دراسة أدبية عن (شاعر الأطلال) ابراهيم ناجى فى ذكرى رحيله 24 مارس

311 views
Skip to first unread message

Magdy Shalaby

unread,
Mar 13, 2009, 1:55:04 PM3/13/09
to arabicblo...@googlegroups.com

 

(شاعر الأطلال) (1)

كان أحد ظرفاء عصره !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"يا فـؤادى ، رحم الله الهـوى       كان صرحاً من خيال فهـوى"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دراسة أدبية إعداد : الكاتب مجدى شلبى

ـــــــــــــ

مقدمة

ـــــــــــــ

 

p شاعرنا أكد بسيرته الأدبية أن هناك قواسم مشتركة بين الطب والشعر, بين معالجة الأبدان ومعالجة الأرواح باعتبارها علاقة تكاملية فالإنسان روح وجسد .. وتمام الصحة يعنى سلامة البدن والعاطفة معاً .. وقد لخص هذا المعنى شعراً فقال :

الناس تسأل.. والهواجـس جمة‏  / طب وشــــــعر كيف يتفقان‏

الشعر مرحمة النفوس وسره‏  / هبة الســــماء ومنحة الديان‏

والطب مرحمة الجسوم ونبعه‏  / من ذلك الفيض العلي الشان‏

ـــــــــــــــــــــــــ

الطبيب الشاعر

ــــــــــــــــــــــــــ

p  وهو مثلما كان طبيباً إنساناً مع المترددين على عيادته خصوصاً من الفقراء والمعوزين موقناً بأن العلاج ليس فقط في تذكرة الدواء ـ التى كان غالباً ما يمنحها بلا مقابل لمرضاه ، بل ويمنحهم نقوداً من جيبه لشراء الدواء .. كما كان متوافقا مع صيدلية الحداد أسفل عيادته في شبرا ، على أن تقدم الدواء للفقراء من مرضاه وتضيف ثمنه على حسابه ـ  ... إنما بداية الشفاء في الإصغاء إلى متاعب المريض وفي بذل العطف الصادق له ...

p مثلما كان شاعراً رومانسياً رقيقاً فى أشعاره التى منحها للقراء والمعجبين من خلال دواوينه الأربعة : وراء الغمام (1934)/ ليالي القاهرة (1944)/ في معبد الليل (1948)/ الطائر الجريح (1953)  ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تأثير (أبولو) على أشعار ناجى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 p وفى ذكراه العطرة أقتطف من تلك الرياض النضرة زهوراً ندية أبياتاً شجية تصور حالة الحب المرتبط بالحزن والحرمان والألم والمعاناة وهى السمة الغالبة على جماعة أبولو (2) تلك المدرسة الرومانسية التى انتمى إليها شاعرنا :

* (فمن قصيدته كلانا) : 

كلانا عليـل فـلا تجزعــى / ودمعـــكِ تســـبقه أدمعـى

وإن كان بين ضلوعكِ نار / فنار الصبابة فى أضلعى

* و(من قصيدته ما أضيع الصبر) :

ما أضيع الصبر فى جرح أداريه / أريد أنسى الذى لاشىء ينسيه

وما مجانبتى من عاش فى بصرى / فأينما التفتت عينى تلاقيـه !

* و(من قصيدته ذات ليلة) :  بين سهد وعذاب ورضى / مر ليلى ذاك حالى وأنا

* و(من قصيدته محنة) : 

هى محنة وزمان ضيق /وتكشفت عن لا صديق

جربت أشــواك الأذى /  وبلوت أحجـار الطـريق

* و(من قصيدته أصوات الوحدة) :

تلفت القلب مطعوناً لوحدتـه / وأيـن وحدتـــه ؟ باتت كمــــا باتَ !

حتى إذا لم يجد رياً ولا شبعاً / أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتَ !

* و(من قصيدته ذهب العمر) :  هى الدنيا كما كانت / وماذا ينفع الوعظ

                                        وما عتبت وما خانت / ولكن خانك الحظ

                                        أردنا الجاه والذهبَ / فلم يتلطف المولـى

                                        وهذا العمر قد ذهبَ / وأحسـن مابه ولى

* و(من قصيدته الختام) : 

لهفى على الناقوس بين جوانحى / وعلى بقية هيكل لا تصـلح

لا فرق بين أنينه ورنينه / وصداه فى وادى المنيـــة أوضـــح

* و(من قصيدته من لى ؟) :

زمان لايفارقنى عذابى / ولازمنى الشقاء به كظلى

كأن الليل أصبح لى مداداً / أسطر من آلامى ويُملى

* و(من قصيدته بقايا حلم) : حلم مر كما مر سواه / وكذا الأحلام تمضى والحياة

* (فمن قصيدته الأجنحة المحترقة) : يا أمتى كم دموع فى مآقينا / نبكى شهيديك أم نبكى أمانينا ؟!

* ومن قصيدة (الزورق يغرق والملاح يستصرخ) :

أين شط الرجاء / ياعباب الهموم

ليلتــى أنــواء / ونهــارى غيـوم

ــــــــــــــــــــــ

وفاء وانتماء

ــــــــــــــــــــــ

p وقد انعكست رهافة حسه وتدفق مشاعره نحو بلدته (المنصورة) التى عاش بها أول حياته فكتب قصيدة بعنوان المنصورة (3) فضلاً عن قصائدة الوطنية التى تفيض حباً لمصر ودعوة لافتدائها  :

* فمن قصيدة (نداء للشباب) :

اليوم يبدو حب مصـر / فلا  خفاء ولا حجاب

هاتوا الفدا الغالى لمصر/ وأرخصوه كالتراب

* و(من قصيدته مصر) :

أجل إن ذا يوم لمن يفتدى مصرا / فمصر هى المحراب والجنة الكبرى

p وتعكس بعض أبياته الرومانسية  أملاً تحقق أو على وشك التحقق :

* (فمن قصيدته خطاب) :

قبلت خطـكِ ألفــا / ولـم أدع منـه حرفــا

قد كنت توأم قلبى / وكنتِ فى الغيب إلفا

* و(من قصيدته أنوار) :

طابت بكِ الأيام وافرحتاه / أنتِ الأمانى والغنى والحياة

فليذهب الليل غفرنا له / ما دام هذا الصـبح عقبى دجاه

* و(من قصيدته الأطلال) :

لست أنساك وقد ناديتنى / بفم عذب المناداة رقيــــق

ويد تمتد نحوى ، كيدِ من / خلال الموج مُدت لغريق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ           ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روح الدعابة لدى (شاعر الاطلال)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

p ولأن ملحمة الأطلال (125 بيتاً)(4) التى شدت بها سيدة الغناء العربى أم كلثوم هى التى نقشت اسم شاعرنا ابراهيم ناجى فى قلوب العشاق بحروف من نور ، فقد غاب عن الكثيرين جانب هام من جوانب شخصيتة باعتباره أحد ظرفاء عصره :

* فقد رأى يوماً فقيها ضريراً يمسك بيده مسبحة كهرمان ويغني طقاطيق منيرة المهدية .. فقال ناجي : هذا الرجل يقلد (منيرة المهدية) تقليداً (أعمى) !

* وذات مرة  كان ناجي مدعواً إلى حفل وكان معه صديق أسود .. فلما طال المقام أراد الانصراف لكن صاحب الحفل طلب منه أن يبقى إلى طلوع النهار .. فالتفت ناجي إلى صديقه الأسود وقال: إنت يا أخي مش ناوي تروّّح علشان النهار يطلع !

* دُعِيَ ناجي إلى حفل عقد قران أحد أصدقائه وبينما كان المدعوون جالسين مع المأذون بانتظار العريس دخل أحدهم وقال : العريس واقف بره سكران !

فرد ناجي على الفور: الحقوا هاتوه قبل ما يفوق !

* كان ناجي يحمل تصريحاً بالتجول في القاهرة ليلاً بعد حريقها المشهور ... وذات ليلة وهو يتجول سار وراءه كلب ضال وحاول ناجي إبعاده دون فائدة فظن ناجي أنه كلب بوليسي وأخرج له التصريح من جيبه لكن الكلب هجم عليه وعضه فقال ناجي : إخصي عليك.. أتاريك كلب جاهل لا تعرف القراءة !

* ذات مرة نقد الدكتور طه حسين الشاعر إبراهيم ناجي فقال :(إنه طبيب الأدباء وأديب الأطباء) !

