الشيخ عبد الحسين صادق
المتوفى 1361
قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء عليه السلام :
عـهدي بربعهم أغنّ المعهَد ونـدّيه يفتر بالروض الندي
مـا باله درس الجديدُ جديدَه ومـحا محاسن خدّه المتورد
أفـلّت أهلّته وغابت شهبه فـي رائح للنائبات ومُغتدي
زمّت ركاب قطينه أيدي سَبا تـفلي الـفلاة بمتهِم وبمنجِد
ولـقد وقـفت به ومعتلج الجوى بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي
فـتخالني لضناي بعض رسومه ولـحرّ أحـشائي أثـافي مَـوقَد
أرنـوا الـيه ونـاظري مُتقسّم بـطـلوله لـمصوب ومُـصعّد
مـا أن أرى إلا الـحمائم هُـتّفاً مـا بـين غِرّيد وصيداح شَدي
نـاحت ونحت وأين مني نوحُها شـتان نَـوح شجٍ وسجع مُغرّد
لـي لا لها العين المرقرق دمعها والمهجة الحراء والقلب الصَدي
حجر على عيني يمر بها الكرى مـن بـعد نـازلة بعترة (أحمد)
أقـمار تـمٍّ غالها خسف الردى واغـتالها بصروفه الزمن الردي
شـتى مـصائبهم فـبين مـكابدٍ سُـمّا ومـنحور وبـين مُـصفّد
سـل كـربلا كم مُهجَة (لمحمدٍ) نُـهبت بها وكم إستجذبت من يد
ولـكم دم زاكٍ أُريـق بـها وكم جـثمان قُـدسٍ بـالسيوف مُبدّد
وبها على صبر الحسين ترقرقت عـبراته حُـزناً لأكـرم سـيّد
وعـلّي قـدر من ذوابة هاشم عـبقت شـمائله بطيب المحتد
أفـديه مـن ريـحانة رَيّـانة جـفّت بـحر ظَما وحرّ مُهند
بكر الذبول على نَضارة غُصنه إن الـذبول لآفة الغصن الندي
مـاء الصبا ودم الوريد تجاريا فـيه ولاهـب قـلبه لم يخمد
لـم أنـسه مـتعمما بثبا الضيا بـين الـكماة وبالأسنّة مرتدي
يَـلقى ذوابـلها بـذابل معطفٍ ويـشيم أنـصلها بـجيد أجيَد
خـضبت ولـكن من دم وفراته فـاحمرّ ريـحان العِذار الأسود
جمع الصفات الغُرو هي تراثه مـن كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر بإبا الحسين وفي مهابة (أحمد)
وتـراه في خلق وطيب خلائق وبـليغ نـطق كالنبي (محمد)
يرمي الكتائب والفلا غصّت بها فـي مـثلها من عزمه المتوقد
فـيردّها قَـسرا عـلى أعقابها فـي بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبد
ويـؤب لـلتوديع وهو مجاهدٌ لـظما الـفؤاد وللحديد المجهد
صـادي الـحشى وحسامه ريّان من مـاء الـطلا وغـراره لـم يـبرد
يـشكو لـخير أب ظمآه وما اشتكى ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي
فـانـصاع يُـؤثره عـليه بـريقه لـو كـان ثَـمّة ريـقة لـم تـجمد
كــل حـشاشة كـصالية الـغضا ولـسـانه ظـمـاء كـشقة مـبرد
ومـذ انـثنى يـلقى الكريهة باسما والـموت مـنه بـمسمَع وبـمشهد
لـفّ الـوغى وأجـالها جول الرحا بـمـثقّفٍ مــن بـأسـه ومُـهنّد
عـثر الـزمان بـه فـغادر جسمه نـهب الـقواضب والـقنا المتقصد
ومحى الردى يا بئس ما غال الردى مـنه هِـلال دُجـاً وغـرة فـرقد
يـا نـجعة الـحيين هـاشم والعُلى وحِـمى الـذمارين الـعُلى والسودد
كـيف ارتـقت هم الردى لك صعدة مـطـرورة الـكـعبين لـم تـتأود
فـلتذهب الـدنيا عـلى الـدنيا العفا مـا بـعد يـومك مـن زمانٍ أوغد
الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم
ذكر جملة من اسرته . ولد في النجف الأشرف في حدود سنة 1282 هـ . وفيها
نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن
علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى
من الشعراء . قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء
إلى أخلاق كريمة . توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 هـ . في النبطية
ودفن فيها
قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين عليهما السلام ـ الشك
منه ـ فقال لأبي أجز هذا البيت :
لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا
فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته
الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند
صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق
أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي (سقط المتاع) (عرف
الولاء) (عقر الظباء) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (ع) يذكر
فيشكر ونجد بلدة النبطية ـ اليوم ـ ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر
أهل
البيت (ع) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى بـ
(الحسينية) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء
وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما
باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى
خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :
روت الفلك في متون البحار نبأ البرق عن صحيح البخار (ي)
وأخرى في وصف (التلغراف) وثالثة في صفة (القطار) ورابعة في وصف
(السيارة) أو تقرأ له (البدويات والأعاريب) وملحمته الكبرى (الشمس وبنو
عبد شمس) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي
على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على
الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره
مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه .
توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 هـ . ودفن هناك ورثاه
الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية
ومن مخلفاته العلمية كتاب (سيماء الصالحين) وهو على صغر حجمه موفق في
اسلوبه كل التوفيق .
ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها (عمّ الفساد) :
بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ وهوىً يهب فتُطفأ السُنن
وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها فـتنٌ وفـتّانٌ ومُفتَتـن
ومنها :
القومُ سرّهم معاويةٌ وقميص عثمان لهم عَلَن
ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس
الحسينية بالنبطية سنة 1329 هـ . وأراد إجراء صيغة الوقف قال :
أنـا عبد الحسين والصادق الـودّ لآل النبي ثبت الولاء
أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حـتى أقـمت بـيت العزاء
فـهو وقـفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذوالفضل من أبنائي
ولـدى الانـقراض منا يناط الأمـر فـيه لأورع العلماء
وقال في رثاء الحسين عليه السلام :
سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا مـستحفياً عـن أبيّ الضيم ما فعلا
أحـلّقت نـفسه الـكبرى بـقادمتي إبـائه أم عـلى حـكم الـعدا نزلا
غـفرانك الله هل يرضى الدنية مَن لـقاب قـوسين أو أدنـا رقى نزلا
يـأبى لـه الـشرف المعقود غاربه بـذروة الـعرش عن كرسيه حولا
سـاموه إمـا هـواناً أو ورود ردىً فـساغ فـي فمه صاب الردى وحلا
خـطا لـمزدحم الهيجاء خطوته ال فـسحاء لا وانـياً عـزما ولا كسلا
يـختال مـن جـده طـه ببرد بهاً ومـن أبـيه عـليٍّ فـي بجاد علا
فـالكاتبان لـه فـي لـوح حومتها ذا نـاظـم مـهجاً ذا نـاثر قـللا
يـمحو بـهذين مـن ألواحها صوراً أجـل ويـثبت في قرطاسها الأجلا
يـحيكُ فـيها عـلى نـولي بسالته مـن الـحمام إلـى أعـدائه حـللا
مـا عَـضبه غير فصّال يداً وطلا ولـدنه غـير خـياط حـشاً وكـلا
هـما مـعاً نـشرا مـن أرجـوانها مـا جـلل الأرحبين السهل والجبلا
تـقلّ يـمناه مـشحوذ الغرار مضاً مـواجـه عـلـقاً وهـاجة شـعلا
مـا بـين مضطرب منه ومضطرم نـار تـلظّى ومـاء لـلمنون غلى
طـوراً يـقدّ وأحـياناً يـقط وفـي حـاليهما يـقسم الأجـسام مـعتدلا
فـهو الـمقيم صلاة الحرب جامعة لـم يـبق مـفترضاً مـنها ومنتفلا
تـأتمّ فـيه صـفوف مـن عزائمه تـستغرق الكون ما استعلا وما سفلا
بـالـنحر كـبّر مـاضيه وعـامله بـالصدر فـاتحة الطعن الدراك تلا