ايام لا تنسى

4 views
Skip to first unread message

داود الشويلي

unread,
Dec 29, 2012, 2:20:45 PM12/29/12
to مكتبة داود سلمان الشويلي


ايام لا تنسى
ما يشبه المذكرات

الولادة والطفولة والصبا

داود سلمان الشويلي

الناصرية مدينة هادئة تقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات ، وعلى
التخوم الجنوبية لصحراء واسعة تمتد حتى تلتقي بالصحراء السعودية . وهي
مدينة انشإت نهاية القرن الثامن عشر بعد ان تم الاتفاق بين الوالي
العثماني في بغداد في ذلك الوقت وناصر باشا السعدون لاجل توطين القبائل
الرعوية المتنقلة في العراق ، وبعد ان استشار ناصر اخوته حول ذلك طلبوا
منه انشاء هذه المدينة في منطقة يمكن ان يغرقوها بمياه الفرات لو حاولت
الدولة الهجوم عليهم ، فإختار الموقع الحالي للمدينة القريب من (روف) ابو
جداحة. (1)
في هذه المدينة ولدت .
كما يذكر دفتر النفوس الدفتري القديم ، انني ولدت عام 1952 م ، ولا
اعرف ان كان هذا التاريخ صحيح ام لا ، في منطقة السراي في زقاق يقع على
الجانب الايسر لنهاية شارع الحبوبي (عكد الهوة)(2) في بيت (البناء) حسن
هندية – كما تذكر والدتي رحمها الله – وبعدها انتقلت عائلتي الى بيت مبني
من القصب والبواري (3) في ارض خاصة للحاج موسى الهايس – وهو ابن عمة
والدي – وكان يشاركنا البيت ابن عمتي الحاج مهدي ووالدته المتوفى عنها
زوجها (4) وزوجته ، ولا اذكر من هذه الايام سوى ذكرى غائمة عن جرح قدمي
بواسطة بقايا قنينة زجاجية لمشروب(السيفون) الذي كان يبيعه الشاب المعوق
(دحام) في الشارع الذي نسكن فيه .
في عام 1955 وبعد ولادة اخي مالك انتقلنا الى دارنا الجديدة التي
اشترى والدي وابن اخته الحاج مهدي ارضها وتم بناء صريفتين من البواري
والقصب ، واذكر انني كنت ارافق والدي عندما كان يبني الواجهة الطابوقية
للبيت . وكان مكانه في الشارع الاخر لشارع ثورة العشرين بالقرب من بناية
ماكنة انتاج الطاقة الكهربائية للمدينة التي كانت تعمل بالديزل وكان صوت
محركاتها عاليا ولا يدعنا ننام . (5)
******
كان والدي- رحمه الله - يتيم الاب و وحيد امه بين فتاتين ، هما زهرة
– ام مهدي - ، وروبية – ام صادق – وعرفت من خلال بعض الاحاديث المتفرقة
التي كان يروي فيها والدي بعضا من جوانب حياته عندما كنت اسأله ، انه عمل
صبيا في صناعة الكعك ، وعامل بناء . وفي يوما ما جاء بإجرته اليومية الى
امه وكانت بالقرب منها جارتهم – وحسب اعتقاده انها كانت تحسد – فقالت
المرأة لامه انها عندها ولد يأتي بالنقود ، وعندها كما يقول رحمه الله حس
بحكة براحة يديه ، وبقيت هذه الحكة الى ان مات – رحمه الله – وكانت راحتي
كفيه تتورمان بين فينة واخرى .(6)
عدنما اصبح شابا ذهب الى البصرة للعمل في معسكرات الانكليز ، وهناك
تعرف على خالي وعائلته ، ثم اخذ يعمل في البناء ، وكانت والدتي رحمها
الله متزوجة من ابن عمها ومطلقة منه ، فتعرف عليها والدي وتزوجها وجاء
بها الى الناصرية ، فولدت طفلين – ذكر وانثى – ماتوا وهم اطفال ، بعدها
ولدت شقيقتي نظيرة – رحمها الله – ثم ولدتني ، وبعدها ولدت شقيقتي اطال
الله في عمرها اميرة ، ثم جاء شقيقي مالك ، ومن بعدها جاء عمار الذي توفي
عندما كان صغيرا .
على جلدة رأسي ورأس شقيقتي نظيرة – رحمها الله – اثار (كي) ، ذكر لي
والدي ووالدتي- رحمهما الله – اننا مرضنا بالتايفوئيد وعندما ارسلونا الى
الطبيب اليهودي الوحيد في الناصرية نصح والدي ان يرسلونا الى من يكوي
رأسنا بالعطابة .
اذكر من تلك الايام ان والدي كثيرا ما كان يأخذنا لمشاهدة بعض
الافلام السينمائية في سينما الاندلس القريبة من المقهى التي كان يجلس
