تمهيد في التصوف ‏

22 views
Skip to first unread message

الفتى المحمدي

unread,
May 19, 2008, 7:46:57 PM5/19/08
to الصوفية طريق إلى الله
تمهيد في التصوف ‏


التصوف مرتبة عالية وهو إصلاح القلب بالوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا
وباطنا، فهو ‏مبني على الكتاب والسنة وذلك باتباع شرع الله تعالى
والإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ‏الأخلاق والأحوال، والأكل من
الحلال، وإخلاص النية في جميع الأفعال، وتسليم الأمور كلها ‏لله من غير
إهمال في واجب ولا مقاربة محظور، وحاصله اتصاف بالمحامد وترك للأوصاف
‏الذميمة ‏‎ ‎
فهو مسلك قائم على العلم والعمل، أعلاه علم التوحيد وأداء الواجبات قبل
النوافل ثم عمل ‏البر والخير و الزهد والتحلي بالأخلاق الحسنة ‏‎. ‎
قال الله تعالى :?تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ‏يُنفِقُونَ (16)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) ? ‏‏[سورة السجدة] ويقول النبي صلى الله
عليه وسلم لمعاذ بن جبل (إياك و التنعم فإن عباد الله ‏ليسوا بالمتنعمين)
رواه الطبراني‎ ‎
وقد اشتهر حديث عند الصوفية وهو حديث حارثة بن مالك أن الرسول عليه
السلام لقيه ‏ذات يوم فقال له: [كيف أصبحت يا حارثة] قال أصبحت مؤمنا
حقا. فقال له: [ انظر ما ‏تقول فإن لكل قول حقيقة ] قال عزفت نفسي عن
الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ‏فكأني بعرش ربي بارزا وكأني بأهل الجنة
يتزاورون فيها، وكأني بأهل النار يتعاوون فيها، ‏قال: [عرفتَ فالزمْ،
عبدٌ نوَّر اللهُ الإيمانَ في قلبه]، أخرجه الطبراني‎. ‎
وهذا الحديث متداول بين الصوفية، وإن كان هذا الحديث ضعيفا ضعْفا خفيفا
فقد ذُكر في ‏فضائل الأعمال، ويُعمل به كما ذكر السيوطي في تدريب الراوي
وغيرُه‎. ‎
فهذا هو مشرب القوم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في حاله وخُلُقِهِ،
وكان عليه الصلاة ‏والسلام خلقُه القرآن، وكان أكثر الناس تواضعا وزهدا،
وكان أعفَّ الناس، مَنْ صحِـبه ‏أحبه لما يشاهده من محاسن أخلاقه ومزيد
شفقته وتواضعه وباهر عُظم تألفه وأخذه بالقلوب‎. ‎
وكان صلى الله عليه وسلم يمشي مع المسكين والأرملة إذا أتياه في حاجة ما،
يفعل ذلك من ‏غير أنفة. وكان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم
نفسه ولا يعيبه ذلك، ويكون ‏في مهنة أهله، وكان يردف خلفه عبده أو خادمه
أو قريبه يفعل ذلك على دابته، وكان يجالس ‏الفقراء والمساكين والعبيد
والإماءَ ويعُودهم ويزورهم، ويتفقد حالهم، ويشهد جنائزهم، وما ‏سُئل عليه
الصلاة والسلام شيئا من متاع الدنيا يُباح إعطاؤه فقال لا، وكان يجلس في
الأكل ‏مع الفقراء والمساكين، وكان لا يعيب طعاما قطُّ بل إن أحبَّه أكله
وإن كرهَه تركَه، وكان ‏يلبس من الثياب ما وجده من إزار وقميص وجبة صوف،
وربما يلبس الإزار وحده ليس عليه ‏غيره، وربما كان عليه مِرط [(1)] من
صوف أو خز، ففي سنن أبي داود: [خرج علينا ‏رسول الله وعليه مِرط مرحل
[(2)] من شعر أسود]. وربما صلى بثوب واحد ملتحفا به بغير ‏زائد عليه،
وكان لا يسيل القميص ولا الإزار أي لا يرسلهما إلى الأرض بل يجعل الإزار
‏والقميص فوق كعبيه، بل ربما كان إزاره وقميصه لنصف الساق، يفعل ذلك
تواضعا، وربما ‏نام على العباءة يثنيها ثنيتين، وربما نام على الحصير
ويؤثـّر الحصير في جنبه الشريف، فقد ‏اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: دخل
عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ‏راقد على حصير من جريد
وقد أثر في جنبه، فبكى عمر فقال له: [ما يبكيك؟] قال: ذكرتُ ‏كسرى وملكه،
وهرمز وملكه، وصاحب الحبشة وملكه، وأنت رسول الله صلى الله عليك ‏وسلم
على حصير من جريد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أما ترضى أن
لهم ‏الدنيا ولنا الآخرة]. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاهد في