فعلّق ناجي على هذا النقد القاسي بروحه المرحة قائلاً : أنا من هنا ورايح هاكون طول النهار مع (الدكتور طه حسين) و(الدكتور طه بدوي) علشان أحس إنني أديب .. هو مش قال إنني أديب بين الدكاترة !

* كان ناجي يجلس ومجموعة من أصدقائه منهم محمود تيمور وإبراهيم المصري ومحمد أمين حسونه وغيرهم في جروبي عدلي ودخل عليهم عبد الحميد الديب وتناول ناجي بكلام بذىء ولم يرد ناجي عليه في حينه ـ ليس عجزاً وإنما ترفُّعاً ـ ولم يتمالك شيطان شعره أن يمر الموضوع ويمضي صاحب الإساءة بإساءته فأطلق عليه هجاءه على نحو :

رجلاً أرى بالله أم حشـرة / سـبحان مـن يعيده حشـره

يا فخر "داروين" ومذهبه / وخلاصة النظرية القذرة

أرأيت قردا في الحديقة قد / فلته أنثاه على شـــــجرة

عبد الحميد اعلم فأنت كذا / ما قال داروين وما ذكـره

يا عبقرياً في شـناعتـه / ولدتك أمــك وهـي معتـــذرة

* وقد هجا ثانِ ببيت شعر قال فيه :

قد هنأوك بمجد الأسبانى / فمتى تكون مصارع الثيران ؟

* وجلس ناجي إلى جوار فتاة حسناء وبدت عليه السعادة لذلك وأراد أن يكلمها ، لكنها أفهمته أن أمها تجلس إلى جوارها  ... فقال وهو يولي وجهه عنها :

وغادة تجلس في جانبي /  كأنها الزهرة في كمها

أبدع ما تنظر عين امرئ / وخيبـة الله علـى أمهـا

*  كان له صديق طبيب أسنان أرسل له يوماً هذه المداعبة اللطيفة :

يا قُرّةَ العين يا (تمليِّ) / يا واســع التدبيـر والحيـــل

يا خالع الضرسين في سنةٍ / ومعقم الآلات في الحللِ

* اتصل أحد الشعراء بالدكتور ناجي وكان لم يره منذ مدة وأنشده موال :

يا حلو مالك كدا هاجر وروحي فيك ؟

فرد عليه ناجي على الفور يكمل المقطع قائلاً :

التقل شرعه كدا والحشمة والتكتيك !

* وفى حفلة عرس بمنزل الوزير الأديب دسوقى أباظة وجه ناجى دعابة إلى صديقه الشاعر محمود غنيم صاغها شعرا كان منها :

بصرت به والصحن بالصحن يلتقى / فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا

تراءى لـه اللحـم فلـم يـدر عنـده / تديـك مـن بعد الطـوى أم تخرفـا

وأومـأ لـى ، باللحظ يســــألنى بـه / أتعرفه ؟ أومأت باللحظ مسعفا

وقدمتـه للديـك وهـو كأنمـــــا / يطـــــير إليــه واثبــاً متلهفــــــــــا

غنيم ! أخونا الديك ! قدمت ذا لذا / فهـذا لهـذا بعـد لأى تعارفــــــا

وماهــى إلا لحظــة وتغازلا / وقــد رفعــا بعد الســــلام التكلفـــــــا

فمال على الورك الشهى ممزقا / ومال على الصدر النظيف منظفـا

p  تلك الروح المرحة بتلقائيتها وجمالها عبرت عن ذكاء حسه‏ وصفاء نفسه وحضور بديهته وعظيم موهبته ... فاستحق ـ رحمه الله ـ أن يُلقب بطبيب الفقراء وشاعر الأطلال وشيخ الظرفاء وعمدة (مدينة الأحلام) فقد صدرت له مجموعة قصصية تحت هذا العنوان قال فى مقدمتها : 

"وداعاً أيها الشعر ، وداعاً أيها الفن ، وداعاً أيها الفكر"

ــــــــــــــــــــــ

مولده ووفاته

ـــــــــــــــــــــــ

(1) * ولد ابراهيم ناجى يوم السبت 31 ديسمبر عام 1898  الموافق 17 شعبان 1316 هـ  بالمنزل رقم  22بشارع العطار بشبرا وكان ترتيبه الثاني بين سبعة أشقاء وكان والده يمتلك مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب في شتى مجالات الثقافة ، وقد ورث عن والده حب العلم والدأب على القراءة والقدرة على استيعاب اللغات فأجاد الإنجليزية والفرنسية والألمانية ، وورث عن والدته إنسانيتها وخفة ظلها.. (قبل مولده بخمسة أيام 26/12/1898 توصلا مارى وبيير كورى لاكتشاف عنصر الراديوم المشع ، وفى ذات العام 11/7/1989 ولد العالم الجليل على مصطفى مشرفة (أينشتاين العرب) الذى توفى  فى 15 يناير 1950 .ويُذكر أن ألبرت آينشتاين قد نعاه عند موته قائلا : "لا أصدق ان مشرفة قد مات ، انه ما زال حيا بيننا من خلال أبحاثه" ) .

 

* وقد توفى إبراهيم ناجى يوم الثلاثاء  24 مارس 1953 م الموافق 8 رجب 1372 هـ في عيادته أثناء فحصه أحد مرضاه ... وهو ذات اليوم الذى كان قد توفى فيه سنة 1905 الروائى جول فيرن رائد أدب الخيال العلمى ومؤلف رواية (خمسة أسابيع فى منطاد) ... وبعد أسبوع واحد من وفاة ناجى توفى 2 أبريل 1953 م الكاتب والمؤرخ الكبير (محمد كرد على) صاحب كتاب (الإسلام والحضارة العربية) ....  وبعد شهور ثلاثة من وفاته  21/6/1953 ولدت بنازير ذو الفقار على بوتو وهى أول رئيسة وزراء مسلمة فى العالم (رئيسة وزراء باكستان 1988) أوقد أُغتيلت خلال تجمع جماهيرى أٌقيم تأيداً لها فى حملتها الانتخابية ..

ونستطيع أن نصف وفاة شاعرنا بأنها كانت اغتيالاً معنوياً ، ففى أثناء ماسمى بـ(حملة التطهير) التى قادها عبد الناصر فى مطلع الثورة وجد  د. ابراهيم ناجى نفسه مفصولاً من وظيفته بوزارة الصحة إثر بلاغ كيدى أو وشاية كاذبة مضللة ودون أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسة  .. تلك الفرية هى التى صرعته وقضت عليه  .. وقد أورد الأستاذ وديع فلسطين في موسوعته «وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره» التي صدرت عن دار القلم بدمشق عام 2003 هذا المشهد بالنص : « زارني في المقطم ـ (جريدة المقطم) ـ .. ثم انفجر باكيا كالطفل ، لا على وظيفة ضاعت منه ، بل على وصمه بأنه أهل للتطهير ، وإيراد اسمه في أول قائمة المُطهَّرين ، وظل يجهش بالبكاء وأنا أواسيه إلى أن انصرف ... كنت بعد انصرافه أتوقع قراءة نعيه في الصحف كل يوم ، لأن حالته النفسية كانت في الحضيض ، وقدرته على المقاومة قليلة بسبب هزاله المفرط، ولم يطل انتظاري إذ قرأت نعيه في الخامس والعشرين من مارس 1953 فبكيته كالطفل ، وقلت للمعزين ونحن نتبادل العزاء : لقد مات ناجي لا اليوم بل في التطهير .

ـــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(أبولو) : عكاظ الشعر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) جماعة أبولو : جماعة تبنت الرومانسية منهجاً وكان هدفها تطوير القصيدة الشعرية والتجديد فى بنائها الفنى والقضاء على الصنعة والتكلف الذى ساد قبلاً .. وقد استوحت اسمها من الاله الإغريقية أبولو التى تعنى بالتنمية الحضارية ومحبة الفلسفة واعتماد المبادىء الدينية والخلقية .. والفضل في إنشاء المدرسة يعود إلى الشاعر الأديب أحمد زكي أبي شادي (1892 ـ 1955م)  الذى أعلن ميلادها في القاهرة في شهر سبتمبر عام 1932م، وصدرت عنها مجلة تحمل اسمها (مجلة أبولو) بهدف نشر أدب وأفكار وآراء المنتسبين لها .. وقد حيا أمير الشعراء أحمد شوقي الجماعة  والمجلة بقوله :

