لكن هذه العلاقة تختلف عن علاقة الإنس
بعضهم ببعض ، وذلك لاختلاف طبائع كل من
عالمي الجن والإنس عن بعضهما ، وهذه
العلاقة بين بعض الإنس وبعض الجن قد تكون
علاقة قائمة على المحبة والمساعدة ، وقد
تكون هذه العلاقة قائمةعلى أساس من
البغض والكراهية ، فينشأ منها اعتداء من
قبل بعض الجن على بعض الإنس
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - :
( والجن أعظم شيطنة ، وأقل عقلا ، وأكثر جهلا ،
والجني قد يحب الإنسي كما يحب الإنسي
الإنسي ، وكما يحب الرجل المرأة ، والمرأة
الرجل ، ويغار عليه ويخدمه بأشياء ، وإذا صار
مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره )
(كتاب النبوات – ص 279 )
ومما تقدم يتضح لنا أن الأسباب الرئيسة لصرع
الأرواح الخبيثة للإنس مجتمعة في الأمور التالية :
الأول : أسباب من جهة الإنسان نفسه :
وهذه الأسباب تتأتى إما نتيجة الابتلاء أو
العقوبة وإما بسبب تقصير الإنسان وبعده عن
الله سبحانه وتعالى ، وفراغ القلوب من الذكر
والدعاء وعدم اللجوء إليه سبحانه ،
وخلاصة هذه الأسباب بالآتي :
1 ) - أسباب تتعلق بحكمة الله ومشيئته :
أ )- الابتلاء :
أن يكون صرع الجن للإنس نوع ابتلاء من
الله - جل وعلا - فالله سبحانه وتعالى بحكمته
يبتلي الخلق بأنواع المصائب والصرع من جملتها ،
قال تعالى :
( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )
( سورة الأنبياء – الآية 35 )
وعلى من ابتلي بذلك أن يصبر ويحتسب الأجر
والمثوبة من الله مع بذل الأسباب المشروعة
للعلاج .
ب )- العقوبة الإلهية :
أن يكون ذلك عقوبة من الله بسبب اقتراف
العبد الذنوب والآثام ، قال تعالى :
( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( سورة الشورى – الآية 30 )
فكلما ابتعد الإنسان عن ربه وخالقه استحوذت
عليه الشياطين وتسلطت عليه وأصبحت حياته
تعيسة ، قال تعالى :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) "
سورة طه – الآية 124 " )
2) - أسباب تتعلق بالإنسان نفسه :
أ ) - ضعف حظ المبتلى عن الدين والتوكل
والتوحيد .
ب)- خراب القلوب والألسنة من الذكر والدعاء
ج)- عدم قيام المبتلى بالتعاويذ والتحصينات النبوية
السلاح الذي يستطيع مواجهتهم به والنيل منهم
ومن أذاهم وبطشهم
يقول ابن القيم : ( وأكثر تسلط هذه الأرواح
على أهلها تكون من جهة قلة دينهم وخراب
قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ
والتحصنات النبوية والإيمانية ، فتلقى الروح
الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان
عريانا فيؤثر فيه )( زاد المعاد – 4 / 69 )
ثانيا : أسباب من جهة الجن أنفسهم :
وهذه الأسباب تعزى للجن أنفسهم ،
وقد تكون أسباب ذاتية نتيجة الإيذاء والظلم
ونحوه ، وقد تكون بدوافع أخرى كالسحر
والتسليط ونحوه ، ونستطيع أن نحدد تلك
الأسباب بالأمور التالية :
1)- إن صرعهم للإنس قد يكون عن شهوة
وهوى وعشق :كما يتفق للإنس مع الإنس
قال شيخ الإسلام بن تيميه : ( أن يكون
صرعهم بسبب العشق والهوى والشهوة
، فما كان من الباب الأول فهو من الفواحش
التي حرمها الله تعالى كما حرم ذلك على
الإنس وإن كان برضى الآخر ، فكيف إذا كان مع
كراهته فإنه فاحشة وظلم ، فيخاطبالجن بذلك
ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة
وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه
يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى
الثقلين الجن والإنس ) مجموع الفتاوى – 19 / 40)
، وانظر إيضاح الدلالة في عموم الرسالة – ص 27
2)- وقد يكون - وهو الأكثر - عن بغض ومجازاة :
قال شيخ الإسلام بن تيميه : ( وقد يكون -
وهو كثير أو الأكثر - عن بغض ومجازاة مثل أن
يؤذيهم بعض الإنس أو يظنوا أنهم يتعمدوا
أذاهم إما ببول على بعضهم أو بصب ماء حار
وإما بقتل بعضهم ، وإن كان الإنسي لا يعرف
ذلك ، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر
مما يستحقه ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 )
وقال - رحمه الله - : ( وما كان من هذا القسم
فإن كان الإنسي لم يعلم فيخاطبون بأن هذا
لم يعلم ، ومن لم يتعمد الأذى لا يستحق
العقوبة ، وإن كان قد فعل ذلك في داره وملكه
عرفوا بأن الدار ملكه ، فله أن يتصرف فيها بما
يجوز ، وأنتم ليس لكم أن تمكثوا في ملكالإنس
بغير إذنهم بل لكم ما ليس من مساكن الإنس
كالخراب والفلوات ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 )