ثلاثي استيراد البشر والأسلحة والعمار، من أهم عناصر التغريب الاستهلاكي
استيراد واستهلاك البشر
يَتَّسِم التطوّر الاستيطاني – الاجتماعي في إمارات الخليج بالانفصام: خارِجه عمار شاهق غريب يمرِّر بريق استهلاكية مُسْرِفة؛ وداخِله نسيج اجتماعي ينهشه ضمور الثقافة الاسلامية ولغتها العربية، وقلق وحيرة المواطنين، كما الوافدين، من حاضر مصطنع بين قبائل غير متجانسة تجمعهم رسمياً دولة مركزية قائمة على الاستبداد والفساد المالي وخدمة الاستعمار، ومستقبل مجهول سياسياً واقتصادياً وأمنياً، خاصة وان الميزان الديموغرافي أصبح شديد الاختلال بعد ان وصلت نسبة الوافدين الى المواطنين قرابة عشرة الى واحد في بعض الامارات!.
وقد حصل هذا نتيجة الخطأ التخطيطي – الاستراتيجي الخطير، بل القاتل، الذي تبنّته الامارات باستيراد ملايين البشر عوضاً عن التركيز على مواطني البلاد.
وانتشر أسلوب العيش في فيلات كبيرة، ليس باستطاعة ربَّة البيت إدارتها. وبينما السلوك الطبيعي في العالم، ومنه في بلاد المسلمين، إدارة أفراد الأسرة لشؤونهم داخل وخارج الدار، فان مجتمع الخليج يعتمد الى حد كبير على استيراد الخدم لانجاز مهام ومستلزمات البيوت والمؤسسات: خادم، خادمة، مربية، طبّاخ، سائق، عامل في الحديقة، حارس عمارة، منظف للشوارع والساحات، وعمال بناء...
وبينما هناك أُسراً خليجية تعامل الخدم كأفراد العائلة، وخادمات أمينات لعملهنّ ومخدومهنّ؛ فان هناك مشاكل متنوعة من جرّاء ظاهرة استيراد الخدم...حتى ان البحرين الصغيرة وحدها تدفع 133 مليون دولار سنويا لخادمات المنازل ( القدس العربي، 30/05/2011 )... وأصبح في قصور الحكام أطقما من الخدم الطباخين يختص كل طاقم منهم بقائمة طعام بلده... وعن ( القدس العربي، 21/06/2013 ) ان هناك أكثر من مليون خادمة من جنسيات مختلفة يعملن في السعودية، منهنّ أكثر من 500 عاملة منزلية من جنسيات مختلفة ثبت اصابتهنّ بأمراض نفسية وعضوية وبعض الأمراض المعدية...
وعن ( أحمد عبد الملك، الخلل السكاني في دول التعاون، الشرق الأوسط 03/11/2013 ): " ... وكلنا يذكر أن تجمعات اكتشفت في إحدى دول المجلس يسكنها أفراد من جنسية واحدة، لا يعترفون بالقانون المحلي، ويمارسون حياتهم في تلك التجمعات بعيدا عن روح العصر، حيث يتم قطع يد السارق - ولو كان طفلا - أو يمارسون عادات اجتماعية عفا عليها الزمن، وغيرها من الممارسات. وغني عن البيان أن تكدس العمالة في منطقة واحدة يهيئ المناخ لدعوات التخريب والعبث بالأمن والتزوير وزيادة معدل الجريمة".
وفي مقال ( أحمد قنديل، الرفاهية المفرطة في الامارات تؤدي الى انتشار ظواهر خطيرة، إيلاف، 16/04/2012 ): " ... وسجلت شرطة دبي ارتفاعًا في جرائم الخدم خلال العام الماضي 2011، تضمنت سرقات كبرى وجرائم هتك العرض وخيانة الأمانة بنسبة تصل إلى 17.1%، وذلك بواقع 1010 بلاغات مقابل 862 جريمة خلال العام 2010. ... وأن الخادمة قبل وصولها إلى دول الخليج تعيش حلماً جميلاً يترسّخ في مخيلتها وهو السعي إلى الوصول إلى دولة خليجية أو عربية للتخلص من واقعها المزري هربًا من العوز والبطالة والجوع والحروب الدائرة، ولكن هذا الحلم الجميل قد ينكسر في لحظة على صخرة الواقع الاجتماعي عندما تتفاجأ هذه الخادمة بأنها قد تحولت إلى مجرد قطعة شطرنج على رقعة الاستعباد والعبودية... ".
ومن تعليق لأحد القرّاء على هذا المقال: "... اساس المشكلة هو افتقاد دول الخليج للقوانين المدنية... فعلى سبيل المثال نظام الكفيل المتبع لايختلف اثنان عن كونه نسخة طبق الأصل عن نظام العبودية وتجارة الرقيق في العصور الجاهلية ولا يختلف طلب المكفول من كفيله بالحصول على رسالة تنازل للعمل عند كفيل آخر عن صك التحرير وانهاء العبودية.... أما مشاكل الخادمات فلا تتعدى كونها نتيجة طبيعية لغياب مفتعل لقوانين الحقوق المدنية في ظل وجود سكين الكفيل فوق رقاب الخدم....".
وفي استعراض للناقد ابراهيم درويش لكتاب " أندرو هاموند ": اليوتوبيا الاسلامية : وهم الاصلاح في السعودية "، جيوب ليبرالية وسط مجتمع يحتل المطاوعة فضاءه في مكة يختفي الماضي وتولد " دبي " جديدة ( القدس العربي، 04/12/2012 ): " ... وفي النهاية يكشف الكتاب من بين ما يكشف عنه، عن ثمن الفصل في المجتمع بين الرجال والنساء والاثار الاجتماعية والاقتصادية على البلاد، فنظام الفصل يكلف البلاد مليارات الدولارات تذهب للخارج، فهناك مليون خادمة في بيوت السعوديات، ومليون سائق خاص للبيوت السعودية ومليون ممرضة اجنبية تعمل في القطاع الصحي والتعليم ومؤسسات الدولة الاخرى. وتنفق السعودية سنويا خمسين مليار دولار على هذه الخدمات، فلو سمح للنساء بقيادة السيارات والعمل لادى الى استبدال العمالة بما بين 2-3 ملايين سعودية ولوفر على خزينة الدولة 20 مليارسنويا. ولانتهى نظام الكفالة الذي يعتبر مصدر دخل للمواطنين والامراء حيث يشير تقرير ان الامراء كانوا سببا في زيادة عدد العاملين الاجانب من 4.2 - 6.5 مليون عامل اجنبي في الفترة ما بين 1992 - 1995، وهي ارقام مذهلة لكنها لا تقارن بأرقام اخرى مذهلة في مجال التسليح ومحاولات الدولة لبناء مجتمع استهلاكي... كل هذا لان اعطاء المرأة مساحة من الحرية 'يفسدها' لانها اصل الشر حسب مفتي الدولة وعلمائها، ويشير الكاتب الى ما وصفه واحد من مشاعل النور في الوهابية، عبدالرحمن البراك الذي اقترح على المرأة ان تخرج للصحراء مع زوجها ان رغبت بمسابقة زوجها في الجري، لان الرسول صلى الله عليه وسلم سابق عائشة. ولعل الكتاب حافل بهذه الامثلة، التناقضات الساخرة، ومعضلة المرأة السعودية وقمع الاصلاح وفساد المؤسسة وفيه لمن اراد المزيد ".
وهذه الملايين من الوافدين الآسيويين الذين استُقْدِموا للعمل من الفلبين وسري لانكا وبنغلاديش واندونيسيا والباكستان والهند وغيرها أصبحوا يشكلون في كل من الامارات والكويت وقطر اكثر من 70% من اجمالي السكان. فكل خمسة أشخاص من ستة في دبي هم من الوافدين. وفي الكويت وحدها 567 ألف من خدم المنازل ( القدس العربي، 27/06/2011 ). حتى ان وجودهم يسيطر على مشهد المدن والاسواق وكأنها في شرق آسيا. وهم يمارسون مختلف المهن الصعبة ويتقاضون عنها أقل الاجور، ويعامَلون أسوأ معاملة.
وحسب Anti – Slavery International فان دبي مركز مرور وتجارة الانسان، ومنه الالاف من الاطفال الذين يُستخدمون في سباق الهجن، وتجارة الجنس ... وهؤلاء يقومون بمختلف الاعمال: من خدمة البيوت وتشييد المباني وإدامة المنشآت... فهم يمثلون القوة العاملة الاساسية في الامارات، وهم يعملون اكثر من ثمان ساعات في اليوم وستة أيام في الاسبوع لتشييد البلاد وحياة ترف نخبته الحاكمة والمستفيدة. بينما هم محرومون من أبسط حقوقهم، فهم لايملكون شيئا يذكر، يعيشون فقراء وأذلاء ومرعوبين من احتمال الطرد المزاجي والإبعاد في أي ساعة، إلا بما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، يتصرّف بهم سادتهم تصرفهم المهين بالعبيد، بحاضرهم ومستقبلهم: بدءً بالسيطرة عليهم، منذ دخولهم الى المطار بمصادرة جوازات سفرهم وأوراقهم الرسمية، حتى القذف بهم الى المطار ليتسلموا جوازاتهم للعودة الى بلادهم بعد ان تمّ امتصاص طاقاتهم وأزمانهم وأحلامهم: إذ دخلوا الى الامارات شباباً بشعر أسود فاحم ويخرجون منها أشباحاً بقوى خائرة وشعر أبيض أشيب وذكريات مؤلمة وخائبة وحائرة في المعادلة الظالمة التي وضعها سادتهم: اما أن تُوافق أو تُنافق أو تُفارق…
وهذا العار التاريخي والثقافي هو ماتصنعه الامارات لخدمة النخب من حُكّام وأثرياء البلاد والغرب، وذلك بواسطة التضحية بحياة وحقوق ملايين من الوافدين لكسر أرقام قياسية. بينما كان عمر بن الخطاب يقول لحكام الاقاليم: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ". ولعلي بن أبي طالب قول للفرد المسلم: " لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا ".
وقد ورد في مقال( Helen Stoilas, Abu Dhbi, Artists back Guggenheim boycott, The Art Newspaper, No. 223, April 2011 ) : بأن 130 من الفنانين والكتاب العالميين رفضوا التعاون لانجاز المشروع الى حين تحسين ظروف العمال الذين يُشيدون مبنى متحف غوغنهايم ووقف استغلالهم. وقد نشروا وثيقة المقاطعة على الانترنيت مطالبين بحماية حقوق العاملين على تنفيذ المشروع . وسبق لاحدى منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، أن أصدرت تقريرا عام 2009 يوثّق معاناة العمالة الاجنبية في جزيرة السعديات، والذي استعرض: قلّة الاجور وثقل الاستدانة، وعدم قدرة العمال على حماية حقوقهم الى حد عدم قدرتهم على ترك وظائفهم. وطالبت وثيقة المقاطعة الجديدة متحف غوغنهايم وشريكه الاماراتي " شركة التطوير والاستثمار السياحي " بتعويض العمال، وتعيين لجنة حيادية تحدد وتنشر المفارقات في ظروف العمل في تنفيذ مشروع جزيرة السعديات نسبة للمقاييس الحقوقية الدولية. كما احتجّت مجموعة من الفنانين بأنهم سوف لن يعرضوا أعمالهم في متحف يشيّد على حساب انتهاك حقوق العمال واستغلالهم، مما سيؤثر على سمعته، وناشدوا الآخرين بعدم العرض في هذا المتحف. وأضاف المقال، انها ليست المرّة الاولى التي تقوم بها منظمة حماية حقوق الانسان باصدار الاحتجاجات على ظروف عمل الوافدين في دولة الامارات، ففي عام 2007 طالبوا الحكومة الفرنسية بالدفاع عن حقوق العمال الذين يشيدون متحف لوفر – أبوظبي في جزيرة السعديات.
ويتكرّر استغلال العمال الوافدين لتشييد ملاعب ومرافق كأس العالم في قطر، بعد ان تقدّمت صحيفة الجارديان البريطانية، والاتحاد الدولي للنقابات، ومنظمة العمل الدولية بتقارير عن " انتهاكات مُقلقة... واستغلال بشع... وعدم دفع الرواتب، وظروف العمل الصعبة والخطيرة، وظروف الاقامة الصادمة... ويعاملون " مثل الماشية "... ( القدس العربي، قطر تتعهد باحترام حقوق العمال في ورش كأس العالم 2022 بعد انتقادات، 19/11/2013 ).