أبولُّلو، مَرْحباً بِكِ يا أبولو /  فإنكِ من عُكاظِ الشِّعرِ ظِلُّ

عُكاظُ، وأنتِ للبلغاءِ سُوقٌ / على جنباتِها رحلوا وحَلُّوا

عَســـى تأتينَنَا بمعلقاتٍ  / نروحُ علــى القديـمِ بها نُـدِلُّ

لعلّ مواهباً خِفيتْ وضاعَتْ  / تُذاعُ على يَدَيْكِ وتُسْـتغَلُّ

 

 (3) عاش ناجى في بلدته (المنصورة) أول حياته .. وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفى  .. ورغم أنه لم يستقر بها طويلاً إلا أنه عاد لزيارتها فوجدها غير ما كانت  فكتب فيها

قصيدة عنوانها (المنصورة) قال فيها :

بــاي معجــــزة فـــي الحـــب نتفــــقُ

يا قلب لا يتلاقــى الفجــرُ والغســـقُ

يـا قـلب انــا لقينـا اليــومَ معجـــــــزةً

تكـــــــادُ فـي ظلمــاتِ الليـــل تأتلقُ

ظللتُ أسأل نفســي كيف تعشـــــــقها

بقيـةٌ مــن بقايــا العمـــرِ تحتـــــرقُ

وافيتُـهــا وفلــول النـــــور داميـــــــة

تطفــــو وترســب أو تعلــو فتعتلــقُ

لــم أدر حيـن تبـدتْ لــي إذا شــفقــي

ابصرته أو على المنصورة الشـفقُ؟

يا مـن منحت الأماني البيض معــذرة

انـي بهـذي الأمانــي البيض أختنــقُ

أيـن الهــدوء المرجى فــي جوانبهــا

انـــي رجعـت وليلــــي كلـــــــه أرقُ

أقبلـتُ أنشـــد أمنـا فـي هــواك بهـــا

فلـــــم أنـــل وتولــى قلبــي الفــــرقُ

لا بالقـلــوب ولا الأرواح يا أملــــــي

إنَّــا بشــــــيءٍ وراءَ الـروحِ نعتنـــقُ

ويحـي علــى كفـكِ البيضاء إذ بسطتْ

عند الســـلام وويحـي حين تنطــــبقُ

هـل يســمع النيــــلُ إذ ســرنا بجانبـهِ

والمــوجُ مجتمــعٌ فيــه ومفتــــــرقُ

صـوتاً تمـاوجَ فــي روحــي فجاوبـــه

من جانب القلبِ موجٌ راح يصطفــقُ

تظـــل تنـهبُ اذنــي مـــن أطايبـــــــه

كـأنهـا مـن خفايـا الغيبِ تســــــترقُ

يا جنــــــة مــن جنــان اللـه أعبدهــا

لــن تبعـدي ولـدي الســـحر والعبـقُ

ــــــــــــــــــــــــــــــ

القصيدة التى خلدته

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(4)  المؤكد أن ناجى لم يكتب قصيدة الأطلال دفعة واحدة بدليل أنه  نشرها مجزأة بالمجلات، ومنها مجلة الرسالة ومجلة الهلال ومجلة الحديث التي كانت تصدر في حلب بسوريا إلى أن اكتملت ، ثم غنتها بعد ذلك أم كلثوم عام 1966 وحينئذ راحت تتبارى كل ممثلة مشهورة بالتصريح حيناً والتلميح أحياناً بأنها هى  المقصودة بالقصيدة والملهمة وحدها لا غيرها ! .... نص (ملحمة الأطلال) للشاعر الدكتور ابراهيم ناجى :

يا فؤادي، رحم الله الهــوى

كان صرحا من خيال فهـــوى

اسقني واشرب على أطلاله

وارو عني، طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسـى خبراً

وحديثاً من أحاديث الجـــــــوى

وبســــاطاً من ندامى حلــــم

هم تواروا أبداً، وهو انطـــوى

***

يا رياحاً، ليس يهدا عصفها

نضب الزيت ومصباحي انطفا

وأنا أقتات مــن وهــم عفـــا

وأفي العمـــر لناس ما وفـــــى

كم تقلبت علـــــــــى خنجــره

لا الهوى مال، ولا الجفن غفـا

وإذا القلب - على غفرانـــــه -

كلما غـــار بـــه النصـــل عفــا

***

يا غراماً كان مني في دمي

قدراً كالموت، أو في طعمه

ما قضينا ساعة في عرسه

وقضينا العمــر فـي مأتمــه

ما انتزاعي دمعة من عينه

واغتصابي بسمه من فمـــه

ليت شعري أين منه مهربي

أين يمضي هارب من دمه ؟

***

لست أنساك وقد ناديتني

بفــم عذب المناداة رقيــــــق

ويد تمتد نحوي، كيد من

خلال الموج مدت لغريـــــق

آه يا قبلـــة أقدامـــي، إذا

شكت الأقدام أشواك الطريق

وبريقاً يظمأ السـاري له

أين في عينيك ذياك البريق ؟

***

لست أنساك، وقد أغريتنـي

بالذرى الشــم،فأدمنت الطموح

أنت روح في سمائي، وأنـا

لك أعلــو، فكأني محض روح

يا لهـــا مــن قمم كنـــا بهـا

نتلاقــى، وبســـــــرينا نبـــوح

نستشف الغيب من أبراجها

ونرى الناس ظلال في السفوح

***

أنت حسن في ضحاه لم يزل

وأنا عنـــدي أحزان الطفل

وبقايا الظل من ركب رحـــل

وخيوط النور من نجم أفل

ألمح الدنيا بعيني ســــــــــئم

وأرى حولي أشباح الملل

راقصـات فوق أشلاء الهوى

معولات فوق أجداث الأمل

***

ذهب العمر هباء، فاذهـبي

لم يكن وعدك إلا شبحــــــــــا

صفحة قد ذهب الدهر بها

أثبت الحب عليها ومحــــــــــا

انظري ضحكي ورقصــــي

فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحـــــــا

ويراني الناس روحا طائراً

والجوى يطحنني طحن الرحى

***

كنت تمثال خيالي، فهوى

المقاديـــــر أرادت لا يــــدي

ويحها، لم تدر ماذا حطمت

حطمت تاجي، وهدت معبدي

يا حياة اليائس المنفرد

يا يبابـــــاً ما بــــه من أحــد

يا قفاراً لافحات ما بها

من نجــي، يا ســــكون الأبد

***

أين من عيني حبيب ساحر

فيــه نبـــل وجلال وحيـــــاء

واثق الخطوة يمشي ملكاً

ظالم الحسن، شهي الكبرياء

عبق السحر كأنفاس الربى

ساهم الطرف كأحلام المساء

مشرق الطلعة، في منطقه

لغة النـــــور، وتعبير السماء

***

أين مني مجلس أنت بـــه

فتنة تمت سناء وسـنى

وأنــا حـــب وقلــــب ودم

وفـراش حائر منك دنـا

ومن الشوق رسول بيننا

ونديم قدم الكــأس لنـــا

وسقانا، فانتفضنا لحظة

لغبار آدمي مســـــــنا !

***

قد عرفنا صولة الجسم التي

تحكم الحي، وتطغى في دماه

وسمعنا صرخة في رعدها

ســــــوط جلاد، وتعذيب إلـــه

أمرتنا، فعصينا أمرها وأبينا

الـــــذل أن يغشــــى الجبـــــاه

حكم الطاغي، فكنا في العصاة

وطــــردنا خلف أسوار الحياه

***

يا لمنفيين ضلا في الوعور

دميا بالشوك فيها والصــــخور

كلمــا تقســو الليالي، عرفا

روعة الآلام في المنفى الطهور

طردا من ذلك الحلم الكبيــــر

للحظوظ السود، والليل الضرير

يقبسان النور من روحيهما

كلما قد ضـــنت الدنيـــا بنــــور

***

أنت قد صيرت أمري عجبا

كثرت حولي أطيار الربى

فإذا قلــــت لقلبـــي ســـاعة

قم نغــرد لسوى ليلى أبى

حجب تأبـــــى لعينــي مأربا

غير عينيــــــك، ولا مطلبا

أنت من أســــدلها، لا تدعي

أنني أسـدلت هذي الحجبا

***

ولكم صــاح بي اليأس انتزعها

فيرد القدر الساخر : دعــها

يا لها من خطة عمياء، لو أنني

أبصـــــــــــر شيئاً لم أطعها

ولــــي الويـــــل إذا لبيتهـــــــــا

ولــــي الويــــل إذا لم أتبعها

قد حنت رأسـي، ولو كل القوى

تشتري عزة نفسي، لم أبعها

***

يا حبيباً زرت يوماً أيكـــه

طائر الشوق، أغني ألمي

لك إبطاء الدلال المنعــــم

وتجني القادر المحتكـــــم

وحنيني لك يكوي أعظمي

والثواني جمرات في دمـي

وأنــا مرتقب في موضعي

مرهف السمع لوقع القــدم

***

قدم تخطو، وقلبـي مشـــــــبه

موجـة تخطو إلى شاطئها

أيها الظـــالم : بالله إلـى كــــم

أسفح الدمع على موطئها

رحمه أنت، فهل مــن رحمــــة

لغريب الروح أو ظامئهـــا

يا شفاء الروح، روحي تشتكي

ظلم آسيها، إلى بارئهـــــا

***

أعطني حريتي واطلق يـــــــديّ

إنني أعطيت ما استبقيت شيّ

آه من قيدك أدمى معصمــــــــي

لم أبقيه، وما أبقى علـــــــي ؟

ما احتفاظي بعهود لم تصنهـــــا

وإلام الأسر، والدنيا لـــــدي !

ها أنا جفت دموعي فاعف عنها

إنهــــــا قبلك لم تبذل لحـــــي

***

وهب الطائر من عشــــك طارا

جفت الغدران، والثلـج أغارا

هذه الدنيا قلـــــوب جمـــــــدت

خبت الشعلة، والجمر توارى

وإذا ما قبس القلــــب غـــــــدا

من رماد، لا تسله كيف صارا

لا تسل واذكر عذاب المصطلي

وهـو يذكيه فـــــلا يقبس نارا

***

لا رعى الله مساء قاســــياً قد

أراني كل أحـلامي ســـــــدى

وأراني قلب من أعبده ساخراً

من مدمعي ســــــــــخر العدا

ليت شعري، أي أحداث جرت

أنزلت روحك سجناً موصدا!

صدئت روحــك في غيهبهــــا

وكذا الأرواح يعلوها الصــــدا

***

قد رأيت الكون قبراً ضيقاً -خيم اليأس عليه والسكوت

ورأت عيني أكاذيب الهــوى

واهيــــات كخيوط العنكبوت

كنت ترثي لي، وتدري ألمي

لو رثى للدمع تمثال صموت

عند أقدامك دنيا تنتهــــــــــي

وعلى بابــك آمــال تمـــــوت

***

كنت تدعوني طفلا، كلمــــــا

ثار حبي، وتندت مقلي

ولك الحق، لقد عاش الهوى

في طفلا، ونما لم يعقل

وأرى الطعنة إذ صوبتها

فمشت مجنونة للمقتـل

رمت الطفل، فأدمت قلبه

وأصابت كبرياء الرجل

***

قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا

عجلي لا ينفع الحزم وئيـــــــــــدا

ودعــــي الهيكـــل شبت نـــاره

تأكـــل الركع فيه والســــــــجودا

يتمنــى لـــي وفائـــي عــــودة

والهوى المجروح يأبى أن نعودا

لي نحـــــو اللهب الذاكـــــي به

لفتة العود إذا صـــــــار وقــــودا

***

لست أنس أبداً ساعة في العـمـــــــــــر

تحت ريح صفقت لارتقاص المطــــــــــــر

نوحــــت للذكــــر وشــــــكت للقمـــــر

وإذاما طــــــربت عربدت فـــي الشـــــجر

هاك ما قد صبت الريــــح بأذن الشاعر

وهي تغري القلب إغـراء الفصيـح الفاجر

أيها الشاعر تغفو تذكر العهد وتصـحو

وإذا ما التـــام جرح جـــــد بالتذكار جرح

فتعلم كيف تنســــــى وتعلم كيف تمحو

أو كـل الحب في رأيـك غفـران وصـــفح ؟

***

هاك فانظر عدد الرمـــــل قلوباً ونســـاء

فتخير ما تشاء ذهب العمر هبـــــــــــاء

ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماء

أي روحانية تعـــــصر من طين وماء؟ "

***

أيها الريح أجل، لكنما هـــي

حبـــــي وتعلاتــــــي ويأســـــــي

هي في الغيب لقلبي خلقــــت

أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي

وعلى موعدها أطبقت عيني

وعلى تذكارها وسدت رأســــــــي

***

جنت الريح ونادتــــــــــه شياطين الظلام

أختاماً ! كيف يحلو لك في البدء الختام ؟

يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح حبيباً نكأة

هو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي بهذا نبأه

أيها الجبار هل تصــــــــرع من أجل امرأه ؟

***

يا لها من صـيحة ما بعثــت

عنــده غيــــر أليــم الذكــر

أرقت في جنبه، فاســتيقظت

كبقايا خنجـــر منكســـــــر

لمـــع النهــــر وناداه لـــــه

فمضى منحـــدرا للنهــــــر

ناضب الزاد، وما من ســفر

دون زاد غير هذا الســـفر

***

يا حبيبي كل شيء بقضـــاء

ما بأيدينا خلقنــا تعســـاء

ربمـا تجمعنا أقدارنـــــا ذات

يوم بعدما عــز اللقـــــــاء

فـــــإذا أنكــــر خـــل خلــــه

وتلاقينا لقــاء الغربـــــــاء

ومضـــى كـــل إلـــي غايتــه

لا تقل شئنا لكن الحظ شاء  

***

يا مغني الخلد، ضيعت العمر

في أناشــيد تغنـى للبشــــر

ليس في الأحياء من يسمعنا

ما لنا لســــنا نغني للحجر !

للجمادات التي ليســت تعي

والرميمات البوالي في الحفر

غنها، سوف تراها انتفضت

ترحم الشــادي وتبكي للوتر

***

يا نـــــداء كلمـــا أرســـلته

رد مقهـــوراً وبالحظ ارتطـم

وهتافــــاً من أغاريد المنى

عاد لي وهو نواح ونــــــــدم

رب تمثـــال جمال وســــنا

لاح لي والعـــيش شجو وظلم

ارتمى اللحن عليـه جاثيـــاً

ليس يـدري أنه حســـن أصم

***

هــــدأ الليــل ولا قلــب لــه

أيها الســــاهر يدري حيرتك

أيها الشــاعر خـذ قيثارتــك

غن أشجانك واســكب دمعتك

رب لحــن رقص النجـم لــه

وغزا الســـــحب وبالنجم فتك

غنه، حتى ترى ستر الدجى

طلــع الفجـــر عليه فانهتـــك

***

وإذا ما زهــــرات ذعـــرت

ورأيت الرعب يغشـــــى قلبها

فترفق واتئد واعزف لهـــا

من رقيق اللحن وامسح رعبها

ربما نامت على مهد الأسى

وبكت مســــتصرخات ربهـــــا

أيها الشــاعر، كم من زهرة

عوقبت، لم تـدر يوماً ذنبهــا !

ــــــــــــــ

المصادر

ــــــــــــــ

 

* موسوعة ويكيبديا (الموسوعة الحرة)

* (أطباء لكنهم شعراء) لعلاء الدين محمد

* (جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث) لعبدالعزيز الدسوقي

* (الأعمال الكاملة للشاعر ابراهيم ناجى) عن المجلس الأعلى للثقافة

* مقال(الشاعرابراهيم ناجى) للكاتبة صافيناز كاظم منشوربجريدة الشرق الأوسط  بتاريخ 6  سبتمبر 2007

* حوار مع ابنته (أميره ابراهيم ناجى) ـ  لمحمد عبد الرحمن / منشور بجريدة الرياض بتاريخ 4/12/2003

* مقال (شاعر الأطلال رائعته ورائعة أم كلثوم‏) ‏د‏.‏ نعمات أحمد فؤاد / منشور بجريدة الأهرام بتاريخ 30/3/2005

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد : الكاتب مجدى شـلبى

عضواتحاد كتاب الانترنت العرب

وعضـو اتحــاد المدونيـن العـرب

 

Reply all
Reply to author
Forward
0 new messages