فيها ، وايضا- في الليالي التي لم يأخذنا والدي الى السينما - كان ابن
عمتي الحاج مهدي يرافقنا ليليا الى المقهى التي كان يجلس فيها والدي
ليأخذنا من هناك الى دار السينما .
ومن ذكريات تلك الايام الخوالي ، وعندما كنت في نهاية الدراسة
الابتدائية او بداية الدراسة المتوسطة ، اجبرت والدتي – رحمها الله – ان
تعطيني مبلغا قدره (6. فلس) للذهاب الى دار سينما الاندلس لمشاهدة الفيلم
الهندي الجديد (سنكام) وكان فيلما طويلا بحدود اربع ساعات(7) ، وقد جاء
معه مندوبين من شركة الاستيراد من بغداد كي يراقبوا عرضه في السينما
كاملا ، وبعد انتهاء عرض الفيلم خرجنا – وكان الفصل شتاء- وقد اظلم
الجو ، وعندما وصلت الى بيتنا ضربت بكف يدي على شباك غرفتنا المطل على
الشارع – اشارة للذي داخل الدار ليفتح لي باب الدار – فسمعت والدتي
تصيح : اشرد ابوك اجاك .
فتركت النعال في الشارع ورحت اركض ووالدي بيده الحزام الجلدي يتبعني
لضربي لتأخري عن البيت ولاجبار والدتي على اخذ النقود ، في الشارع واجهني
جاري – ابو حميد رحمه الله – فاختبأت خلفه ، فطلب من والدي ان يتركني ،
وذهبت مع ابي حميد الى داره وبعد دقائق ارسل والدي بطلبي .
وكذلك من ذكريات تلك الايام ، ان والدي كان يمتلك دراجة هوائية
لتوصله الى اماكن عمله ، وكنت انا وشقيقتي – ام حيدر رحمها الله – نخرجها
الى الشارع عندما كان يتركها في البيت ، لاقوم ان بركوبها ، وتقوم شقيقتي
بمسكها لكي لا اقع ثم تدفعني ، وفي احد المرات دفعتني شقيقتي قويا ،
فراحت الدراجة تسير بي وبعد فترة لم استطع السيطرة عليها فوقعت بي الى
الارض وانكسر (البايدار) فجئنا بالدراجة الى البيت وكأن شيئا لم يحدث ،
بعدها ذهبنا الى دار ابن عمتنا الحاج مهدي وجلسنا بالقرب من عمتنا
العمياء ، فسألتنا ان كان هناك قد حدث شيء ما ، لاننا لاول مرة نأتي بمثل
هذا الوقت فأخبرتها شقيقتي بما حدث ، في هذه الاثناء عاد والدي الى البيت
وعرف بأمر الدراجة من خلال رؤيتها في مكانها في الممر وقد كسرت ، فسأل
والدتي وعرف ، عندها جاء الى بيت اخته ، فطلبت عمتي مناان نختبيء تحت
السرير ، وطلبت من والدي ان لايضربنا لان الوقت ليلا (ولا يصلح الضرب
بالليل ) ، وهكذا تخلصنا من هذه المشكلة.
******
اذكر انه في تلك الايام وفي ليلة التاسع على العاشر من شهر محرم
(عاشوراء )، كنت انا واترابي من ابناء الجيران نستعد للسهر في هذه الليلة
( يسمى السهر بالحجة) وذلك بشراء السيكاير (يسمح لنا الاهالي بالتدخين في
مثل هذه الليلة من كل عام) والكعك ، وكنا – على شكل مجموعات – ندور في
الشارع راكضين وبيدنا الاعلام السوداء ونحن نهتف بأقوال نمجد الامام علي
وابنه الامام الحسين ، وبعد منتصف الليل نذهب الى الروف القريب من دارنا
لنرى منظرا بانوراميا – كما يتصوره خيالنا - لاشخاص ومعارك تدور بينهم ،
حتى يبدأ الفجر الاول بالظهور فنذهب لرؤية مواكب ضرب القامة .
بعد ان تزوجت شقيقتي في محلتنا السابقة – السراي – تعرفت على ابناء
المحلة ، مثل : عبد علي شقيق زوج شقيقتي ، صاحب انتيشه (مدرس اللغة
الانكليزية فيما بعد)، دعبل ( الان هو الدكتور البيطري امير طالب ويسكن
بغداد) وابناء عبد السادة ، والكثير من الصبيان الذين لا اتذكرهم بعد هذه
السنوات ،وكنا في ايام عاشوراء نذهب الى منطقة الصابئة ضمن تجمع ونحن
نهتف (موتوا قهر يا كفار علي بالجنة مختار ) ، ثم نذهب الى احد الدور
التي تسكنها عائلة من المذهب السني ونحن نصيح (موتوا قهر يا سنه علي
بالجنه النا) ، واذكر انه خرج الينا رب العائلة وقال لنا : نعم هو لكم ،
واذهبوا عنا .

--------------
الهوامش:
1- روف ابو جداحة = أي السدة الترابية اليسرى لنهر الفرات،وسميت بـ
( ابو جداحة) لانها كانت تقدح الماء (الجريان بسرعة) بسرعة عند زيادة
مناسيبه في نهر الفرات مكونا الفيضان . وقد حدث مثل هذا الفيضان بعد
ولادتي اكثر من مرة ، وقد وصلت مياه الفيضان الى السدة الترابية لنهر
اشطيط – حفر هذا النهير الصغير شمالي المدينة لمنع مياه الفيضان عن
المدينة ، ولتصب به مجاري المياه الاسنة ، وليكوّن ما اخرج منه من تراب
سدا بوجه المياه – في منطقة احياء الصالحية وسومر واريدو والبكر واور،
المنطقة التي كانت تسمى قرية فرحان .
2- تتحدث الروايات عن هذه التسمية انها جاءت بسبب عرض الشارع الواسع –
نسبة لاتساع الشوارع- وانه كان مزروعا بالاشجار بصفوف جانبية ووسطية ،
وكان جوه في حر صيف الناصرية منعشا ، والبعض يقول ان التنظيم الجيد لهذا
الشارع جعله مكانا لمواعيد المحبين والسير فيه للتنزه . وسمي بعد ذلك على
اسم الشاعر والمرجع الديني النجفي محمد سعيد الحبوبي الذي كان احد قواد
الجهاد في معركة الشعيبة ضد القوات الانكليزية التي دخلت العراق اثناء
الحرب العالمية الاولى ، وقد اصيب في هذه المعركة ونقل الى بيت العضاض –
كما تذكر بعض الروايات حول ذلك – الذي يقع في هذا الشارع قرب القيصرية ،
وتوفي فيه .
3- البارية = الواح القصب المضفورة على شكل سجادة .
4- عرفت بعد ذلك واثناء وفاتها في الثمانينات – رحمها الله – عندما سأل
الدكتور المنظم لشهادة الوفاة ابنها الحاج مهدي عن حالتها الاجتماعية
فأخبره انها مطلقة .
5-تركت هذه المحطة ( كانت تسمى مكينة) بعد انشاء محطة الطاقة
الكهروحرارية من قبل الروس، واصبحت كراجا ومخزنا للبلدية ودائرة الدفاع
المدني (الاطفاء) .
6- قضية الاعتقاد بالحسد منتشرة بين عامة الناس ، وهناك صور جدارية تركز
هذا الاعتقاد ، اذ تبين الصورة عينا مرسومة داخل كف ، وتحت العين اية
قرانية ، سورة الفلق:
(( * قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر
النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد )) ، وكانت هذه الصورة معلقة
على جدار غرفتنا . ويروي العامة من الناس ان الكف في الصورة هو كف النبي
محمد عندما حسد .
7 – كانت بطاقة الدخول الى السينما اربعين فلسا ، ولكون هذا الفيلم طويلا
جدا زاد اصحاب السينما من سعر البطاقة .

2
ايام لا تنسى
ما يشبه المذكرات

الحظ
داود سلمان الشويلي

تنوعت آليات معرفة الحظ ، او قراءة الطالع ، او كما جاء بالمفهوم
المعاصر للمصطلحات "قراءة المسقبل " ، وكان الذي يقوم بمثل هذه الاعمال
يسمى الكشاف والكشافة ،فكانت هناك آليات تستخدم جسيمات صغيرة كالمحار
والخرز والحصو واشياء اخرى في القراءة وتسمى هذه الآلية بـ"الطش= النثر"
ويسمى الذي يقوم – او تقوم – بممارسة هذه الآلية بـ" الطاشوش او
الطاشوشة"(1) ، وهناك – كالنساء مثلا- من تستخدم الذراع والكف " لقياس
الحظ (!)(2)او معرفة الطالع ، اذ تقوم الممارسِة بوضع اصبع الابهام لليد
اليمنى في مكان مرفق اليد اليسرى من الداخل ،ثم تمد الكف الى نهايات
اطراف اصابع اليد اليسرى ، فإذا تطابق طول الكف اليمنى – من طرف الابهام
الى طرف الاصبح الصغير- مع طول الساعد الى نهايات اطراف الاصابع فإن
المحاولة تعاد ، واذا قصر فإن النتيجة سلبية ،والعكس صحيح بالنسبة لمن
يريد ان يعرف طالعه . وهناك من يستخدم السبحة لمعرفة "الطالع ،البخت" .
ومن هذه الآليات ايضا قراءة الكف .
وفي الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي خرجت علينا مطابع
بيروت بكتيبات صغيرة تعلم الشباب شتى الفنون :كالضرب على آلة الطابعة ،
وتناقل الافكار ،وقراءة الكف ...الخ ، وكنت حينها(3) مغرما بقراءة
الكتب ، فإبتعت هذه الكتيبات، ولكنني لم اتعلم منها شيئا سوى انها
افادتني في معرفة بعض الاسرار .
******
مرة – كنت وقتها في الصف الثالث متوسط – كنت جالسا على احدى المساطب
الخشبيةالتي كانت منتشرة على الرصيف المحاذي لضفاف نهر الفرات في مدينتي
الناصرية مساءا ، جلس بالقرب منى شاب عمره في منتصف العشرين ،يحمل في يده
حقيبة يدوية جلدية كتب عليها " قارئ كف " ،وبعد ان سلم علي سألني إن كنت
اسمح له بقراءة كفي ، فرحت لهذا الطلب وسلمته كف يدي اليسرى كما اراد ،
وتحت ضوء مصباح الشارع راح يشرح لي ما تعنيه خطوط الكف ، بعدها راح يقرأ
كفي ومما قاله :
انني ساتزوج باكثر من إمرأة (4)، بعدها عرج الى الخطوط القصيرة في
اسفل كفي ، وبتمعن دقيق اخبرني انني سانجب اربعة ابناء ، الا انه لم يحدد
جنسهم (5) ، ثم وهو ينظر الى خطوط كفي جميعها اخبرني: ان السفر بالبحر
خطر علي ّ، وحذرني منه (6) .
هذا كل ما قاله لي ، فهل كان صادقا فيما قاله ؟!

---------------
الهوامش:
1- كانت هناك امرأة تقوم بذلك ، اضافة لبيع بعض الحلويات للصغار امام باب
دارها بالقرب من بيت الحاج ناصر في الشارع الذي يقع خلف مدرسة الناصرية
الابتدائية ، وكانت والدتي يرحمها الله عندما تذهب يوميا للتسوق - كانت
بسطة هذه المرأة في طريقها - تكشف طالعي عندها وذلك بسؤالها : هل داود
يتزوج الفتاة التي يحبها ام لا ؟ وكانت المرأة بعد ان تنثر الاجسام
الصغيرة التي كانت تحتفظ بها في كيس قماشي صغير ابيض اللون تقول : نعم
سيتزوجها ، وكانت امي رحمها الله تفرح لهذا الخبر وبعد ان تمنحها درهما
واحدا تأتي لتزف لي الخبر ، وكنت كثيرا ما اغضب لذلك واطلب منها ان
تحتفظ بالنقود لان المرأة دجالة ، الاانها لم تقبل بكلامي وترد علي
بقولها انها امرأة معروفة بصدق ما تقول .
- لم اتزوج تلك الفتاة .
2- كانت احدى العجائز من معارفنا – وهي ام محسن وكريم العمال الذين
يعملون مع والدي في البناء- تمارس هذه الطريقة وكثيرا ما كانت تبشرنا
بالنجاح انا وشقيقاتي عندما كنا طلاب في الدراسة الابتدائية ، الا ان
شقيقتي الكبرى المرحومة ام حيدر لم تكمل الدراسة الابتدائية بسبب
رسوبها ، واما شقيقتي الصغرى فقد ادامت البقاء في الصف الثالث الابتدائي
حتى تركت الدراسة .
3- كنت وقتها في الدراسة المتوسطة في النصف الثاني لستينات القرن الماضي.
4– وانا اكتب هذه السطور ، اصبت بجلطتين ادتا الى شبه شلل نصفي في النصف
الايمن من جسدي ، علما انني لم اتزوج سوى مرة واحدة ولم يكن في نيتي
الزواج من اخرى .
5- لي من الابناء تسعة ، ابنتان وسبعة اولاد .
6- لم ار البحر طيلة حياتي الا من خلال نافذة الطائرة ، ولم ادعى للسفر
بحرا ، وانما كانت جميع سفراتي الى بعض الدول العربية والدول الغربية
جوا ، اذ سافرت الى :الاتحاد السوفيتي ، اليونان ، فرنس ، ايطاليا ،
المانيا الشرقية ، يوغسلافيا ، جيكوسلفاكيا ،بولونيا ، هنكاريا،الاردن ،
اليمن ، سلطنة عمان ، السعودية ، مصر،اما سفرتي للكويت و سوريا فكانت
براً .
10 /2007

Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages