وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لأبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي
الله عنه لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قل لي في
الإسلام قولا لا أسأل عنه احدًا غيرك، قال: "قل ءامنت بالله ثم استقم"
رواه مسلم.
إن الاستقامة من الدعائم الأساسية التي ترتكز عليها الأمة في علو مقامها
ورفعة مكانتها وسيرها في مقدمة قافلة الازدهار والحضارة وعلو الشأن.
فالأمة التي فقد أبناؤها هذه الجوهرة -الاستقامة- ضاعت وقويَ عليها
أعداؤها فصار سهلا عليهم تمزيقها وسحقها ولأنه بضياع الاستقامة تفسد
الأخلاق وتفشو الرذيلة وينتشر الفساد، وتعمُّ الفوضى بين العباد، ويسود
الحسد والبغضاء والكراهية، نسأل الله السلامة والثبات على الاستقامة.
والاستقامة معناها لزوم طاعة الله تعالى، فالمستقيم هو الذي ثبت على طاعة
الله أدى الفرائض وترك المحرمات.
فالاستقامة عين الكرامة، والاستقامة تعطي الأمة ثمارها يانعة، ويعيش
المستقيم حياة طيبةً ناعم البال مطمئن القلب ويكون عبدًا خاضعًا خاشعًا
لله يكف أذاه عن الناس ويصبر على أذى الناس ومساهمًا دائمًا في إصلاح
المجتمع وإرشاد الضالين التائهين إلى الطريق المستقيم. متوكلاً على الله
تعالى داعيًا ربه اقتداءً بالأئمة الأكابر.
من هنا يقول سيدنا أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى
{ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي لم يشركوا بالله شيئًا.
وقال سيدنا عمر رضي الله عنه في تفسير تفسير قوله تعالى { ثُمَّ
اسْتَقَامُوا} أي لم يروغوا روغان الثعالب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أي
استقاموا على أداء الفرائض.
وقال قتادة: استقاموا على طاعة الله.
والحسن البصري رضي الله عنه كان يدعو الله تعالى: "اللهم أنت ربّنا
فارزقنا الاستقامة"، أي الدوام على على الاستقامة، وهذا كقول المصلي كل
يوم سبع عشرة مرة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [ءاية 6/سورة
الفاتحة] أي أدم هدانا على الصراط المستقيم أي الطريق الحق، وقول الله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ} [ءاية 136/سورة
النساء] أي داموا على إيمانكم أي اثبتوا عليه.
فما أعظم ثواب من استقام، ويا حسرة ويا خسارة من نكب عن الاستقامة، لأنه
سيندم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ورحم الله الشيخ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه الذي كان يقول: "استقم
بنفسك يستقم بك غيرك، كيف يستقيم الظل والعود أعوج".
فإذا استقام الرئيس والمرؤوس والمعلم والطالب والزوج والزوجة والمدير
والموظف، وصاحب الصنعة والمهنة في صنعته ومهنته، والواعظ في وعظه،
والمدرس في درسه، والمرشد في إرشاده، وسائر المؤمنين على اختلاف مراتبهم
وطبقاتهم فسيعم الخير والصلاح في مجتمعنا.
وليعلم أنه متى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته
ومحبته ورضاه ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه، استقامت
الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء وهي جنوده، فإذا
استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعي استقامته بعد القلب
من الجوارح اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه، ولهذا الأمر قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم
قلبه حتى يستقيم لسانه".
وقد ورد عند الترمذي مرفوعًا وموقوفًا: "إذا أصبح ابن ءادم فإن الأعضاء
كلها تُذكّر اللسان فتقول: "اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمتَ
استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا".
فاثبت أخي المسلم على الإيمان ودُم عليه لأن الأصل هو الإيمان بالله
ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو شرط لقبول الأعمال الصالحة.
واثبت على طاعة الله والزم طاعة الله، فطاعة الله تبارك وتعالى نور في
القبور ونجاة على الصراط وفوز يوم النشور.
ويكفي الذين استقاموا شرفًا أن الله تعالى بشّرهم بأنه لا خوف عليهم ولا
حزن أي يوم يخاف الناس ويوم يحزن الناس، ولهم البشرى بالجنة، جنة النعيم
التي وعدهم الله تعالى بها.
نسأل الله تعالى الثبات على كامل الإيمان وأن يجعلنا من الذين لا خوف
عليهم ولا هم يحزنون، ومن المبشرين برضاه والجنة، إنه على ما يشاء قدير،
نعم المولى ونعم النصير والحمد لله ربّ العالمين.