إنّ من محاسن شريعتنا الغرّاء
( الشريعة الإسلامية ):
صلاة الاستخارة، التي جعلها الله لعباده
المؤمنين , فعن جابر رضي الله عنه قال:((كان
كما يعلمنا السورة من القران ، وكان يقول:
"إذا هَمَّ أحدكم بالأمرِ فليركعْ ركعتين من غير
الفريضة ،ثم ليقل: اللهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك ،
وأستقدرُك بقدرتِك ،وأسألُكَ من فضلِكَ العظيم،
فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ وتعلمُ ولا أعلمُ،
وأنتَ علامُ الغيوب.
اللهمَّ إن كنتَ تعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي
في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري
-أو قال: عاجِلِ أمري وآجلِهِ - فاقدُرْهُ لي ،
ويَسِّرهُ لي، ثم باركْ لي فيه.
وإن كنتَ تعلمُ أن هذا الأمرَ شرٌ لي في
ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري - أو قال:عاجلِ
أمري وآجِلِه - فاصرِفْهُ عنَّي واصرفني عنه،
واقدُرْ لي الخيرَ حيث كان ، ثم أَرْضِنِي به،
قال :ويسمي حاجتَهُ)) رواه البخاري
إلا أنّ كثيراً من الناس قد هجروا هذه السنة ,
و زهدوا فيها، إمّا جهلاً بفضلها وأهميتها، وإمّا
نتيجة لبعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت
بين الناس ممّا لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة،
وهذا ما أردت التنبيه إليه في هذه العجالة،
فمن هذه المفاهيم:
اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة إنّما
تُشرع عند التردد بين أمرين، وهذا غير صحيح،
لقوله في الحديث: (( إذا همّ أحدكم بالأمر..)).
ولم يقل ( إذا تردد )، والهمّ مرتبة تسبق العزم،
كما قال الناظم مبيّناً مراتب القصد:
مراتب القصد خمس: (هاجس) ذكروا
فـ (خاطر)، فـ (حديث النفس) فاستمعا
يليه ( همّ ) فـ ( عزم ) كلها، رُفعتْ
سوى الأخير ففيه الأخذ قــد وقعا
فإذا أراد المسلم أن يقوم بعمل، وليس
أمامه سوى خيار واحد فقط قد همّ بفعله،
فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه،
فإن كان قد همّ بتركه فليستخر على الترك،
أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات، فعليه:
1- بعد أن يستشير من يثق به من أهل العلم
والاختصاص ـ أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه
الخيارات، فإذا همّ بفعله، قدّم بين يدي ذلك
إلا في أمور معيّنة، كالزواج والسفر ونحو ذلك،
أو في الأمور الكبيرة ذات الشأن العظيم، وهذا
اعتقاد غير صحيح، لقول الراوي في الحديث:
(( كان يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها.. )).
ولم يقل: في بعض الأمور أو في الأمور الكبيرة،
وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس يزهدون
صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال؛ ويكون
لها أثر كبير في حياتهم.
لا بدّ لها من ركعتين خاصّتين، وهذا غير
صحيح، لقوله في الحديث:
(( فليركع ركعتين من غير الفريضة.. )).
فقوله: "من غير الفريضة" عامّ فيشمل
تحيّة المسجد والسنن الرواتب وصلاة
الضحى وسنّة الوضوء وغير ذلك من
النوافل، فبالإمكان جعل إحدى هذه النوافل
ـ مع بقاء نيتها ـ للاستخارة، وهذه إحدى
صور تداخل العبادات، وذلك حين تكون
إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها
من النوافل المقصودة.
4- اعتقاد بعض الناس أنّه لا بد من انشراح
حتّى وإن كان العبد كارهاً لهذا الأمر،
والله عز وجل يقول:
(( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى
أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ
وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ))
وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس في حيرة
لا سيما إذا لم يكن منشرح الصدر للفعل
لإزالة مثل هذا التردد والاضطراب والحيرة.
5- اعتقاد بعض الناس أنّه لا بدّ أن يرى رؤيا
انتظاراً للرؤيا، وهذا الاعتقاد لا دليل عليه،
يبادر إلى العمل مفوّضاً الأمر إلى الله كما
سبق، فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن له الصواب،
فذلك نور على نور، وإلا فلا ينبغي له
انتظار ذلك.
هذه بعض المفاهيم الخاطئة حول صلاة
المنتسبين للعلم، ممّا يؤصّل هذهالمفاهيم
في نفوس الناس، وسبب ذلك التقليد الجامد،
وعدم تدبّر النصوص الشرعية كما ينبغي،
ولست بهذا أزكى نفسي، فالخطأ واقع
من الجميع.
هذا ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع
فليراجع كتابي:
( سرّ النجاح ومفتاح الخير والبركة والفلاح )،
وهو كتيّب صغير الحجم، ففيه المزيد
من المسائل المهمة، والشواهد الواقعية
الدالة على أهمية هذه الصلاة،
وفهم أسرارها ومراميها،
والله تعالى أعلم.
مقال للشيخ: د . محمد بن عبدالعزيز المسند
بتصرف وزيادات يسيرة
ولمعرفة المزيد من أحكام صلاة الاستخارة