ومع فساد النخب الحاكمة، هناك الكسل وقلّة مبالاة المواطنين بالعمل والتخصّص واكتساب المهارات، والافتقار إلى الدقّة والكفاءة اللازمة لانجاز الأعمال، اضافة الى افتقاد الحس الوطني بواجب الحفاظ على تراث وتقاليد البلاد. كما ان ثقافة قبول الآخر ضعيفة، سواء فكرياً أو عرقياً أو دينياً. بينما خلق الله البشر سواسية بفطرة انسانية واحدة قائمة على الحب والسلم والتعاون والتراحم والاحترام ... وخلق كل انسان لغاية وسَعْي في العمل المنتج، وان كل انسان هو جزء عضوي من الانسانية بمعارفها وحكمتها وثقافاتها وحضارتها... فجميعنا من نفس واحدة، ولايجوز لانسان ان يضرّ أو يحتقر غيره، الذي فيه كما في الآخر نفخة من روح الله.
والانسان شريك أخيه الانسان في الأرض والهواء... وعضيده في تعمير الكوكب وتطويره بالتعاون والتشارك والتكافل... فالأرض وطن البشر جميعا، خلقوا من ترابها ويعودون اليه عظاماً، أم رماداً، أم تيزاباً. ورحم الله المناضلين الشهداء الذين ذوّبهم الطغاة بالأسيد من أمثال فرج الله الحلو ( 1906 – 1959 )، والمهدي بن بركة ( 1920 – 1965 ).
فهل من الاسلام، أم من الشرعية، أم من الاخلاق معاملة بناة الامارات كالعبيد؟. وهل من العدل إقصائهم وحرمانهم من خَيْرات البلاد؟.
فهؤلاء الوافدين بشر، مَثَلَهُم في الانسانية كَمَثَلِ السلاطين والملوك والامراء والشيوخ والفنانين والشعراء وسائر الناس الآخرين. ولكن بينما ينام بعض الوافدين مجموعات في بيت واحد على الارض وفوق سطوح المنازل، هناك جناحاً في فندق أتلانتيس في دبي تصل الاقامة فيه الى 25.000 دولارا في الليلة الواحدة!.
بينما كتب ( فوزي سعد الله، في خضم التحرش بالمهاجرين: فرنسا تنشيء متحفا للهجرة وفضلها على تطور فرنسا لكن بدون ضجيج )؛ إذ أقامت فرنسا، وسط كل مايقال عن هجرة المسلمين الى أوربا من أكاذيب مُلَفَّعَة بالاسلاموفوبيا، متحفا باسم " المدينة القومية لتاريخ الهجرة "، الذي يُشِيْدُ بِدَوْر المهاجرين في تاريخ وبناء فرنسا.
شراء الاسلحة
تشتري دول الخليج دورياً أسلحة بعشرات ومئات مليارات الدولارات، تتضمن عمولات ورشاوي ضخمة تصبّ في جيوب نخب الغرب والخليج، كما بانَ من صفقة " اليمامة ".
حيث تجري صفقات الأسلحة، كما هو الحال في عقود مقاولات البناء وغيرها، خاصّةً من ذوات اللحمة الدَسْمَة، من نوع وكثافة " الهَبْرَة "، و " الشِرِح " ( وتُدعى بلغة الرشوة: " الجُوْكَر "، وذلك استعارة من مفردات المَيْسَر. فيشيرون وهم يتسامرون الى ان: " فلان طَلّع جوكر ". واذا تمنّى أحدهم لزميله من الحرامية خيراً يقول له: " يوم يِطْلَعْلَك الجوكر ". ولكل حرامي " جُوْكَرهُ ": إذ يُ" جُوْكِرُ " الوزير، والمدير العام، ومدير المشروع... أما النزيه الذي تمّ اقصاؤه، أو المرشّح للاقصاء ليصبح عِبْرة لمن اعتبر، فهو في لغة أهل الرشوة والفساد " غير متعاون و... rigid ... ).
يسرق المُتنفِّذون ومن يُساهم في وضع العقد: مِنْ كُلٍ حَسْبَ مكانتِه ووظائفه، ولِكُلٍ حَسْبَ أحلامه وإسرافه. ومن لايسرق يُستبعد لضمان سرِيّة ال " شَغْلَه "، ولفسح المجال أمام الآخرين يسرقون: بشكل سرِّي ومثقّف ومهذّب، بهدوء وبرود وصمت وابتكار وتواصل، بلا عراك ولا خصام. بل: تَسَاعَدوا وتَعاونوا وتَسَاندوا وتَناصَروا وتعاضَدوا وتكاتفوا واستقووا ببعضكم على الكذب والنهب، حتى يظهر الكذبُ صِدْقاً والنهبُ حِرْصاً وأمانةً. واطبخوها واسلقوها جيداً قبل نشوة تذوقها وارتشافها وبلعها. واعلموا انه لن يحاسبكم أحد: فجميع المسؤولين من عَبَدَة الدولار وخدم الاستعمار، وحراميّة محترفين وأبرار. والرجاء اسرقوا، واتركوا اخوتكم كذلك يسرقون: بشرف وإخلاص لكي تكونوا جديرين بثقة الآخرين. واسرقوا باسراف ونهم، فانها فرصتكم الوحيدة في جولات النهب وصولاته، وربما الفريدة عالمياً ل" جمع " المال. وانهبوا بأخلاق عالية ومسؤولية تاريخية، وبشعور وطني ووجداني بمستقبل الأجيال: بإبقاء شيئ للأولاد والأحفاد معكم ومن بعدكم ينهبوه، فيرثوا عنكم الحُسْنَيين: مليونيرية وفاسدون / متخلفون. فالتخلّف قَدَر من الأقدار، وكذلك التغريب وخدمة " الأجندات " الخارجية والاستعمار.
وهكذا يستمر شراء الأسلحة لاكمال زينة " الاستقلال "، ريثما يتمّ استبدالها بين حين وآخر بأسلحة أخرى يقال انها أكثر تطوراً وفعّاليّة ومن آخر موضة: طائرات مقاتلة، وأخرى للتزوّد بالوقود، ومروحيّات، وسفن حربية وغوّاصات، وصواريخ وأنظمة دفاع جوّي، ورادارات، ودبّابات ومدافع ومدرّعات، وأسلحة خفيفة... ولكن لايُعرف عنها شيئا: هل هي خُرْدة صدئة لاسلحة قديمة؟. أم تُباع للتخلّص من الأنظمة الكلاسيكية البائرة بعد أن تطوّرت الأسلحة الى آفاق نوعية: الكترونية، وطبيعية: بيولوجية، ومناخية، وجيولوجية...؟. أم هي جزية تفرضها النخب الغربية الطفيلية لحماية أنظمتها العميلة في مستعمراتها؟. أم هي احتياط فوري لقواعد الأطلسي المنتشرة في الخليج؟. وما هو مصير موضات الأسلحة السابقة؟. وتلك التي تُواصُل دول الخليج شراؤها؟. وهل هناك أطقماً تقنية وورشاً فنية محلية لادارة وصيانة النظم المعقدة من الأسلحة المستوردة؟. وهل لدى دول الخليج قدرة قتالية أو رغبة على مواجهة أو شنّ حرب ضد اسرائيل المتفوقة بسلاح الجو على كافة بلدان العرب؟. فدول الخليج لم ولن تحارب اسرائيل، والغرب يحمي الاثنين معاً بقواعده وجيوشه سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وأمنياً.
كما ان دول الخليج لاتبني جيوشاً محترفة قادرة على الدفاع عن أوطانها وشعوبها. إذ تتألف جيوشها من أعداد قليلة من المليشيات التي تحرس السلطة الحاكمة؛ وهم أقرب للموظفين ذوي الكروش من المحاربين الاقوياء الاشدّاء. إضافة الى انهم لايساندون نضال العرب والمسلمين ضد الاستعمار وربيبته اسرائيل. بل على الضدّ من ذلك: ففي أوقات الشدّة، كما حصل في البحرين، تم استدعاء جيوش السعودية والامارات لقمع مطالب البحرينيين بالاصلاح. كما تساهم دولة الامارات وقطر في دعم التدخل العسكري لحلف الاطلسي في ليبيا وسورية. وقبلها دعمت دول الخليج حلف الأطلسي في غزو وتخريب وتدمير ونهب ومحق العراق. وفي نفس الوقت تستنجد دولة الامارات بشركة " بلاكووتر " الامريكية، التي قامت بأعمال إجرامية لاتعد ولا تحصى ضد الشعب العراقي، وذلك لتشكيل قوة من 800 مرتزق أجنبي لحماية الدولة من التهديد الخارجي والانتفاضة الداخلية ( القدس العربي، 16/05/2011 ).
وهكذا فان شراء الاسلحة هو جزء استراتيجي من سياسة التغريب الاستهلاكي لاستنزاف ثروات مواطني الخليج ومواردهم الطبيعية، ولانعاش اقتصاد ورفاه الغرب، وضمان فرص العمل لنسبة عالية من العاطلين فيه. إضافة الى دعم المؤسسة الصناعية - العسكرية الغربية الشريرة في تطوير أجيال جديدة من أسلحة الدمار الشامل التي تُستخدم في غزو بلدان المسلمين وتخريبها ونهبها. وكذلك حجز مئات مليارات الدولارات المرصودة لشراء الاسلحة عن تطوير البلاد بالطريق العلمي الصحيح، وعن مساندة ومعاونة العرب والمسلمين. اضافة الى العامل الأهم وهو اقتصار مجال استخدام الأسلحة، كما هو مجرّب منذ عقود، على قمع الشعوب التي تظلمها الأنظمة الحاكمة.
وصدق الشاعر المصري الراحل الكبير أمل دنقل:
قلت لكم مرارا...
ان المدافع التي تصطف على الحدود في الصحارى
لاتطلق النيران إلا حين تستدير للوراء
إن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء
لاتقتل الأعداء لكنها تقتلنا إذا رفعنا أصواتنا جهارا
تقتلنا وتقتل الصغارا
كما ان الأسلحة العربية عامة، والخليجية خاصة، ليست صناعة محلية. واستيراد أنواعها وتفعيلها مرهون بأوامر ومصالح النخب الغربية الحريصة على حراسة ضعف وهوان مستعمرات الخليج لتخويفها بفزّاعة العدو الايراني... أو الشيعي... أو ل" تحقيق التوازن مع إيران النووية "!. علماً بأن ايران قادرة على اجتياح الامارات في يوم واحد؛ كما انها تبني قوّتها العسكرية داخلياً، ولديها العلماء والتقنيين والمصانع والتطور الاقتصادي والعلمي والتقني والثقافي المفقود ليس في أمارات الخليج فحسب بل في جميع دول العرب.
وكتبت:
Roula Khalaf and James Drummond, Gulf states in $ 123 bn arms spree, The Financial Times, 20/09/2010:
The Arab states of the Gulf have embarked on one of the largest re-armament exercises in peacetime history, ordering US weapons worth some $123bn as they seek to counter Irans military power.
وتُواصِل دول الخليج شراء السلاح واستجداء تدخل الأطلسي لانقاذها من شعوبها. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية حديثاً عن صفقة جديدة لتسليح الامارات والسعودية بقيمة 11 مليار دولار أمريكي.
العمار الاستهلاكي
وبينما يتواصل سباق الهِجِن على الرمال، يصعد العمار في الفضاء المجاور: مبنى أعلى من آخر: برج العرب - دبي 321 مترا، برج الأميرة – دبي 414 مترا، برج الساعة – مكّة 601 مترا، برج خليفة – دبي 828 مترا، برج المملكة – الرياض 831 مترا ( 3 أمتار فَرِق )..... المهم ان يصعد البرج عالياً يراه الناس، وأن يُشَيّد البرج الجديد ولو ببضعة ملليمترات أعلى من سابقيه، لكن ليس مهماً تشييد مرافق الصرف الصحي تحته، فهي منشآت لن يراها أحد. فلا يهم طوفان مياه الأمطار والمجاري في العواصم والمدن التي تغمر المياه شوارعها وأنفاقها وتتسبب في تعطيل الدراسة، وقطع الكهرباء، وغرق الناس والمنازل والسيارات... فليس المهم حياة وراحة الأهالي بقدر بقاء الأبراج عالية صامدة شامخة للاعلان عن التنمية!. حتى ان مفتي السعودية طالَبَ ب " معاقبة كل من تهاون في تنفيذ مشروعات الدولة بالشكل المطلوب... وطالب منفذيها بان يتقوا الله، وأن يعلموا أن أي مال أخذوه فهو حرام ". ( القدس العربي، مفتي المملكة: الذين نفذوا المشاريع المتضررة " خائنون للأمانة "، غضب في الشارع السعودي لتردّي البنى التحتية وشبهات فساد تشوب مشاريعها، 19/11/2013 ).
ولا تقتصر أبراج البناء العالي غير الوظيفية على أبو ظبي ودبي والدوحة والرياض وجدّة... التي غرّبوها وسط عمار استهلاكي شاهق وقبيح، بل امتدّ الى مكّة المكرّمة، ومنه تحويل جوار الكعبة المشرّفة الى " مولات "، وفنادق 5 و7 نجوم يصل سعر مبيت الغرفة الواحدة الى حوالي 3000 دولارا لليوم الواحد بما لايَقْدَر عليه سوى الأثرياء. مما جعل الكعبة وكأنها في قاع بئر، مضغوطة وبائسة وتعيسة وحزينة... وفي الوقت الذي تبقى مشرّفة روحياً أبد الدهر، فهي ليست كذلك لا تخطيطاً – معمارياً ولا صورة فنيّة.
وذلك عوضاً عن أن تكون الكعبة المشرّفة قمّة مُشرِقة وبهيجة تُشرف وتُهيمن على ماحولها، كما كانت صورتها التاريخية، محاطة بالمعالم الأثرية المهمّة التي ترجع الى فجر الاسلام وترتبط ببزوغ ونشر الرسالة. فالآثار التاريخية تختفي بازالتها وتشيّد على مواقعها وفي محيطها أبراج تغريبية تجارية استهلاكية على خلفية فريضة الحج الروحية الايمانية، وتهيمن عليها عمارة قبيحة لساعة أشد قبحاً سواء في النهار أم بعد مكياجها ليلاً بالأضواء. فَقُبْحها قُدَّ من حجر، وهو من أشد أنواع القبح لأنه يدوم مادام المبنى قائماً. فكيف اذا كان برج الساعة ومُظاهرة أبراج الحجر من حوله في حضرة ملايين الحجاج والمعتمرين في كل عام، اضافة الى تصبيحة يومية على سكان مكّة؟.
وعن برج الساعة هذا قالت الاميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود: " تقف الساعة الرهيبة، ذات الشكل البريطاني الذي ينتمي الى ساحة بيكنجهام، وليس فوق بيت الله الحرام، والشعار الذي يعلو الساعة وكأنه محتار الى أي ثقافة ينتمي....".
وعن الروائية السعودية رجاء عالِم: " شعائر الحج تعزز الاحساس بالتواضع لله، فالرجال والنساء يرتدون ملابس متواضعة أثناء الحج، أما الان فأول مايعصف بعيون الحجاج في الساحة هو برج فندق الساعة الملكية وبجواره إثنان من ارقى المنتجعات .... للأسف أزيلت العديد من المنازل القديمة عن الوجود لتفسح المجال لمراكز التسوق الضخة وللفنادق 5 نجوم على طراز لاس فيجاس وموقف السيارات الضخم تحت الأرض.... والآن ايضا – تضيف عالِم - أينما نظر الحاج يجد اللوحات البراقة لعلامات تجارية عالمية مثل كارتير, تفانى ومقاهي ستارباكس والمطاعم الكثيرة على الطراز الغربي".
و كتبت:
Anny Shaw, Old Mecca falls, luxury hotels rise, The Art Newspaper, No. 250, October 2013:
Development has also come at a cost. Archaeologists estimate that the building boom has destroyed more than 95% of the 1,000-year-old heritage sites and buildings in the cities, with the few remaining sites facing imminent destruction. "Muslims need to make their voices heard now," says Irfan Al Alawi, the executive director of the UK-based Islamic Heritage Research Foundation, who describes Mecca as the new Las Vegas. "We haven't got years or even months—it's a matter of days," he warns. "As we speak, the Grand Mosque looks like a salvage yard," he says.
Al Alawi says there are proposals to demolish the library that was built on top of the Prophet Muhammad's birthplace. Any new building would put paid to future excavations. The Grand Mosque's 500-year-old Abbasid columns, which are inscribed with the names of the Prophet's companions, have recently been torn down.
The rapid construction—and damage to heritage sites—has been backed by Wahhabi clerics, who oppose idolatry. Abu Abdul Rahman Muqbil bin Hadi Al Wadi, one of the most senior Wahhabi clerics in the kingdom, has called for the demolition of the seventh century green dome in Medina, where the Prophet is buried.
وفي مقال ( المواد المقلدة تمثل 40 بالمئة من سوق مواد البناء السعودية، القدس العربي، 20/11/2013 ): " أن حجم سوق مواد البناء في السعودية بلغ 95 مليار ريال (23.5مليار دولار) خلال العام الماضي، تبلغ نسبة المواد المقلدة منها 40′ أي ما يعادل 38 مليار ريال.
وبحسب دراسة أعدها الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين ‘فيديك’ فأن التقليد في العالم العربي يشمل جميع أصناف مواد البناء ابتداء بحديد التسليح والطوب، ومرورا بالكابلات الكهربائية، وانتهاء بالسيراميك والبورسلين.
وأشارت الدراسة إلى أن تجارة مواد البناء المقلدة تفوق في حجمها تجارة المخدرات.
وأضافت أن التطور التكنولوجي سهل عملية تزييف وتقليد السلع وانتشارها في جميع الأسواق العربية ومنها السعودية ".
ونختتم هذا المقال باقتباس مطوَّل، لكنّه مهم وخطير ومُهْمَل. فعن ( بيل لو، حرائق الأبراج الشاهقة شبح يهدد دول الخليج، بي بي سي، 22/09/2013 ): " تتزايد مخاوف دول الخليج جراء ارتفاع معدلات حدوث "حرائق الأبراج الشاهقة" في أعقاب اندلاع حرائق خلفت وراءها خسائر فادحة في أبنية سكنية في مدينتي الشارقة ودبي في دولة الإمارات العربية المتحدة... تضم دول الخليج بعض أعلى بنايات الابراج في العالم، لكن بعض خبراء البناء يقولون إن الكثير من هذه الابراج مكسوة بمادة شديدة الاشتعال، الأمر الذي يشكل تهديدا خطيرا على ساكنيها.... ويقدر أحد الخبراء في الإمارات أن نحو 70 في المئة من البنايات شاهقة الارتفاع تحتوي على كسوات تضم ألواحا مستخدمة في الواجهات الخارجية المصنوعة بدورها من بلاستيك حراري قابل للاشتعال يتوسط لوحين من الألومنيوم.... فعندما تشتعل النيران في أحد الألواح، سرعان ما تنتشر وتصل الى قمة البناية وتخلف وراءها حطاما محترقا يتساقط في الشوارع مثل الألعاب النارية على حد وصف أحد الخبراء....وقد يكون السبب الرئيسي وراء اشتعال النار بسيطا كعقب سيجارة مشتعل أو تطاير فحمة من إحدى الشوايات في شرفة منزل من المنازل.... في الثالث والعشرين من أبريل/نيسان اندلع حريق في برج (الحفيت) في الشارقة على نحو مماثل لحريق سبق واندلع في برج التمويل في دبي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فضلا عن اندلاع حريق آخر في برج (الطاير) المكون من 40 طابقا في الشارقة في أبريل/نيسان عام 2012. "... " ويقدر بوهلين ان "500 بناية على الاقل " في الإمارات تكسوها ألواح قابلة للاشتعال... وقال بوهلين إن بريطانيا حظرت استخدام كسوات البناء منذ ثمانينيات القرن الماضي كما أن القانون الامريكي يمنع على وجه الخصوص استخدامها في الابنية التي يرتفع عدد طوابقها عن ثلاثة أو أربعة طوابق... فخلال أحد المؤتمرات الاخيرة المعنية بالصحة والسلامة في العاصمة القطرية الدوحة، قال خبير آخر إن عددا هائلا من حوادث الحرائق لم تخضع لتحقيقات مناسبة.... وقال ستيف وود، مدير السلامة والصحة لإدارة الشرق الاوسط لدى شركة (ايكوم) الامريكية للتعاون التكنولوجي، بحسب صحيفة قطرية محلية، أمام اجتماع مندوبي معهد السلامة المهنية والصحة إن أسباب الحرائق التي اندلعت في عام 2012 وحده تجاوز ألف حريق في قطر وهي حرائق مازالت غير معلومة... يرى الخبراء أن البنايات الشاهقة تطرح مشكلة تحتاج الى حل... يقول توم بوهلين إن النمو غير المسبوق لمدن الخليج يعني أنه بقدر ارتفاع الابنية الشاهقة بسرعة مذهلة، يتراجع توافر اللوائح وأنظمة الضبط القانونية.... وتحدث سكان الأبراج السكنية التي تعرضت لحرائق عن عدم توجيه إنذار ضد الحرائق أثناء اندلاع الحريق، كما أن الكثير منهم لم يكن على دراية بأنهم وعائلاتهم يعيشون داخل مصيدة محتملة للحرائق ".