الدنيا الراغب في الآخرة، ‏والوارد عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك كثير.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: [كن في الدنيا ‏كأنك غريب أو عابر سبيل]،
وقال: [ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، ما أنا إلا كراكب ‏استظل تحت
ظل شجرة، ثم راح وتركها]. فعلى هذا كان سيدنا وقدوتنا رسول الله صلى الله
‏عليه وسلم‎. ‎
ومثله ورد عن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام. فقد ورد عن نبي الله
عيسى عليه السلام فيما ‏رواه الحسن البصري قال: [كان عيسى عليه السلام
يلبس الشعر ](3)[ ويأكل الشجر، ‏ويبيت حيث أمسى]. وكان سيدنا عيسى عليه
السلام يبيت حيث أمسى في مسجد أو غير ‏مسجد، ما اتخذ بيتا، وكان يأكل ما
يُتقوَّت به من بقول الأرض كالملوخية والهندباء والخبيزة ‏نيئة من غير
طبيخ. هكذا أنبياء الله عليهم السلام زهَّاد عُبَّاد عارفون طالبون
للآخرة، وكذلك ‏نبي الله سليمان عليه السلام معَ ما أعطاه الله من
السلطان والجاه وخدمة الجن له كان يأكل ‏خبز الشعير‎. ‎
على هذا كان أنبياء الله عليهم السلام وعلى هذا كان نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم، وهو ‏الذي أدَّب المتقين، وعلَّم الزاهدين، ووطّد الدين،
ونُصر بالرعب مسيرة شهر، وضجت ‏الأكوان باسمه، ورجفت فرائص ملوك الأرض
لذكره في كل زمان ومكان، وقد مات عليه ‏الصلاة والسلام ولم يشبع من خبز
الشعير، مع أنه أعطى ما بين لابتيها [(4)] غنما، وملأ ‏رداء عمه العباس
ذهبا، وأعطى عطاءَ من لا يخشى الفقر، فالله أكرم أنبياءه، واصطفاهم لمقام
‏النبوة، وخصهم بما لم يخص به أحدا من البشر، وأغناهم عن الناس، فسلموا
لله تسليما كاملا، ‏واستغنوا بالله، وأيقنوا أنه المالك الكريم الرازق
الخالق المدبر لمخلوقاته في كل حين، فأنفقوا ولم ‏يقتروا، وأيقنوا أن
كُـلاّ ً من عنده، وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أَوَليس هو
الذي قال ‏عليه الصلاة والسلام لبلال: [أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش
إقلالا] رواه الطبراني وأبو ‏نعيم. ‏‎ ‎ وتبع أبو بكر الصديق رضي الله
عنه هذا المشرب، وردَّ أهل الردة على أعقابهم، ونام على ‏قطيفة لم يكن
عنده في البيت سواها، ثم أمر بها فأعيدت إلى بيت المال. وكذلك الفاروق
عمر ‏رضي الله عنه فتح الأقطار، ومصَّر الأمصار، وعزّ به الدين واستنار،
وخطب عام وفاته وعليه ‏ثوب فيه أربعون رقعة‎. ‎
وهذا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد رُوِيَ أنه رُؤي يقيل في
المسجد وهو ‏يومئذ خليفة وأثر الحصى في جنبه، وكذلك أبو الحسنين علي
الأكرم عليه السلام وهو الذي ‏رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما
على التراب مرة فسماه أبا تراب، وكان كرم الله ‏وجهه يلبس إزارا مرفوعا
ويقول: "يُخشّع القلب، ويقتدي به المؤمن". ‏ وتبعهم على ذلك أهل الولاية
والإرشاد من التابعين الأمجاد، فكان لهم من نورهم قبس، ومن ‏حال نبيهم
صلى الله عليه وسلم نفس، ودلوا المسلمين على المنهج القويم، والصراط
المستقيم، ‏وعلى مشرب نبيهم وجليل حاله، وغيرهم كثير ولو أردنا ذكرهم
لطال‎. ‎
وقد قال الحسن البصري: أدركت سبعين بدريا ما كان لباسهم إلا الصوف‎. ‎
وكلهم من رسول الله ملتمسُ ... غرفـًا من البحر أو رشفا من الديَمِ‎ ‎
يقول العارف بالله الزاهد العلامة الشيخ عبدالله الهرري ناصحا مريديه:
"إياكم والغفلة بالتنعم ‏وتعلق الهمم بتكثير الأموال". والتنعم هو التوسع
في الملذات من المطعومات والمشروبات ومن ‏الملبس الفاخر، وتركُ التنعم هو
سنة الأنبياء‎. ‎
واعلم أن معنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة،
فالخلفاء الأربعة ‏كانوا صوفيين معنى، واعلم أن صاحب كتاب حلية الأولياء
الحافظ أبا نعيم أحد مشاهير ‏المحدثين بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة،
ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا. فإذا رمتَ ‏معرفة حقيقة القوم والتيقن
من صدق حالهم وصفاء مشربهم، فهاك ما ذكرناه لك، فتأمل.
Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages