكرت عليه .وعندما تبينت
بعد فترة الأمر وجدت أنها امرأة غير مسلمة كانت تسأله عن الإسلام تريد أن
تسلم.

قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن
إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً
فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages