من سرّ آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم في الصلاة على النبيّ الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : [ اللهمَّ..!! صلّ على محمد وآل محمد في الأوّلين، وصلّ على محمد وآل محمد في الآخرين، وصلّ على محمد وآل محمد في الملأ الأعلى، وصلّ على محمد وآل محمد في المرسلين. اللهمَّ..!! أعطِ محمداً الوسيلةَ والشرفَ والفضيلةَ والدرجةَ الكبيرة. اللهمَّ..!! إنّي آمنت بمحمد وآله ولم أره، فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته، وارزقني صحبته، وتوفّني على ملّته، واسقني من حوضه مشرباً رويّاً سائغاً هنيئاً لا أظمأ بعده أبداً إنّك على كلّ شيء قدير. اللهمَّ..!! كما آمنتُ بمحمدٍ ولم أره، فعرّفني في الجنان وجهه. اللهمَّ..!! بلّغ روح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عنّي تحيّة كثيرة وسلاماً ].
فإنَّ مَن صلّى على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصلوات هُدمت ذنوبه، وغُفرت خطاياه، ودام سروره، وأُستُجيب دعاؤه، وأُعطي أمله، وبُسط له في رزقه، أُعين على عدوّه، وهُيّء له سبب أنواع الخير، ويُجعل من رفقاء نبيّه بين يديه في الجنان الأعلى، يقولهنَّ ثلاث مرّات غدوّةً وثلاثاً عشيّة.
باب المباهلة وما ظهر فيها من الدلائل والمعجزات |
قال الطبرسي رحمه الله في نزول الآيات : قيل : نزلت في وفد نجران السيد والعاقب ومن معهما ، قالوا لرسول الله (ص) : هل رأيت ولداً من غير ذكر ؟.. فنزلت { إن مثل عيسى } الآيات ، فقرأها عليهم ، عن ابن عباس وقتادة والحسن ، فلما دعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك ، فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غدٍ ، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على غير شيء . فلما كان من الغد
جاء النبي (ص) آخذا بيد عليّ بن أبي طالب (ع) ، والحسن الحسين (ع) بين يديه يمشيان ، وفاطمة (ع) تمشي خلفه ، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رأى النبي قد أقبل بمن معه سأل عنهم ، فقيل له : هذا ابن عمه وزوج ابنته وأحبّ الخلق إليه ، وهذان ابنا بنته من عليّ ، وهذه الجارية بنته فاطمة أعزّ الناس عليه وأقربهم إليه . وتقدّم رسول الله فجثا على ركبتيه ، فقال أبو حارثة الأسقف : جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة ، فرجع ولم يقدم على المباهلة فقال له السيد : أُدنُ يا حارثة للمباهلة ، قال : لا ، إني لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة ، وأنا أخاف أن يكون
صادقاً ، ولئن كان صادقاً لم يحل علينا الحول والله وفي الدنيا نصرانيٌّ يطعم الماء ، فقال الأسقف : يا أبا القاسم !.. إنا لا نباهلك ولكن نصالحك ، فصالحْنا على ما ننهض به .... وروي أنّ الأسقف قال لهم : إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، وقال النبي (ص) : والذي نفسي بيده !.. لو لاعنوني لمُسخوا قردة وخنازير ، ولأضطرم الوادي عليهم ناراً ، ولما حال الحول على النصارى حتى هلكوا كلهم ، قالوا : فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا
إلى النبي (ص) وأهدى العاقب له حلةً وعصاً وقدحاً ونعلين وأسلما .... { وأنفسنا } يعني عليّا (ع) خاصة ، ولا يجوز أن يكون المعنيّ به النبي (ص) لأنه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره ، وإذا كان قوله : { وأنفسنا } لابدّ أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى عليّ (ع) ، لأنه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وزوجته وولديه (ع) في المباهلة ، وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة ، والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحدٌ ، إذ جعله الله سبحانه نَفْس الرسول ، وهذا ما لا يدانيه فيه أحدٌ ولا يقاربه ، ومما يعضده في
الروايات ما صحّ عن النبي (ص) أنه سُئل عن بعض أصحابه ، فقال له قائل : فعليّ ؟.. فقال : إنما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي . وقوله (ص) لبريدة : لا تبغض عليّا فإنه مني وأنا منه ، وإنّ الناس خُلقوا من شجرٍ شتّى وخُلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة .. وقوله (ص) بأُحد وقد ظهر من نكايته في المشركين ووقايته إياه بنفسه حتى قال جبرائيل : يا محمد !.. إنّ هذه لهي المواساة ، فقال : يا جبرئيل !.. إنه لمني وأنا منه ، فقال جبرائيل : وأنا منكما. ص280 |
المصدر: |
مجمع البيان 2/451 |
|
وروى إمامهم الرازي في تفسيره الروايتين في المباهلة والكساء مثل ما رواه الزمخشري إلى قوله { ويطهركم تطهيرا } ثم قال : واعلم أنّ هذه الرواية كأنها متفقٌ على صحتها بين أهل التفسير والحديث ثم قال : هذه الآية دلت على أنّ الحسن والحسين (ع) كانا ابني رسول الله (ص). ثم قال : كان في الري رجلٌ يقال له محمود بن الحسن الخصيمي ، وكان متكلّم الاثنى عشرية ، وكان يزعم أنّ عليّاً (ع) أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد (ص) ، قال : والذي يدل عليّه قوله تعالى : {
وأنفسنا وأنفسكم } وليس المراد بقوله : { وأنفسنا } نفس محمد (ص) لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب (ع) ، فدلت الآية على أنّ نفس عليّ هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس . فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، تُرك العمل بهذا العموم في حقّ النبوة وفي حقّ الفضل ، لقيام الدلائل على أنّ محمداً (ص) كان نبياً ، وما كان عليّ كذلك ولانعقاد الإجماع على أنّ محمداً (ص) كان أفضل من عليّ فيبقى فيما سواه معمولاً به ، ثم الإجماع
دلّ على أنّ محمداً (ص) كان أفضل من سائر الأنبياء ، فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية . ثم قال : وتأكد الاستدلال بهذه الآية بالحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله (ع) : ( من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحا في طاعته ، وإبراهيم في خلّته ، وموسى في قربته ، وعيسى في صفوته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب (ع) ).. فالحديث دلّ على أنه اجتمع فيه ما كان متفرّقاً فيهم ، وذلك يدلّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد (ص) . وأما سائر الشيعة فقد كانوا قديماً وحديثاً يستدلون بهذه الآية على أنّ عليّاً (ص) أفضل من سائر الصحابة ، وذلك لأنّ
الآية لما دلت على أنّ نفس عليّ مثل نفس محمد (ص) إلا فيما خصّه الدليل ، وكان نفس محمد (ص) أفضل من الصحابة فوجب أن يكون نفس عليّ أفضل من سائر صحابته.ص283 |
المصدر: |
مفاتيح الغيب 2/471 |